الثاني : السلام في غير موقعه ساهياً 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثامن:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4449


ــ[347]ــ

   الثاني : السلام في غير موقعه ساهياً (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) كما هو المشهور بين المتأخّرين، بل ادّعي عليه إجماعهم، وإن كانت المسألة خلافية عند القدماء ، ولعلّ الأشهر بينهم أيضاً هو الوجوب . وكيف ما كان ، فقد استدلّ للوجوب باُمور :

   أحدها :  أنّ السلام من مصاديق الكلام ، ومن ثمّ قد ورد في بعض النصوص أنّ اختتام الصلاة بالكلام (1) ، فيشمله كلّ ما دلّ على وجوب السجود للتكلّم سهواً .

   وفيه :  أ نّه وإن كان من مصاديقه لغة إلاّ أنّ أدلّة وجوب السجود لعنوان الكلام منصرفة إلى ما عدا أجزاء الصلاة ، والسلام من الأجزاء ، فلا يكون مشمولاً لتلك الأدلّة .

   الثاني :  أنّ السلام في غير موقعه زيادة فيشمله ما دلّ على وجوب السجود لكلّ زيادة ونقيصة .

   وفيه : أ نّه مبنيّ على تسليم الكبرى ، وهي في حيّز المنع . بل قد ناقش بعضهم في الصغرى أيضاً بدعوى قيام النصّ على عدم وجوب السجود لخصوص السلام الزائد ، وبعد التخصيص لا يكون السلام في غير موقعه من صغرياتها . لكنّه في غير محلّه كما سيجيء ، والعمدة منع الكبرى .

   الثالث ـ وهو العمدة ـ : الأخبار ، وعمدتها روايتان :

   إحداهما :  موثّقة عمّار : «عن رجل صلّى ثلاث ركعات وهو يظنّ أ نّها أربع فلمّا سلّم ذكر أ نّها ثلاث ، قال : يبني على صلاته متى ما ذكر ، ويصلّي ركعة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 :417 /  أبواب التسليم ب 1 ح 10 .

ــ[348]ــ

ويتشهّد ويسلّم ويسجد سجدتي السهو ، وقد جازت صلاته» (1) .

   ونوقش فيها بعدم وضوح كون السجدة لأجل السلام الزائد ، فلعلّه لأجل التشهّد أو القعود في موضع القيام الزائدين ، فقد صدرت منه زيادات ، ولم يعلم كون السجود لخصوص السلام .

   ويدفعه :  أنّ الأمر بالسجود للسهو ظاهر في الوجوب ، ولا مقتضي لرفع اليد عن هذا الظهور ، وحيث لم يثبت وجوب السجدة للتشهّد ولا للقعود في موضع القيام فيتعيّن أن يكون للسلام .

   وبعبارة اُخرى : قد صدرت عنه أفعـال ثلاثة : التشهّد والقعود والسلام وحيث بنينا على عدم وجوب سجدة السهو للأوّلين والمفروض ظهور الأمر في الوجوب ، فضمّهما إلى السلام بعد عدم دخلهما في الوجوب كضمّ الحجر إلى جنب الإنسان ، فينحصر أن يكون الموجب للسجود هو السلام .

   الثانية :  صحيحة العيص : «عن رجل نسي ركعة من صلاته حتّى فرغ منها ثمّ ذكر أ نّه لم يركع ، قال : يقوم فيركع ويسجد سجدتين» (2) .

   ونوقش فيها أيضاً بمثل ما مرّ ، ومرّ جوابه . وتزيد هذه بمناقشة اُخرى وهي أ نّه لم يعلم أنّ المراد بالسجدتين سجدتا السهو ، ومن الجائز أن يراد بهما سجدتا الركعة الأخيرة ـ المتداركة ـ بعد ركوعها .

   وتندفع: بأنّ الصحيحة قد وردت بسندين ومتنين، أحدهما ما عرفت والثاني ما أثبته في الوسائل(3)، وقد صرّح هناك بسجدتي السهو ، فيكون ذلك قرينة على أنّ المراد بالسجدتين في هذه الصحيحة أيضاً هو ذلك ، ويرتفع بها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 203 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 14 .

(2) الوسائل 8 : 200 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 8 .

(3) الوسائل 6 : 315 /  أبواب الركوع ب 11 ح 3 .

ــ[349]ــ

سواء كان بقصد الخروج كما إذا سلّم بتخيّل تمامية صلاته أو لا بقصـده (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإجمال (1) ، هذا .

   وقد يعارض الصحيح والموثّق بصحيحة ابن مسلم المتقدّمة الواردة في من سلّم ساهياً وتكلّم ، حيث قال (عليه السلام) : «يتمّ ما بقي من صلاته ولا شيء عليه» (2) . لكنّك عرفت أنّ المنفي في قوله (عليه السلام) : «ولا شيء عليه» هي الإعادة لا سجدة السهو ، وأنّ أولوية التأسيس من التأكيد لا أساس لها كما مرّ ، فلا تصلح للمعارضة .

   نعم ، يعارضهما صحيح الأعرج المصرّح فيه بقول الصادق (عليه السلام) : «وسجد سجدتين لمكان الكلام» (3) الظاهر في عدم كون السلام الزائد الصادر منه (صلّى الله عليه وآله) موجباً لسجدتي السهو .

   ولكنّك عرفت (4) أنّ الصحيحة غير قابلة للتصديق في نفسها . على أ نّها معارضة في موردها بموثّق زرارة المتضمّن لعدم سجود النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) للسهو قط ، فلا تنهض للمقاومة مع الروايتين . فالأقوى ما عليه المشهور من الوجوب للسلام الزائد .

   (1) فانّ مورد النصّ وهو الموثّق والصحيح وإن كان هو التسليم بقصد الخروج لكنّ مناسبة الحكم والموضوع تقتضي التعميم له ولغيره ، أعني ما لو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يبعد القول بأنّ الروايتين بعد اشتراكهما سنداً في الراوي والمروي عنه ، والاتّحاد في المتن ما عدا كلمة واحدة ، وعدم احتمال تعدّد الواقعة ، يكونان من قبيل المتباينين لا المجمل والمبيّن .

(2) الوسائل 8: 200/ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب3 ح9، وقد تقدّمت في ص342.

(3) الوسائل 8 : 203 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 16 .

(4) في ص 340 .

ــ[350]ــ

والمدار على إحدى الصيغتين الأخيرتين ، وأمّا «السلام عليك أ يّها النبيّ ... » إلخ فلا يوجب شيئاً من حيث إنّه سلام (1)، نعم يوجبه ((1)) من حيث إنّه زيادة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سلّم غافلاً عن الخروج أو لغاية اُخرى سهواً ، إذ أنّ مقتضى المناسبة المزبورة أنّ كلّ سلام يكون عمده مبطلاً فسهوه لايوجب إلاّ سجدة السهو إرغاماً لأنف الشيطان ، ولا فرق في السلام العمدي المبطل بين قصد الخروج به وعدمه فكذا في حالة السهو . فلا موجب للاختصاص .

   (1) لاختصاص النصّ بالسلام المخرج المنحصر في الصيغتين الأخيرتين . وأمّا الاُولى فهي من توابع التشهّد ، ولا يتحقّق به الخروج ، فلا يوجب شيئاً من حيث إنّه سلام ، بل ولا من حيث إنّه زيادة سهوية ، وإن اختار الماتن الوجوب من هذه الناحية .

   إذ فيه أوّلاً: أنّ المبنى غير تامّ، ولانقول بوجوب سجدة السهو لكلّ زيادة ونقيصة كما ستعرف(2).

   وثانياً : مع التسليم فهو مخصّص بالسلام على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بمقتضى ما ورد من أ نّه «كلّ ما ذكرت الله عزّ وجلّ به والنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فهو من الصـلاة» (3) إذ المراد من ذكر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ليس خصوص الدعاء أو الصلاة عليه ، لعدم اختصاص ذلك به (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ضرورة جواز الدعاء لكافّة المؤمنين ، وكذا الصلاة على جميع الأوصياء والمرسلين ، بل يجوز الدعاء لنفسه ولكلّ شيء ، فلا يبقى امتياز له (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن غيره ، فلا بدّ وأن يراد به ما يعمّ السلام

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) على الأحوط ، والأظهر عدم الوجوب .

(2) في ص 361 .

(3) الوسائل 7 : 263 /  أبواب قواطع الصلاة ب 13 ح 2 .

ــ[351]ــ

سهوية ، كما أنّ بعض إحدى الصيغتين كذلك (1) وإن كان يمكن دعوى إيجاب لفظ السلام للصدق ، بل قيل ((1)) إن حرفين منه موجب ، لكنّه مشكل إلاّ من حيث الزيادة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليحصل الامتياز ويحسن تخصيصه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالذكر ، فانّ السلام غير جائز على غيره في الصلاة ، ومن هنا يشكل التسليم على سائر الأنبياء أثناءها كما سبق في محلّه (2) .

   فاذا جاز السلام عليه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتّى عمداً جاز سهواً أيضاً بطريق أولى ، فلايوجب سجدة السهو، وبذلك يخرج عن تلك الكلّية لو سلّمت .

   (1) فلا يوجب شيئاً من حيث السلام، ويوجبه من حيث الزيادة. ثمّ احتمل أن يكون لفظ السلام بمجرّده موجباً للسجود ، لصدق عنوان السلام عليه فتجب له سجدة السهو من حيث إنّه سلام ، بل حكى عن بعض وجوبها من هذه الناحية لما اشتمل على حرفين منه كقولنا ( السـ ) وإن استشكل فيه إلاّ من حيث الزيادة .

   أقول :  إنّ بعض إحدى الصيغتين فضلاً عمّا اشتمل على لفظ السلام ـ فكيف بما اشتمل على حرفين منه ـ ليس من السلام المخرج في شيء ، لانحصاره في الصيغة الكاملة ، ولا دليل على وجوب السجدة لمطلق السلام وإن لم يكن مخرجاً فأبعاضها بعد عدم تحقّق الخروج بها في حكم العدم من هذه الناحية . كما أ نّها لا توجب السجدة من حيث الزيادة أيضاً ، لما أشرنا إليه من عدم الدليل على وجوبها لكلّ زيادة ونقيصة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يبعد ذلك ، لأ نّه كلام بغير ذكر ودعاء وقرآن .

(2) [ لم نعثر عليه في مظان وجوده ] .

ــ[352]ــ

   نعم ، تجب سجدتا السهو لحرفين فضلاً عن بعض إحدى الصيغتين من ناحية اُخرى ، وهي عنوان التكلّم سهواً ، فانّه بنفسه من الموجبات ، ولا ريب في صدقه على ذلك كلّه ، فانّ الخارج عنه إنّما هو عنوان الذكر أو الدعاء أو القرآن ، وشيء منها غير صادق على المقام ، وعليه فلا يبعد وجوب السجدة لصدق التكلّم سهواً على المذكورات .

   فإن قلت :  أليس قد ذكرتم فيما مرّ (1) انصراف الكلام عن الأجزاء ، ولأجله منعتم عن الاستدلال لوجوب سجدة السهو للسّلام بكونه من مصاديق الكلام .

   قلت :  نعم ، ولكنّه منصرف عن نفس الجزء ، لا عن جزء الجزء الذي هو ليس بجزء حقيقة .

   وبعبارة اُخرى : مورد الانصراف هو ما يكون بالفعل قابلاً للاتّصاف بالجزئية وإن لم يكن جزءاً فعلياً باعتبار عدم وقوعه في محلّه ، وليس هو إلاّ التسليمة الكاملة الواقعة في غير محلّها، فانّها بنفسها مصداق لذات الجزء بحيث لو وقعت في محلّها لاتّصفت بالجزئية الفعلية ، ولأجله قلنا بانصراف الدليل عنه ، وأين هذا من جزء الجزء الفاقد فعلاً لهذه القابلية رأساً كما لا يخفى . فلا مانع من شمول إطلاق الدليل لمثله .

 وإن شئت فقل :  لو أتى ببعض إحدى الصيغتين أو بحرفين من السلام في غير محلّه عامداً فانّه لا يوجب البطلان والخروج عن الصلاة بعنوان السلام لحصر المخرج في الصيغة الكاملة وعدم كون بعض الصـيغة مخرجاً ، ولكنّه مع ذلك موجب للبطلان ، لكونه من مصاديق التكلّم المشمول لحديث : «من تكلّم في صلاته متعمّداً فعليه الإعادة»(2) . فهذا التكلّم الذي يكون عمده مبطلاً فسهوه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 347 .

(2) الوسائل 7 : 281 /  أبواب قواطع الصلاة ب 25 ح 2 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net