جهات قبل البحث عن استصحاب العدم الأزلي - استصحاب أحد جزأي الموضوع أو المتعلق لو كان مركباً 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4175


   وحيث إنّ هذه المسألة مهمّة جليلة يترتب عليها فوائد كثيرة في الأبواب المتفرقة من الفقه ينبغي لنا التعرض لها ، والبحث عنها كبروياً تعميماً للفائدة وإن كان خارجاً عن نطاق المقام ، فنقول وبه نستعين : لابدّ قبل الخوض في صميم البحث من تقديم جهات :

   الجهة الاُولى : أنّ الموضوع للحكم قد يكون بسيطاً ، واُخرى مركّباً من جزأين فصاعداً . ونعني بالموضوع ما يعمّ المتعلّق ، وبالجزء مطلق القيد المأخوذ في موضوع الحكم أو متعلّقه ، لا خصوص الجزء الاصطلاحي المقابل للشرط .

   أمّا لو كان بسيطاً فلا إشكال في جريان استصحاب الحالة السابقة من الوجود أوالعدم ، فيترتب عليه الأثر نفياً أو إثباتاً ، وهذا ظاهر .

   وأمّا لو كان مركّباً فلا ريب في ترتّب الأثر مع العلم بوجود الجزأين ـ مثلاً ـ فعلاً ، أو سابقاً مع الشك فعلاً فيحرز الموضوع بالاستصحاب . كما لا ريب في عدم الترتّب مع العلم بعدمهما سابقاً وإن شك فعلاً فيستصحب العدم . وأمّا إذا كان أحد الجزأين مقطوع الوجود سابقاً والآخر مقطوع العدم فانقلب العدم إلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول : 223 .

(2) أجود التقريرات 1 : 464 .

ــ[251]ــ

الوجود قطعاً وشك في بقاء الموجود ، كما لو كنّا على يقين من الطهارة سابقاً مع القطع بعدم الصلاة وعندما تحققت الصلاة شككنا في بقاء الطهارة ، حيث إنّ الأثر أعني الوجوب متعلّق بمجموع الأمرين .

   فالمشهور حينئذ جريان الاستصحاب في الجزء المشكوك فتستصحب الطهارة ، وبذلك يلتئم جزءا الموضوع بضم الوجدان إلى الأصل فيحرز الامتثال ويقطع بالفراغ .

   إلا أنّه ربما يناقش في ذلك بمعارضة هذا الاستصحاب باستصحاب عدم تحقق المجموع المركّب من الأمرين ، أعني الصلاة المقيدة بالطهارة التي هي الموضوع للأثر ، للشك في تحقق عنوان الاجتماع في الخارج وجداناً ، والأصل عدمه .

   وقد أجاب عنه شيخنا الاُستاذ (قدس سره) بأنّ الشك الثاني مسبّب عن الأوّل ، إذ لا منشأ له
سوى الشك في بقاء الطهارة على الفرض ، ولا ريب في حكومة الأصل السببي على المسببي فلا تعارض(1).

   وفيه : أنّ السببية وإن كانت مسلّمة لكنّها تكوينية عقليّة ، وليست بشرعية بالضرورة ، فانّ وجود المركّب عند وجود تمام الأجزاء كانتفائه عند انتفاء أحدها أمر تكويني لا مساس له بالشرع ، والأصل السببي إنّما يكون حاكماً فيما إذا كان التسبّب أيضاً شرعياً ، كما في الشك في طهارة الثوب المغسول بالماء المستصحب الطهارة ، فانّ من آثار طهارة الماء شرعاً طهارة ما غسل به فالتفرع والتسبب شرعي لا محالة ، فمع الحكم بطهارة الماء بقاعدة الطهارة أو استصحابها لا يبقى مجال للشك في طهارة الثوب المغسول به . وليس المقام من هذا القبيل .

   فالأولى في التفصّي أن يقال : إنّ الأثر إنّما يترتب على ذوات الأجزاء عند اجتماعها ، أي وجود كلّ جزء في زمان يوجد فيه الجزء الآخر ، وأمّا المركب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رسالة الصلاة في المشكوك : 410 .

ــ[252]ــ

بما هو مركّب أعني صفة الاجتماع فليس هو نفسه موضوعاً للأثر ، بل هو عين الأجزاء بالأسر ، فلا يكون شيئاً آخر وراءها كى يكون دخيلاً في ثبوت الحكم ، وإلا فلو فرض أنّ هذا العنوان البسيط المنتزع من تحقق الأجزاء مجتمعة هو الموضوع للحكم بحيث تكون هي من محصلات هذا العنوان خرج الموضوع حينئذ عن التركّب إلى البساطة ، وهو خلف فرض التركيب الذي هو محل الكلام .

   وبعبارة اُخرى : إمّا أن يفرض أنّ موضوع الحكم في المركبات ذوات الأجزاء ، أو عنوان الاجتماع ، أو الذوات بوصف الاجتماع .

   أما الأخير فهو يرجع في الحقيقة إلى الثاني ، فانّ الموضوع حينئذ هو عنوان الاجتماع والمقارنة .

   وأمّا الذوات فهي متعلّق لهذا العنوان وطرف للإضافة ، لأنّه من الأوصاف التعلقية ذات الإضافة ، نظير السبق واللحوق ، فأخذها في الموضوع بعد أخذ نفس العنوان من اللغو الظاهر .

   وأمّا الثاني فهو خلف ، لرجوعه إلى أنّ الموضوع إنّما هو العنوان البسيط المنتزع ، أعني التركّب والاجتماع ، وأنّ ذوات الأجزاء من محصّلات هذا العنوان ومحققاته ، وهو خلاف فرض كونه مركّباً . فيتعين الأول ، فاذا اُحرز بعض الأجزاء بالوجدان لا مانع من إجراء الأصل في البعض الآخر ، فليتئم الموضوع بضم الوجدان إلى الأصل . ولا يعارض ذلك باستصحاب عدم وجود المجموع المركّب ، لما عرفت من عدم كون عنوان الاجتماع بنفسه موضوعاً للأثر .

   ومنه يظهر أنّ الاستصحاب الثاني في حدّ نفسه غير جار ، لعدم ترتّب الأثر عليه ، لا أنّه محكوم بالأصل الأول من جهة حكومة الأصل السببي على المسببي حتى مع الغض عمّا ناقشناه في هذه الحكومة من اختصاصها بما إذا كان التسبب أيضاً شرعياً وفي المقام عقلي كما عرفت آنفاً .

   هذا كلّه فيما إذا لم يكن هناك ربط تكويني بين جزأي المركّب ـ وإن كانا

ــ[253]ــ

مرتبطين تشريعاً لا محالة من جهة أخذهما معاً في موضوع الحكم ـ كما لو كانا جوهرين أو عرضين في محلّ واحد أو محلّين ، أو جوهر وعرض قائم في غير هذا الموضوع .

   مثال الأول : حجب الاخوة للاُم عن الثلث ، فانّ موضوع الحكم ـ أعني الحجب ـ مركّب من وجود جوهرين وهما الأخوان فصاعداً ، فاذا علمنا بوجود أحدهما وجداناً وشككنا في بقاء الآخر عند موت المورث وعدمه يستصحب بقاؤه ، وبضم الوجدان إلى الأصل يلتئم الموضوع فيترتب الحكم .

   ومثال الثاني : الطهارة والصلاة اللتان هما عرضان قائمان بالمصلّي ، فاذا اُحرزت الصلاة وجداناً وشك في بقاء الطهارة يحكم بترتب الأثر بضم الوجدان إلى الأصل كما مرّ .

   ومثال الثالث : الإرث المترتب على وجود المورّث مع إسلام الوارث الذي هو عرض قائم بغير ذاك الجوهر ، فاذا اُحرز الأول بالوجدان وشك في بقاء الثاني يستصحب ، وبضم الوجدان إلى الأصل يلتئم الموضوع فيرتب الأثر .

   والجامع بين هذه الأقسام عدم وجود الربط التكويني بين جزأي المركّب كما عرفت .

   وهناك قسم رابع يتضمن الربط تكويناً كما لو كان الموضوع مركّباً من العرض ومحلّه ، مثل ما إذا كان الأثر مترتباً على زيد وعدالته أو الماء وكرّيته ونحوهما ، فهل يجري فيه الكلام المتقدّم من إجراء الأصل في أحد الجزأين وضمّه إلى الجزء الآخر المحرز بالوجدان ، فتستصحب العدالة أو الكرّية الموجودتان سابقاً ، وبعد الضم إلى زيد أو الماء المحرزين بالوجدان يحكم بالتئام جزأي الموضوع فيرتب الحكم أم لا ؟ الظاهر الثاني ، للفرق بين هذا القسم والأقسام المتقدمة ، من جهة أنّ تركّب الموضوع من العرض ومحلّه يستدعي أخذ عنوان الاتصاف ولحاظ العرض ناعتاً ، فزيد المتصف بالعدالة موضوع للحكم ، وكذلك الماء المتصف بالكرّية ، وعليه فان كان الاتصاف بنفسه مسبوقاً

ــ[254]ــ

بالحالة السابقة بأن كان العرض بوجوده النعتي متيقناً سابقاً جرى فيه الاستصحاب ، وإلا فاستصحاب وجوده المحمولي وضمه إلى المحلّ المحرز بالوجدان لا يجدي في ترتب الأثر ، إذ لا يثبت به عنوان الاتصاف والوجود النعتي ـ الذي لا مناص من أخذه في الموضوع ـ إلا على القول بالأصل المثبت .

   ونظير ذلك ما إذا كان الأثر مترتباً على زيد وعماه ، فانّ العمى ليس عبارة عن مجرد عدم البصر ، بل الاتصاف به ، ولذا كان التقابل بينه وبين البصر من تقابل العدم والملكة ـ حيث إنّ هذا العدم له حظ من الوجود ، وليس كتقابل السلب والإيجاب ـ وحينئذ فان كان الاتصاف المزبور بنفسه متيقناً سابقاً جرى فيه الاستصحاب ، وإلا فمجرّد عدم الاتصاف بالبصر(1) الثابت في الأزل وقبل أن يوجد زيد لا يجدي في إثبات عنوان الاتّصاف إلا على القول بالأصل المثبت ، وهذا في نفسه لا شبهة فيه .

   إنّما الكلام في إقامة البرهان على هذه الدعوى ، وهي أنّ الموضوع إذا كان مركّباً من العرض ومحلّه لزم أخذ عنوان الاتصاف في الموضوع ولحاظ العرض ناعتاً .

   ذكر شيخنا الاُستاذ (قدس سره)(2) في وجه ذلك أنّ انقسام الشيء في حدّ نفسه إلى الإطلاق أو التقييد بلحاظ الحالات والأوصاف الطارئة عليه مقدّم على لحاظ التقسيم المزبور بالإضافة إلى مقارناته وعوارضه ، لتقدّم رتبة الجوهر على العرض بالطبع ، لمكان افتقار العرض إلى المحلّ واستغناء الجوهر عنه ، ولأجله لا يبقي التقسيم الأوّل ولحاظ الذات مطلقاً أو مقيداً مجالاً للتقسيم الثاني ولا عكس .

   مثلاً إذا كان الموضوع مركّباً من زيد وعدالته فالذات ـ وهو زيد ـ إذا لوحظ في حدّ نفسه وقيس بالإضافة إلى صفته وهي العدالة يمكن أخذه في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [وفي الأصل : وإلا فمجرد اتصاف عدم البصر . والصحيح ما أثبتناه] .

(2) رسالة الصلاة في المشكوك : 420 .

ــ[255]ــ

الموضوع مقيّداً بهذا الوصف كما يمكن أخذه مطلقاً عنه ، بمعنى رفضه وعدم دخله في ترتّب الأثر ، فهو في ذاته قابل لهذين القسمين ، كما أنّ عرضه وهي العدالة يمكن لحاظها مقيداً بأن تكون في خصوص هذا الموضوع ـ وهو زيد ـ أو مطلقاً سواء كانت في هذا المحلّ أم في غيره . فالتقسيم المزبور جار في حدّ نفسه في كل من العرض ومحلّه ، إلا أنّه بعد لحاظ الإطلاق أو التقييد في الجوهر لا يبقى بعدئذ مورد للحاظهما في العرض ، بل ينعدم موضوع التقسيم حينئذ ، فاذا لوحظ زيد مقيداً بالعدالة ومتّصفاً بها لا يبقى بعد ذلك مجال للسؤال عن أنّ الجزء الآخر للمركّب وهي العدالة هل لوحظت مقيدة بكونها في زيد أو مطلقاً ، فانّ تقييد الذات أوّلاً بذلك يغني عن تقييد العرض ولا يبقي مجالاً له ، كما أنّ لحاظ الإطلاق فيه أيضاً سابق على لحاظه في العرض ومغن عنه .

   وهذا بخلاف ما إذا لوحظ التقييد في ناحية العرض فلوحظت العدالة مقيدة بكونها في زيد ـ مثلاً الذي هو وجود محمولي خاص ـ فحيث إنّ الذات في رتبة سابقة على العرض يبقى مجال للسؤال عن أنّ زيداً المأخوذ في الموضوع هل لوحظ مقيداً باتصافه بالعدالة أو مطلقاً ، ومن الواضح أنّه لا ثالث بينهما لاستحالة الإهمال في الواقعيات .

   فان لوحظ مقيداً كان التقييد الثاني الملحوظ في ناحية العرض ـ وهو تقييده بكونه في ضمن زيد ـ لغواً محضاً ، لكونه مستدركاً بعد لحاظ التقييد في ناحية الذات ، فهو مغن عن هذا التقييد كما عرفت .

   وإن لوحظ مطلقاً عن اتصافه بالعدالة وعدمها لزم التناقض والتدافع بين هذا الإطلاق وبين التقييد المفروض لحاظه في ناحية العرض كما هو ظاهر . فحيث لا موقع للحاظ التقسيم في المقارن ـ وهو العرض ـ لا مناص من لحاظ الإطلاق أو التقييد في ناحية الذات نفسها ، وحيث لم تؤخذ مطلقة على الفرض فهي مقيدة بالعدالة لا محالة ، ولا معنى لتقيدها بها إلا لحاظ الاتصاف بهذا العرض الخاص . فالاتصاف المزبور مأخوذ في الموضوع قطعاً ، ومرجعه إلى

ــ[256]ــ

لحاظ العرض نعتاً ، وقد عرفت أنّ استصحاب العرض بوجوده المحمولي لا يثبت الاتصاف والوجود النعتي ، هذا ملخص كلامه (قدس سره) .

   ويرد عليه أوّلاً : أنّ تقدّم مرتبة الجوهر على العرض وإن كان مسلماً إلا أنّ ذلك لا يستدعي انحصار لحاظ التقييد في ناحية الذات ، وعدم إمكان رعايته في ناحية العرض نفسه .

   والسرّ أنّ وجود العرض في نفسه عين وجود في محلّه ، ولذا كان العرض والمعروض موجودين بوجود واحد ، ولا فرق بينهما إلا بالاعتبار . فالبياض مثلاً إذا لوحظ بحياله وبما هو شيء في نفسه مع إلغاء جهة الانتساب والاتصاف كان وجوده محمولياً ، وإذا لوحظ بما أنّه عرض قائم بالغير ومنتسب إلى المحل ووصف له كان وجوده نعتياً والمحلّ متصفاً به ، ويعبّر عنه حينئذ بالأبيض . فهما شيء واحد ذاتاً وأحدهما عين الآخر ، وإنّما الاختلاف بحسب اللحاظ والاعتبار .

   وعليه فكما أنّ لحاظ الاتصاف والتقييد في ناحية الذات يغني عن لحاظ التقييد في ناحية العرض واعتبار كونه في خصوص هذا الموضوع ، ولا يبقي مجالاً له ولا للإطلاق فكذلك العكس ، فيغني اعتباره في العرض عن لحاظ التقييد في الجوهر ، ولا يبقي مجالاً لا له ولا للإطلاق . فأحد التقييدين يغني عن الآخر لا محالة ، وأيّاً منهما لاحظه المولى ابتداءً لا يبقى معه مجال للسؤال عن التقسيم من حيث الإطلاق والتقييد في الآخر . فالمولى يمكنه التوصّل إلى غرضه ـ وهو التقييد ـ بأيّ من النحوين شاء . ومجرد سبق أحدهما في المرتبة لا يمنع عن ذلك كما هو ظاهر .

   وثانياً : لو تمّ ما ذكره (قدس سره) لجرى هذا الكلام في مطلق المركّبات ، سواء كان المركّب مركباً من الجوهرين أم العرضين أم الجوهر والعرض في محلّ أو محلّين ، ولزم اعتبار الاتصاف على الإطلاق ، ضرورة أنّ مقارنة الجوهر مع جوهر آخر أو مع عرض في محلّ آخر ، وكذا مقارنة العرض مع عرض آخر

ــ[257]ــ

في هذا المحلّ أو محلّ آخر تكون من صفات هذا الجوهر أو هذا العرض وأعراضه الطارئة عليه ، فهو يتصف بهذه المقارنة لا محالة ، فلابدّ في كل من جزأي المركب إذا قيس بالإضافة إلى اتصافه بالمقارنة مع الجزء الآخر وعدمها من لحاظه إمّا مطلقاً أو مقيداً في مرتبة سابقة على وجود المقارن ، ومعه يرتفع موضوع الإطلاق والتقييد بالإضافة إلى ذات المقارن ، كما هو الحال بعينه في العرض ومحلّه حرفاً بحرف ، مع أنّه (قدس سره) لم يلتزم بذلك فيما عدا الأخير ، ولا ينبغي الالتزام به .

   فالصحيح في الاستدلال على اعتبار الاتصاف في هذا القسم ـ اعني تركب الموضوع من العرض ومحلّه ـ أن يقال : إنّ وجود الأعراض في أنفسها عين وجودها لموضوعاتها كما مرّ ، فهي في وجودها الخارجي لا تنفك عن وجود نسبة بينها وبين الموضوع ، لأن حقيقة وجود العرض سنخ حقيقة متقوم بالموضوع ومرتبط به ، في قبال وجود الجوهر الذي هو غني في ذاته عن القيام بالغير ، وغير متقوّم بشيء آخر .

   وعليه فاذا كان الموضوع مركّباً من العرض ومحلّه كقوله : أكرم زيداً العادل . فلا يخلو إمّا أن يؤخذ العرض بما هو شيء في نفسه وموجود بحياله أينما تحقق ، مع إلغاء جهة النسبة والنعتية لمحلّه ، ومن غير تقيده بموضوع خاص . وإمّا أن يؤخذ مع لحاظ الانتساب والاتصاف ، وبما أنّه نعت لموضوع خاص وعرض قائم بمحلّ مخصوص .

   لا سبيل إلى الأول ، إذ لازمه ترتيب الأثر على مطلق وجوده الساري ولو في غير هذا الموضوع ، فيجب إكرام مطلق العادل ولو لم يكن زيداً . وهذا خارج عن محل الكلام ، إذ هو خلف فرض التركّب من العرض ومحلّه كما هو ظاهر .

   فلا مناص إلا من أخذه على النحو الثاني كي لا يترتب الحكم إلا على خصوص وجوده في ذلك الموضوع الخاص ، ولا معنى لذلك إلا أخذه ناعتاً وعلى سبيل مفاد كان الناقصة ، أي لحاظ اتصاف المحلّ به ، لما عرفت من أنّ

ــ[258]ــ

وجود العرض في نفسه عين وجوده لموضوعه ، فاعتبار وجود العدالة في خصوص زيد مثلاً هو بعينه ثبوت العدالة لزيد ، وهو عبارة اُخرى عن اتصاف زيد بالعدالة ، فانّه معنى النعتية كما لا يخفى .

   وعليه فاذا كان الوجود النعتي ـ أعني الاتصاف المزبور ـ بنفسه مسبوقاً بالحالة السابقة فكنّا سابقاً على يقين باتصاف زيد بالعدالة جرى فيه الاستصحاب ، والتأم الموضوع بضم الوجدان إلى الأصل ، وإلا فاستصحاب مجرد العدالة بمفاد كان التامة وبوجودها المحمولي لا يجدي في إثبات الاتصاف والوجود الناعتي ، كي يحرز معه الموضوع بضم الوجدان إلى الأصل إلا على القول بالأصل المبثت .

   ومن هنا كان استصحاب العدم المحمولي في باب الأعدام والملكات غير مجد في إثبات العدم النعتي ، أعني الاتصاف بالعدم الذي هو معنى عدم الملكة ـ حيث إنّ العدم المضاف إلى الملكة له حظ من الوجود وهو الاتصاف بالعدم في قبال تقابل السلب والإيجاب ـ فيما إذا كان الأثر مترتباً على ذاك العدم . فلو كان زيد الأعمى مثلاً موضوعاً للحكم ، وشك في زوال عماه ، فان كان بوصف كونه أعمى مسبوقاً بالحالة السابقة جرى استصحاب العدم النعتي ورتّب الأثر بضم الوجدان إلى الأصل ، وإلا فاستصحاب عدم اتصافه بالبصر الثابت أزلاً بنحو السالبة بانتفاء الموضوع لا يجدي في إثبات الاتصاف بعدم البصر الذي هو معنى العمى .

   وكذا لو كان هناك أثر مترتب على عنوان الكافر وشك في إسلام زيد وكفره ، فاستصحاب عدم الإسلام أزلاً أو قبل البلوغ لا يثبت الاتصاف بعدم الإسلام الذي هو معنى الكفر ، إذ التقابل بينهما تقابل العدم والملكة ، فانّ الكفر هو الاتصاف بعدم الإسلام(1) عمّن من شأنه ذلك لا مجرد عدم الإسلام . وكذا الحال في استصحاب عدم العلم أو عدم الغنى ، فانّه لا يثبت بهما عنوان الجهل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [وفي الأصل : هو عدم الاتصاف بالإسلام . والصحيح ما أثبتناه] .

ــ[259]ــ

أو الفقر الذي هو عبارة عن الاتصاف بعدم العلم أو بعدم الغنى لا مجرد العدم ، وغير ذلك من سائر موارد الأعدام والملكات .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net