الجمع بين الروايات المتعارضة في الأفضلية - البحث حول التفصيل بين الإمام وغيره 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4933


ــ[474]ــ

   وصحيحة محمد بن قيس(1) فانّ التعبير بـ «كان» يدل على الاستمرار الكاشف عن أفضلية التسبيح ، وظاهرها الاطلاق ، لأ نّه (عليه السلام) كان يصلي إماماً ومأموماً ومنفرداً .

   هذه جملة الروايات المعتبرة الدالّة على أفضلية التسـبيح مطلقاً . ويؤيدها روايات اُخر، وإن كانت أسانيدها لا تخلو عن الخدش كرواية رجاء  بن الضحاك(2) ورواية محمد بن عمران (3) المصرّحة بأفضلية التسبيح وغيرهما ممّا لا يخفى على المراجع .

   وبازائها طائفة اُخرى من الأخبار تقتضي أفضلية الحمد مطلقاً، وهي روايتان إحداهما :  رواية محمد بن حكيم قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) أ يّهما أفضل القراءة في الركعتين الأخيرتين أو التسبيح ؟ فقال : القراءة أفضل» (4) لكنها ضعيفة السند بمحمد بن الحسن بن علان ومحمد بن حكيم ، فانّهما لم يوثقا .

   الثانية :  رواية الطبرسي في الاحتجاج عن الحميري عن صاحب الزمان (عليه السلام) «أ نّه كتب إليه يسأله عن الركعتين الأخيرتين ـ إلى أن قال ـ فأجاب (عليه السلام) قد نسخت قراءة اُم الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح والذي نسخ التسبيح قول العالم (عليه السلام) «كل صلاة لا قراءة فيها فهي خداج ... » إلخ(5) ، وقد تقدّم التعرّض لها في أوّل الفصل (6) ، وعرفت أ نّها ضعيفة السند بالارسال أوّلاً ، ومشوّشة المتن ثانياً . ولو تمت لكانت حاكمة على جميع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 125 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 9 .

(2) الوسائل 6 : 110 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 8 .

(3) الوسائل 6 : 123 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 3 .

(4) الوسائل 6 : 125 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 10 .

(5) الوسائل 6: 127/ أبواب القراءة في الصلاة ب51 ح14، الاحتجاج 2: 585/ 357.

(6) في ص 449 .

ــ[475]ــ

أخبار الباب .

   فظهر أ نّه ليست هناك رواية يعتمد عليها تقتضي أفضلية الحمد مطلقاً حتى تعارض الطائفة السابقة من الأخبار المقتضية لأفضلية التسبيح مطلقاً ، فهذا القول ساقط .

   يبقى الكلام :  في التفصيل الذي قيل به بين الإمام وغيره . ويقع الكلام تارة : في المنفرد ، واُخرى : في الإمام ، وثالثة : في المأموم .

   أمّا المنفرد ، فلم يرد في شيء من النصوص ما تضمن الأمر بالفاتحة خاصة بالنسبة إليه ، عدا رواية جميل بن دراج « ...  ويقرأ الرجل فيهما إذا صلى وحده بفاتحة الكتاب» (1) لكنها ضعيفة السند بعلي بن السندي ، فانّه لم يوثق إلاّ من نصر بن صباح (2) ولا عبرة به ، لعدم ثبوت وثاقته في نفسه . ومن هنا لا يبعد القول بأفضلية التسبيح بالاضافة إليه كما نبّه عليه سيدنا الاُستاذ (دام ظله) في تعليقته الشريفة (3) عملاً بالنصوص المتقدمة ، وإن كان هذا أيضاً لا يخلو عن شيء كما ستعرف .

   وأمّا الإمام ، فمقتضى النصوص المتقدمة أفضلية التسبيح له ، بل قد يظهر من صحيحة سالم أبي خديجة (4) تعيّنه كما لا يخفى .

 لكن بازائها صحيحتان تضمّنتا الأمر بالفاتحة خاصة، وهما: صحيحة معاوية ابن عمار «عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين ، فقال : الإمام يقرأ بفاتحة الكتاب ومن خلفه يسبِّح، فاذا كنت وحدك فاقرأ فيهما وإن شئت فسبّح»(5)

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 108 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 4 .

(2) رجال الكشي : 598 / 1119 ، معجم رجال الحديث 13 : 50 / 8195 .

(3) [ تقدم في التعليقة الاشكال في أفضلية التسبيح للمنفرد . راجع ص 473 ] .

(4) الوسائل 6 : 126 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 13 .

(5) الوسائل 6 : 108 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 2 .

ــ[476]ــ

وصحيحة منصور بن حازم «إذا كنت إماماً فاقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب وإن كنت وحدك فيسعك فعلت أو لم تفعل» (1) .

   وقد جمع المحقق الهمداني (قدس سره) (2) بينهما بالالتزام بالتخصيص ، وأنّ خصوص الإمام تتعين عليه الفاتحة ، فتحمل النصوص السابقة على غير الإمام وهو كما ترى فانّ في بعض تلك النصوص التصريح بالتسبيح في خصوص الإمام كصحيحة سالم أبي خديجة المتقدمة آنفاً ، فتقع المعارضة لا محالة ، ولا سبيل للتخصيص ، بل إنّ مقتضى الجمع العرفي بينهما هو الحمل على التخيير، لظهور كل منهما في التعيين ، فيرفع اليد عن خصوصية التعينية ويحمل على التخيير .

   ومنه تعرف أ نّه لا مجال لحمل الصحيحتين على التقية كما ارتكبه صاحب الحدائق(3) ، إذ الحمل المزبور فرع تعذر الجمع العرفي وقد عرفت إمكانه بما ذكرناه ونتيجة ذلك هو الحكم بالتخيير من دون ترجيح لأحدهما على الآخر .

   هذا ، والتحقيق عدم إمكان الحمل على التقية في نفسه ، فانّ الأمر بالقراءة في الصحيحتين ظاهر في الوجوب ، فامّا أن يراد به الوجوب التعييني أو التخييري لا سبيل للثاني للتصريح في ذيلهما بثبوت التخيير للمنفرد أيضاً ، فلم يبق فرق بينه وبين الإمام ، ومن الواضح أنّ التفصيل قاطع للشركة .

   كما لا سبيل للأوّل أيضاً ، إذ لم يقل به أحد حتى من العامة ، فانّ مذهبهم أفضلية القراءة في الأخيرتين لا تعيّنها فكيف يحمل على التقية .

   ودعوى حمل الأمر على الاستحباب ، ثم الحمل على التقية ، كما ترى، إذ لا مقتضي لحمل اللفظ على خلاف ظاهره ثم الحمل على التقية .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 126 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 11 .

(2) مصباح الفقيه (الصلاة) : 285 ، السطر 28 .

(3) الحدائق 8 : 402 .

ــ[477]ــ

   وممّا ذكرنا تعرف أنّ ما قدّمناه (1) من الجمع العرفي أيضاً ساقط ، لما عرفت من تعذر الحمل على التخيير ، فلا مناص من الالتزام باستقرار المعارضة بينهما وبين صحيحة سالم أبي خديجـة المتقدمة الصريحة في تعيّن التسـبيح للإمام فيتساقطان لا محالة ، والمرجع بعدئذ إطلاق صحيحة عبيد بن زرارة (2) القاضية بالتخيير والمساواة بين القراءة والتسبيح من دون ترجيح .

   فان قلت : قد ورد النهي عن القراءة في بعض النصوص المحمول على الكراهة جمعاً ، ولازمه أفضلية التسبيح فكيف يلتزم بالتخيير .

   قلت :  النهي عن القراءة لم يرد إلاّ في صحيحتين ، إحداهما :  صحيحة زرارة عن أبي جعـفر (عليه السلام) «قال : إن كنت خلف إمام فلا تقرأنّ شيئاً في الأولتين ، وأنصت لقراءته ، ولا تقرأنّ شيئاً في الأخيرتين ، فانّ الله عزّ وجل يقول للمؤمنين : وإذا قرئ القرآن ـ يعني في الفريضة خلف الإمام ـ فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ، فالأخيرتان تبعاً للأوّلتين» (3) .

   وهي كما ترى ظاهرة في المنع عن القراءة في الصلوات الجهرية ، ولا معارض لها في موردها ، فلو كنّا نحن وهذه الصـحيحة لحكمنا بعدم جواز القراءة في الأخيرتين للمأموم في الصلاة الجهرية ، إذ لا مقتضي لحمل النهي على خلاف ظاهره بعد سلامته عن المعارض في مورده ، غير أنّ المشهور لم يلتزموا بذلك .

   ومن هنا كان الأحوط وجوباً اختيار التسبيح بالنسبة إليه ، كما نبّه عليه سيدُنا الاُستاذ (دام ظله) في التعليقة (4) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 452 .

(2) الوسائل 6 : 107 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 1 .

(3) الوسائل 8 : 355 /  أبواب الجماعة ب 31 ح 3 .

(4) تقدمت في ص 473 .

ــ[478]ــ

   الثانية : صحيحته الاُخرى عنه (عليه السلام) «أ نّه قال: لا تقرأنّ في الركعتين الأخيرتين من الأربع الركعات المفروضات شيئاً إماماً كنت أو غير إمام ... » إلخ(1) لكن هذا النهي باعتبار تأكيده بالنون المثقلة وتنكير لفظ الشيء غير قابل للحمل على الكراهة كما لا يخفى ، ومقتضى الجمع بينها وبين سائر الأخبار المرخّصة للقراءة ، هو إرادة النهي عن القراءة بعنوان الوظيفة المقررة في الركعتين الأخيرتين ، فلا يجوز الاتيان بها فيهما بهذا العنوان ، أي بعنوان الوظيفة الأصلية والواجب الأوّلي ، على حد الاتيان بها في الأوّلتين كما تفعله العامة كذلك ، فلا ينافي ذلك جواز الاتيان بها فيهما بعنوان أ نّها مصداق للتسبيح ، وباعتبار اشتمالها على التحميد والدعاء كما صرح بذلك في صحيحة عبيد بن زرارة المتقدمة .

   وملخّص الكلام في المقام : أنّ المسـتفاد من الأخبار بعد ضمّ بعضها إلى بعض ، أنّ الوظيفة الأوّلية في الركعتين الأخيرتين اللتين هما ممّا سنّه النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويدخلهما الوهم ، إنّما هو التسبيح فقط في مقابل الركعتين الأوّلتين اللتين هما من فرض الله ولا يدخلهما الوهم ، فان الوظيفة فيهما القراءة فحسب ، وقد جعل هذا الفرق امتيازاً لما فرضه الله عمّا سنّه النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كما اُشير إلى ذلك في بعض النصوص(2) ، فالقراءة بعنوانها الأوّلي غير مشروعة في الأخيرتين، بل المقرر إنّما هو التسبيح كما تشهد بذلك الصحاح الثلاث لزرارة المصرّحة بأ نّه ليس فيهنّ قراءة(3) .

   فلو كنا نحن وهذه النصوص ، لحكمنا بعدم مشروعية القراءة في الأخيرتين مطلقاً ، إلاّ أ نّه يظهر من صحيحة عبيد بن زرارة المتقدمة جواز القراءة فيهما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 122 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 1 .

(2) الوسائل 6 : 124 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 4 .

(3) الوسائل 6 : 109 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 6 ، 124 / ب 51 ح 6 ، الوسائل 8 : 187 / أبواب الخلل ب 1 ح 1 .

ــ[479]ــ

أيضاً ، لا بعنوانها الأوّلي ، بل لمكان اشتمالها على التحميد والدعاء ، فتكون أيضاً فرداً من أفراد التسبيح ، فهي والتسـبيحات المقررة على حد سواء ، والمكلف مخير عقلاً بين الأمرين ، لأنّ المأمور به هو جامع التسبيح وطبيعيه ، وبما أنّ القراءة من أفراده بمقتضى هذه الصحيحة ، فيكون التخيير بينهما عقلياً ، فهذه الصحيحة حاكمة على جميع أخبار الباب ومثبتة للتساوي بين الأمرين من غير ترجيح في البين، وقد عرفت(1) أنّ الأمر بالقراءة للإمام في صحيحتي معاوية ومنصور معارض بالأمر بالتسبيح في صحيحة سالم أبي خديجة ، وبعد التساقط يرجع إلى إطلاق هذه الصحيحة المثبتة للتخيير على الاطلاق من غير فرق بين الإمام والمأموم والمنفرد ، إلاّ قسماً خاصاً من المأموم كما تقدم ، لورود النص الخاص فيه السليم عن المعارض .

   ويدل على ما ذكرناه من التخيير مطلقاً : مضافاً إلى صحيحة عبيد ، موثقة علي بن حنظلة(2) بل هي أصرح منها، لتضمنها الحلف على التساوي بين القراءة والتسبيح، ونحن وإن ناقشنا فيما سبق(3) في سند هذه الرواية ، بل حكمنا بضعفها من جهة عدم ثبوت وثاقة علي بن حنطلة، ولا أخيه عمر في كتب الرجال، وإن تلقّى الأصحاب روايات الثاني بالقبول وأسموها مقبولة عمر بن حنظلة .

 لكن الظاهر وثاقة الرجل علي بن حنظلة فان ما تقدم من التضعيف كان مبنياً على الغفلة عمّا ورد في شأنه من رواية صحيحة تدل على وثاقته بل ما فوقها ، وهي ما رواه في بصائر الدرجات (4) بسند صحيح عن عبدالأعلى بن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 475 .

(2) الوسائل 6 : 108 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 3 .

(3) في ص 451 ، 469 .

(4) بصائر الدرجات : 348 / 2 ، وقد أشار (دام ظله) إلى ذلك في المعجم 12 : 429 / 8115 .

ــ[480]ــ

أعين قال: «دخلت أنا وعلي بن حنظلة على الصادق (عليه السلام) فسأله علي ابن حنظلة فأجابه فقال : فإن كان كذا وكذا فأجابه فيها حتى أجابه بأربعة وجوه ، فالتفت إليّ علي بن حنظلة قال : يا أبا محمد قد أحكمناه فسمع الصادق (عليه السلام) فقال: لاتقل هكذا يا أبا الحسن فانّك رجل ورع ، إنّ من الأشياء أشياء ضيّقة ... » إلخ ، فان أبا الحسن كنية علي بن حنظلة وقد وصفه الإمام بالورع الذي هو فوق العدالة فضلاً عن الوثاقة . فلا ينبغي التشكيك في وثاقة الرجل .

   وعليه فروايته في المقام موثقة ، ولولا وقوع عبدالله بن بكير والحسـن بن علي بن فضال في السـند لعـبّرنا عنها بالصحيحة ، لكنّها موثقة من أجلهما ومقتضاها  كصحيحة عبيد هو التخيير والتساوي بين الأمرين مطلقاً كما عرفت .

   ومن جميع ما ذكرناه يظهر الحال في المأموم ، فانّ الروايات فيه أيضاً متعارضة كالإمام . فيظهر من بعضها أنّ الوظيفة هي التسبيح كرواية سالم أبي خديجة (1) حيث قال (عليه السلام) : «وعلى الإمـام أن يسبّح مثل ما يسبّح القوم في الركعتين الأخيرتين» . فانّ ظاهرها أنّ كون وظيفة المأمومين هي التسبيح أمر مسلّم بحيث شبّه به تسبيح الإمام .

   ويظهر من بعضها أنّ الوظيفة إنّما هي القراءة ، كصحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إن كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتى يفرغ وكان الرجل مأموناً على القرآن فلا تقرأ خلفه في الأوّلتين . وقال : يجـزئك التسبيح في الأخيرتين قلت : أيّ شيء تقول أنت ؟ قال : أقرأ فاتحة الكتاب» (2) .

 

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 126 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 13 .

(2) الوسائل 6 : 126 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 12 .

 
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net