كيفية صلاة العاري - وظيفته من حيث القيام والجلوس 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4277


ــ[395]ــ

البشرة ، ويمنع عن بدوّ العورة وإن كان بالارتماس في الماء ، أو الدخول في الحفيرة ، أو يطلي بالطين ونحوه مما تتحفّظ معه سوأته عن وقوع النظر إليها . وهذا بخلاف الأوّل ، فانّه يعتبر فيه ساتر خاص لدى الاختيار ، وهو ما يصدق عليه عنوان الثوب ، فلا يجزئ غيره اختياراً حتى القطن قبل صنعه ثوباً فضلاً عن ورق الأشجار والحشيش ونحوهما ، وقد استفيد ذلك من الأدلّة كما تقدّم في محلّه(1) .

   نعم ، مع العجز عن الثوب ينتقل إلى بدله وهو ورق الأشجار والحشيش فانها المرتبة النازلة من الساتر كما تدلّ عليه صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال : «سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فيبقى عرياناً وحضرت الصلاة كيف يصلّي ؟ قال : إن أصاب حشيشاً يستر به عورته أتمّ صلاته بالركوع والسجود ، وإن لم يصب شيئاً يستر عورته أومأ وهو قائم»(2) .

   وأمّا الدخول في الحفرة ، أو الماء الكدر ، أو الطلي بالطين ونحوه ممّا ذكر في المتن فلا عبرة بشيء منها ، لعدم الدليل على حصول الستر الصلاتي بها ، فمع العجز عن الثوب وعن الحشيش وظيفته الصلاة عارياً ـ التي ستعرف كيفيتها ـ وإن تمكّن من هذه الاُمور ، فانّها كالعدم .

   وممّا ذكرنا تعرف أنّ ورق الأشجار والحشيش في طول الثوب وبدل عنه فلا تجوز الصلاة فيها اختياراً مع التمكّن من الثوب ، فما يظهر من المتن من كونهما في عرض واحد في غير محلّه .

   وكيف كان ، فيقع الكلام في كيفيّة صلاة العاري . وقد اختلفت فيها كلماتهم بعد الاتّفاق على عدم سقوط الصلاة عنه .

   فالمشهور أنّه مع الأمن من الناظر المحترم يصلّي قائماً مومئاً للركوع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 125 فما بعدها .

(2) الوسائل 4  : 448 / أبواب لباس المصلي ب 50 ح 1 .

ــ[396]ــ

والسجود ، ومع عدم الأمن يصلّي جالساً مومئاً . وقد اختاره في المتن مع احتياطه في الشق الأوّل من التفصيل بتكرار الصلاة مع الركوع والسجود تارة وبالإيماء إليهما اُخرى .

   وبازاء هذا التفصيل أقوال :

   منها : التخيير بين الأمرين من غير فرق بين الأمن من المطّلع وعدمه اختاره المحقق (قدس سره) في المعتبر(1) .

   ومنها : وجوب القيام مطلقاً ، اختاره ابن إدريس(2) .

   ومنها : وجوب الجلوس مطلقاً ، نسب إلى السيد المرتضى (قدس سره)(3) وغيره ، فمجموع الأقوال أربعة :

   والأقوى ما عليه المشهور ، ومنشأ الاختلاف اختلاف الأخبار كما ستعرف .

   وتوضيح الحال يستدعي التكلّم في مقامين :

   أحدهما : في وظيفة العاري من حيث القيام والجلوس .

   ثانيهما : في وظيفته من حيث الركوع والسجود أو الإيماء إليهما ، هذا لو صلّى قائماً ، وأمّا مع الجلوس فهما ساقطان عنه بلا إشكال كما ستعرف .

   أمّا المقام الأوّل : فالروايات الواردة في المقام على طوائف ثلاث :

   إحداها : ما دلّت على وجوب القيام مطلقاً كصحيحة علي بن جعفر المتقدّمة ، ونحوها موثّقة سماعة قال : «سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض فأجنب وليس عليه إلا ثوب واحد فأجنب فيه وليس يجد الماء ، قال : يتيمّم ويصلّي عرياناً قائماً ، يومئ إيماء»(4) على رواية التهذيب(5) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المعتبر 2  : 105 .

(2) السرائر 1  : 260 .

(3) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3) : 49.

(4) الوسائل 3  : 486 / أبواب النجاسات ب 46 ح 1 ، 3 .

(5) التهذيب 1 : 405 / 1271 .

ــ[397]ــ

   لكن الكافي رواها بعين السند والمتن ، غير أنّ المذكور فيه قاعداً(1) بدل قائماً . فهي مضطربة المتن ، للعلم الإجمالي بصدور إحدى النسختين والاشتباه في الاُخرى . وأضبطيّة الكافي لدى الدوران لا تجري في المقام ، لأن الشيخ رواها في الاستبصار عن الكافي بلفظ قاعداً(2) فهو ملتفت إلى اختلاف النسخ وفي مثله لا تجري الأضبطيّة كما لا يخفى . فلا عبرة بالموثّقة . وهناك أخبار اُخر ضعيفة ، والعمدة هي صحيحة علي بن جعفر كما عرفت .

   ثانيها : ما دلّت على تعيّن الجلوس مطلقاً كصحيحة زرارة قال «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : رجل خرج من سفينة عرياناً أو سلب ثيابه ولم يجد شيئاً يصلّي فيه ، قال : يصلّي إيماءً وإن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها ، وإن كان رجلاً وضع يده على سوأته ثم يجلسان فيومئان إيماءً ولا يسجدان ولا يركعان فيبدو ما خلفهما ، تكون صلاتهما إيماءً برؤوسهما . . .» الخ(3) ونحوها غيرها . لكنّها ضعيفة السند ، والعمدة هي هذه الصحيحة .

   وكأنّ المحقّق (قدس سره) لأجل تعارض الطائفتين وعدم ترجيح في البين حكم بالتخيير ، كما أنّ من حكم بوجوب القيام مطلقاً قدّم الطائفة الاُولى ومن أوجب الجلوس مطلقاً قدّم الثانية .

   ثالثها : ما تضمّن التفصيل بين وجود الناظر المحترم فجالساً وإلا فقائماً كمرسلة ابن مسكان عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «في الرجل يخرج عرياناً فتدركه الصلاة ، قال : يصلّي عرياناً قائماً إن لم يره أحد ، فان رآه أحد صلّى جالساً»(4) ومرسلة الصدوق التي هي بعين هذا المتن(5) ، وصحيحة عبدالله بن مسكان عن أبي جعفر (عليه السلام) : «في رجل عريان ليس عليه ثوب ، قال :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكافي 3  : 396 / 15 .

(2) الاستبصار 1  : 169 / ذيل ح 583 .

(3) ، (4) الوسائل 4  : 449 / أبواب لباس المصلي ب 50 ح 6 ، 3 .

(5) الوسائل 4  : 449 / أبواب لباس المصلي ب 50 ح 5 ، الفقيه 1  : 168 / 793 .

ــ[398]ــ

إذا كان حيث لا يراه أحد فليصلّ قائماً»(1) . وبذلك يجمع بين الطائفتين المتقدّمتين بحمل الاُولى على صورة الأمن من المطّلع ، والثانية على عدم الأمن وتكون هذه الأخبار شاهدة للجمع ، لأنّ النسبة بينها وبين كلّ منهما نسبة الخاص إلى العام ، فتتجّه فتوى المشهور المنصور .

   لكن العمدة من هذه الأخبار إنّما هي الصحيحة الأخيرة ، فانّ مرسلة ابن مسكان لا عبرة بها وإن كان المرسل من أصحاب الإجماع ، لما تكرّر غير مرّة من أنّ الإجماع المدّعى على تصحيح ما يصحّ عن جماعة في عبارة الكشي(2) لا يراد منه أكثر من دعوى الاتفاق على توثيقهم ، لا على قبول رواياتهم على الإطلاق ، بحيث لا ينظر إلى من بعدهم من الرواة كي تقبل وإن رووها مرسلاً أو عن ضعيف أو مجهول ، نعم لو قلنا بالمعنى الثاني أو بنينا على انجبار ضعف الخبر بالعمل كانت المرسلة معتبرة ، وشيء منهما لا نقول به .

   وأمّا مرسلة الصدوق فمضافاً إلى ضعفها في نفسها من جهة الإرسال يطمأنّ عادة بأنّها هي المرسلة الاُولى بعينها ، لاتحادهما متناً كما عرفت .

   فالعمدة هي صحيحة ابن مسكان ، لكنّه نوقش فيها بأنّها في حكم المرسل لأنّه من أصحاب الكاظم (عليه السلام) فلا يمكن روايته عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)بل قد حكى الكشي عن أبي النضر محمد بن مسعود العيّاشي عن محمد بن نصير عن محمد بن عيسى عن يونس أن عبدالله بن مسكان لم يرو عن الصادق (عليه السلام) إلا حديث «من أدرك المشعر فقد أدرك الحج»(3) . وقال النجاشي قيل : إنّه روى عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، وليس بثبت(4) . فاذا لم تكن روايته عن الصادق (عليه السلام) ثابتة ، أو لم يرو إلا رواية واحدة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4  : 450 / أبواب لباس المصلي ب 50 ح 7 .

(2) رجال الكشي : 375 / 705 .

(3) رجال الكشي : 382 / 716 .

(4) رجال النجاشي: 214 / 559.

ــ[399]ــ

فعدم روايته عن الباقر (عليه السلام) بطريق أولى .

   أقول : أمّا حكاية الكشي فغير قابلة للاعتماد ، لأنّ محمد بن نصير الذي هو النميري غال ملعون ، ادّعى النبوة ، ووردت فيه ذموم عن العسكري (عليه السلام)(1) . نعم يمكن أن يراد به محمد بن نصير الكشي الذي هو شيخ الكشي لكنّه بعيد ، لكثرة رواية العيّاشي عن الأوّل . وكيف كان ، فلا أقل من احتماله فتسقط عن الاستدلال .

   وأمّا ما ذكره النجاشي فهو غريب جدّاً ، فانّ روايات ابن مسكان عن الصادق (عليه السلام) كثيرة لا تحصى ، وكتاب الكافي مشحون به ، وقد استقصى الأردبيلي في جامع الرواة(2) شطراً وافراً من رواياته عنه (عليه السلام) مستغرباً في ذيل كلامه دعوى من قال إنه لم يرو عنه (عليه السلام) إلا حديثاً واحداً .

   ورواياته عنه (عليه السلام) أكثر ممّا ذكره بكثير كما لا يخفى على المتتبع وعليه فروايته عن الباقر (عليه السلام) ممكنة ولا استبعاد فيها بعد مساعدة الطبقة ، فانّه مات في زمن الكاظم (عليه السلام) قبل الحادثة ، فيكون موته فيما بين سنة 148 التي توفي فيها الصادق (عليه السلام)وسنة 183 التي توفي فيها الكاظم ، وقد توفي الباقر (عليه السلام) سنة 114 ، فمن الجائز أن يكون مدركاً له (عليه السلام) في زمن صالح لروايته عنه ، لعدم إباء الطبقة عن ذلك كما لا يخفى . وقد روى هذه الرواية ثقة عن ثقة عنه ، وهو موثّق ، بل من أصحاب الإجماع كما عرفت ، يروي عن الباقر (عليه السلام) على نحو ظاهره الرواية عنه (عليه السلام) بلا واسطة ، فلماذا تطرح الرواية بمجرّد الاستبعاد واحتمال الإرسال مع ما عرفت من عدم البعد فيه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما ذكر في رجال الكشي : 520 / 999 .

(2) جامع الرواة 1  : 507 ـ 510 .

ــ[400]ــ

   على أنّا قد عثرنا على رواية اُخرى له عن الباقر (عليه السلام) في باب النكاح بلفظ السماع ، قال : «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول . . .»الخ(1) الظاهر بل الصريح في روايته عنه (عليه السلام) بلا واسطة .

   وعثرنا أيضاً على رواية ثالثة عنه (عليه السلام) في باب الزكاة المذكورة في الصفحة السابعة من جلد الزكاة من كتاب من لا يحضره الفقيه ـ الطبعة الجديدة(2) ـ ولعلّنا نظفر في فحصنا الأخير لتأليف الرجال على أكثر من ذلك .

   وبالجملة : فلا محيص عن الالتزام بحجيّة هذه الرواية ، وأنّها مسندة فيؤخذ بها ، وبذلك يجمع بين الطائفتين المتقدّمتين ويثبت التفصيل الذي ذكره المشهور .

   تنبيه : قد روى هذه الرواية ـ أعني رواية ابن مسكان عن الباقر (عليه السلام) ـ في الوسائل في المقام كما عرفت ، وفي الكافي عن المحاسن(3) ، وفي نفس المحاسن(4) وفي البحار(5) وفي بقية الكتب الحديثية والاستدلالية حسبما لاحظناها ، ولكن رواها صاحب الوسائل في باب 46 من أبواب النجاسات الحديث 2 بعين السند والمتن عن الصادق (عليه السلام)(6) والظاهر أنّه سهو إمّا من قلمه الشريف ، أو من النسّاخ ، لما عرفت . والصحيح ما أثبته في المقام .

   بقي في المقام أمران :

   الأوّل : الظاهر من كلمات الفقهاء (قدس الله أسرارهم) حيث عبّروا في مقام

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 21 : 5 / أبواب المتعة ب 1 ح 2 ، الكافي 5 : 448 / 2 ، التهذيب 7 : 250 /    1080[لكن في الوسائل والكافي : عن ابن مسكان عن عبدالله بن سليمان قال : سمعت أبا    جعفر (عليه السلام) يقول...].

(2) الفقيه 2  : 7 / 20 .

(3) [لم نعثر عليه في المصدر المذكور] .

(4) المحاسن 2  : 122 / 1338 .

(5) البحار 80  : 212 / 3 .

(6) الوسائل 3  : 486 / أبواب النجاسات ب 46 ح 2 [ولكن المذكور في الطبعة الجديدة    من الوسائل : عن أبي جعفر (عليه السلام)] .

 
 

ــ[401]ــ

التفصيل بالأمن من الناظر وعدمه إناطة الحكم بنفس الأمن ، فمعه يجب القيام وإن اتّفقت الرؤية خارجاً أثناء الصلاة ، ومع عدمه يجب الجلوس وإن لم يتّفق . وهذا كما ترى لا ينطبق على ما هو المتراءى من ظاهر الأخبار من دوران الحكم مدار نفس الرؤية الخارجية ، التي لازمها بطلان الصلاة قائماً معها حتى لو كان آمناً ، وصحّتها مع عدمها وإن لم يأمن كما لو صلّى في الشارع العام واتّفق عدم الرؤية .

   ويمكن أن يقال : إنّ العمدة من الأخبار هي صحيحة عبدالله بن مسكان كما عرفت ، والمذكور فيها قوله : «إذا كان حيث لا يراه أحد» والظاهر من كلمة «حيث» معرضية المكان للرؤية وشأنيته لها ، وكونه بحيث يصلح لأن يراه أحد ، دون نفس الرؤية بوجودها الواقعي ، فتنطبق حينئذ على الأمن المذكور في عبارة الأصحاب ، بل عبارتهم تفسير للمعنى ونقل لمضمون الصحيحة ، بل وغيرها كما لا يخفى .

   الثاني : مقتضى إطلاق الأخبار عدم خصوصية للناظر ، فيعتبر الأمن عن رؤية كلّ أحد ، لكن القرينة القطعيّة الارتكازيّة تشهد بأنّ المراد الناظر المحترم الذي يجب التستّر عنه كما عبّر به في كلمات الأصحاب ، فلا عبرة بنظر الصبي الذي هو كالحيوان ، إذ لا حرمة له ، ولا الزوجة أو الأمة ، لعدم وجوب التستّر [عنهما] .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net