الصلاة في الخز الخالص - الصلاة في الخز المغشوش بوبر الأرانب والثعالب 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6347


ــ[180]ــ

   [1284] مسألة 16  : لا فرق في المنع بين أن يكون ملبوساً أو جزءاً منه ، أو واقعاً عليه أو كان في جيبه ، بل ولو في حُقة هي في جيبه (1) .

   [1285] مسألة 17  : يستثنى مما لا يؤكل الخز الخالص (2)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من شعر الإنسان ، لأصالة البراءة عن المانعية وإن كان الأحوط تركه .

   (1) تقدّم الكلام حول هذه المسألة قريباً ، ومعه لا حاجة إلى الإعادة فلاحظ(1) .

   (2) يقع الكلام تارة في الوبر المتخذ من ذلك الحيوان ، واُخرى في الجلد فهنا مقامان :

   أمّا المقام الأول : فلا إشكال كما لا خلاف في استثناء الوبر ، بل هو مورد للإجماع والاتفاق كما نصّ عليه في غير واحدة من الكلمات . والنصوص الواردة في المقام كثيرة ، إلا أنّ جملة منها غير صالحة للاستدلال ـ وإن استدلّ بها ـ وهي الحاكية لفعل المعصوم (عليه السلام) من لبسه الخز أو الصلاة فيه ونحو ذلك ، وهي كثيرة كصحيح الجعفري أنّه قال : «رأيت الرضا (عليه السلام) يصلّي في جبّة خزّ»(2) ، وعلي بن مهزيار(3) وزرارة(4) والبزنطي(5) وغيرها .

   والوجه في ذلك : أنّ الخز يطلق لغة على معاني أربعة : الحرير الخالص والمشوب بغيره من صوف ونحوه ، والثوب المتخذ من وبر الحيوان المسمّى بالخز ، ونفس ذلك الحيوان .

   أمّا المعنى الأوّل والأخير فغير مرادين من هذه الأخبار جزماً كما هو ظاهر فيدور الأمر بين الاحتمالين المتوسطين . ومبنى الاستدلال هو الثاني منهما ، وإلا فعلى الأول ـ أعني إرادة الحرير المشوب بغيره ـ تكون الروايات أجنبية عن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 170 .

(2) ، (3) ، (4) الوسائل 4 : 359 / أبواب لباس المصلي ب 8 ح 1 ، 2 ، 3 .

(5) الوسائل 4 : 364 / أبواب لباس المصلي ب 10 ح 5 .

 
 

ــ[181]ــ

المقام كلّية ، ولا قرينة على التعيين . كما لا يحتمل فيها الإطلاق ، فانّها قضية شخصية خارجية ، ولا لسان للفعل كي يستظهر منه الحال .

   وبالجملة : الروايات المزبورة في حدّ نفسها قابلة لإرادة كلّ من المعنيين لاستعمال الخز في الحرير المشوب حتى في لسان الأخبار كما في صحيح أبي داود ابن يوسف بن إبراهيم قال : «دخلت على أبي عبدالله (عليه السلام) وعليَّ عباء خز وبطانته خز وطيلسان خز مرتفع ، فقلت : إن عليَّ ثوباً أكره لبسه ، فقال : وما هو ؟ قلت : طيلساني هذا ، قال : وما بال الطيلسان ؟ قلت : هو خز ، قال : وما بال الخز ؟ قلت : سداه إبريسم . . .»الخ(1) فقد اُطلق الخز على ما سداه الإبريسم ، فلعلّ المراد به في هذه الروايات هو ذلك أيضاً ، وحيث لا قرينة على التعيين فتصبح مجملة فتسقط عن الاستدلال .

   وهناك روايات اُخرى لا بأس بدلالتها ، لكنها ضعيفة السند ، كمرفوعة أيوب بن نوح(2) وغيرها ، أغمضنا عن ذكرها .

   والعمدة في المقام روايات ثلاث معتبرة سنداً ودلالة .

   إحداها : موثقة معمر بن خلاد قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الصلاة في الخز ، فقال : صلّ فيه»(3) فانّ الخز هنا لا يحتمل أن يراد به الحرير المحض كما هو ظاهر ، كما لا يحتمل إرادة نفس الحيوان ، إذ لا معنى للصلاة فيه ، فلا يقال : سألت عن الصلاة في الشاة مثلاً . فيدور الأمر بين أن يراد به الثوب المتخذ من وبر الخز أو الحرير المشوب بغيره من صوف ونحوه ومقتضى الإطلاق وترك الاستفصال جواز الصلاة في كلّ منهما ، وإلا فلو جاز في أحدهما دون الآخر لزم التنبيه واستفصال المراد من اللفظ المشترك ، ولما ساغ إلقاء الحكم على سبيل الإطلاق من دون قرينة على التعيين ، فحيث لم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 363 / أبواب لباس المصلي ب 10 ح 2 .

(2) الوسائل 4 : 361 / أبواب لباس المصلي ب 9 ح 1 .

(3) الوسائل 4 : 360 / أبواب لباس المصلي ب 8 ح 5 .

ــ[182]ــ

يستفصل (عليه السلام) يعلم جواز الصلاة في الوبر كالحرير المشوب ، وهو المطلوب .

   الثانية : صحيحة الحلبي قال : «سألت عن لبس الخز ، فقال : لابأس به ، إنّ علي بن الحسين (عليه السلام) كان يلبس الكساء الخز في الشتاء ، فاذا جاء الصيف باعه وتصدّق بثمنه ، وكان يقول : إني لأستحيي من ربّي أن آكل ثمن ثوب قد عبدت الله فيه»(1) . والتقريب كما تقدّم ، ويستفاد شمول الحكم للصلاة من قوله (عليه السلام) في الذيل : «قد عبدت الله فيه» لظهور العبادة فيها كما لا يخفى .

   وتزيد هذه الصحيحة على ما مرّ أنّ الظاهر منها إرادة الوبر من الخز دون الحرير المشوب ، للتصريح فيها بأنّ علي بن الحسين (عليه السلام) كان يلبسه في الشتاء ، وهو (عليه السلام) كان رجلاً صرداً كما نص عليه في بعض الأخبار(2) ولا ريب أنّ الخز أدفأ من الحرير المشوب بالصوف ، لأن الحرير بارد . فيظهر من ذلك أنّه (عليه السلام) كان يلبس وبر الخز ، فيكون ذلك قرينة على أن المراد من الخز المذكور في السؤال هو ذلك .

   الثالثة : صحيحة سعد بن سعد عن الرضا (عليه السلام) قال : «سألته عن جلود الخز ؟ فقال : هُوَذا نحن نلبس ، فقلت : ذاك الوبر جعلت فداك ، قال : إذا حلّ وبره حلّ جلده»(3) . والمراد بأحمد بن محمد المذكور في السند وإن أمكن أن يكون هو أحمد بن محمد بن عيسى ، لكن المراد به هو أحمد بن محمد بن خالد ـ أعني ابن البرقي ـ كما نصّ عليه في الكافي ، وإن كان الأنسب أن يذكر السند حينئذ هكذا : عن أحمد بن محمد عن أبيه عن سعد بن سعد .

   وكيف كان ، فلا ريب أنّ الرواية صحيحة السند كما أنّها قوية الدلالة أيضاً ،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 366 / أبواب لباس المصلي ب 10 ح 13 .

(2) كرواية أبي بصير المتقدمة في ص 159 .

(3) الوسائل 4 : 366 / أبواب لباس المصلي ب 10 ح 14 ، الكافي 6 : 452 / 7 .

ــ[183]ــ

لظهور قوله (عليه السلام) : «هوذا نحن نلبس» في استمرار اللبس حتى في حال الصلاة بمقتضى الإطلاق ، سيما لو كان «هوذا» كلمة واحدة بمعنى الاتصال والاستمرار كما قيل ، المعبر عنه بالفارسية بـ (همين) كما في الجواهر(1) . فإن الأمر حينئذ أظهر ، وعلى أي حال فهي صريحة في حلية الوبر بالتقريب الذي سنذكره في الجلد .

   وأما المقام الثاني : أعني الصلاة في جلد الخز ففيه خلاف ، ولعلّ المشهور هو الجواز . ويستدل له بعدة من الروايات :

   الاُولى : موثقة معمر بن خلاد المتقدمة ، بدعوى أنّ الخز المذكور فيها بعد امتناع حمله على نفس الحيوان يراد به أجزاؤه ، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين الوبر والجلد ، وإلا وجب التنبيه والتعيين .

   ويندفع : بأنّه بعد امتناع حمله على نفس الحيوان يتعيّن حمله على الوبر المتخذ منه ، الذي هو أحد إطلاقاته ومما يستعمل فيه هذا اللفظ لغة وعرفاً ، أو على الحرير المشوب كما مرّ . وأمّا الجلد فليس هو من إطلاقاته . فإرادته تفتقر إلى التقدير الذي هو خلاف الأصل لا يصار إليه من غير شاهد .

   الثانية : رواية يحيى بن أبي عمران أنه قال : «كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) في السنجاب والفنك والخز وقلت : جعلت فداك أُحبّ أن لا تجيبني بالتقية في ذلك ، فكتب بخطه إليّ : صلّ فيها»(2) .

   وهذه الرواية قوية الدلالة ، لأنّ اقتران الخز بغيره من الحيوانات ـ أعني السنجاب والفنك ـ يكشف عن أنّ المراد به هو الحيوان أيضاً ، لوحدة السياق فقوله (عليه السلام) : «صلّ فيها» أي صلّ في أجزاء هذه الحيوانات من الجلد والوبر وغيرهما ، فيقدر المضاف لا محالة .

   ولا يخفى أنّ قول السائل : «اُحبّ أنْ لا تجيبني بالتقية» توقّع في غير محلّه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 8 : 88 .

(2) الوسائل 4 : 349 / أبواب لباس المصلي ب 3 ح 6 .

ــ[184]ــ

لأنّ المورد إن كان من موارد التقية فلا يرفع الإمام (عليه السلام) يده عنها ولا يخالف وظيفته (عليه السلام) بهذا التوقع ، وإلا فهو (عليه السلام) يخبر عن الواقع لا محالة من دون أن يتّقي فيه بعد انتفاء مقتضيه ، وعلى التقديرين فهو توقّع مستدرك فتأمّل .

   وكيف كان ، فالرواية لا بأس بدلالتها ، لكنّها ضعيفة السند ، لأنّ الصدوق يرويها عن شيخه محمد بن علي ماجيلويه(1) ولم يوثق . وقد مرّ غير مرّة أنّ مجرد كون الرجل من مشايخ الإجازة لا يقتضي الوثاقة ، كيف ومن مشايخ الصدوق الذي يروي عنه مَن لم يُرَ في خلق الله أنصب منه ، على حدّ تعبير الصدوق نفسه (قدس سره)(2) حتى ذكر أنّه (لعنه الله) كان يصلّي على النبي (صلى الله عليه وآله) منفرداً ، فكان يقول : اللهم صلّ على محمد منفرداً . هذا مضافاً إلى أنّ يحيى بن أبي عمران بنفسه أيضاً لم يوثق .

   الثالثة : رواية ابن أبي يعفور(3) فانّها كالصريحة في كون المراد هو جلد الخز ، فانّه الذي يحتاج إلى التذكية التي جعل الإمام (عليه السلام) ذكاته بموته ـ في ذيل الخبر ـ كسائر الحيتان دون الوبر كما هو ظاهر ، فهي صريحة الدلالة . لكنّها ضعيفة السند بعدة من المجاهيل كالعلوي والديلمي وقريب  .

   الرابعة : صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج قال : «سأل أبا عبدالله (عليه السلام) رجلٌ وأنا عنده عن جلود الخز ، فقال : ليس بها بأس ، فقال الرجل : جعلت فداك إنها علاجي ـ أي شغلي اُعالج به أمر المعاش ، وفي بعض النسخ : في بلادي ـ وإنّما هي كلاب تخرج من الماء ، فقال أبوعبدالله (عليه السلام) : إذا خرجت من الماء تعيش خارج الماء ؟ فقال الرجل : لا ، قال : ليس به بأس»(4) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع الفقيه 1 : 170 / 804 و4 (المشيخة) : 44 .

(2) [وهو أبونصر أحمد بن الحسين الضبي كما ذكره في عيون أخبار الرضا 2 : 279 / 3] .

(3) الوسائل 4 : 359 / أبواب لباس المصلي ب 8 ح 4 .

(4) الوسائل 4 : 362 / أبواب لباس المصلي ب 10 ح 1 .

ــ[185]ــ

   ويدفعها : قصور الدلالة ، إذ لا تعرّض لها لحال الصلاة ، وإنّما السؤال عن جواز اللبس وعدمه ، فزعم السائل أنّها من الميتة فلا يجوز لبسها والانتفاع بها فأجاب (عليه السلام) بعدم كونها منها ، فهي أجنبية عمّا نحن فيه كما هو ظاهر .

   الخامسة : صحيحة سعد بن سعد المتقدّمة(1) في الوبر ، وهي العمدة في الاستدلال . وبيانه : أنّ المحتملات في الصحيحة أمور :

   الأول : أن يكون السؤال من جهة احتمال النجاسة الذاتية للخز ، حيث انّها كلاب تخرج من الماء ـ كما عبّر بذلك في الصحيحة المتقدمة آنفاً ـ وعليه فالنظر فيها إلى الطهارة والنجاسة لا إلى كون الجلد من أجزاء ما لا يؤكل لحمه فتكون أجنبية عمّا نحن فيه .

   وفيه : أن هذا الاحتمال بعيد في حد نفسه لا يمكن حمل الصحيح عليه ، إذ كيف يحتمل في حق السائل ـ أعني سعد بن سعد ـ وهو من أجلاء أصحاب الرضا (عليه السلام) بل قد أدرك الكاظم (عليه السلام) أن يخفى عليه مثل هذا الحكم أعني اختصاص النجاسة الذاتية بالكلب البري دون البحري ، سيما وهو يرى أنّ الإمام (عليه السلام) قد لبس الوبر كما اعترف به في الصحيح ، فهل يحتمل في حقّه مع ما هو عليه من الجلالة أن يفرّق في أجزاء النجس الذاتي بين الوبر والجلد مع عدم خفائه على من له أدنى مساس بالفقه .

   على أنّه كان الأنسب حينئذ أن يبدل الإمام (عليه السلام) في الجواب الحلّيّة بالطهارة فيجيب هكذا : إذا طهر وبره طهر جلده ، لا إذا حلّ وبره حلّ جلده كما لا يخفى . فهذا الاحتمال ساقط جزماً .

   الثاني : أن يكون السؤال عن النجاسة العرضية من جهة احتمال كونه من الميتة ، حيث إنّه يرعى في البرّ ودابة تمشي على أربع ، فليس هو على حدّ الحيتان التي تكون ذكاتها بخروجها عن الماء حيّة والموت خارجه ، بل تحتاج

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 182 .

ــ[186]ــ

إلى التذكية بالذبح ، وبدونه تكون من الميتة ، كما اُشير إلى ذلك كلّه في بعض النصوص المتقدمة ، فتكون حينئذ أجنبية عمّا نحن فيه أيضاً .

   وفيه : أنّ هذا الاحتمال وإن كان قابلاً في حدّ نفسه ولا يأباه مقام سعد كما كان يأبى الاحتمال السابق ، إلا أنّ ذيل الصحيح لا يساعد على ذلك ، إذ عليه تصبح القضية الشرطية كاذبة ، أعني قوله (عليه السلام) : «إذا حلّ وبره حلّ جلده» إذ لا ملازمة بين الأمرين جزماً ، بل الثابت خلاف ذلك ، إذ الميتة إنّما لا ينتفع بها أو يحكم بنجاستها في الأجزاء التي تحلّها الحياة كالجلد ، دون مثل الوبر ونحوه مما لا تحله الحياة . فحلّية الوبر لا تستلزم حلّية الجلد بالضرورة . على أنّه كان الأنسب حينئذ التعبير بالطهارة دون الحلّية كما عرفت في الاحتمال السابق .

   فيبقى في المقام الاحتمال الثالث وهو المتعين ، بأن يكون السؤال من جهة كون جلد الخز من أجزاء ما لا يؤكل لحمه التي لا تجوز الصلاة فيها ولا تحلّ فأجاب (عليه السلام) بأنّه هَوْذا أو هُوَذا ـ على الاحتمالين ـ نحن نلبس . الصريح في الاستمرار أو الدالّ بالإطلاق على لبسه حتى في حال الصلاة . فذكر ثانياً أنّ الذي تلبسونه إنّما هو الوبر وسؤالي عن الجلد ، فأجاب (عليه السلام) بأنّه إذا حلّ الوبر حلّ الجلد . ولا ريب في صدق هذه الملازمة ، إذ البطلان في أجزاء ما لا يؤكل لا يختص بجزء دون جزء ، فإذا حلّ الصلاة في جزء حلّ في غيره ، كما أنّه لو حرم في جزء حرم فيما عداه أيضاً ، لاشتراك الجميع فيما هو المناط جوازاً ومنعاً . فكأنّه (عليه السلام) قال : إذا حرم في الجلد كما تتخيّل حرم في الوبر أيضاً لوحدة المناط ، لكنه حلّ في الوبر لانتفاء المانع ـ حيث إن الخزّ مستثنى عما لا يؤكل ـ فحلّ في الجلد أيضاً .

   فتحصّل : أنّ الصحيح ما عليه المشهور من إلحاق الجلد بالوبر ، لأجل هذه الصحيحة . وأمّا غيرها مما استدل به في المقام من بقية الروايات فهي ضعيفة سنداً أو دلالة كما عرفت .

ــ[187]ــ

   نعم ، قد تعارض الصحيحة بما رواه في الاحتجاج عن الحميري عن صاحب الزمان (عليه السلام) : «أنه كتب إليه : روي لنا عن صاحب العسكر (عليه السلام) أنه سئل عن الصلاة في الخز الذي يغشّ بوبر الأرانب ، فوقّع : يجوز . وروي عنه أيضاً : أنّه لا يجوز . فبأيّ الخبرين نعمل ؟ فأجاب (عليه السلام) : إنما حرم في هذه الأوبار والجلود ، فأمّا الأوبار وحدها فكلّ حلال»(1) .

   وبما عن كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم ـ وهو إبراهيم بن هاشم ـ «ولا يصلّى في الخز ، والعلّة في أن لا يصلّى في الخز أنّه من كلاب الماء ، وهي مسوخ إلا أن يصفّى وينقّى»(2) .

   لكنّهما كما ترى لا تصلحان لمعارضة ما سبق ، للإرسال في الاُولى ، حيث إنّ الطبرسي في الاحتجاج ينقلها عن الحميري مرسلاً ، وجهالة محمد بن علي بن إبراهيم في الثانية ، على أنّه لم يثبت أنّ ما في علله رواية أم دراية ، ولعلّها اجتهاد أو استنباط من نفسه .

   وعليه فلا ينبغي التأمّل في جواز الصلاة في جلد الخز كوبره كما عليه المشهور .

   ثم إنّ الخز وإن عزّ وجوده في عصرنا وكان متداولاً في العصور السابقة يشتغل ببيعه جماعة كثيرون يسمّون بالخزازين إلا أنّه لا ينبغي التأمّل في أنّ المراد به في الروايات هو المسمّى بالخز في عصرنا الحاضر ، كما هو الشأن في سائر الألفاظ الواردة فيها المستعملة في معانيها ، فانّها تنزّل على ما يفهم منها في العرف الحاضر بمقتضى أصالة عدم النقل .

   وما عن المحدّث المجلسي في البحار من الاستشكال نظراً إلى ما يتراءى من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 366 / أبواب لباس المصلي ب 10 ح 15 ، الاحتجاج 2 : 589 .

(2) البحار 80 : 235 / 32 [وذكر في 1 : 28 حول مؤلف كتاب العلل ما نصّه : بل الأظهر    كما سنح لي أخيراً أنّه محمد بن علي بن إبراهيم بن محمد الهمداني] .

ــ[188]ــ

الأخبار من أنّه حيوان لا يعيش خارج الماء ، فلا ينطبق على ما هو المسمّى بالخزّ الآن الذي هو دابة يعيش في البر ولا يموت بالخروج من الماء(1) غير قابل للتصديق ، لما عرفت من أنّ المتبع في أمثال المقام أصالة عدم النقل ، التي هي أصل عقلائي يعوّل عليه في تشخيص مفاد الكلمات المحرّرة في السجلات منذ قرون متمادية ، ولا يعتنى باحتمال إرادة معنى آخر ما لم يثبت خلافه ، استناداً إلى الأصل المزبور ، فانّه لو لم يجر في المقام لم يجر في بقية الموارد بمناط واحد
فيختل باب استنباط الأحكام وقد بنى فقهاؤنا العظام على كشف مقاصد الأئمة (عليهم السلام) مما يفهمونه من الألفاظ في عصرهم ، ولا يبالون باحتمال النقل المدفوع بالأصل .

   وأمّا ما أشار إليه من الأخبار التي منها رواية ابن الحجاج(2) فلعل المراد أنّه لا يعيش خارج الماء دائماً ، فلا مانع من خروجه أحياناً ، كما في كثير من الحيوانات البحرية كالضفدع ونحوه ، بل يظهر من رواية حمران بن أعين أنه «سبع يرعى في البرّ ويأوي في الماء»(3) .

   وعليه فلا ينبغي الاستشكال في انطباق المذكور في الأخبار على ما هو المعروف في زماننا مما يسمّى باسم الخز ، هذا بحسب المفهوم .

   وأمّا تشخيص الموضوع وتعيين المصداق فهل يكفي إخبار البائع بذلك ؟ يظهر من المحقق الهمداني ذلك ، نظراً إلى قيام السيرة على سماع إخبار ذي اليد من أرباب الصنائع والبضائع عن حقيقة ما في يده وتصديقه فيما يدّعيه ، فمن أراد شيئاً من الأدوية يرجع إلى العطار ، أو من الأقمشة يرجع إلى التجار ويركن إلى قوله وإن لم يعرفه بنفسه ، فكذلك إخبار البائع عن كون ما في يده خزاً(4) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البحار 80 : 220 .

(2) الوسائل 4 : 362 / أبواب لباس المصلي ب 10 ح 1 ، وقد تقدمت في ص 184 .

(3) الوسائل 24 : 191 / أبواب الأطعمة المحرمة ب 39 ح 2 .

(4) مصباح الفقيه (الصلاة) : 130 سطر 2 .

ــ[189]ــ

غير المغشوش بوبر الأرانب والثعالب (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ولكنه غير واضح ، إذ لا دليل على حجية إخبار ذي اليد بما هو كذلك عما في يده ، ومورد السيرة في الأمثلة المزبورة حصول الوثوق من قوله فيما إذا كان من أهل الخبرة والمعرفة ، وإلا فمجرد إخبار البائع عن كونه خزاً من دون حصول الوثوق من كلامه لا دليل على اعتباره ، ولعلّ المحقق المزبور لا يريده .

   وكيف ما كان ، فلا شبهة في أنّ المرجع في تشخيص الموضوع في المقام ونحوه من الموضوعات الملتبسة هو أهل الخبرة .

   (1) فالصلاة في المغشوش بأحد الوبرين باطلة على المشهور ، بل إجماعاً كما ادّعاه غير واحد ، ولم ينسب الخلاف إلا إلى الصدوق في الفقيه ، حيث إنّه بعد أن أورد رواية الجواز قال ما لفظه : وهذه الرخصة الآخذ بها مأجور ورادّها مأثوم(1) . ومستند المشهور إطلاقات المنع عن الصلاة فيما لا يؤكل ، الشاملة للمغشوش وغيره بعد ظهور استثناء الخز في الاختصاص بالخالص منه المؤيدة بمرفوعتي أيوب بن نوح وأحمد بن محمد ـ والظاهر أنّهما رواية واحدة ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «الصلاة في الخز الخالص لا بأس به ، فامّا الذي يخلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك مما يشبه هذا فلا تصلّ فيه»(2) فانّ الانجبار بعمل الأصحاب لا نقول به ، فلا تصلحان إلا للتأييد .

   وبازاء ذلك روايتان صريحتان في الجواز .

   إحداهما : ما رواه الشيخ في الاستبصار باسناده عن داود الصرمي عن بشير ابن بشار قال : «سألته عن الصلاة في الخز يغشّ بوبر الأرانب ، فكتب : يجوز ذلك»(3) .

 

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الفقيه 1 : 171 ذيل ح 805 .

(2) الوسائل 4 : 361 / أبواب لباس المصلي ب 9 ح 1 وملحقه .

(3) الوسائل 4 : 362 / أبواب لباس المصلي ب 9 ح 2 ، الاستبصار 1 : 387 / 1471 .

ــ[190]ــ

   والاُخرى : ما رواه في التهذيب بسند آخر عن داود الصرمي أنّه سأل رجل أبا الحسن الثالث (عليه السلام) : وذكر مثله(1) . ورواه الصدوق أيضاً باسناده عن داود الصرمي(2) ، ورواه في التهذيب أيضاً بسند آخر عن الصرمي مضمراً حيث قال : «سألته عن الصلاة . . .»الخ(3) .

   وربما يجاب باعراض الأصحاب ، ولكن الظاهر أنّها موهونة في نفسها ، فانّ بشير بن بشار لم يوجد في كتب الرجال . وعلى أي حال فسواء أكان ضبط الكلمة كذلك كما في الوسائل أم بصورة بشير بن يسار كما في الاستبصار ، أم بصورة بشر بن يسار كما في الوافي(4) لا توثيق له . فالرواية الاُولى ضعيفة على جميع التقادير .

   وأما الثانية فالصرمي لا توثيق صريح له في كتب الرجال ، واعتماد الصدوق لا يكشف عنه ، ولعلّه مبني على أصالة العدالة التي لا نقول بها ، نعم هو من رجال كامل الزيارات ، فيكون ثقة عندنا بتوثيق ابن قولويه(5) .

   إذن فالسند الأول وإن كان ضعيفاً لكن الثاني خال عن هذا الضعف لظهوره في أنّه كان حاضراً في مجلس السؤال ، فيروي جواب الإمام (عليه السلام) مباشرة وإن كان السائل مجهولاً ، أو أنّه رأى خط الإمام (عليه السلام) لو كان السؤال على سبيل المكاتبة .

   ولكن الذي يمنعنا عن الركون إليه أنّ مقتضى السند الأول ـ وهو صحيح إلى داود ـ أنّه لم يكن حاضراً في مجلس السؤال . ومقتضى الثاني حضوره إمّا مع كون السائل غيره كما هو قضية إحدى روايتي التهذيب ، أو كونه نفسه كما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التهذيب 2 : 213 / 834 .

(2) الفقيه 1 : 170 / 805 .

(3) التهذيب 2 : 212 / 833 .

(4) الوافي 7 : 411 / 6221 .

(5) ولكنه لم يكن من مشايخه بلا واسطة فلا يشمله التوثيق .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net