النيابة عن الأموات في العبادات - النيابة عن الأحياء في العبادات 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء السادس : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4291


 جواز النيابة:

   ينبغي البحث في المسألة - كما أشرنا إليه آنفاً - عن جواز النيابة ومشروعيّتها في حدّ نفسها بحيث يترتّب عليها تفريغ ذمّة المنوب عنه بفعل النائب، لتبتني على ذلك صحّة الإجارة، فنقول:

   لا شك في أنّ مقتضى القاعدة عدم جواز ذلك، فانّ إطلاق الخطاب يقتضي المباشرة في مقام الامتثال وعدم سقوطه بفعل الغير، لأنّه إنّما يدعو من خوطب به إلى العمل دون غيره الأجنبي عن الخطاب، فلا يكون عمل زيد مثلا موجباً لتفريغ ذمّة عمرو عن التكليف المتعلّق به، كيف وهو أشبه شيء بشرب زيد للدواء ليشفي عمرو من مرضه.

   إلاّ أنّه قد وردت في المقام روايات خاصة دلّت على الجواز، وإن كان على خلاف القاعدة. ولا مانع من الالتزام بمثله في الاُمور الاعتبارية ممّا يكون أمرها سعة وضيقاً بيد معتبرها، فله الاجتزاء بفعل أحد مع تعلّق التكليف بغيره، وحكمه بتفريغ ذمّة الغير عنه.

   وعليه ففي كلّ مورد قام الدليل عليه يؤخذ به، وإلاّ فالمتّبع هو أصالة الإطلاق المقتضي لعدم السقوط بفعل الغير كما عرفت.

   وقد قام الدليل على ذلك في النيابة عن الأموات في باب الصلاة والصوم والحج وغيرها من سائر العبادات، وهي عدّة نصوص كما يلي:

   1 - صحيحة معاوية بن عمّار قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أيّ شيء يلحق الرجل بعد موته؟ قال: يلحقه الحج عنه، والصدقة عنه، والصوم عنه»(1) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2: 445 / أبواب الاحتضار ب 28 ح 8.

ــ[199]ــ

   2 - صحيحته الاُخرى قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): ما يلحق الرجل بعد موته؟ فقال: سنّة سنّها - إلى أن قال: - والولد الطيّب يدعو لوالديه بعد موتهما، ويحجّ ويتصدّق ويعتق عنهما، ويصلّي ويصوم عنهما، فقلت: اُشركهما في حجّتي؟ قال: نعم»(1) .

   وفي السند محمد بن إسماعيل المردّد بين الثقة وغيره. إلاّ أنّ الذي يروي عنه الكليني (رحمه الله) ويروي هو عن الفضل بن شاذان لا يراد به إلاّ الثقة.

   3 - صحيحة عمر بن يزيد قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): نصلّي عن الميت؟ فقال: نعم، حتّى أنّه ليكون في ضيق فيوسع الله عليه ذلك الضيق ثمّ يؤتى فيقال له: خفّف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك عنك...»(2) .

   4 - صحيحة علي بن جعفر - وقد رواها صاحب الوسائل (رحمه الله) بطريق معتبر عن كتابه - عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) «قال: سألت أبي جعفر بن محمد (عليهما السلام) عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي أو يصوم عن بعض موتاه؟ قال: نعم، فليصل على ما أحبّ، ويجعل تلك للميت هو للميت إذا جعل ذلك له»(3) .

   وقوله (عليه السلام): «فليصل...» يمكن أن يكون بتشديد اللاّم ويراد به فعل الصلاة، ويمكن ذلك بالتخفيف من الصلة فيكون أمراً بصلته على ما أحبّ من أنحاء الصلة(4) ، سواء أكان ذلك بالصلاة أم بغيرها من العبادات والخيرات.

   وكيف ما كان، فهذه الروايات المعتبرة سنداً يمكن الاستدلال بها للمقام.

   وقد روى السيد السند علي بن موسى بن طاووس (قدس سره) في كتابه (غياث سلطان الورى لسكّان الثرى) في هذا الباب روايات كثيرة تشتمل على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2: 444 / أبواب الاحتضار ب 28 ح 6.

(2) الوسائل 2: 443 / أبواب الاحتضار ب 28 ح 1.

(3) الوسائل 8: 277/أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 2، مسائل علي بن جعفر: 199/429.

(4) [المذكور في مصادر الرواية - ماعدا الوسائل - هو: «فيصلّي» بدل: «فليصل»].

ــ[200]ــ

ما ذكرناه وغيرها، وهو كثير، مستقصياً بذلك جميع الأخبار المتعلّقة بالباب.

   وقال (قدس سره) في إجازاته: إنّه كتاب لم يكتب مثله، وقال أيضاً: إنّه اقتصر في الفقه على هذا الكتاب فقط، تحرّزاً منه عن الفتيا لعظم مسؤوليتها(1) . وقد نقلها عنه جماعة من أصحابنا (قدس سرهم) منهم الشهيد في الذكرى(2) والمجلسي في البحار(3) وصاحبا الوسائل والحدائق(4) هذا.

   ولكن تلكم الأخبار على كثرتها وجلالة جامعها غير معتبرة، لضعف أسناد بعضها في حدّ نفسها كالذي يرويه عن علي بن أبي حمزة، المراد به البطائني لعدم توثيقه. ولتطرّق الخدشة في أسناد جميعها، نظراً إلى أنّ طريق السيد ابن طاووس (قدس سره) إلى أرباب الكتب والمجامع الحديثية التي يروي عنها غير معلوم لدينا، حيث إنّه (قدس سره) لم يذكر ذلك ضمن إجازاته، فلم تعرف الوسائط بينه وبينهم كي ينظر في حالهم من حيث الضعف أو الوثاقة. ومجرّد الاعتبار عنده أو عند من يروي عنه غير كاف في الاعتبار عندنا كما لا يخفى.

   ولا يبعد أن يكون قد روى ذلك عن كتاب (مدينة العلم)، فقد ذكر في إجازاته(5) أنّ الكتاب المذكور كان موجوداً عنده حين تصنيفه لكتابه. غير أنّ طريقه إلى ذلك الكتاب أيضاً غير معلوم، وعليه فتكون الروايات المذكورة بأجمعها ملحقة بالمراسيل حيث لا يمكن الاعتماد عليها.

   وكيف ما كان، ففيما ذكرناه من الأخبار الصحاح غنى وكفاية، وقد دلّت على جواز النيابة عن الاموات في مطلق العبادات وتفريغ ذممهم عنها، من دون فرق في ذلك بين الواجبات والمستحبات، ويترتّب على ذلك صحّة الاستئجار حسبما عرفت.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حكاه عنه في البحار 104: 40، 42.

(2) الذكرى 2: 67.

(3) البحار 85: 309.

(4) الحدائق 11: 32.

(5) حكاه عنه في البحار 104: 44.

 
 

ــ[201]ــ

   ولا يجوز الاستئجار ولا التبرّع عن الأحياء في الواجبات (1) وإن كانوا عاجزين عن المباشرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) لعدم نهوض دليل معتبر على جواز النيابة استئجاراً أو تبرّعاً عن الأحياء في مثل الصلاة ونحوها بعد كونها في نفسها على خلاف القاعدة، نعم ورد ذلك في بعض الروايات:

   فمنها: خبر محمّد بن مروان قال «قال أبو عبدالله (عليه السلام): ما يمنع الرجل منكم أن يبرّ والديه حيّين وميّتين يصلّي عنهما، ويتصدّق عنهما، ويحجّ عنهما، ويصوم عنهما، فيكون الذي صنع لهما وله مثل ذلك، فيزيده الله عزّوجل ببرّه وصلته خيراً كثيراً»(1).

   وهو ضعيف السند من جهة محمّد بن علي، فانّ الظاهر كونه الصيرفي الكوفي الملقّب بأبي سمينة، المشهور بالكذب والوضع. وكذا محمّد بن مروان فانّه مردّد بين الثقة والضعيف، ولأجل ذلك لا يجدي وقوعه في أسناد كامل الزيارات للترديد المذكور(2).

   ومنها: مرسلة أحمد بن فهد في عدة الداعي(3) المتّحدة متناً مع الرواية السابقة إلاّ في يسير، ممّا يوجب الاطمئنان باتّحادهما، وعليه فيتوجّه على الاستدلال بها - مضافاً إلى إرسالها - ما عرفت من ضعف السند في الخبر السابق.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8: 276 / أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 1.

(2) قد بنى (دام ظله) في المعجم 18: 53/11412 على أنّ المراد بمحمّد بن علي هو غير الصيرفي الملقّب بأبي سمينة، وهو من رجال الكامل [راجع معجم رجال الحديث 17:  319 / 11286] كما بنى (دام ظله) أيضاً في 18: 229 / 11767 على أنّ المراد بمحمّد ابن مروان هو الذهلي الثقة. إذن فتصبح الرواية معتبرة، إلاّ أن يناقش في دلالتها   بانصرافها إلى خصوص باب المستحبّات.

(3) الوسائل 2: 444 / أبواب الاحتضار ب 28 ح 5، عدّة الداعي: 76.

ــ[202]ــ

   ومنها : رواية علي بن أبي حمزة قال « قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام) : أحجّ واُصليّ وأتصدّق عن الأحياء والأموات من قرابتي وأصحابي ؟ قال : نعم ، تصدّق عنه وصلّ عنه ، ولك أجر بصلتك إيّاه»(1).

   لكنّها ضعيفة بعلي بن أبي حمزة البطائني، مضافاً إلى روايتها عن كتاب غياث سلطان الورى لسكّان الثرى، وقد عرفت آنفاً حال الكتاب المذكور وأنّ رواياته محكومة بالإرسال.

   وعلى الجملة: فليس في البين رواية معتبرة يعتمد عليها تدلّ على جواز النيابة عن الأحياء على سبيل العموم بالنسبة إلى الواجبات والمستحبّات، بعد فرض أنّ الحكم على خلاف القاعدة كما عرفت.

   نعم، قد ثبت ذلك في باب الاُمور الاعتبارية كالوكيل في البيع والإجارة والتزويج والطلاق وغيرها من أبواب العقود والإيقاعات، وكذا فيما يلحق بالاُمور الاعتبارية كالقبض، فانّ فعل الوكيل مسند إلى الموكّل إسناداً حقيقياً بمقتضى السيرة العقلائية، لعدم اعتبار المباشرة في صدق هذه الاُمور وتحقّق عناوينها بوجه الحقيقة بفعل الوكيل كنفس الموكّل.

   وأمّا الاُمور التكوينية فلا يكاد يصح الإسناد الحقيقي بمثل ذلك، فلا يكون أكل زيد أو نومه أكلا لعمرو أو نوماً له وإن أمر بهما ونواهما عنه. وإذا صحّ الإسناد أحياناً كما في قولهم غلب الأمير أو فتح الأمير البلد أو أنّه انهزم باعتبار غلبة جيشه أو فتحهم أو هزيمتهم، فهو من باب التوسعة والمجاز.

   وعليه ففي مثل الصلاة والصيام ونحوهما من سائر العبادات الواجبة أو المستحبّة التي هي من الاُمور التكوينية لا يكاد يستند الفعل حقيقة إلاّ إلى المباشر، دون غيره من الأحياء وإن نوى المباشر ذلك عنهم. فلا تقبل النيابة بحيث يكون فعل النائب هو فعل المنوب عنه المستتبع ذلك تفريغ ذمّته إلاّ فيما قام الدليل عليه بالخصوص، ولم يقم ذلك في الأحياء إلاّ في الحجّ وتوابعه كما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8: 278 / أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 9.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net