قراءة المأموم في الاُوليين من الجهرية مع سماع صوت الإمام - الإنصات الى قراءة الإمام 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء السابع:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4482


ــ[204]ــ

   وأمّا في الاُوليين من الجهرية (1) فان سمع صوت الإمام ولو همهمة وجب عليه ترك القراءة ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

للرجل المؤمن(1) بدل قوله : للمرء .

   ولا يخفى أنّ قوله : «فيصنع ماذا» يكشف عمّا ذكرناه آنفاً وقوّيناه من حرمة القراءة ومغروسيتها في ذهن السائل ، ولذا سأل عن أنّه ماذا يصنع ، وإلاّ فلو كانت القراءة جائزة كانت الوظيفة الاستحبابية معلومة من غير حاجة إلى السؤال ، كما أنّ اقتصار الإمام على التسبيح في الجواب شاهد آخر عليه .

   وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل يصلّي خلف إمام يقتدي به في الظهر والعصر يقرأ ؟ قال : لا ، ولكن يسبّح ويحمد ربّه ويصلّي على نبيه (صلى الله عليه وآله)»(2) .

   وصحيحة سالم أبي خديجة عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأوّلتين ، وعلى الذين خلفك أن يقولوا : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر»(3) . فانّ أبا خديجة ثقة على الأصحّ ، وتضعيف الشيخ(4) له مبنىّ على أمر غير صحيح كما نبهنا عليه في محلّه(5) . وباقي رجال السند كلّهم موثّقون . فالرواية محكومة بالصحّة كما عبّرنا
نعم هي مطلقة تشمل الجهريّة كالإخفاتيّة ، ولا مانع من الأخذ بالعموم كما ستعرف .

   (1) يقع الكلام تارة فيما إذا سمع قراءة الإمام ولو همهمة ، واُخرى فيما إذا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [وهو ما رواه في قرب الإسناد كما في الوسائل . لكنّ الموجود في نسخة قرب الإسناد هو : إني لأكره للمؤمن] .

(2) الوسائل 8 : 361 / أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 3 .

(3) الوسائل 8 : 362 / أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 6 .

(4) الفهرست : 79 : 327 .

(5) معجم رجال الحديث 9: 24 / 4966.

ــ[205]ــ

لم يسمع ، فهنا مقامان :

   أمّا المقام الأوّل : فلا إشكال كما لا خلاف من أحد في مرجوحيّة القراءة حينئذ ، ولعلّ المشهور أو الأشهر جوازها مع الكراهة . وذهب جمع من الأصحاب من القدماء والمتأخّرين إلى الحرمة .

   والكلام يقع أوّلا في المقتضي للمنع ، واُخرى في المانع عنه المعارض له .

   أمّا المقتضي : فقد وردت روايات كثيرة معتبرة تضمّنت النهي عن القراءة إمّا عموماً كصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدّمة ، قالا «قال أبو جعفر (عليه السلام) : كان أميرالمؤمنين (عليه السلام) يقول : من قرأ خلف إمام يأتمّ به فمات بعث على غير الفطرة»(1) .

   أو في خصوص الجهرية كصحيحة زرارة : «إن كنت خلف إمام فلا تقرأنّ شيئاً في الأوّلتين ، وأنصت لقراءته ، ولا تقرأنّ شيئاً في الأخيرتين ، فانّ الله عزّوجل يقول للمؤمنين : (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءَانُ) يعني في الفريضة خلف الإمام (فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) فالأخيرتان تبع للأوّلتين»(2) .

   وصحيحة قتيبة : «إذا كنت خلف إمام ترتضي به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلم تسمع قراءته فاقرأ أنت لنفسك ، وإن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ»(3) .

   وصحيحة علي بن جعفر : «عن الرجل يكون خلف الإمام يجهر بالقراءة وهو يقتدي به ، هل له أن يقرأ من خلفه ؟ قال : لا ، ولكن لينصت للقرآن»(4) . ونحوها غيرها وهي كثيرة كما لا يخفى على من لاحظها .

   وأمّا المانع : فقد استدلّ باُمور تمنع من الأخذ بظواهر النصوص المتقدّمة وتصلح قرينة لصرف النهي الوارد فيها إلى الكراهة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 356 / أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 4 .

(2) الوسائل 8 : 355 / أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 3 .

(3) الوسائل 8 : 357 / أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 7 .

(4) الوسائل 8 : 359 / أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 16 .

ــ[206]ــ

   منها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) المتقدّمة آنفاً ، فقد قيل : إنّها تتضمّن قرينتين تشهدان بذلك :

   إحداهما : اقتران النهي عن القراءة في الاُوليين بالنهي عنها في الأخيرتين حيث قال (عليه السلام) فيها : «ولا تقرأنّ شيئاً في الأخيرتين» ، ومن الواضح أنّ النهي في الأخيرتين تنزيهي ، فكذا في الاُوليين ، لاتحاد السياق .

   وفيه أوّلا : ما ذكرناه في الاُصول(1) من أنّ الوجوب والحرمة وكذا الاستحباب والكراهة ليسا من مداليل الألفاظ ، وإنّما يستفادان من حكومة العقل بمناط وجوب الطاعة ، فانّ صيغة الأمر لا تدلّ إلاّ على ابراز اعتبار الشيء وجعله في ذمّة المكلف ، كما أنّ النهي لا يدلّ إلاّ على اعتبار محروميته عنه . فان لم يقترن بالترخيص في الترك أو في الفعل انتزع منه الوجوب أو الحرمة بحكم العقل عملا بوظيفة العبودية وخروجاً عن عهدة الطاعة ، وإن اقترن بالترخيص في أحدهما انتزع منه الاستحباب أو الكراهة ، من دون أن تكون الصيغة بنفسها مستعملة في شيء من ذلك .

   وحيث قد ثبت الترخيص من الخارج بالإضافة إلى الأخيرتين ، ولم يثبت في الأوّلتين التزمنا بالكراهة في الأوّل وبالحرمة في الثاني ، من دون أن يستلزم ذلك تفكيكاً في ظاهر اللفظ كي يتنافى مع اتحاد السياق .

   وثانياً : سلّمنا استفادتهما من اللفظ ودلالة الصيغة بنفسها عليهما لكن الصحيحة تضمّنت حكمين لموضوعين في جملتين مستقلّتين ، غاية الأمر أنّهما اجتمعا في كلام واحد ، فاىّ مانع من إرادة الحرمة في إحداهما والكراهة في الاُخرى بعد تغاير الجملتين موضوعاً وحكماً . ومجرّد الاجتماع في كلام واحد لا يستوجب الاتّحاد في الحكم . وحديث السياق لو سلّم فمورده ما إذا كان هناك حكم واحد لموضوعين في جملة واحدة مثل قوله : اغتسل للجمعة والجنابة ، كما لا يخفى .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 2 : 130 ـ 132 ، [وقد ذكر ذلك في صيغة الأمر فقط] .

ــ[207]ــ

   وثالثاً : لا نسلّم كون النهي عن القراءة تنزيهياً في الأخيرتين ، بل الظاهر أنّه تحريمي ، لعدم الدليل على جواز القراءة في الأخيرتين بالإضافة إلى المأموم في الصلوات الجهرية التي هي مورد الصحيحة . ومن هنا ذكرنا في بحث القراءة(1) وسيجيء قريباً إن شاء الله تعالى(2) أنّ الأحوط وجوباً اختياره التسبيح ، إذ لم يثبت التخيير بينه وبين القراءة في الأخيرتين إلاّ في المنفرد أو المأموم في الصلوات الإخفاتية .

   وعليه فلا مانع من الأخذ بظاهر النهي الوارد في الصحيحة في كلتا الفقرتين والحكم بالحرمة في الأوّلتين والأخيرتين معاً .

   ثانيتهما : تعليل النهي عن القراءة بالإنصات، وحيث إنّه مستحبّ إجماعاً ـ إلاّ من ابن حمزة(3) ـ كان النهي للكراهة لا محالة ، لامتناع أن يكون الحكم الاستحبابي علّة لحكم إلزامي .

   وربما يؤيّد الاستحباب باستفادته من نفس الآية الكريمة ، قال تعالى : (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(4) فانّ تعريض النفس للرحمة غير واجب ، وإن وجب تعريضها للغفران ودفع العذاب .

   أقول : ظاهر الأمر بالإنصات في الآية المباركة ـ المفسّرة بالفريضة خلف الإمام في الصحيحة المتقدّمة ـ هو الوجوب . والإجماع المدعى ليس إجماعاً تعبّدياً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) البتة ، فلا يصلح لرفع اليد به عن ظاهر الأمر .

   ولا ينافي ذلك استحباب التسبيح في النفس المأمور به في بعض النصوص إمّا لعدم المنافاة بين الإنصات والإصغاء وبين التسبيح الخفىّ ، بناءً على ما يظهر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة 14 : 477 ، 480 .

(2) في ص 218 ـ 219 .

(3) الوسيلة : 106 .

(4) الأعراف 7 : 204 .

ــ[208]ــ

من بعض اللغويين من أنّ الإنصات ليس هو السكوت المطلق ، بل بمعنى عدم الجهر ، ولذا لو اشتغل بعض المستمعين بالذكر الخفىّ والخطيب على المنبر لا يصادم ذلك مع الإنصات والاستماع كما لا يخفى ، أو على تقدير التنافي فغايته الالتزام بالتخصيص واستثناء التسبيح .

   وأمّا الاستشهاد للاستحباب بقوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) بدعوى عدم وجوب تعريض النفس للرحمة وإن وجب تعريضها لدفع العذاب . ففيه : أنّه لاواسطة بين الأمرين إمّا العذاب أو الرحمة ، وأنّ تعريض النفس للرحمة مساوق لتعريضها لدفع العذاب ، وأحدهما عين الآخر .

   كما يكشف عن عدم الواسطة وأنّه إمّا عذاب أو جنّة جملة وافرة من الآيات الكريمة ، قال تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَـتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْض يَأْمُرُونَ بَالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ . . .) إلخ(1) ، دلّت على اختصاص الرحمة بالمؤمنين المطيعين لله ورسوله . فغير المؤمن وهم الكفار أو المنافقون معذّبون .

   وقال تعالى : (قُلْ إِنِّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّى عَذَابَ يَوْم عَظِيم * مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَ لِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ)(2) ، دلّت على أنّ المشمول للرحمة هو الذي يصرف عنه العذاب . فهو إمّا معذّب أو مشمول للرحمة مصروف عنه العذاب ، ولا ثالث .

   وقال تعالى : (وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذ فَقَدْ رَحِمْتَهُ . . .)إلخ(3) ، دلّت على أنّ المرحوم هو المصون عن السيئات . فهو إما مسيء ففي الجحيم ، أو مرحوم ففي النعيم .

   وقال تعالى : (يَوْمَ لاَ يُغْنِى مَوْلىً عَن مَّوْلىً شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ * إِلاَّ مَن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التوبة 9 : 71 .

(2) الأنعام 6 : 15 ـ 16 .

(3) المؤمن 40 : 9 .

ــ[209]ــ

رَّحِمَ اللَّهُ . . .) إلخ(1) ، دلّت على عدم النصر يوم الفصل إلاّ لمن رحمه الله . فغير المرحوم غير منصور في ذلك اليوم ، فهو معذّب لا محالة .

   وهذه الجملة أعني (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الواردة في آية الإنصات قد وردت في غير واحد من الآيات ، ولا يحتمل فيها الاستحباب .

   قال تعالى : (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِى أُعِدَّتْ لِلْكَـفِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(2) ، فانّ الرحمة مترتّبة على إطاعة الله ورسوله باختيار الإسلام والفرار عن النار التي اُعدّت للكافرين ، ووجوبه واضح .

   وقال تعالى : (وَهَـذَا كِتَـبٌ أَنزَلْنَـهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(3) ، ترتّبت الرحمة على التقوى ومتابعة القرآن ، الواجب على كلّ أحد .

   وقد ذكرنا في تفسير سورة الفاتحة حول قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّرَ طَ الْمُسْتَقِيمَ . . .) إلخ(4) أنّه تعالى قسّم المكلّفين إلى ثلاثة أقسام ، ولا رابع . فمنهم من يمشي في صراط مستقيم وهم الذين أنعم الله عليهم ، وغيرهم إمّا معاند وهو المغضوب عليه ، أو غير معاند وهو الضال(5) .

   وعلى الجملة : فليست في قوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) دلالة على الاستحباب ليرفع اليد به عن ظهور الأمر بالإنصات في الوجوب . وقد عرفت أنّ الإجماع المدّعى على استحبابه ليس تعبّدياً ليعتمد عليه .

   ودعوى السيرة المستمرّة على الترك ـ كما قيل ـ غير ثابتة .

   فالأقوى وجوب الإنصات خلف الإمام ، عملا بظاهر الأمر في الآية

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الدخان 44 : 41 ـ 42 .

(2) آل عمران 3 : 131 ـ 132 .

(3) الانعام 6 : 155 .

(4) الفاتحة 1 : 6 .

(5) البيان : 492 .

ــ[210]ــ

المباركة ، السليم عمّا يوجب صرفه إلى الاستحباب .

   وممّا يؤكّد الوجوب قوله (عليه السلام) في صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج : «وأمّا الصلاة التي يجهر فيها فانّما اُمر بالجهر لينصت من خلفه ، فان سمعت فأنصت . . .» إلخ(1) ، فانّ تعليل وجوب الجهر على الإمام بانصات من خلفه يكشف عن وجوب الإنصات لا محالة ، وإلاّ فكيف يكون الحكم الاستحبابي علّة لحكم إلزامي .

   وعليه فليس في تعليل النهي عن القراءة بالإنصات في صحيحة زرارة المتقدّمة قرينة على الكراهة ، لتوقّفها على استحباب الإنصات ، وقد عرفت أنّ الأقوى وجوبه . فتركها عزيمة لا رخصة .

   وقد يجاب عن هذه القرينة بأنّ تطبيق الآية في الصحيحة المتقدّمة يمكن أن يكون بلحاظ الأمر بالإنصات ، لا بلحاظ النهي عن القراءة ، فالتعليل راجع إلى الأوّل دون الثاني كي يدلّ على الكراهة .

   وفيه : أنّ هذا بعيد جدّاً ، فانّ توسّط قوله (عليه السلام) : «ولا تقرأنّ شيئاً في الأخيرتين» بين قوله : «فانّ الله عزّوجلّ يقول . . .» إلخ ، وبين قوله : «وأنصت لقراءته» مانع عن رجول التعليل إلى الأمر بالإنصات كما لا يخفى .

   بل الظاهر أنّ التعليل راجع إلى الجملة المتّصلة به ، أعني قوله (عليه السلام) : «ولا تقرأنّ شيئاً في الأخيرتين» بقرينة فاء التفريع في قوله (عليه السلام) : في آخر الصحيحة : «فالأخيرتان تبع للأوّلتين» ، ويكون حاصل المعنى : أنّ القراءة ممنوعة في الأخيرتين ، لأنّ الإنصات واجب في الأوّلتين بمقتضى الآية المباركة ، الملازم لترك القراءة فيهما ، فكذا تترك في الأخيرتين
لأنّهما تابعتان للأولتين في هذا الحكم .

   والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ هذه الصحيحة لا تصلح للقرينية ليصرف النهي الوارد فيها وفي غيرها عن القراءة إلى الكراهة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 356 / أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 5 .

ــ[211]ــ

   ومنها : ـ أي من القرائن ـ موثّقة سماعة : «عن الرجل يؤمّ الناس فيسمعون صوته ولا يفقهون ما يقول ، فقال : إذا سمع صوته فهو يجزيه ، وإذا لم يسمع صوته قرأ لنفسه»(1) ، فانّ التعبير بالإجزاء يكشف عن جواز القراءة ، غير أنّ السماع يجزي عنها .

   وفيه : أنّ الإجزاء لا يدلّ إلاّ على جواز السماع بالمعنى الأعمّ والاكتفاء به عن القراءة ، وأمّا أنّها مكروهة أو محرّمة وأنّ تركها بنحو الرخصة أو العزيمة فلا دلالة فيه على ذلك بوجه .

   بل يمكن أن يقال بدلالة الموثّقة على أنّ الترك بنحو العزيمة وأنّ القراءة ليست بجائزة ، بقرينة المقابلة بين هذه الفقرة وبين قوله (عليه السلام) : «وإذا لم يسمع صوته قرأ لنفسه» ، فانّ القراءة لدى عدم السماع جائزة لا واجبة نصاً وفتوى كما ستعرف ، ومقتضى المقابلة عدم الجواز لدى السماع ، إذ لو جاز معه أيضاً لما صحّ التقابل ، مع أنّ التفصيل قاطع للشركة .

   وبعبارة اُخرى : لا شكّ أنّ القراءة في الصورة الثانية ليست بواجبة للنصوص الدالّة على جواز الترك ، فتركها حينئذ رخصة قطعاً ، فان كان الترك في الصورة الاُولى أيضاً رخصة لم يبق فرق بين الصورتين فلا يصح التقابل فلا مناص من كونه عزيمة .

   وعليه فالموثّقة تعاضد النصوص المانعة ، لا أنّها تعارضها كي تصلح قرينة لصرف النهي الوارد فيها إلى الكراهة .

   فالإنصاف : أنّه ليست هناك قرينة يعتمد عليها في رفع اليد عن ظاهر النهي الوارد في تلك النصوص كي يحمل على الكراهة . فالأقوى حرمة القراءة وأنّ سقوطها بنحو العزيمة ، كما يؤكّده قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة ومحمّد ابن مسلم المتقدّمة(2) : «من قرأ خلف إمام يأتمّ به فمات بعث على غير الفطرة» .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 358 / أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 10 .

(2) في ص 205 .

ــ[212]ــ

بل الأحوط والأولى الإنصات ، وإن كان الأقوى جواز الاشتغال بالذكر ونحوه (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   فانّ مثل هذا التعبير ممّا يأبى عن الحمل على الكراهة كما لا يخفى ، وإن خصّصت بالإخفاتيّة وبصورة عدم السماع في الجهريّة كما عرفت وستعرف .

   ثمّ إنّه لا فرق في الحكم المزبور بين سماع الصوت أو الهمهمة ، للتصريح بالمنع عن القراءة لدى سماعها أيضاً في موثّقة(1) عبيد بن زرارة عنه (عليه السلام) : «إنّه إن سمع الهمهمة فلا يقرأ»(2) ، ولا يقدح في السند وجود الحكم بن مسكين في طريق الصدوق إلى عبيد(3) فانّه موجود في أسانيد كامل الزيارات(4) وإن لم يوثّق صريحاً في كتب الرجال . وكذا في صحيحة قتيبة « . . . وإن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ»(5) .

   (1) ولا ينافي ذلك وجوب الإنصات ، إمّا لتفسيره بعدم الإجهار دون السكوت المطلق ـ كما تقدم عن بعض اللغويين ـ فلا تدافع بينه وبين الذكر الخفىّ غير المانع عن الإصغاء ، أو للالتزام بالتخصيص لو فسّر بالسكوت المطلق ، للنص الصحيح الدال على الجواز ، وهي صحيحة أبي المغرا حميد بن المثنّى قال : «كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) فسأله حفص الكلبي فقال : أكون خلف الإمام وهو يجهر بالقراءة فادعوا وأتعوّذ ؟ قال : نعم ، فادع»(6) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [الظاهر كونها صحيحة ـ بناءً على رأيه السابق في مشايخ ابن قولويه ـ لعدم التصريح بكون أحد رجال السند غير إمامي كما سيصرح بكونها صحيحة في ص 220] .

(2) الوسائل 8 : 355 / أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 2 .

(3) الفقيه 4 (المشيخة) : 31 .

(4) ولكنّه لم يكن من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة ، فلا يشمله التوثيق . والعمدة صحيحة    قتيبة .

(5) الوسائل 8 : 357 / أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 7 .

(6) الوسائل 8 : 361 / أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 2 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net