نسيان الركوع والتذكّر قبل الدخول في السجدة الثانية - نسيان السجدتين مما عدا الركعة الأخيرة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثامن:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6295


ــ[61]ــ

وإن تذكّر قبل الدخول فيها رجع وأتى به وصحّت صلاته ، ويسجد سجدتي السهو لكلّ زيادة ، ولكنّ الأحوط مع ذلك إعادة الصلاة لو كان التذكّر بعد الدخول في السجدة الاُولى (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وعدمه ، لاستلزام زيادة السجدتين على الأوّل ، ونقص الركوع على الثاني كما مرّ . فالمتعيّن هو القول بالبطلان مطلقاً كما عليه المشهور .

   (1) المقام الثاني :  ما إذا كان التذكّر قبل الدخول في السجدة الثانية ، وقد ذهب جماعة كثيرون إلى البطلان هنا أيضاً، بل نسب ذلك إلى المشهور، واختار جمع آخرون منهم السيِّد الماتن (قدس سره) الصحّة ، فيرجع ويتدارك الركوع لبقاء المحلّ ، إذ لايترتّب عليه عدا زيادة السجدة الواحدة سهواً، الّتي هي ليست بقادحة نصّاً وفتوى كما مرّ (1) .

   ويستدلّ للبطلان باطلاق رواية أبي بصير المتقدّمة(2) فانّه يشمل ما إذا  كان التذكّر قبل الدخول في السجدة الثانية، فلأجلها يحكم بالبطلان، وإن كان مقتضى القاعدة الصحّة كما عرفت .

   وفيه أوّلاً :  أ نّها ضعيفة السند بمحمّد بن سنان كما مرّ ، غير منجبرة بعمل المشهور ولو سلّمنا كبرى الانجبار ، إذ لا صغرى لها في المقـام ، فانّ القائلين بالصحّة أيضاً جماعة كثـيرون ، وإن كان القول بالبطلان أكثر . فلا شهرة في البين بمثابة يكون القول الآخر شاذاً كي يتحقّق بها الجبر .

   وثانياً :  أ نّها قاصرة الدلالة ، لعدم إطلاق لها بحيث يشمل المقام ، لوضوح أنّ المراد من نسـيان الركوع التجاوز عنه والخروج عن المحلّ بمثابة لا يمكن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 48 .

(2) في ص 59 .

ــ[62]ــ

تداركه ووضع كلّ شيء في موضعه ، وإلاّ فمجرّد النسيان كيف ما كان ولو آناً ما غير مستوجب للبطلان قطعاً ، ولذا لو تذكّر عند الهوي إلى السجود وقبل أن يسجد رجع وأتى به وصحّت صلاته بلا إشكال .

   فالمراد منه ما إذا لم يمكن معه الرجوع والتدارك كما عرفت ، وهو مختصّ بما إذا كان التذكّر بعد الدخول في السجدة الثانية ، للزوم زيادة الركن حينئذ كما مرّ، وأمّا لو تذكّر قبل ذلك فيمكنه التدارك ، إذ لايترتّب عليه عدا زيادة سجدة واحدة سهواً ، ولا ضير فيها بمقتضى النصوص الخاصّة على ما سبق .

   وعلى الجملة : فبعد ملاحظة عدم قادحية الزيادة السهوية للسجدة الواحدة كما دلّت عليه تلك النصوص، المقتضية للتوسعة في المحلّ الشرعي المقرّر للركوع كان تداركه ممكناً لبقاء المحلّ ، فلو تركه ولم يرجع استند الترك إلى العمد دون النسيان ، فيخرج عن موضوع الرواية بطبيعة الحال .

   وثالثاً :  سلّمنا الإطلاق لكنّه معارض باطلاق صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إذا نسيت شـيئاً من الصلاة ركوعاً أو سجوداً أو تكبيراً ثمّ ذكرت فاصنع الذي فاتك سواء» (1) ، دلّت على وجوب تدارك المنسي الذي من جملته الركوع ، والإتيان به مساوياً لما فات ، وبذلك تصحّ الصلاة .

   ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين ما إذا كان التذكّر قبل الدخول في السجدة الثانية أم بعده ، فهي معارضة لرواية أبي بصير الدالّة على البطلان مطلقاً بالتباين لكن الصحيحة مخصّصة بالنصوص المتقدّمة الدالّة على البطلان فيما لو كان التذكّر بعد الدخول في السجدة الثانية ، فهي محمـولة بعد التخصيص على ما لو كان التذكّر قبل الدخول فيها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 316 /  أبواب الركوع ب 12 ح 3 .

ــ[63]ــ

   وحينئذ تنقلب النسبة بينها وبين الرواية من التباين إلى العموم والخصوص المطلق ، فيقيد بها إطلاق الرواية ، بناءً على ما هو الصحيح من صحة انقلاب النسبة كما هو المحرّر في الاُصول(1) ، فتكون النتيجة اختصاص البطلان بما إذا كان التذكّر بعد الدخول في السجدة الثانية .

   ورابعاً :  مع الإغماض عن كلّ ما مرّ فاطلاق الرواية مقيّد بمفهوم رواية اُخرى لأبي بصير صحيحة وقد تقدّمت(2) فانّ المراد بالركعة فيها هو الركـوع الذي صرّح به فيما بعد ، دون الركعة التامّة كما لا يخفى ، وقد ذكرنا في الاُصول(3) أنّ الجملة الشرطية لو تركّبت من أمرين أو اُمور فالشرط هو المجموع وعليه يترتّب الجزاء ، كما أ نّه بانتفائه المتحقّق بانتفاء البعض ينتفي الجزاء .

   ففي مثل قوله : إن سافر زيد وكان سفره يوم الجمعة فتصدّق ، الشرط هو مجموع الأمرين من السفر ووقوعه يوم الجمعة ، ويدلّ المفهوم على انتفاء الجزاء بانتفاء واحد منهما ، فلكلّ من القيدين مفهوم .

   نعم ، لو كان أحدهما مسـوقاً لبيان تحقّق الموضوع اختصّ الآخر بالدلالة على المفهوم ، لأنّ نفي الحكم عند نفي الأوّل من باب السالبة بانتفاء الموضـوع لا من باب الدلالة على المفهوم ، لتوقفها على إمكان ثبوت الجزاء لدى الانتفاء وعدم الثبوت كما هو ظاهر .

   ففي مثل قولنا : إن سافر الأمير وكان سفره يوم الجمعة فخذ ركابه ، كان القيد الذي باعتباره يدلّ الشرط على المفهوم خصوص الثاني ، فمفهومه عدم وجوب الأخذ بالركاب لو سافر في غير يوم الجمعة ، لا عدم وجوب الأخذ به

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 3 : 401 .

(2) في ص 59 .

(3) محاضرات في اُصول الفقه 5 : 87 .

ــ[64]ــ

لو لم يسافر .

   وحينئذ نقول : الجملة الشرطية في المقام مؤلّفة من قيدين لكلّ منهما مفهوم أحدهما اليقين بترك الركعة ـ أعني الركوع كما عرفت ـ والآخر كونه قد سجد السجدتين ، والجزاء ـ أعني الاستئناف ـ معلّق على استجماع الأمرين معاً ، فلا استئناف لدى انتفاء واحد منهما بمقتضى مفهوم الشرط .

   فلو لم يتيقّن بالترك بل بقي شاكاً صحّت صلاته بمقتضى هذا المفهوم ، المطابق لأخبار قاعدة التجاوز المصرّحة بعدم الاعتناء بالشكّ في الركوع بعدما سجد كما أ نّه لو تيقّن ولكن لم يكن قد سجد السجدتين صحّت صلاته أيضاً ، ولم يجب الاستئناف .

   فالصحيحة باعتبار القيد الثاني المأخوذ في الجملة الشرطية تدلّ بالمفهـوم على نفي الإعادة لو كان التذكّر واستيقان الترك قبل الدخول في السجدة الثانية وبذلك يقيّد إطلاق الرواية الدالّة على البطلان بنسيان الركوع ، وتحمل على ما إذا كان التذكّر بعد الدخول فيها .

   فاتضح ممّا مرّ أنّ هذه الرواية غير صالحة للاستدلال بها على البطلان في المقام .

   وأمّا موثّقة إسحاق بن عمّار المتقدّمة (1) فعدم صلاحيتها للاسـتدلال أوضح فانّ الاسـتقبال المذكور فيها إن اُريد به الرجوع وتدارك الركوع كما احتمله بعض فهي على خلاف المطلوب أدلّ كما لا يخفى ، وإن اُريد به الاستئناف ـ  كما استظهرناه  ـ فالذيل أعني قوله : «حتّى يضع كل شيء من ذلك موضعه» الذي هو بمنزلة التعليل موجب لتضييق الحكم واختصاصه بما إذا لم يمكن وضع كلّ شيء موضعه إلاّ بالاستئناف ، وهو ما لو كان التذكّر بعد الدخول في السجدة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 59 .

ــ[65]ــ

   [ 2016 ] مسألة 15 : لو نسي السجدتين(1) ولم يتذكّر إلاّ بعد الدخول في الركوع من الركعة التالية بطلت صلاته ، ولو تذكّر قبل ذلك رجع وأتى بهما وأعاد ما فعله سابقاً ممّا هو مرتّب عليهما بعدهما، وكذا تبطل الصلاة  لو  نسيهما من الركعة الأخيرة حتّى سلّم وأتى بما يبطل الصلاة عمداً وسهواً كالحدث والاسـتدبار ، وإن تذكّر بعد السلام قبل الإتيـان بالمبـطل فالأقوى أيضاً البطلان((1)) ، لكن الأحوط التدارك ثمّ الإتيان بما هو مترتّب عليهما ثمّ إعادة الصلاة ، وإن تذكّر قبل السلام أتى بهما وبما بعدهما من التشهّد والتسليموصحّت صلاته ، وعليه سجدتا السهو لزيادة التشهّد أو بعضه وللتسليم المستحب .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الثانية ، إذ لو كان قبله فهو متمكّن من وضع كلّ شيء موضعه من غير استئناف بعد ملاحظة ما دلّ على أنّ زيادة السجدة الواحدة ليست بقادحة .

   فاحتفاف الكلام بهذا الذيل الذي هو بمثابة العلّة الموجبة لتقييد الحكم بموردها مانع عن انعقاد الإطلاق بحيث يشمل المقام كما هو ظاهر .

   والمتحصّل من جميع ما ذكرناه : أنّ رواية أبي بصير كغيرها من النصوص المستدلّ بها في المقام الأوّل مختصّة به وغير شاملة للمقام . ومقتضى القاعدة هنا الصحّة ، فيرجع ويتدارك الركوع ولا شيء عليه ، إذ أقصاه زيادة السجدة الواحدة سهواً التي لا ضير فيها بمقتضى النصوص المتقدّمة كما عرفت .

   (1) أمّا لو كان التذكّر قبل الدخول في ركوع الركعة اللاّحقة فلا إشكال فيه ، فيرجع ويتدارك السجدتين ويمضي في صلاته ، ولابأس بالزيادات الصادرة سهواً الواقعة في غير محلّها من القيام والقراءة أو التسبيح بعد كونها مشمولة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل الأقوى عدمه ، فيتداركهما ويأتي بما هو مترتّب عليهما ، نعم الإعادة بعد ذلك أحوط .

ــ[66]ــ

لحديث لا تعاد .

   وأمّا  لو تذكّر بعد الدخول فيه  فلا مناص من الحكم بالبطلان كما  عليه المشهور بل قيل إنّه ممّا لا خلاف فيه ، للزوم زيادة الركوع لو تدارك ، ونقص السجدتين لو لم يتدارك ، فهي غير قابلة للعلاج ، لاستلزام الإخلال بالركن على أيّ حال فيشملها عقد الاستثناء في حديث لا تعاد ، الذي هو شامل للزيادة كالنقيصة كما سبق .

   وربما يتصدّى للعلاج اسـتناداً إلى حديث لا تعاد ، بدعوى أ نّه لو تدارك السجدتين بعد الركوع وأتى بهما وبسجدتي الركعة التي بيده فلا خلل عندئذ إلاّ من ناحية الترتيب ، والحـديث يؤمّـننا عن كلّ خلل ما عدا الخمس ، وليس الترتيب منها .

   وبالجلمة :  تتأ لّف الصلاة الرباعية مثلاً من ركوعات أربعة وثمان سجدات وعند تدارك السجدتين على النهج المزبور لم يكن ثمّة أيّ إخلال بشيء منها ، لا زيادة ولا نقصاً ، غاية ما هناك فقد شرط الترتيب وإيقاع السجدتين اللّتين محلّهما قبل الركوع بعده ، ومثله مشمول لحديث لا تعاد .

   لكنّه بمراحل عن الواقع ، بل في غاية الضعف والسقوط ، فانّه لو صنع مثل ذلك أي أخّر السجدتين من الركعة السابقة عن ركوع الركعة اللاّحقة سهواً ثمّ تذكّر بعد الدخول في الجزء المترتّب أو بعد الفراغ من الصلاة كان لما ذكر من عدم الإخلال حينئذ إلاّ بالترتيب وجه ، وأمكن أن يكون قابلاً للتصديق .

   أمّا في مثل المقام المفروض فيه الالتفات إلى التأخير حين العمل فهو ساقط جزماً ، للزوم الإخلال بالترتيب عمداً ، ومثله غير مشمول للحديث قطعاً كما مرّ سابقاً .

ــ[67]ــ

   ومن هنا ذكرنا في محلّه (1) أ نّه لو نسي المغرب وتذكّر بعد الدخول في ركوع الركعة الرابعة من العشـاء بطلت ، لفقد شرط الترتيـب ، ولا يمكن تصحـيحها بالحديث، فانّه عامد في الإخلال به بالإضافة إلى الركعة الرابعة وإن كان ساهياً في الركعات السابقة ، ولا ريب في اعتبار الترتيب في صلاة العشاء بتمام ركعاتها ويترتّب على ذلك فروع كثيرة مذكورة في محالّها .

   على أ نّه غير قابل للتصديق في الفرض السابق أيضاً ، ضرورة أنّ الترتيب سواء أكان شرطاً للصلاة أم لنفس الأجزاء لم يكن معتبراً في الصلاة بحياله كي يكون موضـوعاً مستقلاًّ في مشـموليته للحديث ، وإنّما هو منتزع من الأمر بالأجزاء بكيفية خاصّة من التكبير ثمّ القراءة ثمّ الركوع وبعده السجود وهكذا فهو مقوّم لجزئية الجزء ، ومحصّص له بحصّة خاصّة .

   فالقراءة المعدودة من الأجزاء هي المسبوقة بالتكبير والملحوقة بالركوع ، كما أنّ الركوع المتّصف بالجزئية حصّة خاصّة منه وهو المسبوق بالقراءة الملحوق بالسجود ، وهكذا الحال في سائر الأجزاء . فالعاري عن هذه الخصوصية غير متّصف بالجزئية ، والإخلال بها إخلال بالجزء نفسه حقيقة . وعليه فلو أخّر السجدتين من الركعة السابقة عن ركوع الركعة اللاّحقة فقد أخلّ بنفس السجدتين لدى التحليل ، لا بمجرّد الترتيب ، فيدخل في عقد الاسـتثناء من حديث لا تعاد المقتضي للبطلان . وكيف ما كان ، فهذه الدعوى ساقطة جزماً ، ولا مناص من الحكم بالبطلان في المقام كما عرفت .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة 11 : 400 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net