وظيفته من حيث الركوع والسجود أو الايماء 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4190


   المقام الثاني : في وجوب الركوع والسجود أو الإيماء إليهما .

   أمّا في حالة الجلوس فالظاهر عدم الخلاف بين الأصحاب في وجوب الإيماء لغير المأموم ، كما تقتضيه النصوص التي منها صحيحة زرارة المتقدّمة(1) .

   وأمّا في حالة القيام فالمشهور المعروف هو وجوب الإيماء أيضاً ، لكن عن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 397 .

ــ[402]ــ

ابن زهرة وجوب الركوع والسجود حينئذ ، مدّعياً عليه الإجماع(1) . وإجماعاته كما ترى لا يعبأ بها ، سيما في مثل المقام الذي ذهب المشهور إلى خلافه . فدعواه موهونة جداً ، هذا .

   وقد وافقه فيما ذهب إليه صاحب الجواهر (قدس سره)(2) مصرّاً عليه ، مستدلاً له بعد الإجماع الذي عرفت حاله بوجوه منها : الأصل .

   وفيه : أنّه إن أراد به الاستصحاب فمضافاً إلى عدم الحالة السابقة ، للشك فيما هو الحادث من التكليف بعد حلول الوقت ، وأنّه الصلاة إيماءً أو مع الركوع والسجود ، ولا عبرة بالعلم بوجوبهما في وقت فريضة سابقة مع التمكّن من الساتر ، للعلم بالانتقاض فتأمّل ، أنّ الاستصحاب غير جار في الشبهات الحكمية .

   وإن أراد به المطلقات الدالة على وجوب الركوع والسجود فهي مقيّدة بصحيح علي بن جعفر(3) الدال على سقوطهما وبدلية الإيماء عنهما في هذه الحال ، وإن ناقش (قدس سره) في الصحيح بما ستعرفه مع جوابه .

   ومنها : أنّ الستر الصلاتي ساقط في المقام قطعاً ، لفرض العجز ، وإنّما اللازم رعاية الستر غير الصلاتي الواجب في حدّ نفسه ، ولأجله يفصّل بين الأمن عن الناظر المحترم فقائماً وبين عدمه فجالساً . وعليه فاذا كان الستر الصلاتي ساقطاً فما الموجب إذن للإيماء ، فانّه إنما يجب تحفظاً على هذا الستر الساقط على الفرض ، فهذا يوجب وهناً في صحيح علي بن جعفر ويسقطه عن درجة الاعتبار ، ويكون المتبع إطلاقات أدلّة الركوع والسجود .

   وهذا كماترى غريب منه جدّاً ، ولولا مخافة التجاسر على مقامه العظيم (قدس سره) لقلنا إنّه منه اجتهاد في مقابل النصّ ، فانّا إنّما نقول بوجوب الإيماء

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الغنية : 92 .

(2) الجواهر 8 : 208 ، 210 فما بعدها .

(3) المتقدم في ص 395 .

ــ[403]ــ

لأجل النص الصحيح الواجب الاتّباع ، أعني صحيح علي بن جعفر .

   نعم ، لولاه كان مقتضى القاعدة ـ أعني المطلقات ـ هو ما ذكره (قدس سره) لكن لابدّ من الخروج عنها بموجب النص المقيّد لها ، لا أنّه يوهن النص بهذا النوع من الاجتهاد الصريح في خلافه . وستعرف الجواب عن موهناته الاُخر التي أوردها على النص .

   ومنها : أنّ ما يستدلّ به للإيماء إمّا موثّقة سماعة أو صحيحة علي بن جعفر(1) ، لضعف غيرهما سنداً . وكلاهما ليسا بشيء فانّ الموثّق مضطرب المتن ، والصحيح موهون من وجهين :

   أحدهما : تضمّنه الإطلاق من حيث الأمن وعدمه ، مع تعيّن الجلوس في الفرض الثاني نصاً وفتوى .

   الثاني : أنّ مقتضى إطلاقه الإتيان بالتشهّد والتسليم قائماً ، ولم يقل به أحد ولأجل هذين الموهنين لم يرتض (قدس سره) ببقاء الصحيحة على ظاهرها بل تصرّف بحمل الإيماء على الانحناء المجامع لأقل مراتب الركوع .

   أقول : أمّا ما أفاده (قدس سره) في الموثّق من الاضطراب فهو حقّ صواب كما مرّ ، لكن الدليل غير منحصر فيه ، وفي الصحيح غنى وكفاية .

   وأمّا ما أفاده (قدس سره) من أوّل الموهنين فغايته تقييد إطلاق الصحيح بما دلّ على لزوم الجلوس مع عدم الأمن ، كصحيح عبدالله بن مسكان المتضمّن للتفصيل بين الأمن وعدمه كما مرّ ، والتقييد غير عزيز في الأخبار المتفرّقة في أبواب الفقه ، ولا يوجب الوهن البتة ، بل ما من خبر مطلق ـ عدا النادر ـ إلا وقد ورد عليه التقييد .

   وأمّا الموهن الثاني فيدفعه مضافاً إلى إمكان تقييد الإطلاق بما دلّ على لزوم الإتيان بالتسليم والتشهد حال الجلوس من الإجماع ونحوه ، ومثله لا يوجب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المتقدمتان في ص 396 ، 395 .

ــ[404]ــ

الوهن بوجه كما عرفت ، أنّه لا إطلاق في الصحيح من هذه الجهة أصلاً ، لعدم كونه في مقام البيان من هذه الناحية ، وإنّما هو مسوق لبيان سقوط الركوع والسجود في فرض عدم الساتر ، في قبال ما ذكره في الصدر من لزوم الإتيان بهما عند أصابة الحشيش . والتعرّض للقيام لأجل التنبيه على عدم سقوطه ولزوم مراعاته في الموارد التي يعتبر فيها القيام كحال القراءة والقيام المتّصل بالركوع ، لا لزوم الإتيان به على الإطلاق حتى عند التشهد والتسليم كي يوهن به الصحيح كما لعلّه ظاهر .

   وأمّاما أفاده (قدس سره) من حمل الإيماء على الانحناء المجامع للركوع والسجود فهو أفحش من سابقه ، وكيف يحمل الإيماء الصريح في الإشارة على ما يجامعهما ، مع وقوع المقابلة بينه وبين الركوع والسجود في صدر الصحيح وذيله الظاهر في المغايرة والمباينة كما لا يخفى .

   على أنّه لو سلّمنا الحمل على أقل المراتب فانّما يتم في الركوع ، لاختلاف مراتب الانحناء فيه ، وأمّا السجود فكلا ، لتقوّمه بوضع الجبهة على الأرض فليست له إلا مرتبة واحدة .

   ومنها : ما ذكره (قدس سره) تأييداً لدعواه من مرسلة أيّوب بن نوح عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفيرة دخلها ويسجد فيها ويركع»(1) فانّ الدخول في الحفيرة لأجل الأمن من المطّلع ، ومعه يتعيّن الركوع كما تضمّنه الخبر ، ومقتضاه أنّه إذا تحقّق الأمن خارج الحفيرة أيضاً تعيّن الركوع ، لعدم احتمال خصوصية للحفيرة .

   وفيه : مضافاً إلى ضعف الخبر بالإرسال أنّه على تقدير صحة السند فغايته تقييد الإطلاق به ، ويقتصر على مورده ، ولعلّ في الحفيرة خصوصية لا نعرفها فلا وجه للتعدّي كي يوهن به الصحيح ويرفع اليد عنه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4  : 448 / أبواب لباس المصلي ب 50 ح 2 .

ــ[405]ــ

   ومنها : تأييد الدعوى أيضاً بما سيأتي في صلاة العراة جماعة(1) من إيماء الإمام وركوع المأمومين وسجودهم كما تضمّنه النص(2) فيظهر أنّ الإيماء لا يكون إلا مع عدم الأمن كما في الإمام ، وأمّا المأمومون فحيث إنّهم مأمومون وجب عليهم الركوع والسجود . فالمناط هو الأمن وعدمه ، ولا خصوصية للجماعة في ذلك ، فيشترك معها الفرادى بعد اتحاد الملاك .

   وفيه : أنّه على تقدير تسليم الحكم هناك ـ ونسلّم كما سيأتي إن شاء الله تعالى ـ فهو مقصور على مورده للنصّ فيتقيد به الإطلاق ، ولامجال للتعدّي عن الجماعة إلى غيرها .

   فتحصّل من جميع ما ذكرناه أنّ هذه الشبهات كلّها واهية لا يعبأ بها . والأقوى ـ وفاقاً للمشهور ـ وجوب الإيماء ، وإن احتاط فيه في المتن من أجل هذه الشبهات .

   ثم إنّ الأقوى تبعاً للمشهور وعملاً بظاهر النص وجوب الإيماء للركوع والسجود في حال القيام مع فرض الأمن ، لكن عن بعض وهو السيد عميد الدين أنّه يجلس ويومئ للسجود ، وإن كان إيماؤه للركوع في حال القيام(3) ولم نعرف وجهاً لهذا التفصيل عدا قاعدة الميسور ، فكأنّ الإيماء جالساً أقرب إلى هيئة الساجد ، أو أنّ الهوي إلى السجود يتضمّن نوعاً من الجلوس ، فمع تعذّر المجموع يقتصر على الميسور .

   وفيه أوّلاً : أنّ القاعدة غير تامة في نفسها ، فالكبرى ممنوعة كما تكرّر غير مرّة .

   وثانياً : مع التسليم فالصغرى ممنوعة ولا مصداق لها في المقام ، إذ الجلوس ليس من مراتب السجود كي يكون ميسوراً له ، لتقوّمه بوضع الجبهة على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 331 فما بعدها .

(2) الوسائل 4  : 451 / أبواب لباس المصلي ب 51 ح 2 .

(3) حكاه عنه في الذكرى 3  : 23 .

ــ[406]ــ

الأرض ، فيكون الجلوس مبايناً له عرفاً ، وليس الجلوس الذي يتضمّنه السجود واجباً في نفسه كي يقتصر عليه لدى العجز عن المجموع ، بل هو مقدّمة له يسقط بسقوطه لا محالة كمالا يخفى .

   وثالثاً : مع الغضّ عما ذكر فالقاعدة إنّما يتمسّك بها مع عدم سقوط الواجب حال التعذّر كي يكون الميسور من مراتب امتثاله ، وفي المقام قد سقط الواجب ـ وهو السجود ـ رأساً ، وجعل بدله واجب آخر وهو الإيماء . فلا وجه لمراعاة الميسور في مثل ذلك أصلاً .

   وهذا نظير ما لو تعذّر الوضوء لفقد الماء الكافي له ، فانّه ينتقل إلى التيمم وان كان لديه من الماء ما يكفي لغسل وجهه وإحدى يديه مثلاً ، فلا يعتبر الإتيان بهذا الوضوء الناقص بدعوى كونه ميسوراً عن الكامل ، لسقوط الوضوء في هذه الحال من أصله ، وجعل بدل آخر مكانه وهو التيمم كما هو ظاهر . وبالجملة : فهذا التفصيل ساقط .

   نعم لو ذكر هذا القائل ـ ولم يذكر ـ أنّه يجب الجلوس للركوع والسجود معاً لأمكن توجيهه باستفادته من صحيحة زرارة المتقدّمة الآمرة بالجلوس والايماء للركوع والسجود في قوله (عليه السلام) : «ثم يجلسان فيومئان إيماءً ولا يسجدان ولا يركعان . . .»الخ(1) .

   لكنّه لم يقل به أحد ، ولا وجه له أيضاً ، لمنع الاستفادة ، فانّ الاستظهار المزبور مبني على أن يكون قوله (عليه السلام) : «ثم يجلسان  . . .»الخ بياناً لكيفيّة الإيماء بعد فرض الشروع في الصلاة قائماً . وليس كذلك ، بل ظاهره أنّه بيان لأصل كيفية الشروع في الصلاة ، فانّه بعد فرض الخروج عن السفينة وهم عراة أو أنّهم قد سلبت ثيابهم حكم (عليه السلام) إجمالاً بلزوم
الصلاة إيماءً وبما أنّهم ـ بطبيعة الحال ـ لا يقومون إلى الصلاة بمجرّد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4  : 449 / ابواب لباس المصلي ب 50 ح 6 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net