زيادة الركعة سهواً 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثامن:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6039


   [ 2012 ] مسألة 11 : إذا زاد ركعة (1) أو ركوعاً أو سجدتين من ركعة أو تكبيرة الإحرام سهواً ((3)) بطلت الصلاة ، نعم يستثنى من ذلك زيادة الركوع أو السجدتين في الجماعة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والخبثية (4) والوقت(5) والقبلة(6) والستر(7) وشرائط المكان(8) ونحوها (9) . وقد مرّ الكلام حول كلّ من ذلك في محالّها مستقصى عند التعرّض لها في مطاوي الفصول السابقة فلا نعيد .

   (1) المعروف والمشهور أنّ زيادة الركعة سهواً تسـتوجب البطلان مطلقاً

ـــــــــــــ
(3) الظاهر أنّ زيادتها سهواً لا تبطل الصلاة .

(4) تقدّم البحث عنه في شرح العروة 3 : 316 وما بعدها .

(5) تقدّم البحث عنه في شرح العروة 11 : 380 .

(6) تقدّم البحث عنه في شرح العروة 12 : 40 وما بعدها .

(7) تقدّم البحث عنه في شرح العروة 12: 120 ـ 121، 3: 340، 12: 297، 323، 374.

(8) تقدّم البحث عنه في شرح العروة 13 : 16 .

(9) [  كالسجود على ما لا يصحّ السجود عليه ، وقد تقدّم في شرح العروة 15 : 136 ] .

ــ[35]ــ

ونسب الخلاف إلى ابن الجنيد(1) والشيخ في التهذيب والاستبصار(2) والمحقّق في المعتبر(3) والعلاّمة في بعض كتبه(4) وجملة من المتأخّرين فذهبوا إلى الصحّة فيما إذا جلس عقيب الرابعة بمقدار التشهّد ، وأنّ البطلان خاصّ بما إذا لم يجلس هذا المقدار. ويظهر من صاحب الوسائل اختياره مع زيادة صورة الشكّ في الجلوس والحكم بالصحّة فيها أيضاً كما صرح به في عنوان الباب التاسع عشر من الخلل(5). وحكي هذا التفصيل عن أبي حنيفة (6) وسفيان الثوري(7) ، بل نسب القول بالصحّة مطلقاً إلى جمهور العامّة .

   وكيف ما كان ، فيقع الكلام أوّلاً فيما تقتضيه القاعدة ، واُخرى بالنظر إلى النصوص الخاصّة الواردة في المقام .

   أمّا بحسب القواعد  فمقتضاها الصحّة ، سواء أجلس عقيب الرابعة بمقدار التشهّد أم لم يجلس ، وسـواء أتشهّد أم لم يتشهّد ، بل حتّى لو نسي السجدة الأخيرة أيضاً فزاد ركعة سهواً قبل الإتيان بها وبالتشهّد والسلام .

   وذلك لأنّ مقتضى حديث لا تعاد الحاكم على الأدلّة الأولية نفي جزئية هذه الاُمور في ظرف النسيان ، فزيادة الركعة سهواً قبل الإتيان بشيء منها زيادة واقعة خارج الصلاة ، لا في أثنائها كي تسـتوجب البطلان ، لأنّ وقوعها في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حكاه عنه في المختلف 2 : 392  المسألة 278 .

(2) التهذيب 2 : 194 ذيل ح 766 ، الاستبصار 1 : 377 ذيل ح 1431 .

(3) المعتبر 2 : 380 .

(4) المختلف 2 : 392  المسألة 278 .

(5) الوسائل 8 : 231 .

(6) المجموع 4 : 163 ، المغني 1 : 721 ، الشرح الكبير 1 : 702 .

(7) [  لم نعثر عليه ، نعم حكاه في الحدائق 9 : 117 ] .

ــ[36]ــ

الأثناء موقوف على جزئية هذه الاُمور في ظرف النسيان ، والحديث ناف للجزئية عندئذ ، لعدم قصور في شموله لها بعد أن لم تكن من الأركان .

   وقد ذكرنا في مبحث السلام (1) أنّ من نسي السلام فتذكّر بعد أن أحدث أو أتى ببعض المنافيات عمداً وسهواً كالاستدبار أو الفصل الطويل ، أو زيادة الركعة كما في المقام ، بل الركن وحده كالركوع ، بحيث لم يمكن تدارك السلام بعدئذ صحّت صلاته ، وكذا لو كان ذلك بعد نسيان التشهّد أيضاً ، أو نسيانهما مع السجدة الأخيرة ، لما عرفت من أنّ الحديث ينفي جزئيتها في هذه الحالة فيكون المنافي ـ كالركعة الزائدة ـ واقع خارج الصلاة . فالمقام من مصاديق هذه الكبرى ، ولأجله كان مقتضى القاعدة هو الحكم بالصحّة مطلقاً .

   وممّا ذكرنا تعرف ما في استدلال المحقّق في المعتبر على عدم مبطلية الزيادة بعد الجلوس بقدر أن يتشهّد بأنّ الجلوس بهذا المقدار فاصل بين الفرض والزيادة ، فلا تتحقّق الزيادة في الأثناء .

   إذ فيه : أنّ هذا المقدار من الفصل غير مانع عن صدق اسم الزيادة في الصلاة ولذا لو تذكّر قبل الإتيان بالزائد وتدارك التشهّد لحق بالأجزاء السابقة وانضمّ معها . فان بنينا على جزئية السلام المنسي وكذا التشهّد أو السجدة الثانية كانت الزيادة واقعة في الأثناء لا محالة ، وأوجبت بطلان الصلاة . وإن بنينا على سقوطها عن الجزئية بمقتضى حديث لا تعاد ـ كما عرفت ـ صحّت ، لوقوعها حينئذ خارج الصلاة . فالاعتبـار في الصحّة والبطلان على جريان الحديث وعدمه وجزئية السلام ونفيها ، ولا أثر لما ادّعاه (قدس سره) من الفصل .

   وأمّا بالنظر إلى الروايات الخاصّة الواردة في المقام فمقتضى إطلاق غير

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة 15 : 319 .

ــ[37]ــ

واحد من النصوص ـ وقد تقدّمت (1) ـ هو البطلان ، كموثّقة أبي بصير : «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»(2) وصحيحة زرارة : «إذا استيقن أ نّه زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتد بها واستقبل صلاته استقبالاً» (3) .

   فانّ الصحيحة موردها السهو بقرينة التعبير بالاستيقان ، وذكرنا سابقاً أ نّها رويت في الكافي تارة مشـتملة على كلمة (ركعة) واُخرى خالية عنها ، وعلى التقديرين يصحّ الاستدلال بها في المقام ، فانّ زيادة الركعة هي القدر المتيقّن منها وإن لم تذكر فيها . ونحوهما غيرهما ممّا هو معتبر سنداً ودلالة .

   وبازائها روايات اُخرى أيضاً معتبرة دلّت على الصحّة فيما إذا جلس عقيب الرابعة بمقدار التشهّد ، وفي بعضها أ نّه يقوم ويضيف إلى الركعة الزائدة ركعة اُخرى ويجعلهما نافلة ولا شيء عليه .

   فمنها :  صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل صلّى خمساً ، قال : إن كان قد جلس في الرابعة قدر التشهّد فقد تمّت صلاته» (4) وظاهرها أنّ الاعتبار بمجرّد الجلوس قدر التشهّد ، لا بالتشهّد الخارجي .

   وحمل الجلوس على نفس التشهّد بعيد جدّاً، فانّه تعبير على خلاف المتعارف كيف ولو اُريد ذلك كان الأولى أن يقول (عليه السلام) : إن كان قد تشهّد فقد تمّت صلاته ، فانّه ألخص وأظهر ، ولم تكن حاجة إلى ذاك التعبير الذي هو تطويل بلا طائل . فالظاهر من العبارة هو ما ذكرناه كما فهمه المحقّق والشيخ وصاحب الوسائل وغيرهم ، والعامّة أيضاً يعتبرون الجلوس لا نفس التشهّد .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 5 وما بعدها .

(2) الوسائل 8 : 231 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 2 .

(3) الوسائل 8 : 231 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 1 .

(4) الوسائل 8 : 232 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 4 .

ــ[38]ــ

فحمله عليه بعيد عن الفهم العرفي غايته .

   ومنها :  صحيحة محمّد بن مسلم قال : «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل استيقن بعدما صلّى الظهر أ نّه صلّى خمساً ، قال : وكيف استيقن ؟ قلت : علم ، قال : إن كان علم أ نّه كان جلس في الرابعـة فصلاة الظهر تامّة ، فليقم فليضف إلى الركعة الخامسة ركعة وسجدتين فتكونان ركعتين نافلة ، ولا شيء عليه» (1) .

   أمّا من حيث السند فظاهر عبارة الحدائق أ نّها صحيحة ، حيث قال : وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)، ثمّ قال : وعن محمّد بن مسلم ... إلخ (2) ، فانّ ظاهر العطف اشتراكهما في الصحّة . والرواية وإن كانت صحيحة بناءً على مسـلكنا من الاعتماد على من وقع في أسـانيد كامل الزيارات كما وصفناها بها لكنّها غير صحيحة على مسلك القوم ومنهم صاحب الحدائق ، لأنّ في السند محمّد بن عبدالله بن هلال ، ولم يوثّق صريحاً في كتب الرجال .

   وأمّا من حيث الدلالة فيحتمل أن يراد بالجلوس نفسه فيتّحد مضمونها مع الصحيحة السابقة ، ويحتمل أن يكون كناية عن التشهّد الخارجي ، كما عبّر عنه بالجلوس في بعض الروايات الواردة في نسيان التشهّد كصحيح سليمان بن خالد : «عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأولتين ، فقال : إن ذكر قبل أن يركع فليجلس» (3) وصحيح ابن أبي يعفور : «عن الرجل يصلّي الركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما حتّى يركع ، فقال : يتمّ صلاته ... » إلخ (4) وغيرهما .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 232 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 5 .

(2) الحدائق 9 : 114 .

(3) الوسائل 6 : 402 /  أبواب التشهد ب 7 ح 3 .

(4) الوسائل 6 : 402 /  أبواب التشهد ب 7 ح 4 .

ــ[39]ــ

   فانّ المراد من نسيان الجلوس نسيان التشهّد المعتبر حال الجلوس ، فكنّي به عن التشهّد لأجل كونه مقدّمة له ومعـتبراً فيه ، وإلاّ فالجلوس بنفسـه غير واجب فلا أثر لنسيانه . والشيخ (قدس سره) في التهذيب قد فهم هذا المعنى ولذا علّل الصحّة بأن هذا داخل في نسيان السلام ، الذي ليس هو من الأركان قال (قدس سره) : إنّه لا تنافي بين هذه الأخـبار ، فانّ موردها ما إذا تشهّد وبعده زاد ركعة سهواً ، ونسيان السلام غير مبطل (1) .

   وكيف ما  كان، فارادة التشهّد من الجلوس محتمل في هذه الصحيحة ، بخلاف الصحيحة السابقة التي لا يكاد يتطرّق إليها هذا الاحتمال كما سبق .

   ومنها :  ما رواه الصدوق باسناده عن جميل بن درّاج عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «أ نّه قال في رجل صلّى خمساً : إنّه إن كان جلس في الرابعة بقدر التشهّد فعبادته جائزة» (2) .

   ودلالتها كدلالة الصحيحة الاُولى ، لاتّحاد المضمون . وأمّا سندها فقد صحّح العلاّمة طريق الصدوق إلى جميل(3) ، وأقرّه على ذلك الأردبيلي في جامع الرواة(4) . ولكنّه محل تأمّل بل منع ، فانّ الطريق الذي ذكره الصدوق في المشيخة طريق إلى جميل بن درّاج ومحمّد بن حمران معاً، اللذين لهما كتاب مشترك، وطريقه إلى الكتاب صحيح ، ولم يذكر طريقه إلى جميل وحده كما في هذه الرواية .

   ولا ملازمة بين صحّة الطريق إليهما منضمّاً وبين صحّته إلى كلّ واحد منهما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التهذيب 2 : 194 / ذيل ح 766 ، [ والمنقول هنا مضمون ما ذكره الشيخ ] .

(2) الوسائل 8 : 232 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 6 ، الفقيه 1 : 229 / 1016 .

(3) الخلاصة : 437 ضمن الفائدة الثامنة .

(4) جامع الرواة 2 : 532 .

ــ[40]ــ

مستقلاًّ ، لجواز تعدّد الطريق ، إذ كثيراً ما يذكر في المشيخة طريقه إلى شخص ثمّ يذكر طريقاً آخر إلى شخصين أو جماعة يشتمل على ذاك الشخص أيضاً . فطريقه إلى جميل وحده مجهول .

   وهو (قدس سره) مع التزامه في صدر الكتاب على ذكر طرقه إلى المشايخ وأرباب الكتب في المشـيخة قد غفل عن ذكر غير واحد منهم ربما يتجاوز عددهم المائة، فليكن طريقه إلى جميل من هذا القبيل وإن أكثر من الرواية عنه، فانّه ربما يذكر الطريق في المشيخة إلى شخص ولم يرو عنه في الفقيه إلاّ رواية واحدة ، ويغفل عن ذكر طريقه إلى آخر مع روايته عنه كثيراً كجميل بن درّاج وغيره ، وإنّما العصمة لأهلها .

   وكيف ما كان ، فطريقه إلى جميل وحده غير مذكور في المشيخة ، فهو مجهول فالرواية إذن غير نقيّة السند . لكن الخطب هيّن ، إذ تكفينا الصحيحة الاُولى المتّحدة مع هذه الرواية بحسب المضمون ، وفيها غنى وكفاية .

   ومنها :  صحيحة ابن مسلم : «عن رجل صلّى الظهر خمساً ، قال : إن كان لايدري جلس في الرابعة أم  لم يجلس فليجعل أربع ركعات منها الظهر ويجلس ويتشهّد ، ثمّ يصلّي وهو جالس ركعتين وأربع سجدات ويضيفها إلى الخامسة فتكون نافلة» (1) .

   وهذه الصحيحة هي مستند صاحب الوسائل في إلحاق الشك في الجلوس بالعلم به في الحكم بالصحّة كما تقدّمت الإشارة إليه .

   ومنها :  ما روى عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليه السلام) المشتمل على حكاية سهو النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وزيادته الخامسة في صلاة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 233 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 7 .

 
 

ــ[41]ــ

الظهر ، وإتيانه بسجدتي السهو بعد أن ذكّره الأصحاب (1) ، ولكنّها بالرغم من صحّة سندها غير ثابتة عندنا ، لمنافاة مضمونها مع القواعد العقلية كما لا يخفى فهي غير قابلة للتصديق .

   هذه هي حال الروايات الواردة في المقام ، وقد عرفت أنّ مقتضى إطلاق الطائفة الاُولى البطلان فيما إذا زاد ركعة سهواً ، كما أنّ مقتضى الثانية الصحّة فيما إذا جلس عقيب الرابعة بمقدار التشهّد ، والسند معتبر في كلتا الطائفتين .

   وربما يجمع بينهما بحمل الجلوس في الطائفة الثانية على المعهود المتعارف المشتمل على التشهّد والتسليم ، فتكون الركعة الزائدة واقعة خارج الصلاة .

   وفيه :  أ نّه جمع تبرّعي ، لا يكاد يساعده الفهم العرفي بوجه ، لما عرفت من أنّ حمل قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة : «إن كان قد جلس في الرابعة قدر التشهّد»(2) على التشهّد نفسه بعيد جدّاً، وعلى خلاف المتعارف في المحاورات فانّه تطـويل بلا طائل كما لا يخـفى ، بل ظاهره أنّ الجـلوس بهذا المقـدار هو المصحّح للصلاة سواء قارنه التشهّد الخارجي أم لا ، إلاّ أن يقال : إنّ الجلوس بهذا المقدار العاري عن التشهّد نادر التحقّق ، بل لعلّه لم يتّفق خارجاً ، فكيف يمكن إرادته من النصّ .

   والتحقيق :  أنّ مقتضى الصناعة في مقام الجمع ارتكاب التقييد ، بحمل الإطلاق في الطائفة الاُولى المانعة على ما إذا لم يجلس قدر التشهّد ، بقرينة الطائفة الثانية الدالّة على الصحّة فيما إذا جلس ، فيحكم بالصحّة مع الجلوس سواء تشهّد أم لا ، والندرة المزبورة غير مانعة عن ذلك .

   وتوضيحه : أنّ ما يمكن وقوعه خارجاً صور ثلاث :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 233 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 9 .

(2) تقدمت في ص 37 .

ــ[42]ــ

   الاُولى : أن لا يجلس في الرابعة أصلاً، كما لو تخيّل بعد رفع رأسه من  السجدتين أ نّها الركعة الثالثة فقام إلى الرابعة ثمّ بان أ نّها الخامسة ، وهذا فرض شائع .

   الثانية : أن يجلس ويتشهّد ، كما لو تخيّل أ نّها الركعة الثانية فقام إلى الثالثة ثمّ بان أ نّها الخامسة ، وهذا أيضاً فرض شائع .

   الثالثة : أن يجلس في الرابعة ولا يتشهّد، كما لو كان الجلوس لا لغرض التشهّد لاعتقاده أ نّها الركعة الثالثة مثلاً ، بل لغرض آخر من حكّ جلده أو قراءة دعاء ونحوهما ، ويستمرّ الجلوس مقدار التشهّد ، ثمّ يقوم إلى الركعة الرابعة فيستبين أ نّها الخامسة . وهذا الفرض كما ترى نادر التحقّق ، وإنّما الشائع هما الفرضان الأوّلان كما عرفت .

   وحينئذ نقول :  دلّت الطائفة الثانية على الصحّة مع الجلوس في الرابعة بمقدار التشهّد ، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين ما إذا اقترن الجلوس بنفس التشهّد كما في الصورة الثانية ، وما إذا لم يقترن كما في الصورة الثالثة ، في مقابل الصورة الاُولى العارية عن الجلوس رأساً، المحكومة بالبطلان . ومجرّد كون الصورة الثالثة نادرة التحقّق لا يمنع عن شمول الإطلاق لها ، فانّ الممنوع إنّما هو حمل المطلق على الفرد النادر ، لا شمول الإطلاق له وللإفراد الشائعة .

   فالطائفة الاُولى محمولة على الصورة الاُولى، والثانية على الصورتين الأخيرتين لما بين الطائفتين من نسبة الإطلاق والتقييد . ونتيجة ذلك الحكم بالبطلان فيما إذا لم يجلس في الرابعة رأساً ، والصحّة فيما إذا جلس سواء تشهّد أم لم يتشهّد .

   وممّا ذكرنا يظهر فساد ما قد يقال في وجه الجمع من حمل الطائفة الثانية على التقيّة لموافقتها لمذهب العامّة ، إذ فيه : أنّ الترجيح بالمرجّح الجهتي فرع استقرار المعارضة ، ولا معارضة مع وجود الجمع العرفي بحمل المطلق على المقيّد على النحو الذي عرفت ، فبعد إمكان الجمع الدلالي لا تصل النوبة إلى ملاحظة

ــ[43]ــ

المرجّحات كما هو المقرّر في محلّه .

   ومن الواضح أنّ مجرّد الموافقة مع مذهب العامّة أو لفتوى سفيان وأبي حنيفة لا يستدعي الحمل على التقية ما لم تستقرّ المعارضة ، وقد عرفت عدم وجود المعارضة بعد إمكان الجمع وارتكاب التقييد ، هذا .

   ولكن الظاهر أنّ الجمع الذي ذكرناه لا يمكن المـصير إليه ، لابتلاء المقيّد ـ  أعني الطائفة الثانية  ـ في نفسه بالمعارض ، وذلك لأنّ مورد هذه الروايات وإن كانت صلاة الظهر أربعاً وزيادة الخامسة سهواً ، إلاّ أ نّا لا نحتمل اختصاص الحكم بالظهر تماماً ، بل يجري في القصر أيضاً فيما إذا زاد ركعة أو ركعتين سهواً للقطع بعدم الفرق بين التمام والقصر من هذه الجهة ، وأنّ المستفاد من النصّ أنّ الموضوع للحكم هو صلاة الظهر كيف ما تحقّقت ، سواء صدرت من الحاضر أو المسافر .

   نعم ، يتطرّق احتمال الاختصاص بالظهر وما يشاكلها من الرباعيات كالعصر والعشاء، وعدم انسحاب الحكم إلى الثنائية بالأصل والثلاثية كالمغرب والفجر فيحكم بالبطلان إذا زيدت فيهما ركعة ولو سهواً ، لقصور النصّ عن الشمول لهما بعد أن كان الحكم على خلاف القاعدة المستفادة من إطلاق الطائفة الاُولى كما قيل بذلك ، إلاّ أ نّه لا مجال لاحتمال الاختصاص بالظهر تماماً ، لعدم قصور النصّ عن الشمول له وللقصر ، مضافاً إلى القطع بعدم الفرق كما عرفت .

   وعليه فيعارض هذه الروايات ما ورد في من أتمّ في موضع القصر نسياناً من البطلان ووجوب الإعادة في الوقت وإن لم يجب القضاء فيما لو تذكّر بعد خروج الوقت ، فانّ الركعتين الزائدتين سهواً واقعتان بعد الجلوس والتشهّد بطبيعة الحال ، فالحكم بالبطلان في هذه النصـوص ينافي الحكم بالصحّة التي تضمّنتها تلك الروايات . وإليك بعض هذه النصوص :

ــ[44]ــ

   منها : صحيحة العيص بن القاسم : «عن رجل صلّى وهو مسافر فأتمّ الصلاة قال : إن كان في وقت فليعد ، وإن كان الوقت قد مضى فلا» (1) فانّ موردها الناسي قطعاً، دون العامد ودون الجاهل ، لوجوب الإعادة على الأوّل في الوقت وخارجه ، وعدم وجوبها على الثاني لا في الوقت ولا في خارجه نصّاً وفتوى . فيختصّ موردها المشتمل على التفصيل بين الوقت وخارجه بالناسي لا محالة .

   ومنها :  موثق(2) أبي بصير: «عن الرجل ينسى فيصلّي في السفر أربع ركعات قال : إن ذكر في ذلك اليوم فليعد ، وإن لم يذكر حتّى يمضي ذلك اليوم فلا إعادة عليه» (3) وهي صريحة في الناسي . ومنها غير ذلك .

   فتقع المعارضة بين هذه النصوص وتلك الروايات ، لما عرفت من أنّ زيادة الركعتين نسياناً ـ في من يتمّ في موضع القصر ـ واقعة غالباً عقيب الجلوس للتشهّد ، وقد دلّت هذه على البطلان وتلك على الصحّة ، فتستقرّ المعارضة بينهما ولا بدّ من العلاج . وبما أنّ تلك الروايات المتضمّنة للصحّة موافقة لمذهب العامّة كما عرفت ، فتطرح وتحمل على التقيّة، فيكون الترجيح مع هذه النصوص الموافقة لإطلاق الطائفة الاُولى المتضمّنة للبطلان .

   وعلى الجملة :  فالطائفة الثانية من أجل ابتلائها بالمعارض غير صالحة لتقييد الطائفة الاُولى، والترجيح بالجهة إنّما يتّجه لدى ملاحظتها مع النصوص المتقدّمة آنفاً ، لا مع الطائفة الاُولى ، إذ لا معارضة بينهما بعد كون النسبة نسبة الإطلاق والتقييد كما عرفت .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 505 /  أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 1 .

(2) [ لم يظهر وجه التسمية بالموثّق دون الصحيح ، فانّ سندها هكذا : الشيخ باسناده عن سعد ، عن محمّد بن الحسين ، عن علي بن النعمان ، عن سويد القلا ، عن أبي أيوب ، عن أبي بصير ] .

(3) الوسائل 8 : 506 /  أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 2 .

ــ[45]ــ

   والمتحصّل من جميع ما قدّمـناه : أنّ الأقوى ما عليه المشهور من بطلان الصلاة بزيادة الركعة سهواً ، للإطلاقات السليمة عمّا يصلح للتقييد ، وإن كان مقتضى القاعدة الأوّلية المستفادة من حديث لا تعاد هي الصحّة كما مرّ .

   ثمّ إنّه بناءً على القول بالصحّة لدى الجلوس عقيب الرابعة بقدر التشهّد فهل يحكم بها مع الشكّ في الجلوس أيضاً كما هو ظاهر عنوان صاحب الوسائل (1) ؟ مقتضى صحيحة ابن مسلم المتقدّمة (2) هو ذلك .

   وناقش فيها صاحب الحدائق (قدس سره)(3) تارة بأنّ ما تضمّنته من إلحاق الشكّ في الجلوس بالجلوس المحقّق في الحكم بالصحّة ممّا لا قائل  به من الأصحاب عدا ما قد يستشعر من إيرادها الصدوق في الفقيه(4) بناءً على قاعدته التي مهّدها في صدر كتابه من عمله بكلّ ما يرويه في الكتاب ، وأ نّه حجّة بينه وبين الله تعالى، وإن كان فيه تأمّل يظهر لمن راجع كتابه ولاحظ خروجه عن هذه القاعدة .

   أقول :  الإعراض لايسقط الصحيح عن الحجّية ، وقد عرفت فتوى صاحب الوسائل بمضـمونها . نعم، مضمون الصحيحة مخالف للقاعدة ، فان مقتضى الاستصحاب عدم تحقّق الجلوس عقيب الرابعة ، ونتيجته البطلان .

   وما عن المحقق الهمداني (قدس سره) من تطبيقها على القواعد بدعوى أنّ مقتضى قاعدة الفراغ هو الصحّة ، فانّ الزيادة القادحة هي الركعة العارية عن الجلوس عقيب الرابعة ، وهو مشـكوك حسب الفرض ، ومقتضى القاعدة عدم الاعتناء بعد الصلاة باحتمال عروض المبطل في الأثناء(5) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما تقدّم في ص 35 .

(2) في ص 40 .

(3) الحدائق 9 : 115 .

(4) الفقيه 1 : 229 / 1017 .

(5) مصباح الفقيه (الصلاة) : 536 السطر 1 .

ــ[46]ــ

   غير وجيه ، لاختصاص القاعدة بما إذا احتمل الإخلال زيادة أو نقصاً ، أمّا في المـقام فهو متيقّن بزيادة الركعة كنقيصة التشهّد ، غير أنّ الشارع قد حكم باغتفارها لو صادف اقترانها بالجلوس، وأ نّه بمجرّده مصحّح لتلك الركعة الزائدة فغايته أ نّه يحتمل مقارنة ذلك مع الجلوس عقيب الرابعة بمقدار التشهّد من باب الصدفة والاتّفاق ، فانّ هذا الجلوس بمجرّده غير واجب بالضرورة ، فلو تحقّق أحياناً فهو أمر اتّفاقي وإن ترتبت عليه الصحّة .

   ومن المعـلوم أنّ القاعدة لا تتكفّل الصحّة من باب الاتّفاق والصدفة كما يكشف عنه التعليل بالأذكرية (1) والأقربية إلى الحقّ (2) في بعض نصوصها . وعليه فلا مسرح للقاعدة من هذه الجهة في مثل المقام، بل مقتضى الاستصحاب عدم الجلوس الذي نتيجته البطلان كما مرّ .

   وعلى الجملة : مضمون الصحيحة وإن كان على خلاف القواعد لكن لا ضير في الالتزام به بعد مساعدة الدليل ، فانّ غايته ارتكاب التخصيص والخروج عمّا تقتضيه القاعدة بالنصّ ، وهو غير عزيز في الأخبار .

   إلاّ أنّ الذي يهوّن الخطب أنّ الصحيحة في نفسها معارضة بصحيحة اُخرى لابن مسلم دلّت بمفهومها على اعتبار العلم بالجلوس في الحكم بالصحّة وعدم كفاية الشكّ، قال (عليه السلام) فيها : « ... إن كان علم أ نّه جلس في الرابعة ...» إلخ(3) ، فبعد معارضة المنطوق بالمفهوم تسقط الصحيحة عن درجة الاعتبار، فلا يمكن التعويل عليها .

   على أ نّك عرفت فيما مرّ فساد المبنى من أصله ، وأنّ الأقوى بطلان الصلاة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 471 /  أبواب الوضوء ب 42 ح 7 .

(2) الوسائل 8 : 246 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 27 ح 3 .

(3) الوسائل 8 : 232 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 5 .

ــ[47]ــ

بزيادة الركعة سهواً حتّى مع العلم بتحقّق الجلوس عقيب الرابعة بمقدار التشهّد كما عليه المشهور ، فضلاً عن الشكّ في ذلك .

   وناقش (قدس سره) اُخرى بأنّ التشهّد المذكور في الصحيحة إمّا أن يكون للفريضة أو للنافلة ، فعلى الأوّل لا يكون إلاّ على جهة القضاء ، مع أنّ التشهّد المشكوك فيه لايقضى بعد تجاوز المحلّ، وعلى الثاني فالأنسب ذكره بعد الركعتين من جلوس كما لا يخفى .

   ويندفع  بأنّ التشهّد متعلّق بالفريضـة لا محالة ، ولا تعرّض في الصحيحة لاتصافه بالأداء أو القضاء، فبعد البناء على صحّة الصلاة كما تضمّنته الصحيحة فليكن التشهّد قضاءً لما فات ، وهو حكم استحبابي ، لكون التشهّد المشكوك مورداً لقاعدة الفراغ ـ بعد البناء المزبور ـ كالحكم بالإتيان بركعتين من جلوس وضمّهما إلى الركعة الزائدة واحتسابهما نافلة ملفّقة من ركعة عن قيام وركعتين من جلوس .

   وبالجملة :  فهذا الإشكال لا يرجع إلى محصّل ، والعمدة هو الإشكال الأوّل وقد مرّ الجواب عنه . هذا كلّه في زيادة الركعة سهواً .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net