تكليف الكفار بالفروع - سقوط القضاء عن الحائض والنفساء مع استيعاب الوقت 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء السادس : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6582


 تكليف الكفّار بالفروع:

   لا يخفي عليك أنّ محلّ الكلام في تكليف الكفّار بالفروع إنّما هي الأحكام المختصّة بالإسلام، وأمّا المستقلات العقلية التي يشترك فيها جميع أرباب الشرائع كحرمة القتل وقبح الظلم وأكل مال الناس عدواناً فلا إشكال كما لا كلام في تكليفهم بها.

   فما في الحدائق(3) من الاستدلال لتكليف الكفّار بالفروع بقوله تعالى: (وَإِذَا الْمَوْءُدَةُ سُئِلَتْ * بِأَىِّ ذَنب قُتِلَتْ)(4) ليس كما ينبغي، لكونه خروجاً عمّا هو محلّ الكلام.

ـــــــــــــــ
(3) [لم نعثر عليه. ثم إنّ صاحب الحدائق (قدس سره) ممن يرى عدم تكليف الكفار بالعبادات، راجع الحدائق 3: 39، 6: 281].

(4) التكوير 81: 8 - 9.

ــ[97]ــ

   كما أنّ استدلاله لذلك(1) - وقد تبعه على ذلك في الجواهر(2) أيضاً - بقوله تعالى: (قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ...)(3) في غير محلّه، إذ المراد بالموصول في الآية هو ذنب الكفر، لا ترك الفروع كي يدّل على تكليفهم بها كما لا يخفى. ولتحقيق الكلام محّل آخر لا يسعه المقام.

   ثمّ إنّه ربما يستدلّ لنفي القضاء عن الكافر - كما عن صاحبي الحدائق(4) والجواهر(5) (قدس سرهما) وغيرهما - بحديث الجب، وهو النبويّ المشهور: «الإسلام يجبّ ما قبله ويهدم»، بل قد اشتهر الاستدلال بذلك في كلام غير واحد من المتأخّرين.

   لكنّ الحديث ضعيف السند جدّاً، فانّا لم نظفر عليه من طرقنا عدا ما رواه في عوالي اللئالي مرسلا عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «الإسلام يجبّ ما قبله»(6). ولكن ضعفه ظاهر.

   إذ مضافاً إلى ضعف سنده بالإرسال، قد ناقش في الكتاب وفي مؤلّفه من ليس من دأبه ذلك كصاحب الحدائق (قدس سره)(7).

   وما رواه ابن شهرآشوب (قدس سره)مرسلا في المناقب في من طلّق زوجته في الشرك تطليقة وفي الإسلام تطليقتين، قال علي(عليه السلام): «هدم الإسلام ما كان قبله، هي عندك على واحدة»(8).

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ الحدائق 6: 281، 11: 3.

(2) لاحظ الجواهر 15: 62.

(3) الأنفال 8: 38.

(4) الحدائق 11: 3.

(5) الجواهر 13: 6.

(6) المستدرك 7: 448/ أبواب أحكام شهر رمضان ب 15 ح 2، عوالي اللئالي 2: 54 / 145.

(7) الحدائق 1: 99.

(8) البحار 40: 230، المناقب 2: 364.

ــ[98]ــ

   وهو مضافاً إلى ضعف سنده بالإرسال قاصر الدلالة، لعدم اشتماله على عموم أو إطلاق يستدلّ به للمقام، فانّ المراد بالموصول - بقرينة صدر الرواية وذيلها - إنّما هو خصوص الطلاق الواقع حال الشرك، لا كلّ فعل أو ترك صدر منه، وأنّ ذلك بعد إسلامه يفرض بحكم العدم، وإن كان ممّا يعتنى به لو كان باقياً على شركه عملا بقوله (عليه السلام): لكلّ قوم نكاح(1) ، ولكنّه حينما أسلم فلا يعتدّ إلاّ بالتطليقتين الواقعتين حال إسلامه، وأنّ تمام الثلاث يتوقّف على تطليقة اُخرى. وهذا هو المراد بقوله: «هي عندك على واحدة».

   ودعوى انجبار ضعف السند بعمل المشهور ساقطة جداً، لعدم احتمال استناد المشهور إلى هذا الحديث المروي في كتاب المناقب بعد عدم تعرّض قدماء الأصحاب (قدس سرهم) لذكره، وإنّما حدث الاستدلال به على ألسنة المتأخّرين. والعبرة في الجبر بعمل القدماء كما لا يخفى، هذا بالإضافة إلى المناقشة في أصل الانجبار كبروياً، فانّها غير ثابتة كما أسلفنا الإشارة إلى ذلك مراراً.

   وما رواه علي بن إبراهيم القمّي في تفسير قوله تعالى:(وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا...)(2) عن أمّ سلمة في حديث: «أنّها قالت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في فتح مكة: بأبي أنت واُمي يا رسول الله، سعد بك جميع الناس إلاّ أخي من بين قريش والعرب، ورددت إسلامه، وقبلت إسلام الناس كلّهم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا اُمّ سلمة، إنّ أخاك كذّبني تكذيباً لم يكذّبني أحد من الناس، هو الذي قال: (لَن نُّؤْمِنَ لَكَ...) إلى قوله: (كِتَـباً نَّقْرَؤُهُ) قالت: بأبي أنت واُمي يارسول الله، ألم تقل: إنّ الإسلام يجبّ ما قبله؟ قال: نعم، فقبل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إسلامه»(3).

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 21: 199/ أبواب نكاح العبيد والإماء ب 83 ح 2.

(2) الإسراء 17: 90.

(3) المستدرك 7: 448/ أبواب أحكام شهر رمضان ب 15 ح 3، تفسير القمي 2: 27.

ــ[99]ــ

   لكنّ الحديث مضافاً إلى ضعف السند بالإرسال مقطوع البطلان، فانّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أجلّ شأناً من أن لا يعمل بما قاله، أو يعرضه النسيان حتّى تؤاخذه على ذلك اُمّ سلمة فيعدل آنذاك عمّا فعله أوّلا ويقبل إسلام أخي اُمّ سلمة.

   بل إنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) إمّا لم يصدر منه هذا الكلام، أو أنّه كان يقبل إسلام الرجل، لأنّ الوظيفة المقرّرة في الشريعة إن كانت قبول الإسلام فلا محالة كان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يحيد عنها أيضاً فكان يقبل إسلام الرجل، وإلاّ لم يكن ليقبل إسلام أحد، من دون أن تصل النوبة إلى شفاعة أحد كاُمّ سلمة وأضرابها.

   فهذا الحديث ممّا لا نحتمل صدقه، ولم نظفر من طرقنا على ما سوى هذه الروايات البالغة غاية الضعف. ودعوى الانجبار ممنوعة صغرى وكبرى كما مرّ.

   فلا ينبغي الالتفات إلى هذه الأحاديث والتكلّم في مدى دلالتها سعة وضيقاً لعدم صلاحيتها للاستناد إليها في شيء من الأحكام بعد ما عرفت حال أسنادها من الضعف. فحديث الجبّ على هذا ممّا لا أساس له، ولا يستحقّ البحث حوله.

 كلام صاحب المدارك:

   ثمّ إنّ صاحب المدارك (قدس سره)(1) بعد ما تعرّض لمسألة سقوط القضاء عن الكافر إذا أسلم قال: إنّ هذا يستدعي أن لا يكون الكافر مكلّفاً بالقضاء لا أنّه يكون مكلّفاً به ويسقط التكليف عنه باسلامه، وعليه فلو بنينا على تكليف الكفّار بالفروع كتكليفهم بالاُصول كان اللازم استثناء الفرع المذكور
فانّ البناء على سقوط القضاء بالإسلام يستلزم عدم تكليف الكفّار بالقضاء حال كفرهم.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المدارك 4: 289.

ــ[100]ــ

   والوجه في ذلك: أنّ التمكّن من القضاء غير ثابت في شيء من الأحوال لا في حال الكفر ولا في حال الإسلام، فانّه بعد الإسلام لا يجب القضاء عليه على الفرض، وفي حال كفره لا يتمكّن من الامتثال لبطلان عمله، فكيف يؤمر بالقضاء مع كونه تكليفاً بما لا يطاق؟

   وهذا الكلام متين جدّاً، لاستحالة الأمر بالقضاء، من جهة العجز عن الامتثال في كلتا الحالتين كما ذكره (قدس سره).

   وما ذكره بعضهم من جواز تكليف الكافر بالقضاء وفائدته تسجيل العقوبة عليه فهو من عجائب الكلمات التي لا ينبغي الإصغاء إليها، لعدم تماميته على مسلك العدلية، وإلاّ لصحّ التكليف بالطيران إلى السماء تسجيلا للعقوبة على تركه، وهو كما ترى.

   وقد تصدّى بعض الأكابر (قدس سره)(1) لتصحيح الأمر بالقضاء في حال الكفر بما حاصله: أنّ الأمر المذكور وإن كان ممتنعاً بعد خروج الوقت الذي هو حال القضاء إلاّ أنّه ممكن في حال الأداء وقبل انقضاء الوقت، فيؤمر في الوقت أوّلا بالإسلام وبالصلاة المشروطة بالإسلام أداءً، كما ويؤمر في نفس الحال بالقضاء على تقدير الترك، فيقال له: أسلم، وإذا أسلمت أدّ الصلاة، وإن لم تفعل فاقضها. فكما أنّه يكون مأموراً في الوقت بالأداء أمراً فعلياً كذلك يكون في ذلك الحين مأموراً بالقضاء أمراً فعلياً على تقدير الترك.

   والمفروض قدرته على الامتثال، بأن يسلم فيصلّي أداءً، وعلى تقدير الترك قضاء، ولكنّه بسوء اختياره فوّت على نفسه كلا الأمرين، فلم يسلم ولم يصلّ لا في الوقت ولا في خارجه. فترك القضاء وعدم القدرة عليه ممّا يستند إلى اختياره، حيث إنّه لم يسلم في الوقت، فيصحّ عقابه على ترك القضاء كما صحّ عقابه على ترك الأداء، نظراً إلى استناد كلا الأمرين إلى اختياره، وذلك لأجل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المحقّق آقا ضياء الدين العراقي (قدس سره) في شرح تبصرة المتعلمين 1: 186.

 
 

ــ[101]ــ

عدم اختياره الإسلام في الوقت.

   ويندفع: بأنّ الأمر بالأداء قبل انقضاء الوقت وإن صحّ بناء على تكليف الكفّار بالفروع كتكليفهم بالاُصول، فيعاقب على تركه لأجل قدرته على الامتثال باختياره الإسلام، إلاّ أنّ الأمر بالقضاء قبل انقضاء الوقت ليس كذلك.

   إذ لو اُريد به الأمر الإنشائي المجعول على نحو القضية الحقيقية للموضوع المفروض وجوده، الثابت ذلك في حقّ كلّ مكلف كجعل وجوب القضاء على تقدير الفوت، ووجوب الحج على تقدير الاستطاعة ونحو ذلك، فواضح أنّ مثل هذا الأمر لا أثر له.

   وإن اُريد به الأمر الفعلي فهو غير ثابت في الوقت جزماً، إذ فعليته بفعلية موضوعه وهو الفوت، ولا فوت قبل انقضاء الوقت، فلا موضوع للقضاء ما دام الوقت باقياً، فلا أمر به حينئذ إلاّ بنحو القضية الشرطية وعلى سبيل الفرض والتقدير، وقد عرفت أنّه لا أثر له ما لم يتحقّق ذلك التقدير خارجاً
والمفروض أنّ هذا التقدير غير محقّق بالإضافة إلى الكافر، حيث لا قضاء عليه بعد خروج الوقت كما مرّ.

   وعلى الجملة: فهو أثناء الوقت غير مأمور بالقضاء إلاّ بالأمر المشروط والشرط غير متحقّق في الكافر إذا أسلم على الفرض. فلا معنى للأمر بالقضاء قبل الوقت، ولا موضوع له بعده.

   نعم، لو فرض قيام الإجماع على أنّ الكافر يعاقب على ترك القضاء كما يعاقب على ترك سائر الواجبات أمكن توجيهه بأنّ هناك مصلحة إلزامية في الوقت دعت المولى إلى الأمر بالأداء، ويشترك في هذا الأمر كلّ من المسلم والكافر، لأنّ كليهما مأمور بالأداء، للقدرة على الامتثال بأن يسلم الكافر ويصلّي، وبعد خروج الوقت تحدث مصلحة إلزامية أقوى تدعو إلى الأمر بالقضاء خارج الوقت، وهذا الملاك الحادث مشترك فيه أيضاً بين المسلم

ــ[102]ــ

ولا على الحائض والنفساء مع استيعاب الوقت (1).
ـــــــــــــــــــــــــــــ

والكافر، لكنّ الكافر لا يتمكّن من استيفائه من جهة كفره، فيكون قد فوّته هو على نفسه من جهة عدم اختياره الإسلام في الوقت.

   وحينئذ فإن أسلم بعد الوقت فقد تدارك الملاك المذكور بالإسلام فلا قضاء عليه، وأمّا اذا لم يسلم كان قد فوّت الملاك المذكور على نفسه، وكان الفوت حينئذ مستنداً إلى اختياره فصحّ عقابه عليه.

   وعلى الجملة: فالأمر بالقضاء وإن لم يمكن في حقّه ولكنّه حيث فوّت هذا الملاك على نفسه اختياراً صحّ عقابه، لاندراجه تحت كبرى الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.

 حكم الحائض والنفساء:

   (1) تقدّم الكلام عن ذلك وما يترتّب عليه من الفروع مستقصى في مبحث الحيض(2) فلا نعيد.
ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) على ما مرّ [في المسألة 775].

(2) شرح العروة 7: 428 وما بعدها.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net