لبس النساء للحرير والصلاة فيه - هل يجوز للخنثى لبس الحرير والصلاة فيه؟ 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4965


ــ[345]ــ

ولا بأس به للنساء ، بل تجوز صلاتهنّ فيه أيضاً على الأقوى (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   والحاصل : أنّ الحرير كما أنّه مانع عن صحة الصلاة كذلك عدمه شرط في الساتر المشروط به الصلاة ، إذ يعتبر فيه أن لا يكون منه . وأقصى ما يقتضيه دليل الترخيص رفع المانعية والحرمة الوضعية لتقييده دليلها ، وأمّا التقييد في دليل الشرط كي يحصل معه الستر فكلا ، فاذا كان الساتر حريراً كان وجوده كعدمه ، لعدم حصول شرطه ، ومعه تبطل الصلاة لا لوجود المانع ، بل لفقد الشرط وهو الساتر الخاص . وعليه فاللازم ضمّ ساتر آخر معه فوق الحرير أو تحته .

   والجواب عنه أوّلاً : ما أسلفناك في بحث اللباس المشكوك من استحالة جعل المانعية لأحد الضدين ، والشرطية للضد الآخر . فلا يعقل أن يكون الحرير مانعاً عن الصلاة ، وعدمه شرطاً في الساتر المشروط به الصلاة ، وقد مرّ توضيحه هناك مفصلاً فراجع(1) ولاحظ .

   وثانياً : على تقدير الإمكان فلا دليل عليه في المقام ، إذ الثابت بحسب الأدلّة إنّما هو مانعية الحرير كما يقتضيه قوله (عليه السلام) في صحيحة محمد بن عبدالجبار المتقدمة : «لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض» وأمّا شرطية عدمه في الساتر فلم يدلّ عليه دليل عدا التوقيع المروي في الاحتجاج عنه (عجل الله تعالى فرجه) : «لا تجوز الصلاة إلا في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتّان»(2) لكنّه لضعفه لا يمكن الاستدلال به كما تعرّضنا له في بحث الساتر(3) .

   (1) أمّا جواز اللبس لهنّ فلا خلاف فيه ولا إشكال ، لإجماع الأصحاب عليه وتسالمهم ، بل هو مورد لاتفاق المسلمين عامّة من الخاصة والعامّة من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ص 212 فما بعدها .

(2) الوسائل 4 : 375 / أبواب لباس المصلي ب 13 ح 8 ، الاحتجاج 2 : 589.

(3) في ص 187 .

ــ[346]ــ

غير نكير ، وقد قامت سيرة المتشرعة على ذلك خلفاً عن سلف ، المتّصلة بزمن المعصومين المستكشف رضاهم وإمضاؤهم لها . وهذا هو العمدة ، وإلا فالأخبار الخاصة الواردة في المقام كلّها ضعيفة السند لا تصلح إلا للتأييد فلاحظ .

   وأمّا جواز الصلاة فيه فهو المعروف المشهور بين الأصحاب ، بل نسب إلى فتوى الأصحاب تارة وإلى عمل الناس في الأعصار والأمصار اُخرى .

   خلافاً للصدوق في الفقيه فذهب إلى المنع(1) ومال إليه البهائي في الحبل المتين(2) وغيره ، وتوقّف فيه جماعة ، وممّن تبع الصدوق صريحاً صاحب الحدائق(3) وإن لم يوافقه في دليله .

   وكيف كان ، فقد استدل في الفقيه على المنع بما نصّه ـ على ما حكاه عنه في الحدائق ـ : قد وردت الأخبار بالنهي عن لبس الديباج والحرير والإبريسم المحض والصلاة فيه للرجال ، ووردت الرخصة في لبس ذلك للنساء . ولم ترد بجواز صلاتهنّ فيه ، فالنهي عن الصلاة في الإبريسم المحض على العموم للرجال والنساء حتى يخصّهن خبر بالإطلاق لهنّ في الصلاة فيه كما خصّهن بلبسه . انتهى .

   وحاصله : أنّ إطلاق الأخبار المانعة كقوله (عليه السلام) : «لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض» الوارد في صحيحتي محمد بن عبدالجبّار المتقدمتين(4) اللتين لم يبعد اتحادهما ـ كما مرّ(5) ـ شامل للرجل والمرأة ، غاية الأمر قد ثبت من الخارج جواز اللبس لهنّ ، وأمّا المانعية فلم يثبت نفيها عنهنّ ليتمسّك بالإطلاق .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الفقيه 1  : 171 / ذيل ح 807 .

(2) حبل المتين : 185 السطر 22 .

(3) الحدائق 7  : 95 ـ 96 .

(4) في ص 327 .

(5) في ص 338 .

ــ[347]ــ

   واعترض عليه في الحدائق بمنع الإطلاق في الأخبار ، فانّ أكثرها إنّما اشتملت على السؤال عن الرجل ، فموردها الرجال خاصة . وليس في البين ما يتوهّم منه الإطلاق عدا الصحيحتين ، لكن يوهنه ابتناؤهما على سبب خاص وهي القلنسوة التي هي من الألبسة المختصة بالرجال ، فالإطلاق نزّل عليهم بتلك القرينة .

   أقول : أمّا منعه (قدس سره) عن الإطلاق فيما عدا الصحيحتين ففي محلّه للتصريح بالرجل ـ كما أفاده ـ المانع عن التعدّي إلى المرأة . ولا مجال لقاعدة الاشتراك في المقام ، إذ مدركها الإجماع ومورده عدم احتمال دخل الخصوصية المأخوذة موضوعاً للحكم وهي الرجولية فيما نحن فيه ، ولا ريب أنّ الاحتمال موجود في المقام ، إذ بعد ملاحظة الفرق بينهما في الحكم التكليفي يتطرّق احتمال الفرق في الحكم الوضعي أيضاً من غير رافع . فعدم احتمال الخصوصية مفقود ، والإجماع منتف بالضرورة .

   وأمّا ما أفاده (قدس سره) في وجه منع الإطلاق في الصحيحتين فيتوجّه عليه :

   أوّلاً : أنّ العبرة في الإطلاق والتقييد بكلام الإمام (عليه السلام) دون السائل . وجوابه (عليه السلام) مطلق ، فلا يتقيّد بالرجال من أجل القلنسوة المذكورة في السؤال ، فانّ المورد لا يكون مخصصاً .

   وثانياً : أنّ الصحيحة الثانية لمحمد بن عبد الجبار مشتملة على التكّة ، وهي من الألبسة المشتركة بين الرجل والمرأة . فذكر القلنسوة المختصّة بهم لا يوجب التقييد بعد اشتمال السؤال على ما هو مشترك بينهما أيضاً كما هو ظاهر .

   نعم ، يمكن أن يقال في منع الإطلاق : إنّ المستفاد من ذكر القلنسوة والتكّة في السؤال أنّ نظر السائل مقصور على استعلام حكم ما لا تتم فيه الصلاة من الحرير ، وأنّه هل يفرق في المانعية بينه وبين ما تتم فيه الصلاة كما في النجس ، أو لا ، بعد الفراغ عن أصل المانعية على ما هي عليه من التخصيص بالرجال أو

ــ[348]ــ

التعميم لهم وللنساء ، وإلا فلو كان السؤال عن أصل مانعية الحرير لم يكن وجه لتخصيص المثالين بالذكر ، بل سئل عن مطلق الصلاة في الحرير .

   وعليه فلا إطلاق في الجواب ، بل هو منزّل على ما سيق السؤال لأجله من عدم الفرق في المانعية بين ما يتم وغيره ، وأنّ مانعية الحرير في موطنها لا يفرّق فيها بين الصورتين ، ولا نظر فيه إلى التخصيص والتعميم بالنسبة إلى الرجل والمرأة .

   وبعبارة اُخرى : يعتبر في انعقاد الإطلاق أن يكون المتكلّم في مقام البيان من الجهة التي يراد إثبات الإطلاق من تلك الجهة ، فما لم يحرز ذلك لا يثبت الإطلاق ، وفي المقام ليس الإمام (عليه السلام) إلا بصدد بيان حكم ما لا تتم فيه الصلاة من الحرير الذي هو محطّ نظر السائل ، وأنّه لا فرق في المانعية بينه وبين ما تتم ، وليس في مقام البيان من حيث الاختصاص بالرجل او التعميم له وللمرأة كي ينعقد الإطلاق من هذه الجهة ، بل إنّ مجرّد الشك كاف في ذلك ، لما عرفت من لزوم إحراز البيان في إثبات الإطلاق . فهذا هو الوجه في منع الإطلاق لا ما أفاده في الحدائق .

   وعليه فيتوجّه على الصدوق (قدس سره) قلب الدعوى ، وأنّ مقتضى الإطلاقات جواز التستّر في الصلاة بكلّ ساتر ، وقد ثبت مانعية الحرير لخصوص الرجال ، وأمّا النساء فهنّ على الترخيص بمقتضى إطلاقات الفوق حتى يخصّهنّ النهي كما خصّ الرجال .

   ثمّ إنّه قد استدلّ في الحدائق لما ذهب اليه من المنع تبعاً للصدوق بعد تضعيف مستنده ـ كما عرفت ـ بوجوه اُخر .

   منها : خبر جابر الجعفي قال : «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : ليس على النساء أذان ـ إلى أن قال : ـ ويجوز للمرأة لبس الديباج والحرير في غير صلاة وإحرام . . .»الخ(1) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4  : 380 / ابواب لباس المصلي ب 16 ح 6 .

ــ[349]ــ

   وفيه : أنّ الدلالة وإن كانت صريحة لكن السند قاصر ، لضعف كلّ من وقع فيه ـ أي لم تثبت وثاقته ـ عدا محمد بن زكريا البصري ، حيث مدحه النجاشي(1) . وأمّا أحمد بن الحسن القطان الذي يروي عنه الصدوق هذه الرواية فهو وإن كان من مشايخ الإجازة ، لكن مجرّد ذلك لا يقتضي الوثاقة كما مر غير مرة ، بل إنّ بعض مشايخ الصدوق كان ناصبياً بحيث كان يصلّي على النبي (صلّى الله عليه وآله) منفرداً(2) .

   ومنها : خبر زرارة قال : «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) ينهى عن لباس الحرير للرجال والنساء إلا ما كان من حرير مخلوط بخز لحمته أو سداه خزّ أو كتان أو قطن ، وإنّما يكره الحرير المحض للرجال والنساء»(3) فانّ لبس الحرير للنساء في غير حال الصلاة مما لا ريب في جوازه ، فلا بدّ من حمل النهي على إرادة اللبس حال الصلاة ، فيدل ّعلى المانعية للرجال والنساء .

   وفيه أوّلاً : أنّ الخبر ضعيف السند بموسى بن بكر ، فالتعبير عنه بالصحيح كما في الجواهر(4) في غير محلّه .

   وثانياً : أنّ ظاهره المنع عن اللبس تكليفاً ، فحمله على المانعية وإرادة الحرمة الوضعية المختصة بحال الصلاة من المؤوّل الذي ليس بحجّة عندنا ، فلا وجه للعدول عن ظاهره وارتكاب التأويل ثم الاستدلال به ، فانّه ليس بأولى من الأخذ بظاهره وحمل النهي على مطلق المرجوحية وإرادة الحرمة بالنسبة إلى الرجال والكراهة للنساء ، بقرينة ما ثبت من الخارج من جواز اللبس لهنّ ، كما قد يشعر به التعبير بالكراهة في ذيل الخبر ، فانّها وإن لم تكن في لسان الأخبار بمعنى الكراهة المصطلحة لكنّها تدلّ على المرجوحية المطلقة المجامعة لها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رجال النجاشي : 346 / 936 .

(2) [وهو أحمد بن الحسين الضبي كما ذكره في عيون أخبار الرضا 2  : 279 / 3] .

(3) الوسائل 4  : 374 / أبواب لباس المصلي ب 13 ح 5 .

(4) الجواهر 8  : 121 .

ــ[350]ــ

وللحرمة ، فتصح قرينة لصرف النهي في صدر الخبر عن الظهور في التحريم خاصة .

   ومنها : ما دلّ من النصّ والفتوى على أنّ كلّ ما تجوز الصلاة فيه يجوز الإحرام فيه ، بضميمة ما دلّ من الأخبار على عدم جواز إحرام المرأة في الحرير . قال (قدس سره) : إنّ الأخبار في ذلك وإن كانت متعارضة لكن الترجيح مع الأخبار المانعة كما يأتي في كتاب الحج إن شاء الله تعالى .

   واعترض عليه بتوقّفه على حجّية القضية في عكس النقيض ، أعني كلّ ما لا يجوز الإحرام فيه لا تجوز الصلاة فيه . وهو غير ظاهر كما حرر في الاُصول .

   وفيه : ما لا يخفى ، فانّه لو ثبتت الملازمة بين جواز الصلاة في الشيء وجواز الإحرام فيه على سبيل الكلّية ـ كما هو المفروض ـ وأنّ الثاني لازم والأوّل ملزوم ، فحيث إنّ اللازم لابدّ وأن يكون مساوياً أو أعم ، إذ لو كان أخص لم تكن الملازمة كلّية ، وهو خلف ، فنفيه يستلزم نفي الملزوم بالضرورة . فقولنا : كلّ شيء كان إنساناً كان حيواناً أو كان ضاحكاً يدلّ على أنّ كلّ ما لا يكون ضاحكاً أو لا يكون حيواناً لا يكون إنساناً قطعاً . فالقضية الكلّية حجّة في عكس النقيض جزماً ، ولازمه في المقام عدم جواز الصلاة فيما لا يجوز فيه الإحرام .

   نعم ، يتوجّه عليه أوّلاً : توقّفه على المنع من جواز إحرامها في الحرير ، وهو محلّ تأمل أو منع . وسيجيء البحث حوله في كتاب الحج إن شاء الله تعالى(1) . فهو أوّل الكلام .

   وثانياً : بابتنائه على كون الملازمة الكلّية المزبورة شخصية لا نوعية ، أي تكون منحلّة إلى أشخاص المكلّفين ، بمعنى أنّ كلّ فرد من آحاد المكلّفين جازت صلاته في شيء جاز إحرامه فيه ، كي تدلّ بعكس النقيض على عدم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ شرح العروة 28 / 271 .

ــ[351]ــ

جواز الصلاة فيما لا يجوز الإحرام فيه ، كما في قوله : كلّما قصّرت أفطرت . وهو في حيّز المنع .

   أوّلاً : للنقض بما إذا اضطر المكلّف ولو لبرد ونحوه إلى الصلاة في النجس من فروة ونحوها ، فانّه لا يجوز له الإحرام فيه مع وجود ثوبيه ، إذ لا ضرورة في عدم الإحرام فيهما ، وإن كان مضطراً في لبس الفروة المتنجّسة .

   وثانياً : أنّ هذا المعنى خلاف الظاهر مما دلّ على الملازمة المزبورة وهو صحيح حريز عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «كلّ ثوب يصلى فيه فلا بأس أن تحرم فيه»(1) فانّ الظاهر منه والمتراءى من هذا الكلام أنّ كلّ ثوب يصلّى فيه في حدّ ذاته وبحسب نوع المكلّفين جاز الإحرام فيه للجميع ، فيدلّ بعكس النقيض على أنّ كلّ ثوب لا يجوز الإحرام فيه فهو لا تجوز الصلاة فيه في حدّ ذاته وبالإضافة إلى عامّة المكلّفين ، ولو بلحاظ نوعهم الأغلب ، أعني الرجال الذين هم العمدة منهم ، فلا ينافي صدق هذه الملازمة النوعية جواز الصلاة فيه ـ كالحرير ـ لخصوص النساء كما لا يخفى .

   نعم ، لو كان لفظ الرواية (تصلّي فيه) بدل (يصلّى فيه) أمكن استفادة الملازمة الشخصية ، لكونه خطاباً إلى كلّ مكلّف بالخصوص ، نظير قوله : كلّما قصّرت أفطرت . لكنّه ليس كذلك ، فانّ الموجود في الكافي(2) والتهذيب(3) والفقيه(4) والوافي(5) ضبطه بصيغة المبني للمجهول .

   نعم ، في الوسائل ضبطه بصيغة الخطاب (تصلّي فيه) ولعلّه سهو من قلم النسّاخ ، مع أنّ ذلك أيضاً لا يقدح فيما ذكرناه ، لأنّ الخطاب مع حريز الذي هو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 12  : 359 / أبواب الإحرام ب 27 ح 1 .

(2) الكافي 4  : 339 / 3 .

(3) لاحظ التهذيب 5 : 66 / 212.

(4) الفقيه 2  : 215 / 976 [لكن المذكور فيه : تصلي فيه] .

(5) الوافي 12  : 564 / 12567 .

ــ[352]ــ

من الرجال ، فلا يدلّ إلا على الملازمة الشخصية فيهم ، لا في كلّ مكلّف حتى يعمّ النساء ، فيكون ذلك مساوقاً مع الملازمة النوعية التي عرفتها .

   فظهر من جميع ما مرّ بطلان ما استند اليه في الحدائق لشمول المانعية للنساء ، وقد عرفت أيضاً الجواب عن إطلاق أدلّة المانعية الذي استند اليه الصدوق (قدس سره) .

   وقد يجاب عن الإطلاق بمعارضته باطلاق ما دل ّعلى جواز لبسهنّ للحرير الشامل للصلاة بالعموم من وجه ، والترجيح مع الثاني بفهم الأصحاب ، إذ لم يخالف في الجواز حال الصلاة عدا الصدوق وبعض من تبعه ، مع أنّه لو سلّم التكافؤ والتساقط فالمرجع أصالة البراءة عن المانعية ، بناءً على ما هو الصحيح من الرجوع إليها في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين .

   ويندفع : بما عرفت سابقاً(1) من أنّ دليل الجواز لا يستفاد منه أكثر من الجواز التكليفي دون الوضعي ، فشموله لحال الصلاة لا ينافي المانعية ، فلا تعارض بين الدليلين أصلاً . فحاله حال ما دلّ على جواز لبس النجس والميتة وما لا يؤكل الذي لا ينافي ما دلّ على مانعية هذه الاُمور في الصلاة .

   والمتحصّل : من جميع ما قدّمناه : أن المقتضي للمانعية بالإضافة إلى النساء قاصر في حدّ نفسه ، لعدم ثبوت الإطلاق .

   ثم إنّه لو سلّم الإطلاق وتمامية المقتضي فهل هناك ما يمنع عن الأخذ به ويوجب رفع اليد عنه ؟

   قد يستند في ذلك إلى مرسل ابن بكير عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : «النساء يلبسن الحرير والديباج إلا في الإحرام»(2) فانّ الاقتصار في الاستثناء على الاحرام يكشف عن جواز اللبس حال الصلاة وعدم مانعيته لها ، وإلا كان أحرى بالذكر ، للابتلاء بها في كلّ يوم خمس مرات على الأقل ، فهي أولى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 343 .

(2) الوسائل 4  : 379 / أبواب لباس المصلي ب 16 ح 3 .

ــ[353]ــ

بالتعرّض من الإحرام غير الواجب في العمر إلا مرة على المستطيع  ، ومن الواضح أنّ استثناء مثل الإحرام المعتبر فيه ثوب مخصوص قرينة ظاهرة على إرادة الأعم من التكليف والوضع في المستثنى منه .

   والإنصاف : أنّ دلالة الرواية ظاهرة ، بل صريحة ، لكن الشأن في سندها [فانّه] ضعيف من جهة الإرسال .

   وقد يتصدى لتصحيحه تارة بالانجبار بالعمل واُخرى بأنّ المرسل وهو ابن بكير من أصحاب الإجماع ، وثالثة بأنّ في السند أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري الذي لا يروي إلا عن الثقة .

   والكلّ كما ترى ، أمّا الأوّل فظاهر من مسلكنا ، وأمّا الثاني فلما أشرنا اليه غير مرّة في مطاوي هذا الشرح من أنّ الإجماع الذي ادّعاه الكشي على تصحيح ما يصحّ عن جماعة(1) لا يراد به تلقّي روايات هؤلاء بالقبول ، على نحو لا ينظر في من وقع بعدهم في السند ، بحيث مهما بلغ السندإليهم وصحّ عنهم يعامل معه إرسال المسلّم ، وكأنهم رووه عن المعصوم (عليه السلام) بلا واسطة ، فانّ هذا لا يكاد يستفاد من عبارة الكشي بوجه .

   بل الظاهر منها دعوى الاتفاق على قبول رواية هؤلاء من حيث إنّهم رواة وتصديقهم فيما يخبرون ، كما عبّر بعين هذا اللفظ ـ أعني التصديق ـ فلا يغمز في السند من أجلهم ، لما هم عليه من الجلالة والفقاهة والوثاقة ، إذ الغمز والطعن إمّا من جهة الاشتباه وعدم التفطّن للمراد وهو مناف لفقاهتهم ، أو لأجل الكذب وهو مناف لوثاقتهم .

   وبالجملة : فلا يظهر من العبارة المزبورة أكثر من دعوى الإجماع على توثيق الجماعة ، لا حجية كلّ سند وقع أحدهم فيه ولو رواه مرسلاً أو عمّن لم تثبت وثاقته لدينا كما لا يخفى على من لاحظها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رجال الكشي : 375 / 705 .

ــ[354]ــ

   وأمّا الثالث : فهو من غرائب الكلام ، ضرورة أنّ غاية ما ثبت هو أنّ أحمد ابن محمد بن عيسى لا يروي بنفسه إلاّ عن الثقة ـ وإن كنّا عثرنا على روايته عن الضعيف أيضاً أحياناً ـ ومن هنا أخرج أحمد بن محمد بن خالد البرقي عن قم ، لروايته عن الضعفاء كثيراً وإن ندم على ما صنع فأرجعه بل ومشى في جنازته حافياً . وكيف كان ، فغاية ما هناك أنّه بنفسه لا يروي بلا واسطة إلا عن الثقة ـ كما في المقام ـ لا أنّه يقتصر على الرواية المعتبرة الخالية عن كلّ خلل حتى الإرسال أو الضعف في غير من يروي عنه ممّن يقع في سلسلة السند ، فانّ هذا لا شاهد عليه ، بل ولا قائل به كما لا يخفى .

   وقد يستند في ذلك أيضاً إلى موثّق سماعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «لا ينبغي للمرأة أن تلبس الحرير المحض وهي محرمة ، فأمّا في الحر والبرد فلا بأس»(1) .

   وهذه الموثقة يستدلّ بها تارة لعدم المانعية ، من جهة تخصيص المنع بحال الإحرام بالتقريب المتقدّم في المرسلة . واُخرى للمانعية ، من جهة تخصيص نفي البأس بحال الحر والبرد ، الدالّ بالمفهوم على ثبوته في غير الحالتين وان كانت في الصلاة ، ولعلّ الأول أقرب .

   لكن الأولى أن يقال : إنّ الموثقة أجنبية عن المانعية والحرمة الوضعية التي هي محلّ البحث ، بل هي ناظرة إلى الحرمة التكليفية ، لظهور قوله (عليه السلام) : «وهي محرمة» في المنع عن اللبس وهي متّصفة بكونها في حالة الإحرام . ومن الواضح أنّ ارتكاب تروك الإحرام لا يقتضي البطلان فيما عدا الجماع ، بل غايته العصيان ، فلا يفسد الإحرام ـ المفروض تحقّقه ـ بذلك وإن أثم ، مع أنّه لا إثم أيضاً لدى الضرورة من حر أو برد كما اُشير إليه في ذيل الموثّق ، فلا وجه للاستشهاد بهذه الموثقة لشيء من المانعية وعدمها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4  : 380 / ابواب لباس المصلي ب 16 ح 4 .

ــ[355]ــ

   وممّا ذكرنا يظهر الفرق بينها وبين المرسلة المتقدّمة ، حيث سلّمنا دلالتها على المانعية ، وذلك لمكان الاختلاف في التعبير ، حيث عبّر فيها بقوله : «وهي محرمة» وفي المرسلة بقوله : «إلا في الإحرام» فانّ المنع عن اللبس في الإحرام كالمنع عنه في الصلاة ظاهر في المانعية ، وأنّه يشترط في ثوبي الإحرام كلباس المصلّي أن لا يكون من الحرير ، فمعه لا يتحقق الإحرام كما لا تتحقّق الصلاة . وهذا بخلاف النهي عن اللبس في حالة الإحرام وبعد الاتّصاف بها ، فانّه غير ظاهر إلاّ في الحرمة التكليفية المحضة كما لا يخفى .

   فتحصّل : أنّه لا يمكن الاستناد في رفع اليد عن الإطلاق إلى شيء من المرسلة والموثّقة .

   والصحيح الاستناد في ذلك ـ بعد تسليم الإطلاق ، وإلا فهو ممنوع من أصله كما عرفت ـ إلى السيرة الثابتة من المتشرّعة القائمة على عدم تحرّز النساء عن الحرير حتى في الصلاة ، بل عليه تسالم الأصحاب خلفاً عن سلف ، ولم يعهد الخلاف بينهم فيما قبل زمان الصدوق ، وهو أوّل من ذهب إلى المنع ، وتبعه فيه نفر يسير من المتأخّرين . فلو كانت المانعية ثابتة لظهرت وبانت ، ولم يقع الخلاف فيها في مثل هذه المسألة المهمّة الكثيرة الدوران ، التي تبتلي بها المرأة في صلاتها في كلّ يوم خمس مرات على الأقل ، بل لم يتعرض لها في شيء من الأخبار ، ولم يسأل عن حكمها الرواة ، وإنّما خصّوا أسئلتهم بالرجال ، الكاشف عن وضوح حكم النساء لديهم وليس الواضح هو المنع قطعاً ، وإلا كنّ من الرجال أضيق حالاً ، مع ثبوت الجواز لهنّ في غير حال الصلاة دونهم بالضرورة . فلابدّ وأن يكون هو الجواز .

   على أنّ التنبيه على مثل هذا الحكم في الأخبار أولى من التعرّض لحكم ما لا يؤكل ، الذي ورد في غير واحد من الأخبار المنع عن الصلاة فيه ، فانّ الابتلاء بلبسه ـ سيما الصلاة فيه ـ قليل جدّاً بالإضافة إلى الحرير المتعارف لبسه غالباً كما لا يخفى .

ــ[356]ــ

بل وكذا الخنثى المشكل((1)) (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   فظهر من جميع ما مرّ أنّ الأقوى جواز لبس الحرير للنساء تكليفاً ووضعاً أي في الصلاة وغيرها ، لقصور المقتضي أوّلاً ، ووجود المانع ثانياً كما عرفتهما مفصّلاً .

   (1) يقع الكلام في الخنثى تارة مع قطع النظر عن العلم الإجمالي ، واُخرى مع ملاحظته .

   أمّا على الأوّل : فقد يقال بجواز لبسها في الصلاة وغيرها ، تمسكاً بأصالة البراءة عن الحرمة التكليفية والوضعية ، بناءً على ما هو الصحيح من الرجوع إليها في الأقل والأكثر الارتباطيين ، للشك في الرجولية التي هي الموضوع فيهما .

   وقد يقال كما عن صاحب المستند بالتفصيل بين الصلاة وغيرها ، فيجوز في الثاني لأصالة البراءة كما مرّ ، ولا يجوز في الأوّل(2) .

   إمّا لأنّ المرجع في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين هو الاشتغال وإن كان على خلاف التحقيق .

   أو لأجل التمسك بعموم ما دلّ على مانعية الحرير في الصلاة كقوله في صحيحة محمد بن عبد الجبّار المتقدّمة(3) : «لا تحلّ الصلاة في حرير محض» فانّ الخارج منه ـ بعد تسليم الإطلاق ـ عنوان المرأة الذي هو أمر وجودي ، فيكون الباقي تحت العام بعد التخصيص كلّ مكلّف لا يكون امرأة ، ويمكن إحرازه في الخنثى بضم الوجدان إلى الأصل ، فانّه مكلّف بالوجدان ويشك في اتصافه بهذا العنوان والأصل عدمه ، بناءً على ما هو الصحيح من جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية ، فانّه قبل أن يخلق لم يكن موصوفاً بعنوان

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأظهر أنه لا يجوز له لبس الحرير ولا الصلاة فيه .

(2) المستند 4  : 344 .

(3) في ص 327 .

ــ[357]ــ

الاُنوثية والآن كما كان ـ نظير استصحاب عدم الاتصاف بالقرشية ـ فيثبت بذلك أنّها ليست بامرأة وإن لم يثبت كونها رجلاً ، فانّ موضوع الحكم هو الأوّل دون الثاني كما عرفت .

   والصحيح في المقام بعد تسليم الإطلاق في صحيح ابن عبد الجبار هو التفصيل ، لما عرفت .

   ومنه تعرف أنّه لا يتوقّف على التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية كما أفاده المحقق الهمداني (قدس سره)(1) إذ بعد البناء على جريان الاستصحاب في العدم الأزلي يتنقّح حال الموضوع ، ولا تكون شبهة في المصداق كما هو ظاهر . هذا كلّه مع قطع النظر عن العلم الإجمالي .

   وأمّا مع ملاحظته فحيث إنّ الخنثى ليست طبيعة ثالثة ، بل هي إمّا رجل أو امرأة ، فهي تعلم إجمالاً بوجوب الإتيان باحدى الوظيفتين المقررتين للرجال أو النساء ، ومعه لا مجال للرجوع إلى الأصل ، لسقوطه في أطراف العلم الإجمالي بالمعارضة .

   واعترض عليه المحقّق الهمداني (قدس سره)(2) بعدم صلاحية مثل هذا العلم للتنجيز ، لاشتراطه بدخول الأطراف في محلّ الابتلاء ، وليس كذلك ، فلا أثر لعلم الخنثى إجمالاً بوجوب الاجتناب عن الحرير في الصلاة أو بوجوب الاجتناب عن لبس العمامة التي هي من زي الرجال ، لعدم ابتلائها حين الصلاة بلبسها غالباً ، نعم لو اتفق الابتلاء بلبسها في مورد بالفعل نجّز العلم ووجب الاجتناب عنهما ، فلا ينجّز العلم إلا أحياناً لا دائماً . وعليه فلا مانع من الرجوع إلى الأصل في بعض الأطراف ، لسلامته عن المعارض .

   ويرد عليه أوّلاً : أنّه لا يشترط في تنجّز العلم الإجمالي دخول تمام الأطراف في محلّ الابتلاء بالفعل ، بل الابتلاء فيما بعد أيضاً كاف في التنجيز . ومن هنا لا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقيه (الصلاة) : 139 السطر 29 .

(2) مصباح الفقيه (الصلاة) : 139 السطر 31 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net