في تعيين المورد الّذي يجهر فيه - الجهر في صلاة الجمعة وظهرها 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8389


   وثالثاً :  أنّ الجواب على هذا لا يطابق السؤال ، فانّ اللازم حينئذ أن يجيب بقوله : لا ، أي لا شيء عليه ، الذي هو مصب السؤال على الفرض ، لا أن يجيب بقوله : إن شاء جهر وإن شاء لم يفعل ، لعدم كونه متعلقاً للسؤال .

   وكيف ما كان ، فالقراءة المذكورة لا ينبغي احتمالها ، والمتعيّن قراءة الهمزة مفتوحة ، وهي محمولة على المعنى الذي ذكرناه فلا معارضة ، ومع التسليم فهي محمولة على التقية كما عرفت ، فالأقوى ما عليه المشهور من وجوب الجهر .

   إنّما الكلام في مصداق ما يجهر فيه وأ نّه يجب في أيّ صلاة من الصلوات اليومية ، وفي أيّ مورد من الصلاة ، وكذا الحال في الاخفات فانّ إثبات ذلك بحسب الروايات لا يخلو عن الاشكال .

 أما من حيث المورد فقد ورد التصريح بالقراءة في رواية محمد بن عمران ويحيى بن أكثم وغيرهما (2) إلاّ أ نّهما لأجل ضعف السند لا تصلحان للاستدلال والانجبار لا نقول به . نعم ، تدل عليه صحيحة زرارة الثانية وصحيحة علي بن جعفر المتقدمة (3) ، وبعض روايات باب الجمعة والجماعة كصحيحة الحلبي : «إذا

ــــــــــــــــ
(2) الوسائل 6 : 83 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 25 ح 2 ، 3 .

(3) في ص 372 ، 373 .

ــ[379]ــ

صليت خلف إمام تأتم به فلا تقرأ خلفه ، سمعت قراءته أم لم تسمع ، إلاّ أن تكون صلاة تجهر فيها بالقراءة»(1) ، وصحيحة علي بن يقطـين (2) ، وغـيرهما مؤيداً بالروايات الضعاف المتقدمة ، فانّه يظهر منها المفروغية عن ثبوت الجهر بالقراءة .

   وهل يختص ذلك بالركعتين الأوّلتين ، أو يعم الأخيرتين لو اختار القراءة فيهما ؟ سيجيء الكلام عليها عند تعرض الماتن لها في فصل مستقل إن شاء الله تعالى (3) .

   وأمّا بقيّة الأذكار غير القـراءة ، فمقتضى الأصل الجـواز ، لعدم الدليل على وجوب الجهر فيها أو الاخفات. مضافاً إلى التصريح بالتخيير في صحيحتي علي بن جعفر وعلي بن يقطين المتقدمتـين(4)، والتسليم وإن لم يذكر فيهما ، فانّ المذكور هو التشهد ، وذكر الركوع والسجود والقنوت ، لكنه ملحق بها قطعاً فانّ الظاهر منها أنّ ذكر هذه الاُمور من باب المثال كما لا يخفى . على أ نّه لم يقع في شيء ممّا ذكر خلاف ولا إشكال ، هذا كله من حيث المورد .

   وأمّا من حيث تعيين الصلاة ، فلم يرد التصريح في شيء من الأخبار .

 نعم ، تدل عليه السيرة القطعية المتصلة إلى زمن المعصومين (عليهم السلام) الجارية على الجهر بالقراءة في صلاة الغداة والمغرب والعشـاء ، والاخفات في الظهرين ، وبذلك يتعين موضوع الروايات من قوله فيها : «جهر فيما لا ينبغي» أو «اخفت فيما لا ينبغي»(5) ، ويفسّر المراد منهما، وأنّ الصلوات كانت على نوعين:

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 8 : 355 /  أبواب الجماعة ب 31 ح 1 ، 11 .

(3) في ص 481 .

(4) في ص 376 ، 377 .

(5) الوسائل 6 : 86 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 26 .

ــ[380]ــ

يجهر في بعض ويخفت في بعض ، كما هو المتعارف اليوم ، وليس هذا استدلالاً بتلك الصحيحة لتعيين المورد ، فانّ المورد مستفاد من السيرة التي اُشير إليها في هذه الصحيحة ، والحكم وهو الوجوب مستفاد منها كما مرّ .

   نعم ، يستفاد وجوب الاخفات في الظهر من غير يوم الجمعة من بعض أخبار الجمعة الآتية . ويؤيّد الحكم عدّة روايات متضمنة لتعيين الصلوات ممّا اشتمل على الجهر والاخفات ، كرواية محمد بن عمران (حمران) ، ويحيى بن أكثم وغيرهما (1) لكنها لضعف أسانيدها لا تصلح إلاّ للتأييد .

   بقي الكلام في صلاة الجمعة وظهرها .

   أمّا صلاة الجمـعة ، فقد ادعى غير واحد من الأعـلام قيام الاجمـاع على اسـتحباب الاجهار في قراءتها ، وتشهد له جملة من النصوص كصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث في الجمعة «قال: والقراءة فيها بالجهر»(2) . وصحيح عمر بن يزيد «قال : ليقعد قعدة بين الخطبتـين ويجهر بالقـراءة» (3) اُخرى واجهر فيها» وصحيح العـرزمي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إذا ادركت الإمام يوم الجمعة وقد سـبقك بركعة فاضف إليها ركعة (4) وغيرها وظاهرها كما ترى هو الوجوب ، غير أ نّهم حملوها على الاستحباب بقرينة الاجماع المدعى في كلمات الأصحاب كما عرفت .

   نعم، ناقش صاحب الجواهر (قدس سره)(5) في قيام الاجماع على الاستحباب حيث لم يوجد تصريح بالندب في كلمات من تقدم على المحقق فلا يبعد أن يكون مرادهم مطلق الرجحان القابل للحمل على الوجوب في قبال وجوب الاخفات

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 83 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 25 ح 2 ، 3 .

(2) ، (3) ، (4) الوسائل 6 : 160 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 2 ، 4 ، 5 .

(5) الجواهر 11 : 133 .

 
 

ــ[381]ــ

في الظهر في غير يوم الجمعة .

   وما أفاده (قدس سره) متين جداً ، فلا موجب لرفع اليد عن ظهور هذه الأخبار في الوجوب ، لعدم إحراز قيام الاجماع على الخلاف ، فالقول بالوجوب لو لم يكن أقوى فلا ريب أ نّه أحوط .

   وأمّا الظهر يوم الجمعة ، فلا ينبغي الاشكال في استحباب الجهر فيها ، كما لا خلاف أيضاً إلاّ عن ابن إدريس(1) حيث ذكر أنّ الأحوط الاخفات ، لقاعدة الاشتغال لكنه شاذ ، ومستند الحكم عدة روايات كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «قال لنا صلّوا في السفر صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة ، واجهروا بالقراءة فقلت : إنّه ينكر علينا الجهر بها في السفر فقال : اجهروا بها»(2) .

   وصحيحة عمران الحلبي «عن الرجل يصلي الجمعة أربع ركعات ، أيجهر فيها بالقراءة ؟ قال : نعم» (3) ، ومصحح الحلبي «عن القراءة في الجمعة إذا صليت وحدي أربعاً أجهر بالقراءة ؟ فقال : نعم» (4) ، المؤيدة بخبر محمد بن مروان «عن صلاة الظهر يوم الجمعة كيف نصليها في السفر ؟ فقال : تصليها في السفر ركعتين والقراءة فيها جهراً» (5) .

   وظاهرها وإن كان هو الوجوب(6) لكنه يرفع اليد عنه وتحمل على الاستحباب من أجل القرينة العامة التي تمسكنا بها في كثير من المقامات ، وهو أنّ الوجوب لو كان ثابتاً في مثل هذه المسألة الكثيرة الدوران التي هي محل الابتلاء لجميع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) السرائر 1 : 298 .

(2) ، (3) ، (4) ، (5) الوسائل 6 : 160 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 6 ، 1، 3، 7.

(6) هذا في غير صحيحتي الحلبي ، أمّا فيهما فيمكن أن يكون السؤال عن الجواز دون الوجوب .

ــ[382]ــ

المكلفين في كل اسبوع لاشتهر وبان وشاع وذاع، بل كان من المسلّمات الواضحات ولم يقع فيه خلاف من أحد ، فكيف ذهب المشهور بل عامة الأصحاب ما عدا ابن إدريس إلى الاستحباب ، بل هو المرتكز في أذهان المتشرعة وقد قامت سـيرتهم وعملهم على عدم الوجـوب حتى في زماننا هذا ، وإن كان شيخنا الاُستاذ (قدس سره) يحتاط في ذلك برهة من الزمن بتكرار الصلاة تارة، وبتكرار القراءة قاصداً بإحداهما الواجب الواقعي مدة اُخرى .

   فيظهر أنّ عدم الوجوب كان أمراً مفروغاً مسلّماً عندهم ، حتى أنّ ابن إدريس جعل الاخفات أحوط كما سمعت ، فلو كان الجهر واجباً أو محتمل الوجوب لم يكن ذاك احتياطاً كما لا يخفى .

   فان قلت :  إنّ هذا الوجه بعينه يجري في صلاة الجمعة ، فكيف اخترتم فيها وجوب الجهر ولم تلتزموا بالاستحباب .

   قلت :  كلا ، ولا مجال لقياس إحداهما بالاُخرى ، فانّ صلاة الجمعة لم تكن شائعة عند الشيعة ، بل هي متروكة مهجورة في عصر الغيبة ، فلم تكن محلاًّ للابتلاء، ومن المسائل الكثيرة الدوران الذي هو الضابط في التمسك بهذا الوجه فتبقى ظواهر النصوص الآمرة بالجهر سليمة عن القرينة على الخلاف ، بخلاف الظهر من يوم الجمعة التي يبتلى بها عامة المكلفين . فلا مناص من حمل نصوص المقام على الاستحباب كما عرفت .

   بل إنّ هناك صحيحتين ربما يستشكل من أجـلهما حتى في الاسـتحباب لتضمنهما النهي عن الاجهار بالقراءة فتعارض النصوص السابقة .

   إحداهما :  صحيحة جميل قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الجماعة يوم الجمعة في السفر ، فقال : يصنعون كما يصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر

ــ[383]ــ

ولا يجهر الإمام فيها بالقراءة ، إنّما يجهر إذا كانت خطبة» (1) وهذه وما بعدها هي التي أشرنا فيما سبق أ نّه يظهر من بعض أخبار الجمعة لزوم الاخفات في الظهر من غير يوم الجمعة .
ـــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 161 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 8 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net