تغيّر بعض الجاري 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6999


    تغيّر بعض الجاري

   (1) قد أسلفنا أن الجاري وغيره إذا تغيّر في شيء من أحد أوصافه بتمامه يحكم عليه بالنجاسة ، وطريق تطهيره كما أشرنا إليه هو أن يتصل بالمادّة بعد زوال تغيّره وأمّا إذا تغيّر بعضه فلا يخلو إما أن يتغيّر بعض الجاري في تمام قطر الماء أعني به عرضه وعمقه ، وإما أن يتغيّر في بعض قطره .

   أمّا على الأوّل : فلا ينبغي الاشكال في أن الماء المتصل بالمادّة المتقدم على المقدار المتغيّر معتصم بتمامه قليلاً كان أم كثيراً لاتصاله بالمادّة وهو ظاهر ، وأمّا الماء المتأخر عن المتغيّر بعرضه وعمقه فإن كان كراً فلا كلام أيضاً في اعتصامه وطهارته ، وعليه فالمتقدم والأخير طاهران والمتنجس هو الوسط ، وأمّا إذا كان قليلاً فهو محكوم بالانفعال لاتصاله بالنجس وهو البعض المتغيّر بعرضه وعمقه ، وعليه فالوسط والأخير محكومان بالنجاسة والمتقدم هو الطاهر . وقد تأمل صاحب الجواهر (قدس سره) في الحكم بنجاسة الماء المتأخر في هذه الصورة ـ  بعدما ضعّف الحكم بالطهارة فيه  ـ فإنه يصدق عليه عنوان الجاري واقعاً ، فلا وجه للحكم بانفعاله لأ نّه جار غير متغيّر . على أ نّا لو احتملنا عدم دخوله في عنوان الجاري فهو معارض باحتمال دخوله فيه ، فالاحتمالان يتعارضان فيتساقطان ، ويرجع معه إلى قاعدة الطهارة فيه هذا ما ذكره (قدس سره) في المقام (1) .

   والذي ينبغي أن يقال : إن الموضوع للحكم بالاعتصام ليس هو عنوان الجاري كما عرفته سابقاً وإنما حكم عليه بعدم الانفعال لأن له مادّة على ما استفدناه من صحيحة ابن بزيع ، وقد أسلفنا أن المادّة بمعنى ما يمد الماء وما منه يستمد بخروج المقدار المتحلل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 1 : 89 .

ــ[117]ــ

من الماء ، والمادّة بهذا المعنى غير متحقّقة في الماء المتأخر فإنّه لا يستمد من المادّة بوجه لانفصاله عنها فلا يصدق أ نّه ماء له مادّة فحكمه حكم الراكد فينفعل إذا كان قليلاً وهذا بخلاف الماء المتصل بالمادّة المتقدم على البعض المتغيّر ، لأ نّه يستمد من المادّة دائماً ويصدق حقيقة أن له مادّة ، فالحكم بطهارة الماء المتأخر بلا وجه .

   ثم لو فرضنا إجمال الدليل ولم نستفد من مجموع صدر الصحيحة وذيلها دوران الاعتصام مدار الاتصال بالمادّة بالمعنى المتقدم ، واحتملنا كفاية صدق الجاري على الماء في الحكم بالاعتصام ، فالمقام من أحد موارد إجمال المخصص الذي يتردد الأمر فيه في غير المقدار المتيقن بين استصحاب حكم المخصص وبين الرجوع إلى حكم العام وهو نزاع معروف ، وذلك لأن الدليل قد دلّ بعمومه على انفعال كل ماء قليل بملاقاة النجس وقد خرج عنه القليل الذي له مادّة ، وحيث إنّا فرضنا إجمال المخصص المذكور وكان المتيقن منه هو القليل الذي يستمد من مادته فلا محيص من الاقتصار عليه في الحكم بالاعتصام ، وأمّا ما لا استمداد فيه من المادّة فيدور الأمر فيه بين استصحاب حكم المخصص والحكم بعدم الانفعال ، لأ نّه قبل أن يتغيّر المتوسط منه بالنجس كان متصلاً بمادته ، وكان مشمولاً للمخصص قطعاً ، وبين الرجوع إلى عمومات انفعال القليل ، فإن رجّحنا أحدهما على الآخر فهو ، وأمّا إذا توقفنا عن ترجيح أحد الاحتمالين على الآخر فيرجع إلى قاعدة الطهارة لا محالة .

   ولعلّ صاحب الجواهر (قدس سره) يرجّح استصحاب حكم المخصص في أمثال المقام الذي لا يكون الزمان مأخوذاً فيه على وجه التقييد كما ذهب إليه جملة من الأعلام كشيخنا الأنصاري وصاحب الكفاية وغيرهما (قدس سرهم) بدعوى أن الشكّ إنما هو في حكمه بعد التخصيص لا في مقدار ما وقع عليه التخصيص أو أ نّه يتوقّف عن الترجيح ويرجع إلى قاعدة الطهارة . وحيث إنّا اخترنا في محلّه الرجوع إلى العام مطلقاً سواء اُخذ الزمان فيه ظرفاً أم على وجه التقييد ، فالمتعيّن هو الحكم بانفعال الماء المتأخر أيضاً بمقتضى عمومات انفعال القليل . والذي يسهّل الخطب عدم إجمال المخصص بوجه، لأنّ الصحيحة بصدرها وذيلها دلّت على أن المناط في الاعتصام هو اتصال الماء بالمادّة ، وهذا غير صادق على الماء المتأخر عن المتغيّر كما




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net