ما يجب على الرجل ستره حال الصلاة - ما يجب على المرأة ستره حال الصلاة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 17763


   مضافاً إلى تقييد العورة بالقبل والدبر في غير واحد من النصوص التي تقدّمت في بحث التخلي(1) فانّها وإن كانت ضعيفة لكنها كثيرة مستفيضة .

   وعن القاضي تحديدها بما بين السرة والركبة(2) وعن أبي الصلاح وجوب ستر ما بين السرة إلى نصف الساق(3) .

   أمّا الأخير فلا شاهد عليه أصلاً ، إذ لم ترد به ولا رواية ضعيفة . ولعلّه يريد ما ذكره القاضي ، والزيادة من باب المقدمة العلمية ، لكنّها تحصل بما دون ذلك من ثلث الساق أو ربعه ، بل أقل بمقدار يحرز معه ستر الركبة كما لا يخفى .

   وأمّا تحديد القاضي ، فان أراد تفسير العورة بذلك مطلقاً ولو في غير حال الصلاة فيردّه خروج ذلك عن مفهوم العورة عرفاً كما عرفت ، والروايات الواردة في تفسيرها وأنّها القبل والدبر دافعة لذلك كما مرّ . فلا دليل على هذا التحديد .

   نعم ، ورد ذلك في موثقة الحسين بن علوان الواردة في نظر الرجل إلى عورة أمته المزوّجة من قوله : «والعورة ما بين السرة والركبة» التي تقدمت الإشارة اليها سابقاً(4) لكن ذلك ليس تحديداً لمطلق العورة ، بل لخصوص عورة النساء السابق ذكرها في كلام الإمام (عليه السلام) ، لأنّ المعرّف المكرّر لا يراد بالثاني إلا الأوّل كما مرّ(5) فلا ينبغي الإشكال في جواز النظر إلى ما عدا القبل والدبر .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة 4 : 321 .

(2) المهذب 1 : 83 .

(3) الكافي في الفقه : 139 .

(4) في ص 82 .

(5) في ص 84 .

ــ[94]ــ

   ويؤيّده : صحيح علي بن جعفر (عليه السلام) في كتابه عن أخيه موسى (عليه السلام) قال : «وسألته عن الرجل يكون ببطن فخذه أو أليته الجرح هل يصلح للمرأة أن تنظر إليه وتداويه ؟ قال : إذا لم يكن عورة فلا بأس»(1) . وقوله (عليه السلام) : «إذا لم يكن عورة» أي إذا لم يقع نظره على العورة ، أو إذا لم يكن الجرح في العورة ، وأمّا الفخذ نفسه فقد جوّز (عليه السلام) النظر إليه .

   وقد نقل في الجواهر(2) ومصباح الفقيه(3) هذه الصحيحة عن قرب الإسناد وهو اشتباه ، فانّها غير مذكورة فيه ، بل هي في كتاب علي بن جعفر كما نقلها عنه في الوسائل فلاحظ .

   وإن أراد تفسير الستر الصلاتي بذلك مع الاعتراف بعدم كونه من العورة في غير حال الصلاة فلا شاهد عليه أيضاً .

   نعم ، ربما يستأنس لذلك بصحيح رفاعة ، قال : «حدّثني من سمع أباعبدالله (عليه السلام) عن الرجل يصلّي في ثوب واحد متزراً به ، قال : لا بأس به إذا رفعه إلى الثندوتين»(4) .

   وخبر سفيان بن السمط عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «الرجل إذا اتزر بثوب واحد إلى ثندوته صلّى فيه»(5) . والثندوة للرجل بمنزلة الثدي للمرأة .

   لكنّهما لا يصلحان للاستدلال لضعف السند . أمّا الأوّل فلأنّه وإن كان صحيحاً إلى رفاعة لكنّه يرويها مرسلة . وأمّا الثاني فمن جهة أحمد بن عبديل وسفيان ابن السمط ، فانّهما مجهولان لم يتعرّض لهما في كتب الرجال ، هذا .

   مضافاً إلى ما في غير واحد من الروايات من جواز الصلاة في السراويل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 20 : 233 / أبواب مقدمات النكاح وآدابه ب 130 ح 4 ، مسائل علي بن    جعفر : 166 / 269 .

(2) الجواهر 8 : 183 .

(3) مصباح الفقيه (الصلاة) : 153 السطر 20 .

(4) الوسائل 4 : 390 / أبواب لباس المصلي ب 22 ح 3 .

(5) الوسائل 4 : 391 / أبواب لباس المصلي ب 22 ح 5 .

ــ[95]ــ

والواجب ستر لون البشرة (1) ، والأحوط((1)) ستر الشبح الذي يرى من خلف الثوب من غير تميز للونه ، وأما الحجم ـ أي الشكل ـ فلا يجب ستره .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وحدها ، التي منها صحيح محمد بن مسلم(2) مع أنّ السروال يشدّ من السرّة أو ما دونها ، ولعل الغالب هو الثاني ، فلو كان الواجب الستر من السّرة لم يتجه تجويز الصلاة في السروال وحده على الإطلاق وإن شدّ مما دون السرّة ـ على ما تقتضيه هذه النصوص ـ الذي هو الغالب فيها كما عرفت .

   (1) بلا إشكال ، فانّه المتيقن من الأخبار . ويلحق به الشبح ، وهو ما ترى معه العين من دون تشخيص للون ، كما لو كانت العورة مستورة بثوب رقيق جداً يحكي ما تحته ـ كالنايلون ـ فانّها غير مستورة حينئذ لتعلق النظر إليها بشخصها ، إذ لا يعتبر في صدق النظر إلى الشيء تشخيص لونه قطعاً ، فانّ من نظر إلى جسم من خلف زجاجة غليظة أو خفيفة ملوّنة أو بتوسط نظّارة ملوّنة يصدق عرفاً أنّه نظر إليه حقيقة ، لتعلّق النظر إليه بذاته وإن لم يميّز لونه الواقعي الذي هو عليه ، لعدم دخل ذلك في صدق النظر كما عرفت ، فيجب ستر الشبح كالعين .

   وأمّا الحجم أعني شكل ا لعورة وهيئتها كما لو سترها بساتر غليظ لا تبدو معه البشرة ولا اللّون لكن الهيئة الخاصة والحجم المخصوص مشهود ، على نحو يقبل حدوده للوصف من جهة انعكاس الأشعة النورية الفاصلة بين الناظر والعورة ، وأوضح حالاً ما لو سترها بخصوصها بخرقة أو طين أو كاغذ ونحوها ، فهل يجب ستر مثل ذلك أيضاً أو لا ؟

   الظاهر الثاني ، بل لا ينبغي الإشكال فيه ، لعدم كون العورة مكشوفة حينئذ ، إذ لم يتعلّق بها النظر ، ولذا لا علم بكونها عورة من ناحية حسّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يترك .

(2) الوسائل 4 : 390 / أبواب لباس المصلي ب 22 ح 2 .

ــ[96]ــ

   وأما المرأة فيجب عليها ستر جميع بدنها (1) حتى الرأس والشعر .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

البصر ، لجواز كونها شيئاً آخر بهذا المنظر ، وإنّما يعلم بأنّها عورة من جهة القرائن الخارجية ، فهي بنفسها غير مبصرة ولا مرئية ، وإنّما يرى شيئاً شبيهاً بالعورة ، فلا يجب في مثله الستر .

   ويؤيده : خبر عبيد الله الرافقي ـ في حديث ـ «أنّه دخل حماماً بالمدينة فأخبره صاحب الحمام أنّ اباجعفر (عليه السلام) كان يدخله فيبدأ فيطلي عانته وما يليها ثم يلفّ إزاره على أطراف إحليله ويدعوني فاُطلي سائر بدنه ، فقلت له يوماً من الأيام : إنّ الذي تكره أن أراه قد رأيته ، قال : كلا ، إنّ النورة ستره»(1) فانّه وإن كان ضعيفاً سنداً لجهالة الرافقي ، وكذا متناً ، إذ من البعيد جداً أنّ الإمام (عليه السلام) يفعل كذلك ، لكنّه لا يخلو عن التأييد .

   (1) والمراد بها الحرة . وأمّا الأمة فسيجيء الكلام فيها(2) .

   ولا إشكال كما لا خلاف في وجوب ستر بدنها في الجملة ، لجملة وافرة من النصوص(3) وفيها الصحاح وغيرها كما لا تخفى على المراجع .

   وما عن ابن الجنيد من مساواتها مع الرجل في العورة الواجب سترها في الصلاة(4) ساقط جداً ـ على تقدير صدق النسبة ـ إذ لم ترد به ولا رواية ضعيفة ، ولا حكي القول به عن أحد ، فهو شاذ مطروح .

   إنّما الكلام في مواضع :

   منها : الرأس فانّ المشهور وإن ذهبوا إلى وجوب ستره ، بل لا خلاف فيه من أحد ـ عدا ابن الجنيد كما عرفت ـ للتصريح به في تلك النصوص المشار إليها آنفاً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 53 / أبواب آداب الحمام ب 18 ح 1 .

(2) في ص 107 المسألة 1259 .

(3) الوسائل 4 : 405 / أبواب لباس المصلي ب 28 وغيره .

(4) حكاه عنه في المختلف 2 : 114 .

ــ[97]ــ

   إلا أنّ مقتضى موثقة ابن بكير عدم الوجوب ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : لا بأس بالمرأة المسلمة الحرة أن تصلّي مكشوفة الرأس»(1) .

   ونحوها روايته الاُخرى عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : لا بأس أن تصلّي المرأة المسلمة وليس على رأسها قناع»(2) .

   والعمدة هي الاُولى . وأمّا الثانية فضعيفة السند بأبي علي بن محمد بن عبدالله ابن أبي ايوب ، فانّه مجهول .

   ومن الغريب ما عن المحقق في المعتبر ـ على ما حكاه في الحدائق عنه(3) ـ من رمي الاُولى بالضعف من جهة عبدالله بن بكير ، فانّ الرجل وإن كان فطحياً لكن الأصحاب لم يعاملوا مع الفطحية معاملة سائر المذاهب الفاسدة ، بل كثيراً ما يعبّرون عن بعضهم ـ ومنهم الرجل نفسه ـ بالعدل الثقة ، والسرّ أنّهم لا يفترقون عن الإمامية الاثني عشرية سوى الانحراف بامامة عبدالله الإفطح خلال ستة أشهر ثم عدلوا إلى الحق ، حتى أنّ العلامة الذي لم يعمل إلا بروايات الشيعة الاثني عشرية كان يعمل بروايات الفطحية(4) . على أنّ ابن بكير من أصحاب الإجماع كما ذكره الكشي(5) وغيره ، فالنقاش في سند الرواية من جهته من غرائب الكلام .

   وكان الأولى للمحقق أن يناقش فيه من جهة محمد بن عبدالله الأنصاري ، فانّه بهذا العنوان لم يوثق ، وإنّما وثّقوا محمد بن عبدالله بن غالب الأنصاري . لكن الظاهر أنّ المراد بهما واحد ، لاتحاد الطبقة ومن يروي عنه ومن يروي هو عنه فلاحظ . وكيف كان ، فلا ينبغي التشكيك فيها من حيث السند .

   وأمّا الدلالة فهي ظاهرة ، بل صريحة في جواز صلاة الحرة مكشوفة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 4 : 410 / أبواب لباس المصلي ب 29 ح 5 ، 6 .

(3) الحدائق 7 : 12 .

(4) [كما صرح في موراد منها ما في الخلاصة : 195 / 609] .

(5) رجال الكشي : 375 / 705 .

ــ[98]ــ

الرأس . ومن هنا وقع الأصحاب في كيفيّة الجمع بينها وبين النصوص المتقدمة ـ الدالّة على وجوب ستر الرأس ـ في حيص وبيص .

   فحملها الشيخ (قدس سره)(1) تارة على الصبية . وهو كما ترى ، للتصريح فيها بالمرأة غير الصادقة على الصغيرة بالضرورة .

   واُخرى على حال الضرورة . وهذا أيضاً أبعد من سابقه ، إذ ـ مضافاً إلى عدم اختصاصه حينئذ بالرأس ، لجواز الكشف عن كلّ جزء من البدن ، بل عن جميعه لدى الاضطرار بلا إشكال ـ يردّه : أنّه حمل تبرعي مناف لظهور الكلام جداً ، إذ ليس المنسبق منه إلى الذهن إلا إرادة حال الاختيار . وهل ترى جواز الحمل على الاضطرار فيما لو ورد مثلاً أنّ شرب الخمر حلال ، أو أنّه يطرح بلا تأمل ولا إشكال ؟

   وحملها صاحب الحدائق (قدس سره) على إرادة عدم وجوب التستر بالقناع خاصة ، فلا ينافي وجوب الستر بساتر آخر(2) . وهذا أيضاً يتلو ما تقدّمه في الضعف ، للتصريح فيها بأنّها تصلّي مكشوفة الرأس ، ولا ريب أنّ التستر بأي ساتر ولو غير القناع ينافي الكشف بالضرورة .

   فالإنصاف : أنّه لا جواب لنا عن هذه الموثّقة ، ولا مناص عن الاعتراف باستقرار المعارضة بينها وبين النصوص المتقدمة بعد تعذر الجمع ـ في خصوص المقام ـ بالحمل على الاستحباب  ، لما في بعض تلك النصوص ما يأبى لسانه عن الحمل عليه ، وهي صحيحة زرارة ، قال : «سالت أباجعفر (عليه السلام) عن أدنى ما تصلي فيه المرأة ، قال : درع وملحفة فتنشرها على رأسها وتجلّل بها»(3) فانّ السؤال عن أقل الواجب وأدنى ما يجزئ عنه ، وقد اعتبر (عليه السلام) في الجواب ستر الرأس ، فكيف يحمل على الاستحباب .

   فالمعارضة مستقرة والمعالجة متعذرة ، فلا مناص من طرح الموثقة ، لعدم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التهذيب 2 : 218 / ذيل ح 858 .

(2) الحدائق 7 : 12 .

(3) الوسائل 4 : 407 / أبواب لباس المصلي ب 28 ح 9 .

ــ[99]ــ

صلاحيّتها للمقاومة مع تلك النصوص المستفيضة بل المتواترة إجمالاً ، لعدم المجازفة في دعوى القطع بصدور بعضها إجمالاً ، فتكون تلك النصوص من المشهورات ومن قبيل بيّن الرشد وهذه من الشاذ النادر المأمور بطرحه والأخذ بالمشهور .

   ومنها : الشعر ، فقد اختلفت كلمات الأصحاب في استثنائه ، حيث لم يرد بذلك نص بالخصوص فأثبته جمع ومنعه آخرون ، وتوقف فيه ثالث . لكن الظاهر وجوب ستره ، لا لتبعية الشعر للرأس ـ الواجب ستره ـ كي يستشكل بعدم جريانه في الشعر الطويل لاختصاص التبعية بالقصير ، بل لاستفادة ذلك من نفس الأخبار الدالّة على وجوب ستر الرأس ، التي منها صحيحة زرارة المتقدمة آنفاً وغيرها(1) فانّ بشرة الرأس بنفسها متسترة بالشعر ـ إلا ما شذ ممن لا ينبت على رأسه الشعر الملحق بالعدم ـ فلا حاجة إلى الأمر بسترها وليس المقام نظير الأمر بالغسل اللازم فيه إيصال الماء إلى البشرة كما هو ظاهر .

   وعليه فالأمر بستر الرأس لا يستفاد منه إلا ستر ما ينبت عليه من الشعر الذي يكون مكشوفاً بطبعه لولا الساتر . فهذه الأدلّة تدلّنا بالمطابقة على وجوب ستر الشعر من دون حاجة إلى التماس دليل آخر .

   وأوضح رواية ـ من روايات الباب ـ تدلّ على ما ذكرناه وتؤكّده هي صحيحة زرارة المتقدمة آنفاً ، لمكان التصريح بالتجلّل الذي هو بمعنى التغطية الكاملة والاستيعاب التام ، يقال : جلّل المطر الأرض إذا عمّها وطبّقها فلم يدع شيئا إلا غطّى عليه . فالأمر بنشر الملحفة على الرأس والتجلّل بها معناه استيعاب التغطية للرأس بحيث لم تدع شعرة وإن طالت إلا وسترتها كي يكون التستر مستوعباً لجميعها ، تحقيقاً لمعنى التجلّل . وبالجملة : فالدليل الصحيح هو ما ذكرناه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 405 / أبواب لباس المصلي ب 28 .

ــ[100]ــ

   وأمّا ما قد يستدلّ به لذلك من صحيح الفضيل عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : صلّت فاطمة (عليها السلام) في درع وخمارها على رأسها ، ليس عليها أكثر مما وارت به شعرها واُذنيها»(1) ففي غير محلّه ، لتوقف الاستدلال على تمامية السند والدلالة .

   أمّا السند فمعتبر ، فانّه وإن اشتمل على محمد بن موسى بن المتوكل ، وعلي ابن الحسين السعد آبادي وهما لم يوثقا في كتب القدماء من الرجاليين ، لكن الأوّل منهما وثّقه العلامة صريحاً(2) وتوثيقه ـ على الظاهر ـ مأخوذ من توثيق شيخه السيد ابن طاووس في فلاح السائل ، فانّه (قدس سره) بعد ذكره في سلسلة سند قال : رجال السند ثقات بالاتفاق(3) . فيظهر أنّ وثاقة الرجل مورد للاتفاق ، ولا أقل من أن يكون قد وثّقه جماعة كثيرة بحيث كان مشهوراً بذلك ، وهذا المقدار كاف في الوثاقة ، إذ لا يسعنا عدم الأخذ بكلام السيد (قدس سره) مع ما هو عليه من العظمة والجلالة .

   وأمّا السعد آبادي الذي هو من مشايخ الكليني فقد صرّح ابن قولويه ـ والرجل من مشايخه أيضاً ـ في كامل الزيارات بأنّه لا ينقل في كتابه إلا عن الثقات ، فانّه لو سلّم التشكيك ـ ولا نسلّم(4) ـ في إرادة التعميم لكلّ من هو مذكور في سند الكتاب فلا نكاد نشك في إرادة خصوص مشايخه الذين ينقل عنهم بلا واسطة ، ومنهم الرجل نفسه كما عرفت ، فانّ ذلك هو المتيقّن من التوثيق .

   وأمّا فضيل ـ الراوي للحديث ـ فهو مردّد بين فضيل بن يسار وفضيل بن عثمان الأعور ، وأيّاً منهما كان فهو موثّق ، وإن لم تكن لنا قرينة على التعيين

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 405 / أبواب لباس المصلي ب 28 ح 1 .

(2) الخلاصة : 251 / 857 .

(3) فلاح السائل : 284 / 175 .

(4) وقد سلّم ، بل عدل (قدس سره) أخيراً .

 
 

ــ[101]ــ

إلا الوجه (1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لكون كلّ منهما من أصحاب الصادقين (عليهما السلام) ولا ترجيح لاحتمال أحدهما على الآخر . وكيف كان ، فالسند تام .

   إنّما الكلام في الدلالة ، وهي قاصرة ، لانحلال الرواية إلى دلالتين : عقد سلبي وهو عدم سترها (سلام الله عليها) وجهها عند الصلاة ، وعقد إيجابي وهو سترها الشعر والاُذنين .

   أمّا الأوّل فهو لا محالة يدلّ على عدم الوجوب ، لأنّها (روحي فداها) معصومة وفعلها حجة . فعدم سترها الوجه يدلّ على عدم وجوبه قطعاً ، لعدم احتمال ترك الواجب من المعصوم (عليه السلام) كما هو ظاهر .

   وأمّا الثاني ـ الذي هو مبنى الاستدلال ـ فلا دلالة فيه على الوجوب ، بل غايته الرجحان ، فانّه فعل لا لسان له ، فيحتمل الندب كالفرض ، والجامع المقطوع به هو الفضل ، فلا يدلّ على أحدهما بالخصوص . ولعلّ الباقر (عليه السلام) الحاكي لفعلها كان في مقام بيان العقد السلبي .

   ومنها : العنق ، ولا ينبغي الاشكال في وجوب ستره وإن استشكل فيه بعضهم ، فانّ الخمار والقناع المأخوذين في الأخبار يقتضي تستره كما هو ظاهر جداً .

   (1) ومنها : الوجه ، والمشهور عدم وجوب ستره ، وهو الصحيح . وما يحكى عن بعضهم من عدم استثنائه ليس بشيء فان السيرة قائمة على عدم وجوب الستر ، مضافاً إلى دلالة صحيحة الفضيل المتقدمة آنفاً عليه ، وكذا موثقة سماعة قال : «سألته عن المرأة تصلّي متنقبة ، قال : إذا كشفت عن موضع السجود فلا بأس به ، وإن أسفرت فهو أفضل»(1) . بل يستفاد من هذه أنّ السفور أفضل ، ولعلّه لذلك كانت تكشف فاطمة (عليها السلام) عن وجهها كما في صحيح فضيل المتقدم ، هذا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 421 / أبواب لباس المصلي ب 33 ح 1 .

ــ[102]ــ

المقدار الذي يغسل في الوضوء (1) . وإلا اليدين إلى الزندين والقدمين إلى الساقين (2)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ويدلّ عليه أيضاً الأخبار المتضمنة أنّها تصلّي في درع ومقنعة وخمار(1) فانّ شيئاً من ذلك بحسب طبعه لا يقتضي ستر الوجه كما هو واضح .

   (1) وأمّا تحديد الوجه ، فلا ريب في عدم وجوب سترها الوجه الوضوئي ـ أعني ما دارت عليه الوسطى والإبهام ـ فانّه المتيقّن من دليل الجواز ، بل إنّ الوجه في المقام أوسع من ذلك . أمّا من ناحية العرض فلما تضمنه صحيح فضيل من أنّها (عليها السلام) إنّما سترت رأسها إلى حدّ الاُذن ، فما بين الاُذن إلى جانب الخدّ الذي تدور عليه الإبهام كان مكشوفاً . وكذا من ناحية الطول فانّ ما تحت الذقن ليس من الوجه الوضوئي ، ومع ذلك لم تستره الزهراء (عليها السلام) مع أنّ الخمار والمقنعة أيضاً لا يقتضي ستره .

   (2) على المشهور ، بل إجماعاً كما أفاده غير واحد . ولكن صاحب الحدائق استشكل فيه ، نظراً إلى أنّ الدليل على الاستثناء إنّما هو خصوص الاكتفاء بالدرع والخمار والمقنعة ونحوها ، بدعوى أنّها لا تستر اليدين والقدمين ، مع أنّ من الجائز أن تكون دروعهن في تلك الأزمنة واسعة الأكمام طويلة الذيل كما هو المشاهد الآن في نساء أهل الحجاز ، بل أكثر بلدان العرب ، فانّهم يجعلون الأقمصة واسعة الأكمام مع طول زائد بحيث يجرّ على الأرض(2) . ففي مثله يحصل ستر الكفين والقدمين .

   وفيه أولاً : أنّ هذه المناقشة إنّما تتجّه لو كان لدينا دليل يدل على لزوم ستر جميع البدن وحاولنا تخصيصه بهذه النصوص ، فيورد عليه بعدم إحراز كون الدروع في تلك القرون بمثابة ينافي الإطلاق ليستوجب الخروج عنه ، وليس

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 405 / أبواب لباس المصلي ب 28 .

(2) الحدائق 7 : 8 .

ــ[103]ــ

الأمر كذلك ، فانّ الدليل على لزوم الستر لم يكن إلا نفس هذه النصوص ، وحينئذ فيمكن قلب الدعوى فيقال إنّ مقتضى الاطلاق في هذه الأخبار الاكتفاء بكلّ ما صدق عليه الدرع والخمار سواء أستر اليدين والقدمين أم لا .

   ومع الغض فتكفينا أصالة البراءة عن وجوب ستر الزائد على المقدار المتيقن مما يسترانه ، وهو ماعدا اليدين والقدمين .

   وثانياً : أنّ ما ادّعاه (قدس سره) من توسعة الأكمام وطول الذيول إنّما ينفع لو كانت كذلك من جميع الأطراف كي يتحقق به ستر باطن اليدين والقدمين وظاهرهما ، وهذا من البعد بمكان ، إذ مقتضاه أن لا تتمكن المرأة من العمل في بيتها ولا الخروج منه ، لتعسر المشي عليها كما لا يخفى .

   بل الظاهر أنّها كانت واسعة الأكمام من طرف واحد وهو الذي يلي باطن الكف ، كما أنّ طول الذيل كان من الخلف فقط كما هو المشاهد في نساء أهل الحجاز وغيرهن ، ومن الواضح أنّ مثل ذلك لا يكون ساتراً لظاهر اليدين ولا القدمين ، بل يكونان مكشوفين .

   وثالثاً : سلّمنا التوسعة والطول من جميع الجوانب إلا أنّا لا نسلّم أن جميعها كانت كذلك ، بل إنّ بعضها كانت كما ذكرناه ، ولا سيما التي كانت تستعمل في البيوت لا عند الخروج ، ولا ريب أنّ إطلاق كفاية الدرع ـ الوارد في النص ـ يشمل الجميع . إذن فما عليه المشهور هو الصحيح ، هذا .

   وربما يفصّل بين اليدين والقدمين ويدّعى اختصاص الاستثناء بالأول ويقتضيه ظاهر عبارة المحقق في الشرائع حيث قال (قدس سره) : عدا الوجه والكفين وظاهر القدمين ، على تردّد في القدمين(1) .

   ويستدلّ له بأنّ مقتضى نصوص الاكتفاء بالدرع والخمار وإن كان هو عموم الاستثناء كما سبق إلا أنّ صحيحة علي بن جعفر تدلّ بالمفهوم على لزوم ستر القدمين : «عن المرأة ليس لها إلا ملحفة واحدة كيف تصلي ؟ قال : تلتف فيها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الشرائع 1 : 83 .

ــ[104]ــ

ظاهرهما وباطنهما (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وتغطي رأسها وتصلي ، فان خرجت رجلها وليس تقدر على غير ذلك فلا بأس»(1) فانّ مفهومها وجوب ستر الرجل مع القدرة .

   ويندفع : بعدم كونه بصدد التحديد وبيان ما يجب ستره ممّا لا يجب ، وإلا لما عبّر بالرجل الشامل للساق الواجب ستره بلا إشكال . على أنّ إناطة الوجوب بالقدرة لم يكن مختصاً به ، بل يعم جميع أجزاء البدن ، حتى أنّها تصلّي عارية إذا لم تجد ساتراً رأساً .

   بل الظاهر أنّ السائل لما فرض أنّها لم تكن عندها إلا ملحفة واحدة وبطبيعة الحال لا تكفي لستر تمام البدن بحيث دار الأمر بين أن تصلي مكشوفة الرأس أو مكشوفة الرجل حكم (عليه السلام) حينئذ بتقديم الثاني ، فلا ربط لها إذن بمحل الكلام لتدلّ على التفصيل المزبور .

   (1) لشمول الدليل لهما . ويقتضيه إطلاق كلمات الأصحاب ، بل وتنصيص بعضهم بالتعميم .

   نعم ، خصه جماعة بظهر القدمين ، ويستدل له بقصور الدليل ـ أعني نصوص الاكتفاء بالدرع والخمار ـ عن الشمول لباطن القدم ، نظراً إلى أنّه مستور دائماً وفي جميع حالات الصلاة ، إمّا بالأرض كما في حالتي القيام والركوع ، أو بالثوب كما في حالتي الجلوس والسجود ، ومن الواضح أنّ مورد الاستثناء عن وجوب الستر ما من شأنه التستر ويكون صالحاً له كظاهر الكف وباطنه وظاهر القدم لا ما هو غني عنه ومستور بنفسه ، فانّ الدليل منصرف عن مثله كما لا يخفى .

   ويندفع أوّلاً : بأنّ التستر بالأرض لا يغني عن الستر الصلاتي ، فانّه يعتبر فيه ساتر خاص وهو ما يصدق عليه اللباس ، ومن ثمّ لا تكفي الصلاة في حفيرة عارياً وإن كان مستوراً عن الناظر المحترم ، وحيث لا يجب ستره

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 405 / أبواب لباس المصلي ب 28 ح 2 .

ــ[105]ــ

ويجب ستر شيء من أطراف هذه المستثنيات من باب المقدمة (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بالثوب قطعاً فلا يجب ستره رأساً .

   وأجاب المحقق الهمداني (قدس سره)(1) عن ذلك بأنّ الأرض إنّما لا تكون ساتراً صلاتياً فيما إذا كانت مستقلة في الساترية ، كما في مثال الحفيرة ، وأمّا مع الانضمام بالثوب فلا مانع من الاكتفاء بهما . ألا ترى أنّ من صلّى في قميص من دون سروال صحت صلاته بلا إشكال مع أنّ عورته من طرف التحت لم تكن مستورة إلا بالأرض ، وكذا فيما لو باشر بعض جسد المرأة للأرض حال جلوسها عليها للتشهد ، فكما أنّ ذلك لا يمنع عن صدق مستورية المجموع بالثوب فكذا في المقام .

   وفيه : أن هذا إنّما يتجه فيما إذا كان الثوب طويلاً من جميع الجوانب بحيث يستر ظاهر القدم ليكون مجموعه مستوراً بالثوب وبالأرض كما في مورد التنظير ، لكن المفروض أنّ ظاهر القدم غير لازم الستر ، لعدم كون الدروع المتعارفة التي دل النص على كفايتها طويلة الذيل . إذن فيكون الباطن مستوراً بالأرض فقط ، وقد عرفت أنّ مثل هذا الستر غير كاف في الصلاة .

   وثانياً : أنّ المستورية بالأرض ـ مع التسليم ـ إنّما تنفع ما دام القدم ثابتاً عليها وأمّا لو رفعته لحاجة فلا ستر وقتئذ . ولا شبهة أنّ الإطلاق في نصوص الاكتفاء بالدرع والملحفة ونحوهما يشمل هذه الصورة أيضاً .

   وثالثاً : أنّ باطن القدمين قد لا يكون مستوراً حالتي الجلوس والسجود ولا سيما لدى الجلوس متوركاً ، فلم يكن مستوراً في جميع حالات الصلاة .

   فتحصّل : أنّ ما ذهب إليه المشهور من التعميم للباطن والظاهر هوالصحيح .

   (1) كما هو الشأن في نظائر المقام من التحديدات الشرعية للأحكام الالزامية ، حيث إنّ الاشتغال اليقيني يستدعي براءة يقينية .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقيه (الصلاة) : 152 السطر 7 .

ــ[106]ــ

   [1256] مسألة 4 : لا يجب على المرأة حال الصلاة ستر ما في باطن الفم من الأسنان واللسان ، ولا ما على الوجه من الزينة ـ كالكحل والحمرة والسواد والحلي ـ ولا الشعر الموصول بشعرها والقرامل ، وغير ذلك (1) . وإن قلنا بوجوب سترها عن الناظر (2) .

   [1257] مسألة 5 : إذا كان هناك ناظر ينظر بريبة إلى وجهها أو كفّيها أو قدميها يجب عليها سترها (3) لكن لا من حيث الصلاة (4) فان أثمت ولم تسترها لم تبطل الصلاة (5) وكذا بالنسبة إلى حليّها وما على وجهها من الزينة ، وكذا بالنسبة إلى الشعر الموصول والقرامل في صورة حرمة النظر اليها .

   [1258] مسألة 6 : يجب على المرأة ستر رقبتها حال الصلاة (6) ، وكذا تحت ذقنها حتى المقدار الذي يرى منه عند اختمارها (7) على الأحوط((1)) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) لخلوّ النصوص عن التعرّض لشيء من ذلك ، ومقتضى الأصل عدمه .

   (2) لعدم الملازمة بين الحكم النفسي والحكم الشرطي كما هو ظاهر .

   (3) لإطلاق ما دلّ على وجوب الستر عن الناظر المحترم ، الشامل لحال الصلاة .

   (4) فانّ الوجوب المزبور نفسي لا شرطي ، وقد عرفت آنفاً عدم الملازمة بينهما .

   (5) لعدم اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضده . ومنه يظهر الحال فيما بعده .

   (6) فانّ التستر بالمقنعة والخمار والملحفة التي دلّت النصوص على الاكتفاء بها يستلزم ستر الرقبة بطبيعة الحال .

   (7) هذا لا دليل عليه ، فانّ الذي يظهر من الأخبار وجوب ستر جميع ما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الظاهر وجوب ستر جميع ما تحت الذقن لاستتاره بالخمار عادة ، وأما الزائد على ما    يستره الخمار في العادة فلا يجب ستره .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net