الثالثة - الرابعة - الخامسة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5211


   الجهة الثالثة : قد ظهر من مطاوي ما ذكرناه أنّه لابدّ على كلا القولين ـ من الشرطية أو المانعية ـ من إحراز الصحة عند الشروع في الصلاة ، وأنّ اللباس ليس من غير المأكول ، إمّا بأمارة أو بأصل ، لحكم العقل بلزوم إحراز الشرط أو انتفاء المانع في مقام الامتثال ، فالصحة الظاهرية لابدّ من إحرازها على كل حال ، وإلا فالعمل بدونه محكوم بالبطلان بقاعدة الاشتغال .

   وما يقال من اختصاص ذلك بالقول بالشرطية للزوم إحراز الشرط بلا إشكال ، دون المانعية فانّ مجرد الشك في وجود المانع كاف في الحكم بعدمه بقاعدة المقتضي والمانع ، بعيد عن الصواب .

ــ[210]ــ

   أمّا أولاً : فلأنّ هذه القاعدة غير تامة في حد نفسها كما ذكرناه في الاُصول(1) .

   وثانياً : على تقدير التسليم فمورد القاعدة إنّما هو المانع الذي يكون عدمه من أجزاء العلة في مقابل الشرط والمقتضي ، فاذا اُحرزت أجزاء العلة التامة من غير ناحية المانع وشك في وجوده يحكم حينئذ بثبوت المعلول وترتب المقتضى ـ بالفتح ـ ولا يعتنى باحتمال وجود المانع . وأمّا في المقام فليس إطلاق المانع على اللباس المتخذ من غير المأكول من هذا القبيل قطعاً ، بل هو بمعنى ما اُخذ عدمه في المركب ، فيعبّر عن القيود العدمية بالمانع ، كما يعبّر عن الوجودية بالشرط ، فكلّ منهما قيد مأخوذ في الواجب ، غايته أنّ أحدهما وجودي والآخر عدمي ، ومن الواضح لزوم إحراز الواجب بماله من القيود الوجوديّة والعدمية في مقام الامتثال .

   نعم ، الغالب أنّ القيد العدمي ـ أعني عدم المانع ـ محرز بأصل موضوعي أو حكمي ، إذ المانع أمر حادث مسبوق بالعدم ، بخلاف القيود الوجودية ـ أعني الشرائط ـ فانّ وجودها على خلاف الأصل فتحتاج إلى الدليل غالباً ، لكن ذلك لا يستوجب فرقاً فيما هو الملاك في المقام من لزوم إحرازهما في مقام الامتثال .

   الجهة الرابعة : لا يخفى أنّ عنوان البحث في هذه المسألة وإن كان هو جواز الصلاة في خصوص ما يشك في جزئيته لما لا يؤكل ، إلا أنّ ملاك البحث عام له ولكلّ مشتبه من بقية الموانع من الحرير والذهب والمغصوب ونحوها ، لعدم الموجب للتخصيص بعد التوسعة في ملاك النزاع في المقام .

   نعم ، قد يستظهر من الأدلّة عنوان الشرطية في المقام والمانعية في بقية الموارد ، لكنّ ذلك مجرد استظهار في مقام الإثبات قابل للنقض والإبرام ، فلا يكاد يؤثر في تضييق نطاق البحث كما لعله ظاهر جداً . فالكلّ داخل في محلّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 3 : 240 فما بعد .

ــ[211]ــ

الكلام من دون فرق في ذلك بين ما إذا كانت المانعية شرعية مستفادة من دليل لفظي ، أو عقلية ثبتت بالدليل اللبّي كما في الغصبية ، حيث إنّ اعتبار الإباحة في اللباس لم يكن مدلولاً لدليل لفظي ، وإنّما استفيد من حكم العقل بامتناع كون الحرام مصداقاً للواجب ، الموجب لتقييد ما دلّ على اعتبار الساتر في الصلاة بكونه مباحاً ، بخلاف مانعية مثل الحرير المستفادة من الأدلّة اللفظية .

   وقد خالف في ذلك بعض الأعاظم تبعاً لصاحب الكفاية (قدس سره)(1) فذكر أنّ المخصص إذا كان لبيّاً مستفاداً من دليل العقل يقتصر فيه على المقدار المتيقن ، فكان الخارج عن عموم العام إنّما هي الأفراد المعلومة ، فلا يوجب ذلك انثلام ظهور العام وحجيته في الباقي وإن كان الفرد مشكوكاً .

   لكنه كما ترى لا يمكن المساعدة عليه بوجه ، ضرورة أنّ العبرة في التخصيص إنّما هو بالمنكشف دون الكاشف ، فاذا ثبت خروج عنوان عن تحت العام خروجاً واقعياً بحيث لا يكاد يشمله العموم في نفس الأمر وفي مقام الثبوت ، اقتضى ذلك ـ لا محالة ـ تقيّد موضوع العام بحسب الإرادة الجدية بما عدا عنوان الخاص ، سواء أكان الدالّ عليه في مقام الإثبات اللفظ أم العقل فعنوان العام مقيّد بحسب الواقع بغير ذلك على التقديرين ، ومعه كيف يمكن التمسك به عند الشك وفي الشبهة المصداقية .

   وبالجملة : فالمانعية العقلية كاللفظية لا تختص بصورة الإحراز ، بل هي أمر واقعي تعمّ صورة الشك في وجود الموضوع أيضاً .

   نعم ، يتمّ ذلك فيما إذا كانت المانعية العقلية ناشئة من التزاحم بين التكليفين مع تقديم جانب النهي ، فانّ المانعية حينئذ تختص بصورة العلم والإحراز لتقوّم صدق المزاحمة بذلك ، ضرورة أنّ التكليف إنّما يتصف بكونه مزاحماً ومعجّزاً مولوياً في ظرف التنجّز وبلوغه إلى المكلف ، وإلا فمجرد وجوده الواقعي ما لم يبلغ حدّ التنجز لا يكون مزاحماً مع التكليف الآخر .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكفاية : 222 .

ــ[212]ــ

   وأمّا إذا كانت ناشئة من التعارض ـ كما في أمثال المقام ـ فيقيد التكليف بحسب الواقع بعدم اقترانه بالمانع . فهذا المانع بوجوده الواقعي متصف بالمانعية سواء علم به أم جهل كما هو ظاهر .

   الجهة الخامسة : في تحقيق أنّ اعتبار عدم وقوع الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل هل هو على سبيل الشرطية ، أو أنّه بنحو المانعية . فانّ العمدة من روايات الباب إنّما هي موثقة ابن بكير المتقدمة سابقاً(1) ، وهي بمقتضى صدرها ظاهرة في المانعية ، كما أنّها بمقتضى الذيل ظاهرة في الشرطية .

   فهل يؤخذ بالظهور الأول ويتصرّف في الثاني ، فيحمل الاشتراط على التبعي وانّ وقوع الصلاة فيما أحلّه الله ليس لخصوصية فيه ، بل لأجل التخلّص عن المانع ، وهو الوقوع فيما لا يؤكل ؟

   أو يعكس فيتحفظ على الظهور الثاني ، ويحمل النهي والفساد في الصدر على العرضي ، فيكون المجعول الشرطية ، وأمّا المانعية المستفادة من الصدر فهي عرضية تبعيّة ؟

   وربما يحتمل في المقام احتمال ثالث ، وهو الجمع بين كلا الاعتبارين ـ أعني الشرطية والمانعية ـ فكما أنّ الوقوع في أجزاء ما لا يؤكل مانع كذلك يشترط في الصحة أن يكون اللباس متخذاً من النبات أو من حيوان محلّل الأكل .

   لكن هذا الاحتمال ساقط جزماً ، بل هو مستحيل وإن أصرّ عليه بعض الأعاظم (قدس سره) لامتناع الجمع بين شرطية أحد الضدين ومانعية الضد الآخر ، من دون فرق في ذلك بين التكوينيات والتشريعيات .

   أمّا في الاُمور التكوينية : فتوضيحه يتوقف على تحقيق معنى المانعية فيها وكيفية دخل أجزاء العلّة في وجود المعلول فنقول :

   لا ريب أنّ العلّة تتألف من اُمور ثلاثة : المقتضي ، والشرط ، وعدم وجود المانع ، فهي بأجمعها دخيلة في وجود المعلول ، كما أنّ بانتفاء واحد منها ينتفي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 168 .

ــ[213]ــ

وجوده ، إلا أنّ كيفية دخل هذه الثلاثة مختلفة .

   أمّا المقتضي فدخالته باعتبار أنّه هو الذي منه يترشح الأثر ، ومنه يتولّد المعلول ، كالنار بالإضافة إلى الإحراق .

   وأمّا الشرط ـ كالمحاذاة في هذا المثال ـ فليس شأنه الترشح والتوليد ضرورة أنّ الإحراق إنّما ينشأ ويترشح من ذات النار ، وأمّا المماسة والمحاذاة فهي أجنبية عن الرشح بالكلّية . فدخالتها في التأثير وعدّ الشرط من أجزاء العلّة إنّما هو باعتبار كونه دخيلاً في فعلية الأثر الناشئ عن المقتضي ، لنقص في الفاعل أو في المحلّ ، فيكون متمماً لفاعلية الفاعل أو لقابلية القابل . وعلى أي تقدير فالشرط بنفسه بمعزل عن الفاعلية والتأثير ، وأجنبي عن الإفاضة والترشيح ، بل إنّ هذه من صفات المقتضي فقط كما عرفت . فليس كيفية الدخل فيهما على حدّ سواء ومن سنخ واحد .

   وأمّا المانع الذي يعدّ عدمه من أجزاء العلّة فكيفية الدخل فيه تباين المقتضي والشرط ، فلا هو منشأ للرشح ولا أنّه متمّم للنقص ، كيف وهو أمر عدمي ، ولا يعقل ترشح الوجود من العدم ، أو دخله في تحقق الأثر بالضرورة ، فليست دخالته إلا باعتبار مزاحمة المانع بوجوده عن تأثير المقتضي وصدّه عن ترتب المقتضى ـ بالفتح ـ عليه . فلأجل التدافع والتمانع الحاصل بين وجودين ـ المقتضي والمانع ، حيث إنّ أحدهما يقتضي شيئاً والآخر يضاده ويزاحمه ويقتضي خلافه ـ اعتبر عدمه في فعلية الأثر وترتّب المعلول . ولولا هذه المزاحمة لما كاد يعقل أن يكون عدم شيء من أجزاء علّة شيء آخر .

   وبالجملة : لابدّ في صدق المانعية على شيء من اتصاف وجوده بكونه مزاحماً فعلياً مع المقتضي المفروض وجوده وكافّاً له عن التأثير ، بحيث لولاه لترتب الأثر عليه بالفعل ، حتى يكون عدمه من أجزاء العلّة بالمعنى الذي عرفت ، أي يكون المزاحم منتفياً حتى يؤثر المقتضي أثره .

   ومما ذكرناه تعرف أنّ بين أجزاء العلة ـ المقتضي ، الشرط وعدم المانع ـ نوعاً من الترتب والطولية ، بمعنى أنّه عند اجتماعها المستلزم لوجود المعلول

ــ[214]ــ

فالوجود مستند إلى تحقق مجموع هذه الأجزاء ، وأمّا عند انتفائها فعدم المعلول حينئذ يستند إلى الأسبق فالأسبق ، فلا يستند إلى اللاحق إلا بعد فرض وجود السابق .

   فمثلاً النار مقتض للإحراق ، والمحاذاة شرط ، ورطوبة المحلّ مانع ، فعند اجتماع الأوّلين مع انتفاء المانع يتحقق الإحراق . وأمّا عند فقد شيء منها المؤدي إلى عدم وجود المعلول فانّما يستند العدم إلى وجود المانع مع تحقق المقتضي والشرط ، وإلا فمع عدم وجود النار من أصله أو وجودها من دون المحاذاة لا معنى للاستناد إلى رطوبة المحلّ ، لما عرفت من أنّ المانع هو ما يكون مزاحماً مع المقتضي في التأثير ، والمفروض عدم وجود المقتضي من أصله أو عدم كونه تام الفاعلية ، ومعه كيف تعقل المزاحمة حتى يكون العدم مستنداً إلى وجود المزاحم ، فانّه من السالبة بانتفاء الموضوع .

      كما أنّه إنّما يستند إلى فقد الشرط مع فرض وجود المقتضي ، فيستند عدم الإحراق إلى عدم المحاذاة مع وجود أصل النار ، وإلا فمع عدمه لا معنى للاستناد إلى فقدان الشرط ، إذ الشرطية المتقوّمة بالتتميم ـ كما عرفت ـ متفرّعة على فرض الوجود الناقص كي يتمّم ويجبر به النقص . وبالجملة : فمع فرض عدم المقتضي يستند عدم المعلول إليه لا إلى فقد الشرط ، ولا إلى وجود المانع .

   ولعمري إنّ هذا ظاهر جداً ، بل لعلّه يعدّ من الضروري وإن أصرّ على خلافه بعض الأعاظم فجوّز الاستناد إلى كلّ من عدم المقتضي ووجود المانع عند فرض انتفاء أجزاء العلّة بأجمعها . وقد عرفت ما فيه بما لا مزيد عليه .

   ومن هنا يظهر استحالة مانعية أحد الضدّين بعد فرض شرطية الضد الآخر ، ضرورة أنّ المقتضي مع شرطه إن كانا موجودين فيستحيل معه وجود المانع حتى يزاحم المقتضي في التأثير ، لاستلزامه اجتماع الضدّين بعد فرض المضادة بينه وبين الشرط ، فلا يعقل وجوده حينئذ كي يتصف بالمانعية حتى يكون عدمه من أجزاء العلّة ودخيلاً في فعليّة الأثر بالمعنى المتقدم .

ــ[215]ــ

   وإن لم يكن المقتضي التام وبوصف كونه مؤثراً لولا المزاحم موجوداً ـ إمّا لعدم وجود المقتضي من أصله أو لعدم تأثيره من جهة فقد الشرط ـ فالمقتضى (بالفتح) بنفسه غير قابل للتحقق ، لنقص في الفاعل أو لعدم وجوده من أصله ، كان المانع موجوداً أم لا . فعدم المعلول حينئذ يستند إلى عدم المقتضي أو عدم الشرط لا إلى وجود المانع ، إذ ليس هناك مقتض مؤثّر كي يزاحمه المانع في التأثير . فلا يعقل المانعية لأحد الضدّين بعد فرض شرطية الضدّ الآخر على أيّ تقدير . هذا كلّه في التكوينيات .

   وأمّا في التشريعيات فليس إطلاق الشرط والمانع فيها على حدّ إطلاقه في الاُمور التكوينية ، إذ ليس هناك تأثير لا تأثر ولا علّة ولا معلول ، وإنّما هناك جعل حكم على الموضوع المقدّر وجوده مع أخذ قيود فيه وجودية وعدمية ، فيعبّر عن القيد الوجودي بالشرط ، وعن العدمي بالمانع ، وهذا مجرد اصطلاح محض كما لا يخفى .

   وعليه فبعد اعتبار الشرطية لأحد الضدّين ـ أعني اعتبار التقيّد بوجوده ـ كان اعتبار المانعية ـ أي التقيّد بعدم الضدّ الآخر ـ من اللغو الظاهر ، لإغناء الجعل الأول عن الثاني بعد عدم انفكاك وجود الضدّ عن عدم الضدّ الآخر هذا إذا كان الضدّان مما لهما ثالث . وأمّا إذالم يكن فاللغوية لا تنحصر في اعتبار المانعية ، بل أيّاً منهمااعتبره أوّلاً كان الثاني لغواً ، سواء كانت الشرطية أو المانعية ، إذ المفروض عدم خلو المحلّ عن أحدهما . فاعتبار كلّ منهما يغني عن الآخر ، واللغو إنّما هو الجمع بين الاعتبارين من دون ترجيح في البين .

   والمتحصّل من جميع ما قدمناه : استحالة الجمع بين شرطية أحد الضدّين ومانعية الضد الآخر ، من دون فرق فيه بين التكوينيات والتشريعيات . فما اختاره بعض الأعاظم من الجمع بينهما في المقام فالتزم باشتراط كون اللباس من محلل الأكل إذا كان متخذاً من الحيوان ، وبمانعية المتخذ من محرم الأكل ساقط جزماً .

   بل يدور الأمر بين الشرطية المطلقة ، والمانعية كذلك ، والتفصيل بين الساتر

ــ[216]ــ

وغيره فالاعتبار في الأوّل بنحو الشرطية ، وفي الثاني على سبيل المانعية كما قيل .

   وقبل الخوض في تحقيق الحال وبيان المختار ينبغي التنبيه على أمر قد تعرضنا له في الاُصول في بحث مقدمة الواجب(1) وهو أنّ الفرق بين الجزء والشرط هو أنّ الجزء مما يتألف منه المركب ، فينبسط الأمر المتعلق به وينبث عليه لدى التحليل لا محالة ، فانّ ذات الجزء إذا لوحظ في حدّ نفسه ولا بشرط فهو جزء ، وإذا لوحظ بشرط الانضمام مع بقية الأجزاء فهو عين المركّب فالمركب ليس إلا نفس الأجزاء بالأسر . وعليه فهو داخل فيه قيداً وتقيّداً ، ولذا قلنا بأنّ وجوبه نفسي لانبساط الأمر المتعلق بالمركب عليه .

   وأمّا الشرط فهو وإن كان خارجاً عن حريم المأمور به ، إلا أنّ التقيد به مأخوذ فيه ، ولذا قيل إنّه جزء عقلاً وشرط خارجاً ، أي انّ التقيّد به داخل في المأمور به وواقع في حيّز الطلب ، والقيد خارج . فالشرطية أو المانعية إنّما تنتزعان من تقيّد الواجب بقيد وجودي أو عدمي .

   ومنه تعرف أنّ ذات القيد لابدّ وأن يكون فعلاً اختيارياً للمكلّف ، كي يصح الأمر بتقيد الواجب به أو بعدمه ، لما عرفت من أن التقيد ـ في باب الشرائط والموانع ـ داخل في المركب فلابدّ وأن يكون أمراً اختيارياً ، ولا يكاد يكون كذلك إلا إذا كان ذات القيد متعلقاً لاختيار المكلّف ، إذ لا يعقل تقييد الواجب بأمر غير اختياري ، وإنّما يجوز ذلك في تقييد الوجوب نفسه دون الواجب ، وإلا لكان القيد مفروض الوجود ، ومثله خارج عن حيّز الطلب الذي قد عرفت تعلّقه بالتقيد به .

   ولأجله ذكرنا في محلّه أن عدّ القبلة من شرائط الصلاة وكذا الطهارة الحدثية والخبثية مبني على ضرب من المسامحة ، وإنّما الشرط هو الاستقبال وإيقاع الصلاة في هذه الأحوال ، الذي هو فعل اختياري للمكلّف ، دون نفس

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 2 : 296 ـ 298 .

ــ[217]ــ

هذه الاُمور الخارجة عن تحت قدرته واختياره .

   ومما ذكرنا يعلم أنّ الشرط أو المانع في محلّ الكلام لابدّ وأن يكون اعتبار أمر ـ وجودي أو عدمي ـ صالح لتعلق الاختيار به كي يمكن أخذه قيداً في الواجب ، كايقاع الصلاة في اللباس المأخوذ من حيوان مأكول اللحم أو [غير ]محرم الأكل ، أو عدم إيقاعها فيه . وأمّا نفس المأكوليّة وعدمها ـ أعني حكم الشارع بحليّة الأكل أو بحرمته ـ فلا يعقل أن يكون شرطاً أو مانعاً ، فانّه فعل اختياري للشارع ، ومثله خارج عن تحت قدرة المكلف واختياره فكيف يتقيد الواجب به أو بعدمه ، وهذا ظاهر .

   فما أفاده بعض الأعاظم (قدس سره) من تعميم الشرط والمانع لما كان خارجاً عن الاختيار ، وأنّهما منتزعان من إضافة الواجب إلى شيء خارجي وإن كان غير اختياري ، في حيّز المنع وغير قابل للتصديق كما عرفت .

   ومما ذكرنا يعلم أيضاً أنّ المدار في استفادة الشرطية أو المانعية على أنّ القيد المأخوذ في الصلاة هل هو عنوان وجودي أو عدمي ، من دون فرق في ذلك بين كون متعلّق هذا العنوان وجودياً أم عدمياً ، فاذا كان المستفاد من الأدلّة هو إيقاع الصلاة في محلّل الأكل أو إيقاعها في غير محرم الأكل كان الاعتبار من باب الشرطية ، وإذا كان مفادها عدم الإيقاع في محرم الأكل أو عدم إيقاعها في غير محلّل الأكل كان ذلك من باب المانعية . فاختلاف الاعتبارين يدور مدار تقيّد الصلاة بأمر وجودي أو عدمي .

   فاذا كان وجودياً كان شرطاً وإن كان متعلقه عدمياً كالإيقاع في غير محرم الأكل . وإن كان عدمياً كان مانعاً وإن كان متعلقه وجودياً كعدم الإيقاع في محرم الأكل ، لما عرفت من أنّ الحلّية والحرمة ليستا من الشرط والمانع في شيء ، لخروجهما عن تحت الاختيار ، وإنّما المقدور الإيقاع وعدمه ، فالاعتبار بهما لا بمتعلقهما .

   فما أفاده بعض الأساطين (قدس سره) من أنّ ما لا يؤكل لحمه إن كان كناية عن حرمة الأكل كان الفساد مستنداً إلى وجود المانع ، وإن كان كناية عن

ــ[218]ــ

عدم حلّيته دلّ على اشتراط الصحة بالحلّية فيكون الفساد مستنداً إلى فقد الشرط ، غير وجيه ، لابتنائه على ما اختاره (قدس سره) من تعميم شرط الواجب لما كان خارجاً عن الاختيار ، وقد عرفت ما فيه .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net