الثاني : قصد قطع المسافة من حين الخروج 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4387


ــ[49]ــ

الشرط الثاني : قصد قطع المسافة من حين الخروج (1) فلو قصد أقل منها

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ففي مثل ذلك لا مناص من الالتزام بالتقصير من لدن صدق عنوان المسافر عليه ، المتحقّق بالخروج من محلّته أو نواحيها ، لأنّ موضوع الحكم صدق هذا العنوان كما تقدّم (1) ، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين ما لو اتّفق الصدق على السـير في نفس البلدة أو في خارجها ، فمتى صدق هذا العنوان وكان قاصداً للثمانية امتدادية أو تلفيقية وجب التقصير وإن كان مورد الصدق هو السير في نفس البلد .

   وأمّا إذا لم يبلغ الكبر هذا الحد ، بحيث لا يصدق معه عنوان السفر كالبلدان الكبار في عصرنا الحاضر مثل بغداد وطهران وبعض البلاد الغربية ، فلا موجب للالتزام فيها بالاحتسـاب من آخر المحلّة ، إذ لا دليل عليه بوجه ، مع أ نّه لا ضابط له ، إذ قد يكون منزله في أوّل المحلّة ، واُخرى في وسطها ، وثالثة في آخرها ، ويلزم في الفرض الأخير أن يكون المبدأ حيطان الدار ، ولا شاهد عليه أصلاً كما لا يخفى .

   وعلى الجملة : فالميزان الكلّي في الاحتساب أوّل نقطة يصدق معها عنوان المسافر ، وهو في البلاد المتعارفة بل الكبار الحاضرة إنّما يتحقّق بالخروج عن البلد إمّا عن سوره أو آخر بيوته ، وفي غيره عن منزله حسبما عرفت ، ولا اعتبار بالخروج عن المحلّة بوجه ، إذ لا شاهد عليه في شيء من الأخبار .

   (1) هل المدار في التقصير على مجرّد قطع المسافة خارجاً من غير اعتبار القصد بوجه ، أو على نفس القصد على نحو تمام الموضوع ، سواء أبلغ سيره خارجاً حدّ المسافة الشرعية أم لا ، نظير قصد الإقامة الذي هو الموضوع للتمام

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 13 وغيرها .

ــ[50]ــ

وبعد الوصول إلى المقصد قصد مقداراً آخر يكون مع الأوّل مسافة لم يقصّر نعم لو كان ذلك المقدار مع ضمّ العود مسافة قصّر من ذلك الوقت بشرط أن يكون عازماً على العود ، وكذا لا يقصّر من لا يدري أيّ مقدار يقطع كما لو طلب عبداً آبقاً أو بعيراً شارداً، أو قصد الصيد ولم يدر أ نّه يقطع مسافة أو لا ، نعم يقصّر في العود إذا كان مسافة ، بل في الذهاب إذا كان مع العود بقدر المسافة وإن لم يكن أربعة ((1)) ، كأن يقصد في الأثناء أن يذهب ثلاثة فراسخ والمفروض أنّ العود يكون خمسة أو أزيد ، وكذا لا يقصر لو خرج ينتظر رفقة إن تيسّروا سافر معهم وإلاّ فلا، أو علّق سفره على حصول مطلب في الأثناء قبل بلوغ الأربعة إن حصل يسافر وإلاّ فلا ، نعم لو اطمأنّ بتيسّر الرفقة أو حصول المطلب بحيث يتحقّق معه العزم على المسافة قصّر بخروجه عن محلّ الترخّص .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سواء أكمل العشرة أم لا ، فكما أنّ العبرة هناك بقصد العشرة لا واقعها فكذا في المقام بقصد المسافة لا وقوعها . أو على مجموع  الأمرين منضمّاً من القصد المقترن بالقطع الخارجي ، فلا يكفي أحدهما منعزلاً عن الآخر ؟ وجوه واحتمالات ثلاثة تتطرّق في المسألة ، ولا رابع لها كما لا يخفى .

   مقتضى الجمود على ظواهر غير واحد من النصوص المتضمّنة للتحديد بثمانية فراسـخ امتدادية أو بريد ذاهباً وبريد جـائياً هو الأوّل ، فلو كنّا نحـن وهذه الأخبار لالتزمنا بأنّ المدار على واقع الثمانية ، سواء أكانت مقصودة أم لا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تقدّم اعتبار كون كلّ من الذهاب والإياب أربعة .

ــ[51]ــ

   إلاّ أنّ صحيحة زرارة ظاهرة في أنّ العبرة بنفس القصد ، قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يخرج مع القوم في السفر يريده فدخل عليه الوقت وقد خرج من القرية على فرسخين فصلّوا ، وانصرف بعضهم في حاجة فلم يقض له الخروج ، ما يصنع بالصلاة التي كان صلاّها ركعتين ؟ قال : تمت صلاته ولا يعيد» (1) .

   فلو كنّا نحن وهذه الصحيحة لكانت دالّة على أنّ الثمانية كاقامة العشرة يراد بها القصد الموجود في اُفق النفس ، لحكمه (عليه السلام) بالتقصير على مجرّد إرادة السفر وإن لم يبلغ سيره الثمانية خارجاً .

   إلاّ أنّ هذه الصحيحة معارضة في موردها بصحيحة أبي ولاد المتضمّنة لإعادة الصلاة التي صلاّها قصراً إذا بدا له الرجوع قبل بلوغ المسافة(2) ، فتسقطان بالمعارضة، فنبقى نحن وتلك الروايات الأوّلية الدالّة على أنّ العبرة بنفس المسافة الخارجية ، سواء أكانت مقرونة بالقصد أم لا .

   لكنّا علمنا من موثّقة عمّار عدم كفاية الثمانية بمجرّدها ، بل في خصوص ما إذا كانت مقصودة من مبدأ السفر ، حيث قال (عليه السلام) : «لا يكون مسافراً حتّى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ ، فليتمّ الصلاة» (3) .

   فانّه (عليه السلام) حكم بالتمام مع أنّ المفروض في السؤال قطع الأكثر من ثمانية فراسخ ، لكن عارياً عن قصـدها من أوّل الأمر ، بل كان ذلك بعزمين وقصدين .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 521 /  أبواب صلاة المسافر ب 23 ح 1 .

(2) الوسائل 8 : 469 /  أبواب صلاة المسافر ب 5 ح 1 .

(3) الوسائل 8 : 469 /  أبواب صلاة المسافر ب 4 ح 3 .

ــ[52]ــ

   فعلّق (عليه السلام) التقصير على مجموع الأمرين من القصد والمسافة الخارجية . وبذلك تقيّد الإطلاقات الأوّلية ، مؤيّداً بعدّة من الروايات ، ولكنّها ضعاف ، والعمدة هي الموثّقة .

   فظهر من ذلك كلّه أنّ المدار على مجموع الأمرين من قصد الثمانية من أوّل الأمر مقروناً بواقع الثمانية على سبيل الشرط المتأخّر ، فلو قصد ولم يبلغها لمانع خارجي ، أو بلغها ولم يكن قاصداً لها من الأوّل وجب عليه التمام ، كما لو خرج لطلب الضالّة أو الغريم أو الصيد فبلغ الثمانية اتفاقاً ، فانّه لا يكفي في وجوب التقصير إلاّ إذا كان الرجـوع مسافة أو كان الباقي بضميمة الرجوع مسافة تلفيقية ، بشرط عدم كون كلّ منهما أقل من أربعة فراسخ على المختار ، وبغير هذا الشرط على مختار الماتن كما تقدّم (1) .

   وكذا الحال فيما لو خرج ينتظر رفقة إن تيسّروا سافر معهم وإلاّ فلا ، أو علّق سفره على حصول مطلب في الأثناء قبل بلوغ الأربعة إن حصل سافر وإلاّ فلا بحيث لم يتحقّق معه العزم على المسافة ، فانّه يتمّ ، لانتفاء فعلية القصد وعدم تنجيزه ، إلاّ إذا كان مطمئناً بتيسّر الرفقة أو حصول المطلب بحيث حصل العزم فانّه يقصر لدى خروجه عن حدّ الترخّص كما أشار إليه في المتن .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 7  وما بعدها .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net