الماء المستعمل في الطهارة المندوبة وما نسب إلى المفيد من استحباب التنزّه عنه 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6493


    القسم الثاني من الماء المستعمل

   (1) هذا هو القسم الثاني من أقسام الماء المستعمل ، وهو الماء الذي يستعمل على وجه الندب أو الوجوب من غير أن يرتفع به حدث أو خبث ، وهذا كالمستعمل في الغسل الواجب بنذر وشبهه والمستعمل في الأغسال المستحبة وفي الوضوء ندباً كالوضوء التجديدي ، فان الماء لم يستعمل في شيء من هذه الموارد في رفع الحدث أو الخبث . أمّا بالنسبة إلى الوضوء التجديدي فالأمر ظاهر ، وأمّا بالنسبة إلى الأغسال المستحبة سواء وجبت بالعارض أم لم تجب فعدم ارتفاع الحدث بها إما لفرض أن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 209 / أبواب الماء المضاف ب 8 ح 1 .

(2) نقله عنه في المحلى جلد 1 ص 185 و ص 147 على ما قدّمنا حكايته وحكاية غيره من أقوال العامّة في تعليقة ص 125 ـ 127 .

ــ[280]ــ

المغتسل لم يكن محدثاً ، أو من جهة البناء على أنها لا تؤثر في رفع الحدث ، وسيأتي الكلام على هذا في محلّه (1) .

   وحكم هذا القسم حكم الماء غير المستعمل ، فيصح استعماله في رفع الحدث بكلا قسميه كما يكتفى به في إزالة الأخباث . وبالجملة أن حاله بعد الاستعمال كحاله قبله فلا مانع من استعماله ثانياً فيما قد استعمل فيه أوّلاً من الغسل المستحب والوضوء التجديدي وهكذا ثالثاً ورابعاً ... والوجه في ذلك هو اطلاقات مطهرية الماء ، هذا .

   وقد نسب إلى المفيد (قدس سره) استحباب التنزه عن المستعمل في الطهارة المندوبة من الغسل والوضوء بل المستعمل في الغسل المستحب كغسل اليد للأكل (2) وأورد عليه الأصحاب بأنه لا دليل من الأخبار ولا من غيرها على استحباب التنزه عن الماء المستعمل ، وأجاب عن ذلك شيخنا البهائي (قدس سره) في الحبل المتين (3) بأن المستند فيما ذكره المفيد هو ما رواه محمد بن علي بن جعفر عن الرضا (عليه السلام) في حديث قال : «من اغتسل من الماء الذي قد اغتسل فيه فأصابه الجذام فلا يلومن إلاّ نفسه ...» (4) فان اطلاق الغسل في قوله «من اغتسل من الماء الذي قد اغتسل فيه ...» يعم الغسل الواجب والمندوب ، وتعجب عن أن الأصحاب كيف لم يلتفتوا إلى هذا الحديث قائلاً بأن أكثرهم لم يتنبهوا له .

   وأورد عليه في الحدائق (5) بأن صدر الرواية وإن كان مطلقاً كما عرفت إلاّ أن ذيلها قرينة على أن مورد الرواية إنما هو ماء الحمام ، حيث ورد في ذيلها : «فقلت : إن أهل المدينة يقولون : إن فيه شفاء من العين فقال : كذبوا ، يغتسل فيه الجنب من الحرام والزاني والناصب الذي هو شرهما وكل من خلق الله ، ثم يكون فيه شفاء من العين» وعليه فظاهر الرواية كراهة الاغتسال من ماء الحمام الذي يغتسل فيه الجنب وغيره

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في المسألة [ 487 ] .

(2) المقنعة : 64 .

(3) حبل المتين : 116 .

(4) الوسائل 1 : 219 / أبواب الماء المضاف ب 11 ح 2 .

(5) الحدائق 1 : 437 .

ــ[281]ــ

من المعـدودين في الحديث ، ولا دلالة لها على كراهة الاغتسال في مطلق الماء المستعمل في الغسل .

   هذا على أن الرواية على تقدير تمامية الاستدلال بها مختصة بكراهة الاغتسال من المستعمل في الغسل ، ولا دلالة لها على كراهة الغسل من المستعمل في الوضوء ، وقال : إن الاستدلال بصدر الرواية من دون ملاحظة أن ذيلها قرينة على صدرها من أحد المفاسد المترتبة على تقطيع الحديث ، وفصل بعضه عن بعض ، فما ذكره المفيد (قدس سره) مما لا دليل عليه .

   ولكن الإنصاف أن ذيل الرواية أجنبي عن صدرها ، وهما أمران لا قرينية في أحدهما على الآخر ، وبما أن صدرها مطلق فلا مانع من أن يعتمد عليه ، ويكون هو المدرك لقول المفيد (قدس سره) كما ذكره البهائي (قدس سره) .

   نعم ، يمكن المناقشة في دلالة الرواية على استحباب التنزه من الماء المستعمل بوجه آخر ، وهو أن هذه الرواية ونظائرها إنما وردت لارشاد الناس إلى الأخذ بمصالحهم والتجنب عما يضرهم ، ومن جملته الاحتفاظ على صحة أبدانهم بالاجتناب عن استعمال ما اجتمعت فيه الأوساخ التي قد تؤدي إلى سراية الأمراض ، والقرآن كما أنه متكفل بارشاد البشر إلى المصالح الاُخروية والدنيوية ، ومكمّل لنظامهما على وجه أتم كذلك الأئمة (عليهم السلام) فانّهم أقران الكتاب ينظرون إلى جهات المصالح والمفاسد كلّها ، ومن أهمها جهة التحفظ على الصحة ، ونظير هذه الرواية ما ورد : من أن شرب الماء في الليل قاعداً كذا وقائماً كذا (1) .

   ولكنه لا دلالة في شيء منها على استحباب تلك الاُمور ولا على كراهة خلافها لأنها كما عرفت في مقام الإرشاد ولم ترد لبيان الحكم المولوي ، ومن هنا نتعدّى من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ففي المحاسن عن محمد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «لا تشربوا الماء قائماً» . وفي رواية السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «شرب الماء من قيام بالنهار أقوى وأصح للبدن» . وفي مرسلة الصدوق : «أنه أدرّ للعروق وأقوى للبدن» . راجع الوسائل 25 : 242 / أبواب الأشربة المباحة ب 7 ح 12 ، 1 ، 7 .

ــ[282]ــ

وأمّا المستعمل في الحدث الأكبر فمع طهارة البدن لا إشكال في طهارته ورفعه للخبث (1) والأقوى جواز اسـتعماله في رفع الحدث أيضاً وإن كان الأحوط مع وجود غيره التجنب عنه (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مورد الحديث الرضوي إلى كل مورد فيه احتمال سراية المرض من الجذام أو غيره كالتوضؤ ممّا اغتسل فيه غيره كما نتعدّى إلى مطلق الماء المستعمل ولو في غير الاغسال الشرعية ، كالمستعمل في الغسل العرفي .

   وعلى الجملة أن التجنب عن مطلق الماء المستعمل أولى لأنه يمنع عن سراية الأمراض ، وعليه يتم ما أورده الأصحاب في المقام من أنه لا مدرك لما ذهب إليه المفيد (قدس سره) .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net