الشكوك المُبطلة للصلاة \ الأوّل:الشك في الثنائية - الثاني:الشك في الثلاثية 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثامن:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6186


ــ[149]ــ

فصل

في الشكّ في الرّكعات
 

   [ 2037 ] مسألة 1 : الشكوك الموجبة لبطلان (1) الصلاة ثمانية : أحدها : الشكّ في الصلاة الثنائية كالصبح وصلاة السفر(2) . الثاني : الشكّ في الثلاثية كالمغرب .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) المراد بالبطلان ـ كما سيأتي التعرّض له في مطاوي المسائل الآتية ـ عدم جواز المضيّ على الصلاة وإتمامها مع الشكّ ، لا أ نّه يستوجب البطلان بمجرّد الحدوث كالحدث، فلو تروّى وارتفع الشكّ وأتمّ على اليقين صحّت صلاته، فهو مبطل بقاءً لا حدوثاً .

   (2) بلا خلاف فيه ولا إشـكال ، وكذا فيما بعده أعني الشكّ في الثلاثيّة كالمغرب ، وعليه دعوى الإجماع في غير واحد من الكلمات .

   نعم ، نسب إلى الصدوق(1) الخلاف في ذلك ، وأ نّه مخيّر بين البناء على الأقلّ وبين الاستئناف ، والناسب هو العلاّمة(2) وتبعه من تأخّر عنه . وقد حاول صاحب الحدائق(3) وقبله الوحيد البهبهاني(4) تكذيب هذه النسبة وأنّ فتواه مطابقة للمشهور، وأقام شواهد على ذلك من كلامه ، وكيف ما كان ، فهذا الحكم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [  كما قد يستفاد من الفقيه 1 : 231 ذيل ح 1024 ] .

(2) المنتهى 1 : 410 السطر 5 .

(3) الحدائق 9 : 201 .

(4) هامش المدارك : 249 .

ــ[150]ــ

هو المشهور إن لم يكن إجماعاً ، سواء صحّت النسبة أم لا .

   إنّما الكلام في مستنده ، فانّ النصوص غير وافية صريحاً لإثبات هذه الكلّية أعني بطلان الشكّ في كلّ ثنائية، وإنّما وردت في بعض جزئياتها كالفجر والجمعة والصلاة في السفر ، وكذا في المغرب والوتر .

   ففي صحيحة حفص : «إذا شككت في المغرب فأعد ، وإذا شككت في الفجر فأعد» (1) ، ونحوها صحيحة الحلبي وحفص (2) أيضاً .

   وفي صحيحة ابن مسلم : «عن الرجل يصلّي ولايدري واحدة صلّى أم اثنتين قال : يستقبل حتّى يستيقن أ نّه قد أتمّ ، وفي الجمعة وفي المغرب وفي الصلاة في السفر» (3) .

   وفي صحيحة العلاء : «عن الرجل يشكّ في الفجر ، قال : يعيد ، قلت : المغرب قال : نعم ، والوتر والجمعة . من غير أن أسأله» (4) ، فيحتاج التعدّي حينئذ إلى كلّ ثنائية ليشمل مثل صلاة الطواف وصلاة الآيات والعيدين إلى دليل آخر .

   وقد استدلّ له بالتعليل الوارد في موثّقة سماعة قال : «سألته عن السهو في صلاة الغداة ، فقال : إذا لم تدر واحدة صلّيت أم ثنتين فأعد الصلاة من أوّلها والجمعة أيضاً إذا سها فيها الإمـام فعليه أن يعيد الصلاة ، لأ نّها ركعتان» (5) حيث يستفاد من عموم العلّة انسحاب الحكم لكلّ صلاة ذات ركعتين .

   ونوقش فيه بأنّ المذكور في الصدر بطلان الفجر بالشكّ بين الواحدة والثنتين

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 193 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 2 ح 1 .

(2) الوسائل 8 : 194 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 2 ح 5 .

(3) الوسائل 8 : 194 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 2 ح 2 .

(4) الوسائل 8 : 195 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 2 ح 7 .

(5) الوسائل 8 : 195 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 2 ح 8 .

ــ[151]ــ

وظاهر العطف اشتراك الجمعة معه في البطلان بمثل هذا الشكّ . وعليه فالتعليل المذكور في الذيل لا يقتضي إلاّ بطلان كلّ ذات ركعتين بخصوص الشكّ بين الواحدة والثنتين ، لا بمطلق الشكّ في الركعات حتّى مثل الثنتين والثلاث أو الأربع كي تدلّ على لزوم سلامة الثنائية عن كلّ شكّ متعلّق بالركعة كما هو المدّعى، إلاّ أن يتمّم ذلك بالتسالم وبعدم القول بالفصل ، فيخرج عن الاستدلال بالرواية .

   ويندفع أوّلاً :  بأنّ التعليل مذكور في ذيل الجمعة المحكومة باعادة الإمام صلاته إذا سها فيها ، الظاهر بمقتضى الإطلاق في كلّ سهو ، فيكون ذلك قرينة على أنّ المذكور في الصدر من باب المثال .

   وثانياً :  مع الغضّ عن ذلك وتسليم قصور الموثّق عن الدلالة على بطلان الثنائيـة بكلّ شكّ ، فيكفينا في ذلك إطلاق صحيحة صفوان عن أبي الحسن (عليه السلام) «قال : إن كنت لا تدري كم صلّيت ولم يقع وهمـك على شيء فأعد الصلاة» (1) ، حيث دلّت بمقتضى الإطلاق على بطلان كلّ صلاة بكلّ شكّ متعلّق بالركعة ، خرج ما خرج بالأدلّة الخاصّة ; فيبقى الباقي الذي منه الشكّ في مطلق الثنائية بأي نحو كان تحت الإطلاق ، فتثبت بها الضابطة الكلّية المتقدّمة .

   ولا تتوهّم معارضتها مع صحيحة علي بن يقطين قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل لا يدري كم صلّى واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً ، قال : يبني على الجزم ، ويسجد سجدتي السهو ، ويتشهّد تشهّداً خفيفاً» (2) ، لمخالفة مضمونها مع النصّ والفتوى كما لا يخفى ، ولا سبيل للعمل بها بوجه ، هذا .

   وسنتمسّك بهذه الصحيحة في كثير من المسائل الآتية ، فانّها بمنزلة الأصل الثانوي المجعول في باب الشكّ في الركعات ، وبها نخرج عن مقتضى الاستصحاب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 225 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 15 ح 1 .

(2) الوسائل 8 : 227 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 15 ح 6 .

ــ[152]ــ

الذي مفاده البناء على الأقلّ ونحكم بالغائه في هذا الباب ، لا بالاستقراء كما قيل ، لعدم خلوّه عن الخدش كما لا يخفى . وكذا يبقى تحت الإطلاق الشكّ في الثلاثية .

   ثمّ إنّه ربما تعارض النصوص المتقدّمة الدالّة على بطلان الشكّ في الثنائية بالروايات الكثيرة المتضمّنة للبناء على الأقل لدى الشكّ بين الواحدة والثنتين التي منها رواية ابن الحجاج عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال : «في الرجل لا يدري أركعة صلّى أم ثنتين؟ قال : يبني على الركعة»(1)، ونحوها موثّقة ابن أبي يعفور ، والحسين بن أبي العلاء (2) .

   ولأجله حملت على النافلة تارة ، وعلى التقية اُخرى ، بل قال في المدارك : إنّه لو صحّ سندها لأمكن القول بالتخيير بين البناء على الأقلّ أو الاستئناف كما هو المنسوب إلى ابن بابويه(3) . وقد اعترف المحقّق الهمداني (قدس سره) بالمعارضة غير أ نّه قال : إنّها لا تكافئ النصوص المتقدّمة(4).

   وفيه :  أ نّا لو سلّمنا تمامية تلك الروايات سنداً ودلالة ـ ولا تتمّ كما سيجيء في محلّه إن شاء الله تعالى(5) ـ فهي غير معارضة للنصوص المتقدّمة، لعدم ورودها في خصوص الصلاة الثنائية ، وإنّما مفادها البناء على الأقلّ لدى الشكّ في أ نّه هل صلّى ركعة أم ثنتين .

   وهذا كما ترى مطلق يشمل الثنائية والثلاثية والرباعية ، فيقيد بالنصوص

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 192 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 23 .

(2) الوسائل 8 : 192 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 22 ، 20 .

(3) المدارك 4 : 253 .

(4) مصباح الفقيه (الصلاة) : 554 السطر 9 .

(5) في ص 157 .

ــ[153]ــ

المتقدّمة الدالّة على البطلان لو كان الشكّ في الثنائية والثلاثية ، عملاً بصناعة الإطلاق والتقييد، فلا ينبغي عدّ تلك الأخبار معارضاً لنصوص المقام كما صنعه غير واحد ، لوضوح عدم المعارضة بين المطلق والمقيّد ، فلتحمل على الرباعية .

   نعم ، هناك موثّقتان لعمّار تعارضان النصوص المتقدّمة الدالّة على بطلان الشكّ في الثنائية والثلاثية، تضمّنها البناء على الأكثر والإتيان بركعة مفصولة ، كما هو الحال في الشكّ في الصلوات الرباعية، فانّ الصحّة المستفادة منهما تعارض البطلان المدلول عليه في تلك النصوص ، لعدم إمكان الجمع العرفي بين الصحة والبطلان كما مرّ غير مرّة .

   قال في إحداهما : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : رجل شكّ في المغرب فلم يدر ركعتين صلّى أم ثلاثاً ، قال : يسلّم ثمّ يقوم فيضيف إليها ركعة ، ثمّ قال : هذا والله ممّا لا يقضى أبداً» (1) .

   وقال في الاُخرى : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل لم يدر صلّى الفجر ركعتين أو ركعة ، قال : يتشّهد وينصرف ، ثمّ يقوم فيصلّي ركعة ، فان كان قد صلّى ركعتين كانت هذه تطوّعاً ، وإن كان قد صلّى ركعة كانت هذه تمام الصلاة، قلت: فصلّى المغرب فلم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثاً، قال: يتشهّد وينصرف ثمّ يقوم فيصلّي ركعة ، فان كان صلّى ثلاثاً كانت هذه تطوّعاً ، وإن كان صلّى اثنتين كانت هذه تمام الصلاة ، وهذا والله ممّا لا يقضى أبداً» (2) .

   قال صاحب الوسائل بعد نقل الروايتين : أقول : الأقرب حمل الحديثين على التقية ، لموافقتهما لجميع العامّة ، انتهى . ولكنّه مشكل جدّاً ، إذ لم ينسب القول بمضمونهما ـ أعني البناء على الأكثر ـ إلى أحد من العامّة ، بل الظاهر أ نّهم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 196 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 2 ح 11 .

(2) الوسائل 8 : 196 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 2 ح 12 .

ــ[154]ــ

مطبقون على البناء على الأقلّ والعمل بالاستصحاب كما هو المنسوب إليهم في جميع الصلوات (1) ، ومعه كيف يمكن الحمل على التقية ، وكيف تصحّ دعوى الموافقة لجميع العامّة ، هذا .

   وصاحب الحدائق بعد أن اختار الحمل على التقية قال ما لفظه : واستقربه في الوسائل ، قال : لموافقتهما لجميع العامّة . وهو جيد (2) انتهى .

   وليت شعري كيف استجوده مع اعترافه في ذيل كلامه بأ نّه ممّا لا يقضي به العامّة ، ونقل في موضع آخر عن علمائهم كالشافعي ومالك والحنفي وغيرهم البناء على الأقلّ (3) . وبالجملة : فهذا الحمل ضعيف جدّاً .

   ونحوه في الضعف ما عن الشيخ من الحمل على نافلتي الفجر والمغرب (4) لبُعد إرادتها من غير قرينة مذكورة لا في السؤال ولا في الجواب ، فهو حمل تبرّعي لا شاهد عليه أصلاً .

   والذي ينبغي أن يقال في المقام : إنّا إذا بنينا على عدم العمل بروايات عمّار لعدم الوثوق باخباره ، لكثرة اشتباهه بحيث قلّما يكون خبر من أخباره خالياً عن تشويش واضطراب في اللّفظ أو المعنى كما ادّعاه صاحب الوافي(5) وشيخنا المجلسي(6) بل قالا : إنّه لو كان الراوي غير عمّار لحكمنا بذلك ، وأمكن القول بالتخيير بين البناء على الأكثر وبين الاستئناف . فلا إشكال حينئذ .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ المجموع 4 : 106 ـ 111 ، المغني 1 : 711 ، الشرح الكبير 1 : 727 .

(2) الحدائق 9 : 165 .

(3) الحدائق 9 : 224 ، 196 .

(4) التهذيب 2 : 183 / ذيل ح 729 .

(5) الوافي 8 : 977 / ذيل ح 7537 .

(6) البحار 85 : 233 ـ 234 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net