الثالث: الزلزلة \ الرابع: كل مخوّف سماوي 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء السادس : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4685


   الثالث: الزلزلة، وهي أيضاً سبب لها(3) مطلقاً وإن لم يحصل بها خوف على الأقوى.

 ــــــــــــــــــــــ
   (3) إجماعاً كما عن غير واحد، وإن استشعر الخلاف من إهمالها وعدم التعّرض إليها في كلمات جمع من القدماء، غير أنّه لم ينسب الخلاف إلى أحد صريحاً. وكيف ما كان، فالمتّبع هو الدليل، ويستدلّ له بوجوه:

ــ[9]ــ

   أحدها: ما رواه الصدوق في الفقيه باسناده عن سليمان الديلمي «أنّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الزلزلة ما هي؟ فقال: آية - ثمّ ذكر سببها، إلى أن قال - قلت: فاذا كان ذلك فما أصنع؟ قال: صلّ صلاة الكسوف ...» الحديث وروى مثله في العلل بطريق آخر عن محمّد بن سليمان الديلمي عن أبي عبد الله (عليه السلام)(1) .

   ولكن السند ضعيف في الطريقين، لعدم ثبوت وثاقة سليمان ولا ابنه محمد بل قال النجاشي: إنّه غال كذاب، وكذلك ابنه محمد، لا يعمل بما انفردا به(2) .

   على أنّ في الطريق الثاني أحمد بن محمّد بن يحيى، ولم تثبت وثاقته، وكذا إبراهيم بن إسحاق. ودعوى الانجبار كما ترى.

   ثانيهما: ما رواه الصدوق أيضاً باسناده عن بريد بن معاوية ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) «قالا: إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات فصلّها ما لم تتخوّف أن يذهب وقت الفريضة، فان تخوّفت فابدأ بالفريضة واقطع ما كنت فيه من صلاة الكسوف، فاذا فرغت من الفريضة فارجع إلى حيث كنت قطعت، واحتسب بما مضى»(3)، فانّ الزلزلة من أهمّ هذه الآيات، والخوف الحاصل في موردها أعظم، فيشملها قوله: «أو بعض هذه الآيات».

   غير أنّ المحقّق الهمداني (قدس سره) ناقش في الدلالة، نظراً إلى كونها مسوقة لبيان حكم آخر(4) وهو تقديم الفريضة عليها لدى المزاحمة.

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 7: 486/ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب 2 ح 3، الفقيه 1: 343/1517  علل الشرائع: 556/7.

(2) لاحظ معجم الاُستاذ 9: 286/5481، 5536. لكنّ النجاشي (في رجاله:182/482)  نسبه إلى قائل مجهول، ومثله لا يصلح لمعارضة التوثيق المستفاد من وقوعه في تفسير  القمّي. اللهم إلاّ أنّ يكون قوله: لا يعمل بما انفردا به، من كلام النجاشي نفسه، فليلاحظ.

(3) الوسائل 7: 491/ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب 5 ح 4، الفقيه 1: 346/1530.

(4) مصباح الفقيه (الصلاة): 478 السطر 12.

ــ[10]ــ

   ولكنّه كما ترى لا يكون مانعاً عن التمسّك بها، غايته بعد تقييد الوجوب بعدم المزاحمة وأنّه معها يتمّ الفريضة ثم يبني، فانّ هذا التقييد لا يمنع عن شمول لفظ البعض لأظهر المصاديق وأبرزها كما عرفت.

   نعم، يرد على الاستدلال بها أولا: جواز أن يكون المراد من البعض هي الآيات المعهودة بين الناس والمعلوم كونها كالكسوف موجبة للصلاة كالعواصف الشديدة والرياح المظلمة ونحوها من الأخاويف السماوية الواردة في صحيحة محمّد بن مسلم وزرارة الآتية، فتكون تلك الصحيحة إشارة إلى هذه وكون الزلزلة عندهم مثلها غير معلوم.

   وثانياً: أنّها غير نقية السند وإن عبّر عنها المحقّق الهمداني(1) كصاحب الجواهر(2) بالصحيحة، فانّ طريق الصدوق إلى بريد مجهول، حيث لم يذكر في المشيخة. وطريقه إلى محمّد بن مسلم ضعيف، فانّ فيه علي بن أحمد بن عبد الله ابن أحمد البرقي عن أبيه(3) وكلاهما مجهول.

   ثالثها: التعليل الوارد في رواية الفضل بن شاذان المتقدّمة(4) بعد وضوح أنّ الخوف الحاصل من الزلزلة المجعول مناطاً لوجوب الصلاة في هذه الرواية أعظم من غيرها من سائر الآيات.

   وفيه: مضافاً إلى أنّ الخوف المزبور حكمة للتشريع لا علّة للحكم ليلزم اطّرادها - كما تقدّم - أنّها ضعيفة السند، لضعف طريق الصدوق إلى الفضل(5) . فما في مصباح الفقيه من الحكم باعتبار السند(6) في غير محلّه.

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقيه (الصلاة): 478 السطر 9.

(2) الجواهر 11: 406.

(3) الفقيه 4 (المشيخة): 6.

(4) الوسائل 7: 483/ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب 1 ح 3، وقد تقدمت في ص 8.

(5) الفقيه 4 (المشيخة): 53.

(6) مصباح الفقيه (الصلاة): 478 السطر 32.

ــ[11]ــ

   الرابع: كلّ مخوّف سماوي (1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   رابعها: صحيحة الفضلاء عن كليهما أو أحدهما (عليهما السلام) «إنّ صلاة كسوف الشمس والقمر والرجفة والزلزلة عشر ركعات وأربع سجدات، صلاّها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والناس خلفه في كسوف الشمس، ففرغ حين فرغ وقد انجلى كسوفها»(1) .

   وفيه: أنّها بصدد بيان الكيفية وأنّها في جميعها عشر ركعات، فلا تدلّ على الوجوب، بل غايته المشروعية. ويشهد لذلك قوله (عليه السلام) بعد ذلك: «إنّ الصلاة في هذه الآيات كلّها سواء، وأشدّها وأطولها كسوف الشمس ...»إلخ.

   والمتحصّل ممّا تقدم: ضعف هذه الوجوه سنداً أو دلالة، فلا يصحّ التعويل عليها، نعم لو قلنا بما سيجيء من وجوب الصلاة لكلّ مخّوف سماوي أو أرضي ثبت الحكم في المقام بلا إشكال، لكون الزلزلة من أبرزها وأعظمها، ولكنّك ستعرف عدم ثبوت هذه الكليّة، فلم يبق في البين إلا الإجماع المدعى في المقام وحيث إنّ في صحّة التعويل عليه بعد وضوح مدرك المسألة ما لا يخفى فالحكم إذن مبنّي على الاحتياط.

   (1) على المشهور، بل عن الخلاف دعوى الإجماع عليه(2) . ويستدلّ له بصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم قالا «قلنا لأبي جعفر (عليه السلام): هذه الرياح والظلم التي تكون هل يصلّى لها؟ فقال: كلّ أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصلّ له صلاة الكسوف حتّى يسكن»(3) .

   وربما يستشكل في دلالتها من وجهين:

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 7: 492/ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب 7 ح 1.

(2) الخلاف 1: 682 المسألة 458.

(3) الوسائل 7: 486/ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب 2 ح 1.

ــ[12]ــ

   أحدهما: أنّ السؤال لم يكن عن الوجوب بل عن المشروعية، فيكون الجواب طبعاً منزّلا عليها.

   ويندفع: بأنّ المشروعية لدى الأخاويف السماوية أمر متعارف بينهم يعرفها عامة الناس، فكيف يقع السؤال عنها سيما من الأجلاء والأعاظم نظراء زرارة ومحمّد بن مسلم الراويين لهذا الحديث. فلا جرم يكون السؤال عن الوجوب لا غير.

   ثانيهما: أنّ قوله (عليه السلام) في الذيل: «حتى يسكن» آية الاستحباب لعدم وجوب إطالة الصلاة إلى سكون الآية وارتفاعها بضرورة الفقه.

   ويندفع: بابتنائه على أن يكون ذلك قيداً في المأمور به، وهو خلاف الظاهر بل في حيّز المنع، وإنّما هو قيد للأمر أو غاية له، ويكون المعنى على الأوّل أنّ الأمر بالصلاة باق إلى زمان ارتفاع الآية وسكونها، نظير قوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ)(1) ، وعلى الثاني أنّ الغاية من الأمر وفائدة الإتيان بهذه الصلاة سكون الآية وهدوءها، نظير قول الطبيب: اشرب الدواء حتّى تعافى.

   ويمكن الاستدلال أيضاً بصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله «أنّه سأل الصادق (عليه السلام) عن الريح والظلمة تكون في السماء والكسوف، فقال الصادق (عليه السلام): صلاتهما سواء»(2) ، فانّ ظاهر الجواب المساواة بين صلاة الكسوف وبين الصلاة لسائر الأخاويف السماوية في الوجوب وفي الكيفية، لا في الثاني فقط كما لا يخفى.

   وتؤيّد المطلوب رواية بريد ومحمد بن مسلم المتقدّمة، حيث عرفت أنّ بعض الآيات الواردة فيها إشارة إلى الأخاويف السماوية المذكورة في صحيحة زرارة وابن مسلم الآنفة الذكر، غير أنّها لأجل ضعف سندها لا تصلح إلاّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الاسراء 17: 78.

(2) الوسائل 7: 486 / أبواب صلاة الكسوف والآيات ب 2 ح 2.

ــ[13]ــ

أو أرضي((1)) (1) كالريح الأسود أو الأحمر أو الأصفر والظلمة الشديدة والصاعقة والصيحة والهدّة والنار التي تظهر في السماء والخسف

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

للتأييد.

   (1) كما عن جماعة من الأصحاب، ويستدلّ له تارة بالتعليل الوارد في خبر الفضل بن شاذان(2) وقد عرفت ما فيه.

   واُخرى: برواية بريد ومحمّد بن مسلم المتقدمة(3) بدعوى أنّ «بعض هذه الآيات» الواردة فيها تعمّ السماوية والأرضية.

   وفيه: مضافاً إلى ما عرفت من ضعف السند أنّها ناظرة إلى الأخاويف السماوية خاصة كما تقدّم.

   وثالثة: بصحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم المتقدّمة(4) بدعوى شمول الأخاويف السماوية للأرضية، نظراً إلى أنّ الإضافة لم تكن مكانية، وإنّما هي نشوية، باعتبار أنّ جميعها تنزل من السماء وتستند إلى الباري تعالى، ولذا يعبّر عن الكّل بالآفات الإلهية. فالأخاويف الأرضية وإن كان مكانها الأرض إلاّ أنّ مصدرها السماء، ومن ثمّ اُسندت إليها.

   وفيه: ما لا يخفى، لبعد هذا الاحتمال في حدّ نفسه، ومع عدم البعد فهو مجرد احتمال لا يبلغ حدّ الظهور ليصحّ التعويل عليه، ومن الجائز أن تكون الإضافة مكانية لا سببية.

   إذن فلم ينهض دليل يعتمد عليه بالإضافة إلى الأخاويف الأرضية، فالحكم فيها مبني على الاحتياط. نعم يتأكّد الاحتياط في خصوص الزلزلة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحكم بوجوبها في المخوف الأرضي مبني على الاحتياط.

(2) المتقدّم في ص 8.

(3) في ص 9.

(4) في ص 11.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net