قضاء الصلاة في سائر الآيات - حصول الآية في وقت الفريضة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء السادس : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4617


ــ[46]ــ

وأمّا في سائر الآيات فمع تعمّد التأخير يجب الإتيان بها ما دام العمر، وكذا إذا علم ونسي، وأمّا إذا لم يعلم بها حتى مضى الوقت أو حتى مضى الزمان المتصل بالآية ففي الوجوب بعد العلم إشكال((1)) لكن لا يترك الاحتياط بالإتيان بها ما دام العمر فوراً ففوراً (1).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحقّق الهمداني(2) وغيره. وليس الأمر كذلك على مسلكهم، فانّ طريق الصدوق إلى ابن مسلم ضعيف(3) ، وطريقه إلى الفضيل بن يسار فيه علي بن الحسين السعدآبادي(4) ولم يوثّق.

   نعم، بناءً على مسلكنا من توثيق رجال كامل الزيارات تتّصف الرواية بالصحة، لوجود السعدآبادي في أسناده، فانّه شيخ ابن قولويه. فليس للحدائق ومن تبعه توصيف الرواية بالصحة بعد ما عرفت من وجه الضعف ووضوح عدم سلوكهم مسلكنا في التوثيق(5) .

   وأمّا ما تقدّم عن المفيد من القضاء مطلقاً فليس له وجه ظاهر عدا الإطلاق في مرسلة حريز ورواية أبي بصير، وقد عرفت حالهما من ضعف السند وأنّه على تقدير الصحة يقيّدان بهذه الصحيحة وغيرها.

   (1) يقع الكلام تارة في فرض العلم بالآية وترك الصلاة إمّا عصياناً أو نسياناً أو لعذر آخر، واُخرى في صورة الجهل، فهنا مقامان:

   أمّا المقام الأوّل: فالمشهور شهرة عظيمة - حتى قال في الجواهر: لا أجد فيه خلافاً(6) - وجوب القضاء بناء على وجوب الأداء في الزلزلة. ويستدل على الوجوب بوجوه:

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الظاهر أنّه لا إشكال فيه ولا سيما في الزلزلة.

(2) مصباح الفقيه (الصلاة): 482 السطر 8.

(3)، (4) الفقيه 4 (المشيخة): 6، 32.

(5) شمول توثيق ابن قولويه لمشايخه بلا واسطة لعلّه مسلّم عند الكل.

(6) الجواهر 11: 434.

ــ[47]ــ

   أحدها: أنّ وجود السبب وتحقّق الآية كما يقتضي الأداء يستوجب القضاء أيضاً.

   وهذا الوجه ظاهر الضعف، لأنّا إن بنينا على أنّ هذه الصلاة من الموقتات - كما هو الصحيح بالمعنى المتقدّم(1) إمّا من حين الآية أو في الزمان المتصل بها كما في الزلزلة - فلا شكّ في سقوط الوجوب بانقضاء الوقت، لأنّ مقتضى التوقيت محدودية التكليف بزمان خاص، فيرتفع بارتفاعه لا محالة، فيحتاج القضاء إلى دليل آخر غير الدليل الأوّل المتكفّل للأداء، لقصوره عن التعرّض لذلك كما هو ظاهر.

   وإن بنينا على عدم التوقيت فمجرّد السبب وإن كان كافياً لكنّه حينئذ أداء ما دام العمر، فلا موضوع للقضاء أصلا، لتقوّمه بالتوقيت المنفي حسب الفرض.

   الثاني: عدم القول بالفصل، فانّ كلّ من قال بوجوب القضاء عند الاحتراق إذا كان جزئياً قال به في سائر الآيات أيضاً. فالتفكيك قول بالفصل، وهو خرق للإجماع المركّب. ومن أجل هذا ذكر المحقّق الهمداني (قدس سره) أنّ الوجوب لو لم يكن أقوى فلا ريب أنّه أحوط(2) .

   وفيه: أنّ غايته أنّه لم يوجد هناك خلاف في الخارج، ولم يكن قائل بالفصل وليس هذا من الإجماع التعبّدي الكاشف عن رأي المعصوم (عليه السلام)، بل أقصاه أنّ القضاء هنا هو المشهور، ولا حجية للشهرة.

   الثالث: عموم من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته(3) الشامل باطلاقه لصلاة الآيات.

 وأجاب عنه في المدارك بانصراف الفريضة إلى خصوص اليومية(4) كما قد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 22.

(2) مصباح الفقيه (الصلاة): 483 السطر 11.

(3) الوسائل 8: 268/ أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح1.

(4) المدارك 4: 134.

ــ[48]ــ

يقتضيه التشبيه في قوله: كما فاتته، الناظر إلى المماثلة من حيث القصر والتمام.

   وأيّده المحقّق الهمداني (قدس سره)(1) بأنّ الفريضة قد وقعت في قبال صلاة الآيات في أخبار الكسوف والخسوف(2) .

   لكن الظاهر أنّ دعوى الانصراف كالتأييد في غير محلّها، فانّ للفريضة إطلاقين: أحدهما خصوص ما فرضه الله في كتابه، الثاني: مطلق الفرض ولو ثبت بالسنة، في قبال التطوّع. وأكثر إطلاقها في لسان الأخبار إنّما هو بالمعنى الثاني ما لم تقم قرينة على الخلاف كما في مورد التأييد، حيث إنّ وقوع المقابلة بينها وبين صلاة الآيات قرينة على إرادة اليومية منها التي هي فرض ثابت بالكتاب، وإلاّ فالغالب إطلاقها في قبال التطوّع كما عرفت، بل قد اُطلق لفظ الفريضة على نفس صلاة الآيات في كثير من الأخبار(3) .

   فدعوى الانصراف ساقطة، ولا قصور في العموم في شموله للمقام، لكن الشأن في ثبوت العموم في حدّ نفسه، فانّ هذه الرواية لم تثبت من طرقنا، بل ولا من طرق العامة كما قيل، نعم اشتهر هذا المضمون في ألسنة الفقهاء، فغايته أنّها رواية مرسلة لا يعتدّ بها.

   الرابع: الاستصحاب. وفيه: مضافاً إلى عدم حجيّته في الشبهات الحكمية أنّ هذا الواجب من الموقتات كما مرّ، ومقتضاه سقوط التكليف بانقضاء الوقت، وبعد ذلك يشك في حدوث تكليف جديد، والمرجع في مثله أصالة البراءة دون الاستصحاب.

 الخامس: - وهو العمدة - التمسّك باطلاق صحيح زرارة: «عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلّها أو نام عنها، قال: يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار ...» إلخ(4) ، فانّ المذكور فيها لفظ الصلاة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقيه (الصلاة) 482 السطر 29.

(2) الوسائل 7: 490/ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب 5.

(3) الوسائل 7: 483/ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب 1.

(4) الوسائل 8: 256/ أبواب قضاء الصلوات ب 2 ح 3.

ــ[49]ــ

ولا قصور في شمولها لصلاة الآيات، فلو سلّم الانصراف في لفظ الفريضة إلى اليومية لا وجه لتوهّمه في لفظ الصلاة.

   نعم، قد اشتمل ذيل الصحيحة على لفظ الفريضة، قال (عليه السلام): «ولا يتطوّع بركعة حتّى يقضي الفريضة كلّها» الكاشف عن إرادتها من الصلاة المذكورة في الصدر. لكنّه في مقابل التطوّع، فلا يقدح في الاستدلال كما لا يخفى.

   وأمّا المقام الثاني: أعني القضاء في فرض الجهل، فالمعروف والمشهور بينهم - بل لم ينقل الخلاف من أحد كما في الجواهر(1) - عدم وجوبه، وعن بعض المتأخّرين وجوبه.

   وجميع ما ذكرناه في المقام الأوّل من الوجوه التي استدلّ بها للوجوب مع مناقشاتها جار في المقام أيضاً إلاّ الوجه الثاني وهو عدم القول بالفصل، لأنّ المشهور عدم وجوب القضاء في فرض الجهل عند عدم الاحتراق لا وجوبه كما كان في فرض العلم، فلا ملازمة بين الموردين من حيث الوجوب.

   ويؤيّد المقام بمناقشة ثالثة في الاستصحاب وهو عدم كون الوجوب متيقّناً بل عدم الالتفات إلى وقوع الآية غالباً من جهة نوم ونحوه، فإنّ فرض التوجّه والشكّ في وقوعها - كما لو أحس بحركة وشك في أنّها من جهة الزلزلة أو من أثر سرعة مرور الطائرة العظيمة - شاذ نادر، وعليه فلم يكن حال وقوع الآية مكلّفاً ليكون متيقّناً فيستصحبه، وأمّا بعده فهو شاك في تعلّق التكليف ومقتضى الأصل البراءة عنه.

   وحيث كان الوجه الخامس سليماً عن أيّة مناقشة فاللازم هو الحكم بوجوب القضاء هنا أيضاً كما ذهب إليه بعض المتأخّرين.

   وأمّا ما التزم به المشهور من عدم وجوب القضاء فلم يعرف وجهه سوى ما ذكره صاحب الجواهر (قدس سره) من فحوى سقوطه في الكسوف الذي هو أقوى في الوجوب قطعاً(2) .

   ولكنّه كما ترى، فانّ الكسوف له فردان أحدهما: مع الاحتراق، وحكمه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)، (2) الجواهر 11: 430.

ــ[50]ــ

   [1762] مسألة 10: إذا علم بالآية وصلّى ثم بعد خروج الوقت أو بعد زمان الاتصال بالآية تبيّن له فساد صلاته وجب القضاء (1) أو إلاعادة.

   [1763] مسألة 11: إذا حصلت الآية في وقت الفريضة اليومية فمع سعة وقتهما مخيّر بين تقديم أيّهما شاء وإن كان الأحوط تقديم اليومية، وإن ضاق وقت إحداهما دون الاُخرى قدّمها، وإن ضاق وقتهما معاً قدّم اليومية (2).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وجوب القضاء. ثانيهما: مع عدمه، وحكمه سقوطه عند الجهل. ومع هذا الاختلاف ما هو الموجب لإلحاق سائر الآيات بأحد الفردين دون الآخر.

   وبعبارة اُخرى: التفصيل المزبور يكشف عن أن مجرّد الكسوف المقرون بالجهل لم يكن علّة للسقوط، بل بضميمة ما يختص بالمورد وهو كون الاحتراق ناقصاً، ومعه لا موضوع للفحوى(1) . فلا مجال للتعدّي.

   (1) وذلك فلأنّ المسألة بحدّها وإن لم تكن منصوصة إلاّ أنّه يمكن استفادة حكمها من إطلاق موثّقة عمّار المتقدّمة في المسألة السابقة(2) حيث يستفاد منه وجوب القضاء في فرض العلم بالآية ولم يصلّ ولو كان من جهة اشتمالها على الخلل، فانّ موردها وإن كان غلبة العين إلاّ أنّك عرفت فيما سبق أنّه لا خصوصية لذلك، بل هي من باب المثال وأنّ المعيار ترك الصلاة بتمامها أو ببعض خصوصياتها، فكما أنّه لو تبيّن الخلل أثناء الوقت تجب الإعادة بمقتضى الاشتغال فكذلك لو كان التبيّن بعد الوقت، لإطلاق الموثقة.

   (2) ما ذكره (قدس سره) من أحكام صور المسألة هو المعروف والمشهور بينهم ولا سيما المتأخّرين منهم، كما أنّها مطابقة لما تقتضيه القاعدة.

   أمّا في صورة سعة الوقت لكلّ من صلاتي اليومية والآية فلعدم التزاحم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مناط الفحوى دعوى أقوائية الوجوب، والقائل بها يرى تحقّقها في كلا فردي الكسوف بملاك واحد، ومعه يتعيّن الإلحاق بالفرد الثاني لاختصاص الفحوى به كما لا يخفى، اللّهم إلاّ أن يناقش في الدعوى المزبورة من أصلها.

(2) الوسائل7: 501/أبواب صلاة الكسوف والآيات ب10 ح10، وقد تقدّمت في ص 44.

ــ[51]ــ

بينهما إذ المفروض سعة الوقت، ومقتضاها جواز تقديم أيّهما شاء.

   وأمّا في فرض ضيق الوقت عن الإتيان بهما فيه معاً فلأهمّية اليومية على ما يستفاد ممّا ورد من عدم سقوط الصلاة بحال(1) فتقدّم لدى المزاحمة لا محالة.

   وأمّا في صورة ضيق وقت خصوص اليومية فالتقديم فيها أظهر، فانّه في الفرض السابق الذي كان وقت الآية أيضاً مضيّقاً حكمنا بتقديم اليومية من جهة الأهمّية، فما ظنّك بما إذا كان وقت الآية موسّعاً.

   وأمّا في فرض ضيق وقت الآية فقط فلعدم التزاحم بين الموسّع والمضيّق هذا.

   مضافاً إلى أنّه قد دلّت الروايات الخاصّة على حكم الصورة الاُولى - وهي سعة الوقت لهما - بل وكذا الثالثة، أعني ضيق وقت اليومية خاصّة.

   ولكن مع ذلك فقد ذهب جمع كالصدوقين(2) والشيخ(3) وابني حمزة(4) والبراج(5) والشهيد(6) إلى وجوب تقديم الفريضة حتّى في سعة الوقت لهما. كما أنّه نسب إلى بعض كابن أبي عقيل(7) والآبي(8) والحلّي(9) القول بوجوب تقديم صلاة الكسوف ولو في السعة لهما.

   أمّا القائلون بتقديم الفريضة فقد استدلّوا بصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «سألته عن صلاة الكسوف في وقت الفريضة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2: 373/ أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5.

(2) الفقيه 1: 347 ذيل ح 1534، المقنع: 143، وحكاه عنهما في المختلف 2: 297 المسألة 182، فقه الرضا: 135.

(3) النهاية: 137.

(4) الوسيلة: 112.

(5) المهذّب 1: 125.

(6) لاحظ الذكرى 4: 223، الدروس 1: 195،البيان: 208.

(7) حكاه عنه في المختلف 2: 297 المسألة 182.

(8) كشف الرموز 1: 191.

(9) السرائر 1: 323.

ــ[52]ــ

فقال: ابدأ بالفريضة، فقيل له: في وقت صلاة الليل؟ فقال: صلّ صلاة الكسوف قبل صلاة الليل»(1)، فانّ موضوع هذه الصحيحة باعتبار التعبير بالبدأة هو سعة الوقت لكلّ من الصلاتين، إذ الابتداء يستدعي الانتهاء وأن يكون الوقت صالحاً لوقوع الصلاتين فيه معاً مقدّماً لأيّ منهما شاء تعييناً أو تخييراً. وأمّا إذا لم يكن الوقت صالحاً وواسعاً إلاّ لإحداهما لكان المناسب التعبير بمثل قولنا: ائت بالفريضة، وقد أمر (عليه السلام) في هذا الفرض بتقديم الفريضة، وظاهر الأمر الوجوب، فلابدّ من تقديمها على الكسوف.

   والإنصاف: أنّ دلالة هذه الصحيحة في نفسها لا قصور فيها، بحيث لو كنّا نحن وهذه الرواية لحكمنا بذلك، إلاّ أنّ الدليل الخارجي - وهو صحيحته الثالثة الآتية - دلّ على جواز الإتيان بصلاة الآية قبل الفريضة، فيكون الأمر في هذه الصحيحة محمولا على الاستحباب ويرفع اليد عن ظاهره، فله تقديم صلاة الآية وإن كان الأولى تقديم الفريضة.

   وأمّا القائلون بتقديم صلاة الآية حتّى في السعة فمستندهم هو مارواه بريد ابن معاوية ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) «قالا: إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات فصلّها ما لم تتخوّف أن يذهب وقت الفريضة، فان تخوّفت فابدأ بالفريضة، واقطع ما كنت فيه من صلاة الكسوف فاذا فرغت من الفريضة فارجع إلى حيث كنت قطعت، واحتسب بما مضى»(2) ، فانّه (عليه السلام) في غير فرض تخوّف ذهاب وقت الفريضة أمر باتيان صلاة الكسوف، وإطلاقه شامل لفرض سعة الوقت لكلتا الصلاتين وظاهر الأمر الوجوب، فلا بدّ من تقديم صلاة الآية على الفريضة.

 وفيه: بعد الغضّ عن ضعف سند الرواية وإن عبّر عنها في الحدائق بالصحيحة(3) وتبعه غير واحد ممّن تأخّر عنه، لكنّه وهم، فانّ بريداً ومحمّد بن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 7: 490/ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب 5 ح 1.

(2) الوسائل 7: 491/ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب 5 ح 4.

(3) الحدائق 10: 346.

ــ[53]ــ

مسلم وإن كانا من الأجلاّء إلاّ أنّ طريق الصدوق إلى كلّ منهما ضعيف كما عرفت قريباً(1) .

   وبعد الإغماض عن معارضتها بالصحيحة المتقدّمة الناصّة على وجوب البدأة بالفريضة، أنّ الدليل قد قام على عدم وجوب تقديم صلاة الآية على الفريضة وجواز العكس كما ستعرف. ومعه لا يبقى لهذه الرواية ظهور في الوجوب، فهذان القولان ساقطان.

   وأمّا قول المشهور من جواز تقديم صلاة الآية فيستفاد من صحيح محمّد ابن مسلم قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك، ربما ابتلينا بالكسوف بعد المغرب قبل العشاء الآخرة، فان صلّينا الكسوف خشينا أن تفوتنا الفريضة، فقال: إذا خشيت ذلك فاقطع صلاتك واقض فريضتك ثمّ عد فيها، قلت: فاذا كان الكسوف في آخر الليل فصلّينا صلاة الكسوف فاتتنا صلاة الليل فبأيّتهما نبدأ؟ فقال: صلّ صلاة الكسوف واقض صلاة الليل حين تصبح»(2) .

   وذلك لأن السؤال إنّما هو عن جواز الشروع في صلاة الآية عند خشية فوات الفريضة، والجواب متعرّض لحكم من كان قد شرع فيها ثمّ تخوّف فوت الفريضة، فلا يكون الجواب مطابقاً للسؤال، إلاّ أنّ الإمام (عليه السلام) كأنّه أراد التنبيه على أنّه فيما إذا كان قد شرع في صلاة الآية يقطعها عند تخوّف فوات الفريضة فيأتي بها ثمّ يعود إلى تلك، ليعرف حكم هذا الفرض تفضّلا منه.

   ويستنتج من ذلك حكم مورد السؤال من جهة الأولوية، فانّ مقتضاها عدم جواز الدخول فيها إذا خشي الفوت، فيدلّ بالمفهوم على أنّه في فرض

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [الذي تقدّم قريباً - أي في ص 46 - هو طريقه إلى الفضيل ومحمد بن مسلم، ومع ذلك فطريقه إلى بريد ومحمد بن مسلم ضعيف، لضعف طريقه إلى محمد بن مسلم وجهالة طريقه إلى بريد].

(2) الوسائل 7: 490/ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب 5 ح 2.

ــ[54]ــ

السعة وعدم الخشية يجوز له الدخول في صلاة الآية قبل الفريضة كما يجوز تتميمها، وبه يرفع اليد عن ظاهر الصحيحة الاُولى من وجوب الإتيان بصلاة الفريضة مقدّماً على الآية وتحمل على الاستحباب.

   ثمّ إنّه لا ريب في أنّ المراد من الوقت المفروض تخوّف فوته إنّما هو الوقت الفضيلي من المغرب لا الوقت الإجزائي له، ضرورة أنّ الثاني ممتدّ إلى نصف الليل، ومن الواضح أنّ صلاة الآية مهما طالت لا تستوعب من الوقت من بعد المغرب إلى نصف الليل، بخلاف الوقت الفضيلي منه فانّه يمكن فرض تخوّف فوته مع الاشتغال بصلاة الآية. ومن المعلوم أنّ فوت الوقت الفضيلي لابأس به ولا مانع منه، فانّه يجوز تأخير الصلاة عنه اختياراً.

   وعليه فيكون الأمر بقطع الصلاة لدرك الوقت الفضيلي محمولا على الاستحباب دون الوجوب، فله أن لا يقطع الصلاة للكسوف بل يستمر فيها ويجوز له الشروع فيها في كلّ من وقتي الإجزاء والفضيلة، وبه يرفع اليد عن ظاهر الرواية الاُولى(1) له من وجوب الإتيان بالفريضة قبل صلاة الآية وتحمل على الاستحباب.

   وبالجملة: المستفاد من هذه الصحيحة عدم وجوب البدأة لا بصلاة الآية ولا بصلاة الفريضة، بل له تقديم أي منهما شاء كما عليه المشهور.

   وأمّا صحيحة أبي أيوب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سألته عن صلاة الكسوف قبل أن تغيب الشمس ونخشى فوت الفريضة، فقال: اقطعوها وصلّوا الفريضة وعودوا إلى صلاتكم»(2) فقد حملها بعضهم على أنّ المراد بالفريضة هي صلاة المغرب، فالمراد من فوتها فوت أدائها في وقت الفضيلة.

   ولكنّه بعيد جداً، فانّ المفروض أنّ الكسوف كان قبل مغيب الشمس وبطبيعة الحال كان قبله بمقدار نصف ساعة تقريباً، ومن المعلوم أنّه بعد هذا إلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [الموجود في الأصل: الثانية، والصحيح ما أثبتناه].

(2) الوسائل 7: 490/ أبواب صلاة الكسوف والآيات ب 5 ح 3.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net