الماء المستعمل في رفع الخبث 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 14653


   (1) الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين :

   أحدهما : في جواز استعماله في رفع الخبث والحدث .

   وثانيهما : في طهارته ونجاسته .

   أمّا المقام الأوّل : فالكلام فيه هو الكلام في ماء الاستنجاء بعينه ، فان قلنا بنجاسته فلا يجوز شربه ولا استعماله في رفع الخبث والحدث ، كما أنه إذا قلنا بطهارته تصح إزالة الخبث به ويجوز استعماله في رفع الحدث كما يجوز شربه لأنه ماء طاهر . ولا دليل على عدم جواز استعماله في رفع الحدث غير الاجماعات المنقولة ورواية ابن هلال ، وقد تقدم الكلام عليهما .

   وأمّا المقام الثاني : فملخص الكلام فيه أن الغسالة إن كانت متغيرة بالنجاسة في أحد أوصافها فلا ينبغي الاشكال في نجاستها وهو خارج عن محل النزاع ، وأمّا إذا لم تتغيّر بأوصاف النجس فقد وقع الخلاف في طهارتها بين الاعلام ، فذهب في المتن إلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وإن كان الأظهر طـهارة الغسـالة التي تتعقـبها طهارة المحل ، فحكمها حكم ماء الاسـتنجاء المحكوم بالطهارة .

ــ[310]ــ

التفصيل بين غسالة الغسلة المزيلة للعين فحكم بنجاستها ، وبين غسالة الغسلة غير المزيلة ـ  إمّا لإزالة العين قبلها بشيء أو لأجل عدم العين للنجاسة  ـ فاحتاط فيها بالاجتناب . وذهب جماعة إلى نجاستها مطلقاً ، والتزم جماعة اُخرى بطهارتها كذلك ومنهم صاحب الجواهر (قدس سره) حيث استدلّ على طهارتها بوجوه وأصر عليها غايتـه ، بل جعل طهارتها من الواضحات (1) ، وهناك قول رابع وهو التفصيل بين غسالة الغسلة التي تتعقبها طهارة المحل فهي طاهرة سواء أ كانت مزيلة للعين أم لم تكن ، وبين غيرها مما لا تتعقبه طهارة المحل فهي نجسة ، فاذا كان المتنجس مما يكفي في تطهيره الغسل مرة واحدة فغسالة الغسلة الاُولى طاهرة لتعقبها بطهارة المحل ، وأمّا إذا احتاج تطهيره إلى تعدد الغسلات فغسالة الغسلة الأخيرة هي المحكومة بالطهارة لتعقبها بالطهارة دون غيرها من الغسلات ولعلّ هذا التفصيل هو الصحيح .

   ولا يخفى أن القول بطهارة الغسالة لا يحتاج إلى إقامة الدليل إذ الأصل في المياه هو الطهارة ونجاستها تحتاج إلى دليل . فان قام دليل على نجاسة الغسالة فهو ، وإلاّ فلا مناص من الالتزام بطهارتها ، ولا بدّ في ذلك من النظر إلى أدلّة القائلين بالنجاسة ، وقد استدلوا على ذلك بوجوه :

   أحدها : ما ادّعاه العلاّمة (قدس سره) من الاجماع على نجاسة الماء القليل المستعمل في غسل الجنابة والحيض إذا كان على بدن المغتسل نجاسة كما نقله في الحدائق (2) .

   وثانيها : عموم ما دلّ على انفعال الماء القليل بملاقاة النجس .

   وثالثها : الأخبار الدالّة على نجاسة الغسالة بخصوصها كما يأتي عن قريب .

   أمّا الوجه الأول : فيدفعه : أن الاجماع المدعى من الاجماع المنقول بخبر الواحد وهو مما لا يمكن الاعتـماد عليه ، ولا سيما في أمثال المقـام فان مورد كلام العلاّمة (قدس سره) هو الماء الذي يستعمله الجنب والحائض وعلى بدنهما نجاسة من دم أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 1 : 348 .

(2) الحدائق 1 : 478 .

ــ[311]ــ

مني ، وهما لا يزولان بمجرّد صب الماء على البدن ومعه يحكم بنجاسة الماء لملاقاته لعين النجس ، وليس في هذا أي تناف للقول بطهارة الغسالة التي لم تكن معها عين فللقائل بالطهارة أن يلتزم بنجاستها فيما إذا كانت معها عين النجس .

   وأمّا الوجه الثاني : فيرده أن منطوق ما دلّ على أن الماء إذا بلغ كراً لا ينجّسه شيء سالبة كلية ، وهي عام أفرادي ولها إطلاق بحسب الأحوال أيضاً ، ومفادها أن كل شيء صدق عليه عنوان الماء عرفاً إذا بلغ قدر كر لا ينفعل بشيء في جميع حالاته كوروده على النجس وبالعكس وغير ذلك ، وأمّا مفهومه فهو كما بيناه في بحث انفعال القليل وبعض المباحث الاُصولية موجبة جزئية ، ومفادها أن الماء غير البالغ قدر كر ينفعل بشيء ، وليس لها عموم أفرادي ولا إطلاق أحوالي ، فلا يستفاد منها في نفسها انفعال الماء القليل بملاقاة كل واحد من أفراد النجاسات .

   نعم ، أثبتنا عمومها بمعونة القرينة الخارجية وهي الاستقراء التام في أفراد النجاسات ، والاجماع القطعي على عدم الفرق بين آحادها من الكلب والميتة وغيرهما ، وأيضاً ألحقنا المتنجسات بالأعيان النجسة بما دلّ على أن المتنجس منجّس إما مطلقاً أو فيما إذا لم يكن مع الواسطة كما قرّبناه في
محلّه(1). وبهذا كله نحكم بثبوت العموم ، وأن الماء القليل ينفعل بملاقاة كل واحد من أفراد النجاسات والمتنجسات . وأمّا الإطلاق الأحوالي أعني انفعال الماء القليل بملاقاة النجس في جميع حالاته فلا  يستفاد من المفهوم لأنه موجبة جزئية ، ولا دليل على العموم من القرائن الخارجية . فاذن لا دليل لنا على انفعال الماء القليل حال كونه غسالة .

   وتوضيح ذلك : أن المتنجس إذا كان مما يعتبر في تطهيره تعدد الغسل ـ  كالثوب المتنجس بالبول والأواني ونحو ذلك مما فيه عين النجس ، كما إذا كان في المتنجس عين النجاسة ولم تكن تزول بصب الماء عليه مرة واحدة ، والجامع أن لا تكون الغسلة الاُولى متعقبة بطهارة المحل  ـ نلتزم فيه بنجاسة الغسالة لأنه ماء قليل لاقى نجساً ولا  يفرق في ذلك بين حالاته بحسب الذوق العرفي كما بيناه في رد تفصيل السيد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 137 .

ــ[312]ــ

المرتضى (قدس سره) بين ورود القليل وكونه موروداً (1) فان العرف لا يرى فرقاً بينهما بارتكازه ، وإنما يرى انفعاله معلولاً لمطلق الملاقاة ولو حال كونه غسالة وارداً أو موروداً .

   وأمّا إذا كان المتنجس مما لا يعتبر في تطهيره تعدد الغسل ـ  كالمتنجس بغير البول فيما إذا كانت نجاسته حكمية ، وكذا فيما إذا كانت عينية ولكن زالت عينها قبل غسله والجامع أن تكون الغسلة الاُولى متعقبة بطهارة المحل  ـ فلا يمكن الحكم فيه بنجاسة الغسالة ، والوجه فيه أن القول بنجاسة الغسالة حينئذ يستلزم الالتزام بأحد محذورين : فإمّا أن نلتزم بطهارة الماء القليل حين ملاقاته للمتنجس وما دام في المحل ويحكم بنجاسته عند انفصاله عنه بالعصر أو بغيره ، وإمّا أن نقول بانفعاله من حين وصوله للمتنجس ونجاسته مطلقاً قبل انفصاله عنه وبعده ، إلاّ أن خروجه من المتنجس يوجب الحكم بطهارة المتنجس كما هو صريح بعضهم . ولا يمكن الالتزام بشيء منهما :

   أمّا أوّلهما : فلأن القليل لو كان محكوماً بالطهارة حال اتصاله بالمتنجس لم يكن وجه لنجاسته بعد الانفصال ، فلنا أن نسأل عن أنه لماذا تنجس بعد خروجه عن المحل مع فرض طهارته قبل الإنفصال ؟

   ودعوى : أن السبب في تنجسه إنما هي ملاقاته للمتنجس ، وهي تقتضي انفعال الماء القليل على ما دلّ عليه مفهوم روايات الكر .

   مندفعة : بأن أخبار الكر إنما تدل بمفهومها على نجاسة القليل من حين ملاقاته للنجس أو المتنجس ، ولا دلالة لها على انفعالها بعد ملاقاة النجس بزمان من دون أن يتنجس به حين ملاقاته ، فهذا الالتزام بعيد عن الفهم العرفي .

   وأمّا ثانيهما : فلأن طهارة المحل مع فرض نجاسة الماء المستعمل في تطهيره أمر بعيد ، وكيف يطهر بغسله بالماء النجس ، وذلك لأ نّا إذا بنينا على نجاسة الماء حال اتصاله بالمتنجس لزم الحكم بنجاسة المقدار المتخلف منه في الثوب بعد عصره

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في شروط التطهير بالماء قبل المسألة [ 308 ] .

ــ[313]ــ

وانفصال غسالته ، فان الماء لا ينفصل عن الثوب بتمامه ، ومع نجاسته كيف يحكم بطهارة المحل فلا مناص من الحكم بنجاسته ، وكذا الحال فيما إذا كان المتنجس بعض الثوب ، فان غسله يستلزم عادة سراية الماء إلى غير الموضع المتنجس منه ولو بمقدار يسير ، وإذا حكمنا بنجاسة الماء فلا محالة يوجب نجاسة غير الموضع المتنجس أيضاً فهذا الوجه كالوجه السابق بعيد عن الأنظار العرفية ، وإن كانا غير مستحيلين عقلاً بحيث لو قام دليل على طهارة الثوب بذلك لم يكن مانع من الالتزام بطهارة المحل ونجاسة غسالته ، كيف وقد عدّ الماتن (قدس سره) خروج الغسالة من شرائط التطهير بالماء ، والتزم كغيره من الأعلام بانفعال الماء القليل حين اتصاله بالثوب وقد عرفت بعده ، وإن لم يكن في الاستبعاد بمثابة الوجه الأول فلا مناص حينئذ من الالتزام بطهارة الغسالة .

   ولا يمكن الاستدلال على نجاسته في هذه الصورة بعموم أدلّة انفعال القليل بالملاقاة ، وذلك لأ نّا وإن بنينا على عدم التفرقة عرفاً في انفعال الماء القليل بين حالاته ، إلاّ أنه إنما يتم في الغسالة غير المتعقبة بطهارة المحل دون ما تتعقبه الطهارة لاستلزام القول بانفعاله ـ  حال كونه غسالة  ـ الالتزام بأحد المحذورين المتقدمين ، وقد عرفت استبعادهما حسب الفهم العرفي ، ونحتمل وجداناً أن تكون للماء القليل ـ  حال كونه غسالة  ـ خصوصية تقتضي الحكم بعدم الانفعال ، ومقتضى القاعدة طهارة الغسالة ، لأنها الأصل الأولي في المياه حتى يقوم دليل على نجاستها ، وليس للمفهوم إطلاق أحوالي حتى يتشبث به في الحكم بنجاسة القليل في جميع حالاته .

   وأمّا الوجه الثالث : فقد استدلوا على نجاسة الغسالة بعدة روايات :

   منها : رواية عبدالله بن سنان المتقدمة (1) حيث دلت على أن الماء الذي غسل به الثوب أو اغتسل فيه من الجنابة لا يصح استعماله في الوضوء وأشباهه ، فلو كانت الغسالة طاهرة لم يكن وجه لمنع استعمالها في الوضوء .

   وترد هذا الاستدلال جهتان : إحداهما : ضعف سندها كما تقدم ، وثانيتهما : المناقشة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 283 .

ــ[314]ــ

في دلالتها ، وذلك لأن المنع فيها من استعمال الغسالة في رفع الحدث حكم تعبدي وغير مستند إلى نجاستها . ومن هنا التزم جمع بطهارة ماء الاستنجاء ومنعوا عن استعماله في رفع الحدث . فلا دلالة للرواية على نجاسة الغسالة بوجه .

   هذا غاية ما يمكن أن يقال في المنع عن دلالة الرواية على نجاسة الغسالة ، إلاّ أن الصحيح أن دلالة الرواية غير قابلة للمناقشة فيما نحن فيه كما اتضح في التكلّم على استعمال الماء المستعمل في الاستنجاء في رفع الحدث الأكبر أو الخبث(1) . فالصحيح في المنع عن الاستدلال بالرواية هي الجهة الاُولى فقط أعني ضعفها بحسب السند .

   ومنها : ما عن العيص بن القاسم ، قال : «سألته عن رجل أصابته قطرة من طشت فيه وضوء ؟ فقال : إن كان من بول أو قذر ، فيغسل ما أصابه» (2) وقد رواها في الوسائل عن الشهيد في الذكرى وعن المحقق في المعتبر ، ونقلها صاحب الحدائق عن الشيخ في الخلاف (3) وكأنه الأصل فيها ، ومع هذا لم يسندها في الوسائل إلى الشيخ .

   ثم إن للرواية ذيلاً وهو «وإن كان وضوء الصلاة فلا يضره» ولكن لم يثبت كونه من الرواية ومن هنا لم ينقله صاحب الوسائل (قدس سره) وأسنده في الحدائق إلى بعضهم قائلاً «وزاد بعضهم في آخر هذه الرواية ... الخ» وكيف كان فقد دلت الرواية على نجاسة الغسالة ، ولأجلها حكم (عليه السلام) بغسل ما أصابه من الطشت .

  ويدفعه أيضاً أمران : أحدهما : المناقشة في سندها ، حيث لم يعلم أن الشيخ نقلها من كتاب العيص وهو الذي يعبّر عنه بالوجادة ، لاحتمال أن ينقلها عن شخص آخر نقلها عن العيص ، وذلك الشخص المتوسط مجهول عندنا . فالرواية مقطوعة لا يعتمد عليها في شيء . نعم ، لو ثبت أن الشيخ نقلها عن كتاب العيص لم يكن مناص من الحكم بصحتها لأن طريق الشيخ إلى كتاب العيص حسن على ما صرح به في الحدائق وغيره (4) إلاّ أنه لم يثبت كما عرفت ، ولم يظهر أن الرواية كانت مورداً لاعتماده (قدس

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 307 .

(2) الوسائل 1 : 215 / أبواب الماء المضاف ب 9 ح 14 .

(3) الحدائق 1 : 478 .

(4) بل طريقه إليه صحيح . ثم إن الطريق وإن وقع فيه ابن أبي جيد وهو ممن لم يذكر بمدح ولا    قدح إلاّ انّه لما كان من مشايخ النجاشي (قدس سره) وهو قد التزم بأن لا يروي عمّن فيه غمز أو ضعف إلاّ مع واسطة بينه وبينه فيستفاد منه توثيق جميع مشايخه الذين روى عنهم من دون واسطة ومنهم ابن أبي جيد فلاحظ .

ــ[315]ــ

سره) فانّها لو كانت كذلك عنده لأوردها في كتابيه في الأخبار ، ولم يوردها إلاّ في الخلاف (1) ، وكأنه نقلها على وجه التأييد ، فان الفقيه قد يتوسع في الكتب الاستدلالية بما لا يتوسع في كتب الأخبار .

   وثانيهما : المناقشة في دلالتها بأن الأمر بالغسل فيها مستند إلى نجاسة ما في الطشت لا إلى نجاسة الغسالة ، وتوضيحه : أنه قد علق الحكم بغسل ما أصابه في الرواية ، بما إذا كان الوضوء من بول أو قذر ، والبول من الأعيان النجسة يبس أم لم ييبس .

   وأمّا ما عن المحقق الهمداني من أن البول قد يغسل بعد جفافه ولا تبقى له عين حينئذ (2) فظاهر الفساد لوضوح أن البول من الأعيان النجسة سواء أ كان رطباً حال غسله أم كان يابساً .

   وكذا الحال في القذر ، لأنه أيضاً بمعنى عين النجاسة من عذرة أو دم ونحوهما على ما تساعد عليه المقابلة بالبول ، إذ القذر ـ  بفتح الذال  ـ غير القذر ـ  بكسره  ـ فان الثاني بمعنى المتنجس وما يتحمّل القذارة ، وعلى هذا لا بدّ في غسلهما من إزالة عينهما وبذلك يتنجس الماء المزال به عين النجاسة لملاقاته لعين النجس ، وأمّا ما يصب على المتنجس مستمراً أو ثانياً أو ثالثاً فهو ماء طاهر كما مر إلاّ أنه يتنجس بعد وقوعه في الطشت بما فيه من الغسالة الملاقية لعين النجس ، فنجاسة ما في الطشت مستندة إلى امتزاج الغسالة الثانية أو الثالثة مع القليل الملاقي لعين النجس قبل زوالها ، وغير مستندة إلى نجاسة الغسالة كما لا يخفى ، فنجاسة الماء في الطشت في مفروض الرواية مما لا خلاف فيه حتى من القائلين بطهارة الغسالة ، فلا يمكن الاستدلال بها على نجاسة الغسالة في محل الكلام .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الخلاف 1 : 179 .

(2) مصباح الفقيه (الطهارة) : 647 السطر 18 .

ــ[316]ــ

   ومنها : موثقة عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سئل عن الكوز والاناء يكون قذراً كيف يغسل ؟ وكم مرة يغسل ؟ قال : يغسل ثلاث مرات ، يصب فيه الماء فيحرك فيه ، ثم يفرغ منه ، ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ، ثم يفرغ ذلك الماء ، ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ منه وقد طهر ...» الحديث (1) فلو كانت الغسالة طاهرة لم يكن وجه لوجوب إفراغ الماء عن الاناء في المرتبة الثالثة .

   والجواب عن هذا أن مجرد جعل الماء في الإناء لا يوجب صدق عنوان الغسل بالماء القليل ولا يتحقق بذلك مفهومه ، مثلاً إذا أخذ ماء بكفه أو جعل الماء في إناء ليشربه لا يقال إنه غسل كفه أو إناءه بالماء ، بل يتوقف صدق عنوان الغسل على إفراغهما منه ، فالأمر بالافراغ من جهة تحقق عنوان الغسل الواجب ثلاث مرات في تطهير الاناء بالماء القليل ، وغير مستند إلى نجاسة الغسالة .

   ومنها : الأخبار الناهية عن غسالة الحمّام (2) فان الغسالة لو كانت طاهرة لم يكن وجه للنهي عن غسالة الحمام ، وهذه الأخبار وإن كانت معارضة بما دلّ على طهارة غسالته (3) إلاّ أنها عللت طهارتها باتصال الغسالة بالمادّة أو بماء الحياض الصغار المتصلة بالمادّة بالأنابيب ، ومنها يظهر أن الغسالة محكومة بالنجاسة لولا اتصالها بمادتها .

  ولكن الاستدلال بهذه الأخبار إنما ينفع في مقابل القائلين بطهارة الغسالة مطلقاً كما التزم بها صاحب الجواهر (قدس سره) (4) لأن تلك الأخبار كما بيناها تدل على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 497 / أبواب النجاسات ب 53 ح 1 .

(2) كما في موثقة ابن أبي يعفور عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : «وإيّاك أن تغتسل من غسالة الحمام...» وفي روايته الاُخرى : «لا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها غسالة الحمّام» وغيرهما من الأخبار المروية في الوسائل 1 : 220 / أبواب الماء المضاف ب 11 ح 5 ، 4 .

(3) كصحيحة محمد بن مسلم وغيرها من الأخبار الدالّة على طهارة ماء الحمام المعللة في بعضها «بأن ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضاً» ، «وأنه بمنزلة الجاري» وفي بعضها : «إذا كانت له مادّة» وغيرها من الأخبار المروية في الوسائل 1 : 148 / أبواب الماء المطلق ب 7 ح 2 ، 7 ، 1  ،  4 .

(4) الجواهر 1 : 348 .

ــ[317]ــ

نجاسة الغسالة في نفسها ، ولا ينفع على مسلكنا من التفصيل بين الغسلة المتعقبة بطهارة المحل وسائر الغسالات ، وذلك لأن غسالة الحمام مجمع غسالات متعددة كغسالة المني والدم والكافر والناصب وغيرها من الأعيان النجسة ، والماء القليل إذا صبّ على عين النجاسة ينفعل بملاقاتها ، وأمّا الغسالات الاُخر المتعقبة بطهارة المحل فهي وإن كانت طاهرة في نفسها إلاّ أنها تتنجس في خصوص المقام من جهة اجتماعها مع الغسالة الملاقية لعين الدم أو المني وغيرهما ، وبذلك ينفعل مجمع الغسالة في الحمّامات .

   ولا إطلاق في هذه الروايات كي يتمسك به في الحكم بنجاسة الغسالة مطلقاً لاختصاص الأخبار بغسالة الحمام ، وهي تلاقي الأعيان المختلفة ، فلا تشمل الغسالة غير الملاقية لعين النجس من الغسلة المتعقبة بطهارة المحل .

   فالمتحصّل من جميع ذلك أنه لا دلالة في شيء من الأخبار المتقدمة على نجاسة الغسالة على الاطلاق ، فالغسالة من الغسلة المتعقبة بطهارة المحل باقية على طهارتها من غير حاجة إلى إقامة الدليل على طهارتها .

 

   بقي هنا شيء وهو أن شيخنا الهمداني (قدس سره) ذكر في ضمن كلامه في المقام أن استثناء الأصحاب خصوص ماء الاستنجاء عن عموم انفعال القليل بالملاقاة يشعر باختصاصه بالخروج وعدم طهارة غيره من الغسالات ، فانّها أيضاً لو كانت طاهرة لم يبق وجه لاستثناء خصوص ماء الاستنجاء، لأنه من أحد أفرادها. فتخصيصهم له بالذكر يدلنا على مسلمية نجاسة الغسالة عندهم (1) .

   وهذا الذي أفاده متين إلاّ أن غاية ما يترتب على ذلك هو استكشاف نجاسة خصوص ما كان كنفس ماء الاسـتنجاء من الغسالات الملاقية لعين النجس دون الغسالة غير الملاقية له ، لأن ماء الاستنجاء غسالة لاقت لعين البول والعذرة بل ويتغيّر بهما كثيراً ولو في قطراته الأولية ومقتضى القاعدة نجاسـته ، ولكنهم حكموا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقيه (الطهارة) : 64 السطر 35 .

ــ[318]ــ

   [ 134 ] مسألة 1 : لا إشكال في القطرات التي تقع في الإناء عند الغسل ، ولو قلنا بعدم جواز استعمال غسالة الحدث الأكبر (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بطهارته تخصيصاً لما دلّ على نجاسة الغسالة الملاقية لعين النجس ، فكأنهم ذكروا أن الغسالة الملاقية لأعيان النجاسات نجسة غير غسالة الاستنجاء ، لما دلّ على طهارتها مع ملاقاتها للبول والعذرة ، وليس في هذا أدنى دلالة على نجاسة الغسالة غير الملاقية للنجس .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net