نقد الاستدلال ببعض الأخبار على اعتصام ماء الحمام وإن لم تبلغ مادّته كرّاً 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6122


   استدل من أنكر اعتبار بلوغ المادّة كراً في نفسها أو بضميمتها إلى ماء الحياض بعموم المنزلة المستفادة من الصحيحة المتقدمة ، لأنها دلت على أن ماء الحمام كالجاري من جميع الجهات والكيفيات . ولا تعتبر الكثرة في اعتصام المادّة بوجه كما أسلفناه سابقاً ، بل قد تكون رشحية كما في بعض الآبار ولا يكون فيها فوران أصلاً ، لأنها رطوبات أرضية تجتمع وتكون ماء .

ــ[230]ــ

   والجواب عن ذلك أن الصحيحة المتقدمة أو رواية بكر على تقدير اعتبارها غير ناظرتين إلى تنزيل ماء الحمام منزلة الجاري من جميع الجهات ، بل نظرهما إلى دفع ما ربما يقع في ذهن السائل من عدم اعتصام ماء الحياض باتصالها بمادتها ، لما ارتكز عندهم من عدم تقوى السافل بالعالي لتعددهما وتغايرهما عرفاً ، ومعه لا يبقى وجه لاعتصام ماء الحياض وتوضيح ذلك: أ نّا قدّمنا(1) في بعض المباحث المتقدمة أن العالي لا ينفعل بانفعال الماء السافل ، لأن العالي والسافل وإن كانا متحدين عقلاً لاتصالهما وهو مساوق للوحدة بالنظر الدقي العقلي ، حيث إن المتصل جسم واحد عقلاً إلاّ أن الأحكام الشرعية غير منوطة بالنظر الدقي الفلسفي ، بل المتبع فيها هو الأنظار العرفية ، والعرف يرى العالي غير السافل وهما ماءان متعددان عنده ، ومن هنا لا يحكم بنجاسة العالي فيما إذا لاقى السافل نجساً حتى في المضاف كماء الورد إذا صبّ من إبريق على يد الكافر مثلاً ، فانّه لا يحكم بنجاسة ما في الإبريق لأجل اتصاله بالسافل المتنجس بملاقاة يد الكافر ، وأدلّة انفعال القليل منصرفة عن مثله لعدم ملاقاة العالي للنجاسة عرفاً ، وبالجملة أنهما ماءان فكما لا تسرى قذارة السافل إلى العالي منهما كذلك نظافة العالي لا تسري إلى السافل لتعددهما بالارتكاز .

   وعلى هذا كان للسائل أن يتوهّم عدم طهارة المياه الموجودة في الحياض الصغار بمجرد اتصالها بموادها الجعلية التي هي أعلى سطحاً من الحياض فانهما ماءان ، ولا  سيما عند جريان الماء من الأعلى إلى الأسفل ، ولعلّ هذا هو المنشأ لسؤالهم عن حكم ماء الحياض . وقد تصدى (عليه السلام) لدفع هذه الشبهة المرتكزة بأن ماء الحياض متصل بالمادّة الجعلية كاتصال المياه الجارية بموادها الأصلية ، فماء الحمام بمثابة الجاري من حيث اتصاله بالمادّة المعتصمة فيتقوّى ما في الحياض بالآخر بالتعبد . ولولا هذه الأخبار لحكمنا بانفعال ماء الحياض الصغار ، فانّه لا خصوصية للماء الموجود في الحياض من سائر المياه ، وبلوغ مادتها كراً لا يقتضي اعتصام ماء الحياض لتعددهما كما عرفت .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 38 .

ــ[231]ــ

   وعلى الجملة الأخبار الواردة في اعتصام ماء الحمام ناظرة بأجمعها إلى دفع الشبهة المتقدمة ، وليست بصدد تنزيله منزلة الجاري من جميع الجهات وبيان أن لماء الحمام خصوصية تمنع عن انفعاله بالملاقاة بلغت مادته كراً أم لم تبلغه .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net