حكم من لم يقصد الرجوع ليومه في المسافة التلفيقية - أدلّة القول بالتمام في مفروض المسألة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4864


ــ[9]ــ

والأقوى عدم اعتبار كون الذهاب والإياب في يوم واحد أو ليلة واحدة (1) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفرسخ ثمّ سافر فرسخاً ثمّ عاد وهكذا إلى أن بلغ الثمانية، مع أ نّه واضح الفساد .

   وعلى الجملـة : ليس شغل اليوم بعـنوانه وعلى إطلاقه وسريانه موضوعاً لوجوب التقصير في شيء من الأدلّة ، بل العبرة بالثمانية الامتدادية الملازمة في السير العادي مع المركوب العادي في الوقت العادي مع شغل اليوم ، وقد طبّقها الإمام (عليه السلام) تعبّداً وعلى سبيل الحكومة على الملفّق من الأربعتين .

   فليس التعليل المذكور في ذيل الصحيحة إلاّ تعليلاً تعبّدياً ناظراً إلى إلحاق صورة خاصّة من التلفيق بالامتداد ، فلا يدلّ بوجه على الاكتفاء بمطلق التلفيق كما لا يخفى ، هذا .

   ويظهر من عبارة الماتن (قدس سره) أنّ محلّ الخلاف في اعتبار الأربعة وعدم كفاية الأقل منها إنّما هو في خصوص الذهاب ، وأمّا الإياب فلا إشكال في كفاية الأقل ، وأ نّه لو ذهب خمسة ورجع ثلاثة لا كلام حينئذ في وجوب التقصير .

   وليس كذلك ، فانّ مناط الإشـكال واحد ، إذ الصحيحة الدالّة على عدم كفاية الأقل من الأربعة المشتملة على التعبير بكلمة «أدنى» ـ وهي صحيحة معاوية بن وهب المتقدّمة ـ مشتركة بين الذهاب والإياب .

   وقد تحصّل من جميع ما مرّ: أنّ الأظهر اعتبار كون كلّ من الذهاب والإياب أربعة فراسخ فصاعداً ، فلا يجزي الأقل في شيء منهما وإن بلغ المجموع ثمانية فراسخ ملفّقة .

   (1) الجهة الثالثة :  قد عرفت أنّ الروايات المستفيضة وفيها الصحاح دلّت على أنّ التقصير في الصلاة وكذا الإفطار لا يتوقّف على المسافة الامتدادية ، بل يمكن التلفيق من أربعة وأربعة .

ــ[10]ــ

أو في الملفّق منهما مع اتصال إيابه بذهابه ، وعدم قطعه بمبيت ليلة فصاعداً في الأثناء ، بل إذا كان من قصده الذهاب والإياب ولو بعد تسعة أيّام يجب عليه القصر ، فالثمانية الملفّقة كالممتدّة في إيجاب القصر إلاّ إذا كان قاصداً للإقامة عشرة أيّام في المقصد أو غيره ، أو حصل أحد القواطع الاُخر ، فكما أ نّه إذا بات في أثناء الممتدة ليلة أو ليالي لا يضر في سفره فكذا في الملفّقـة فيقصّر ويفطر ، ولكن مع ذلك الجمع بين القصر والتمام والصوم وقضائه في صورة عدم الرجـوع ليومه أو ليلته أحوط ، ولو كان من قصده الذهاب والإياب ولكن كان متردِّداً في الإقـامة في الأثناء عشرة أيام وعدمها لم يقصّر كما أنّ الأمر في الامتدادية أيضاً كذلك .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وهذا فيما إذا  كان في يوم واحد أو مع ليلته لا إشكال فيه ، بل ذكر الصدوق في الأمالي أنّ التقصير حينئذ من دين الإماميـة كما مرّ(1) ، وأنّ ما نُسِـبَ إلى الشيخ وجماعة من القول بالتخيير لم نعرف وجهه كما تقدّم (2) .

   وأمّا إذا لم يقصد الرجوع ليومه فلا إشكال في التمام فيما إذا تخلّل في سفره أحد القواطع كاقامة عشرة أيّام ، لعدم تحقّق السفر الشرعي منه حينئذ إلاّ بناءً على ما نُسِبَ إلى الكليني من الاكتفاء بالأربعة من غير ضمّ الإياب .

   وأمّا إذا لم يتخلّل فكان عازماً على الرجوع قبل العشرة فهل يقصّر حينئذ أو يتمّ ، أو يتخيّر بينهما ، أو يفصّل بين الصوم فلا يفطر وبين الصلاة فيقصّر أو يتخيّر ؟ فيه وجوه ، بل أقوال .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) في الجهة الاُولى .

ــ[11]ــ

   نسب إلى المشهور كما في الجواهر التخيير(1) ، بل عن الأمالي نسبته إلى دين الإمامية (2) .

   وذهب جماعة إلى وجـوب التمام ، ومال إليه شـيخنا الأنصاري في بعض مؤلّفـاته على ما نسـبه إليه الهمـداني (قدس سره) (3) ، واخـتاره الفاضلان(4) والسيِّد المرتضى(5) والحلّي(6) وغيرهم .

   والمعروف بين متأخِّري المتأخِّرين تعيّن القصر وأنّ حكمه حكم من يرجع ليومه . وهذا القول منسوب إلى ابن أبي عقيل أيضاً ، رواه صاحب الوسائل عن كتابه نقلاً عن العلاّمة وغيره ، وأ نّه نسب ذلك إلى آل الرسول (7) .

   قال صاحب الوسائل بعد هذه الحكاية ما لفظه : وكلام ابن أبي عقيل هنا حديث مرسل عن آل الرسول ، وهو ثقة جليل ، انتهى . هذه هي حال الأقوال في المسألة .

   أمّا القول بالتمام : فقد استدلّ له بأصالة التمام، وأ نّه هو الفرض الأوّلي المجعول في الشريعة المقدّسة من وجوب سبع عشرة ركعة على كلّ مكلّف في كلّ يوم خرجنا عن ذلك بما ثبت من وجوب التقصير على المسافر ، ففي كلّ مورد ثبت

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 14 : 216 .

(2) أمالي الصدوق : 743 .

(3) مصباح الفقيه (الصلاة) : 727 السطر 19 .

(4) المعتبر 2 : 468 ، المختلف 2 : 527 /  المسألة 390 .

(5) حكاه عنه في السرائر 1 : 329، ويستفاد أيضاً من جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3 : 47 .

(6) السرائر 1 : 329 .

(7) الوسائل 8 : 467 /  أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 14 ، المختلف 2 : 526 /  المسألة 390 .

ــ[12]ــ

القصر فهو ، وأمّا إذا لم يثبت أو تعارض الدليلان ولم يمكن الترجيح فالمرجع بعد التساقط أصالة التمام لا محالة .

   هذا ما تقتضيه القاعدة ، وقد وردت هناك روايات دلّت على التقصير في البريد مقيّداً بالرجوع ، أي بريد ذاهباً وبريد جائياً .

   فان قلنا بأ نّها منصرفة في حدّ نفسها إلى الرجوع ليومه فلا إشكال ، إذ المقتضي للتقصير في غير مريد الرجـوع ليومه قاصر في نفسـه ، فلا دليل على القصر فيه ، ومعه يكون المحكّم إطلاقات التمام .

   وإن منعنا الانصراف وقلنا  بانعقاد الإطلاق فيكفي في التقييد قوله (عليه السلام) في ذيل صحيحة ابن مسلم : «إنّه ذهب بريداً ورجع بريداً فقد شغل يومه» (1) .

   حيث يظهر منه أنّ المدار على شغل اليوم وأنّ موضوع الحكم هو السفر الشاغل ليومه فعلاً ولو ملفّقاً من الذهاب والإياب ، وأنّ هذا هو حدّ القصر فيختصّ بطبيعة الحال بما إذا رجع ليومه ، فلا تقصير فيما إذا رجع لغير يومه .

   وحينئذ فيعارض هذه الأخبار ما دلّ على وجوب القصر حتّى فيما إذا رجع لغير يومـه ، وعمدته أخبار عرفات(2) ، وبعد التعارض والتسـاقط يرجع إلى أصالة التمام كما ذكرناه .

   وفيه :  مضافاً إلى أنّ ارتكاب التقييد بارادة الرجوع ليومه من مجموع هذه الروايات بعيد جدّاً ، وكيف يمكن ذلك في مثل ما رواه الصدوق قال : «وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذا أتى ذباباً قصّر ، وذباب على بريد ، وإنّما فعل ذلك لأ نّه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ» (3) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 459 /  أبواب صلاة المسافر ب2 ح9 [ لاحظ الهامش في ص  8  ] .

(2) وسيأتي بعضها في ص 20 .

(3) الوسائل 8 : 461 /  أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 15 ، الفقيه 1 : 287 / 1304 .

ــ[13]ــ

   فانّ التعبير بـ «كان» الذي هو للاستمرار مشعر بأنّ ذلك كان ممّا يفعله (صلّى الله عليه وآله) مستمرّاً ويصدر منه مرّات عديدة، إذ لم يقل رأيت ـ  مثلاً  ـ حتّى يقال إنّه اتّفق مرّة واحدة . ومن البعيد جدّاً أ نّه (صلّى الله عليه وآله) في جميع أسفاره إلى ذباب كان يرجع ليومه أو ليلته ، بل كان يبيت ثمّة بطبيعة الحال .

   أنّ هذه الصحيحة ـ  صحيحة ابن مسلم  ـ غير صالحة للتقييد في نفسها، لأنّ شغل اليوم غير موضوع للحكم في شيء من الأخبار ، إذ الأخبار الواردة في مسيرة يوم إنّما وردت في مقام بيان تقدير السّير لا في فعلية المسير في اليوم فليس مفادها الدلالة على اعتـبار السـير الفعلي ، إذ لا توجد رواية تدلّ على لزوم وقوع ثمانية فراسخ في يوم واحد .

   بل لمّا سأل الراوي عن اختلاف سير القوافل وأنّ بعضها تسير عشرة فراسخ بل لعلّ الفرس في حال العدو  يسـير اثني عشر فرسخاً أجاب (عليه السلام) بأنّ العبرة بثمانية فراسخ المنطبقة في السير العادي مع المركوب العادي على ما يشغل يومه ويستوعب بياض النهار .

   فليس مسير اليوم أو بياض النهار أو شغل اليوم بعناوينها موضوعاً للحكم حتّى يطبّقه الإمام (عليه السلام) على المسافة التلفيقية ولو بنحو الحكومة ، بل المراد السفر الذي يكون شاغلاً لليوم ولو شأناً ، المنطبق على ثمانية فراسخ ولو كانت ملفّقة من بريد ذاهباً وبريد جائياً ، سواء وقع ذلك في يوم واحد فكان شاغلاً ليومه فعلاً أم لا .

   فليس المدار على الشغل الفعلي ، بل الاعتبار بالسّـير الذي يكون محدوداً بكونه شاغلاً لليوم ولو شأناً وفي حدّ طبعه ، المنطبق على ثمانية فراسخ ، ولذا عبّر بثمانية فراسخ بدل شغل اليوم في صحيحة زرارة الواردة في مورد صحيح

ــ[14]ــ

ابن مسلم المتقدّمة ، أعني بريد ذاهباً وبريد جائياً (1) .

   فالمراد من صحيحة ابن مسلم أ نّه أتى بشيء شاغل ليومه ، وهذا هو الحدّ الموجب للتقصير، لا أ نّه شاغل فعلاً كي يختصّ بمريد الرجوع ليومه ، فلا تكون مقيّدة لتلك الأخبار كي تتحقّق المعارضة بينها وبين أخبار عرفات كما اُفيد حتّى يرجع إلى أصالة التمام . وهذا الوجه هو عمدة المسـتند لهذا القول ، وقد عرفت ضعفه .

   وقد استدلّ أيضاً ببعض الروايات الاُخر :

   منها :  موثّقة عمار قال : «سـألته عن الرجل يخرج في حاجة فيسير خمسة فراسخ أو ستّة فراسخ ويأتي قريـة فيـنزل فيها ، ثمّ يخرج منها فيسير خمسة فراسخ اُخرى أو ستّة فراسخ لا يجوز ذلك ـ  أي لا يتعدّى عن هذا المقدار  ـ ثمّ ينزل في ذلك الموضع ، قال : لا يكون مسافراً حتّى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ ، فليتمّ الصلاة» (2) .

   قالوا : إنّ العادة قاضية برجوع هذا الشخص الخارج لحاجة ما دون العشرة وعدم قصده للإقامة ، ومقتضى الإطلاق لزوم التمام سواء رجع ليومه أم لغير يومه ، والمتيقّن خروجـه عن الإطلاق بمقتضى النصـوص المتقـدّمة هو الأوّل فيبقى الثاني مشمولاً للإطلاق .

   وفيه : أنّ الإطلاق وإن كان مسلّماً ، إلاّ أنّ ما دلّ على خروج الراجع ليومه بعينه يدلّ على خروج الراجـع لغير يومه ، لأنّ دليل المقـيّد ـ وهي الروايات الدالّة على التقصير في بريد ذاهباً وبريد جائياً ـ مطلق أيضاً يشمل باطلاقه كلتا الصـورتين ، فلا موجب لرفع اليد عن هذا الإطلاق وتخصـيصه بالراجع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 461 /  أبواب المسافر ب 2 ح 14 ، 15 .

(2) الوسائل 8 : 369 /  أبواب صلاة المسافر ب 4 ح 3 .

ــ[15]ــ

ليومه . وعليه فتحمل الموثّقة القاضية بالتمام على قاصد العشرة أو المتردّد في المسافة .

   ومنها :  ما رواه الشيخ باسناده عن عبدالرحمن بن الحجاج عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته عن التقصير في الصلاة فقلت له : إنّ لي ضيعة قريبة من الكوفة وهي بمنزلة القادسية من الكوفة ، فربّما عرضت لي حاجة انتفع بها أو يضرني القعود عنها في رمضان فأكره الخروج إليها لأنّي لا أدري أصوم أو أفطر ، فقال لي : فاخرج فاتمّ الصلاة وصم ، فانّي قد رأيت القادسية» (1) .

   فانّ المسافة بين القادسية والكوفة خمسة عشر ميلاً ، أي خمسة فراسخ كما هو المعلوم من الخارج المصرّح به في البحار نقلاً عن المغرب كما في الحدائق (2) ومن البعيد جدّاً أن يريد السائل الرجوع ليومه بأن يقطع عشرة فراسخ ذهاباً وإياباً كما لا يخفى ، وبما أنّ له حاجة فيرجع لا محالة عند قضائها بعد يوم أو يومين ونحو ذلك بطبيعة الحال كما هو الغالب .

   فيكون موردها ما إذا خرج إلى ما دون المسافة قاصداً الرجوع لغير يومه وما قبل عشرة أيام كما هو محلّ الكـلام ، وقد حكم (عليه السلام) بالتمـام فتعارض ما دلّ على لزوم التقصير حينئذ من أخبار عرفات وغيرها ، فيرجع بعد التعارض إلى أصالة التمام . وهذه هي عمدة المستند لهذا القول بعدما عرفت من الوجه الأوّل .

   وفيه أوّلاً :  أ نّها معارضة في موردها بموثّقة ابن بكير الواردة في نفس هذا الموضوع ، أعني الخروج إلى القادسية ، وقد صرّح فيها بلزوم التقصير ، قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن القادسية أخرج إليها ، اُتمّ الصلاة أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 492 /  أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 4 ، التهذيب 4 : 222 / 649 .

(2) الحدائق 11 : 318 .

ــ[16]ــ

اُقصّر ؟ قال : وكم هي ؟ قلت : هي التي رأيت ، قال : قصّر» (1) .

   فانّهما وردتا في موضوع واحد وهي القادسيّة وما ضاهاها. ومقتضى الإطلاق فيهما عدم الفرق بين ما لو قصد الرجوع ليومه أو لا ، قصد الإقامة عشرة أيام أو لا ، كانت الضيعة أو القادسية وطناً له ولو شرعاً أو لا ، فهما متعارضتان بالإطلاق في مورد واحد .

   ولاينبغي الريب في أنّ مريد الرجوع ليومه خارج عن إطلاق الرواية الاُولى بمقتضى نصوص المسافة التلفيقية الدالّة على لزوم التقصير في بريد ذاهباً وبريد جائياً ، فانّه القدر المتيقّن منها ، ومقتضى الإطلاق فيها عدم الفرق بين مريد الرجوع ليومه أو لغير يومه كما ذكرناه ، إذ لا موجب للتخصيص بالأوّل .

   وعليه فتكون هذه النصوص شاهدة للجمع بين الروايتين ، فتحمل الموثّقة على ما لو قصد الرجوع ليومه أو غير يومه . ورواية عبدالرحمن على ما لو قصد الإقامة أو كانت الضيعة وطنه الشرعي ، فيرتفع التنافي لتعدّد الموردين .

   وعلى الجملة : الاستدلال برواية ابن الحجاج يتوقف على التمسّك بالإطلاق ، فاذا رفعنا اليد عنه لأجل المعارضة مع الموثّقة فلا دلالة لها على التمام في قاصد الرجوع لغير يومه حتّى يتوهّم المعارضة مع أخبار عرفات .

   وثانياً :  لو سلّمنا دلالة هذه الرواية بل وغيرها على التمام كدلالة أخبار عرفات وغيرها على القصر ، فلا تعارض بينهما لتصل النوبة إلى التساقط والرجوع إلى أصالة التمام ، لإمكان الجمع الدلالي بالحمل على التخيير ، فانّ كلاً منهما ظاهر في الوجوب التعييني ، فيرفع اليد عنه ويحمل على التخييري .

   وبعبارة اُخرى : اتصاف الوجوب بالتعيينية مستفاد من الإطلاق دون اللّفظ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 458 /  أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 7 .

ــ[17]ــ

كما حرّر في الاُصول(1) ، فكلتاهما تدلاّن على الوجوب بالمطابقة ، ولا معارضة بينهما في هذه الدلالة ، وإنّما تتعارضان في الدلالة الالتزامية المستفادة من الإطلاق ، وهي الدلالة على كون الوجوب تعيينياً ، فيرفع اليد عن كلّ منهما من أجل المعارضة ، ونتيجته الحمل على الوجوب التخييري .

   وعلى الجملة : فلا تعارض بين نفس الروايتين ليلتزم بالتساقط ويرجع إلى أصالة التمام ، بل بين الإطلاقين ، ومقتضى الصناعة ارتكاب التقييد المستوجب للحمل على التخيير كما عرفت .

   وثالثاً :  أنّ هذه الرواية ـ رواية عبدالرحمن بن الحجاج ـ ضعيفة السند وإن عبّر عنها بالصحيحة في كلمات غير واحد ، لضعف طريق(2) الشيخ إلى علي بن الحسن بن فضال بعلي بن محمد بن الزبير(3) ، فانّه لم يوثّق . وكأنّ التعبير المزبور ناش عن ملاحظة ظاهر السند ، حيث إنّه سند عال ، مع الغفلة عن التدقيق في طريق الشيخ إلى ابن فضال ، فانّ الفصل بينهما يقرب من مائتي سنة ، فلا يمكن روايته عنه بلا واسطة ، وفي الطريق من عرفت . فلا جرم تكون الرواية محكومة بالضعف .

   فما ذكرناه من المعارضة وسقوط الإطلاقين مبني على تسليم صحّة الرواية وإلاّ فهي ضعيفة لا يعتنى بها في نفسها ، فلا تصل النوبة إلى المعارضة ، بل المتبع موثّقة ابن بكير السليمة عن المعارض ، الصريحة في تحتّم التقصير ، الموافقة مع أخبار عرفات .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 2 : 201 .

(2) هكذا أفاد (دام ظلّه) سابقاً ، ولكنّه بنى أخيراً على صحّته لوجود طريق آخر معتبر للنجاشي بعد فرض وحدة الشيخ حسبما أوعز إليه في معجم رجال الحديث 1 : 78 .

(3) الفهرست : 92 / 381 .

ــ[18]ــ

   والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أ نّه لم توجد هناك رواية معتبرة تدلّ على التمام في محلّ الكلام ، لتقع المعارضة بينها وبين أخبار عرفات وغيرها ممّا دلّ على لزوم التقصير ليتصدّى للعلاج . فالصحيح أنّ القول بالتمام ممّا لا أساس له بل الأمر دائر بين التقصير أو التخيير .

   بقي شيء وهو أنّ القائل بالتمام قد يدّعي أنّ أخبار عرفات معرض عنها بين الأصحاب ، لعدم التزامهم بمضمونها من الحكم بالقصر ، فتسقط عن الحجّية فتبقى أخبار التمام سليمة عن المعارض .

   وفيه أوّلاً :  أنّ الإعراض لا يوجب سقوط الصحيح عن الحجّية كما حقّقناه في محلّه (1) ولا سيما في مثل المقام ، فانّ تلك الأخبار كثيرة صحاح متظافرة ، بل ادّعى بعضهم تواترها إجمـالاً بحيث يقطع بصدور بعضها عن المعصـوم (عليه السلام) .

   وثانياً :  أنّ الأصـحاب لم يعرضـوا عن تلك الأخـبار ، بل حملوها على الوجوب التخييري ، لزعم المعارضة بينها وبين أخبار التمام كما ذكرناه ، فرفعوا اليد عن إطلاقها لا عن أصلها كما لا يخفى .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 2 : 203 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net