الفرض السابق مع قطع شيء من الطريق متردداً - إعادة ما صلاّه قصراً قبل العدول عن قصده 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4431


ــ[83]ــ

   [ 2255 ] مسألة 24 : ما صلاه قصراً قبل العدول عن قصده لا يجب إعادته في الوقت((1)) فضلاً عن قضائه خارجه(1).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   الثالثة : لو عاد إلى الجزم السابق وقد قطع شيئاً من الطريق متردِّداً فلا إشكال حينئذ في وجوب التمام فيما إذا لم يكن الباقي مع ما قطعه حال الجزم السابق مسافة ، كما لو قطع ثلاثة فراسخ ثمّ مشى فرسخين متردِّداً وكان الباقي أيضاً ثلاثة ، إذ لم يقطع حينئذ تمام الثمانية عن قصد كما هو ظاهر جدّاً .

   وأمّا إذا كان المجموع من السابق واللاّحق بعد إسقاط ما تخلّل بينهما ممّا قطعه حال التردّد أو حال العزم على الرجوع مسافة ، فقد ظهر حكم هذا الفرض ممّا تقدّم في الفرض السابق ، أعني ما لو عاد إلى الجزم قبل قطع شيء من الطريق ، وأنّه لا بدّ هنا أيضاً من التمام ، للإخلال بشرط الاستمرار في القصد المعتبر في القصر ، ولما دلّ على أنّه لا قصر بعد الحكم بالتمام إلاّ مع قطع الثمانية المفقود في المقام .

   بل إنّ الحكم هنا أوضح من الفرض السابق ، لأنّ الإخلال هناك لم يكن إلاّ في استمرار القصد ، وإلاّ فنفس السير ثمانية فراسخ كان متصلاً ، ولم يفصل بين أجزائها ما هو فاقد للقصد ، لفرض عدم قطعه شيئاً من الطريق حال التردّد .

   وأمّا في المقام فلا القصد مستمرّ ولا السير الخارجي متصل ، فكان أحرى بالتمام ، ولأجله قيل ـ كما في الجواهر (2) ـ بالتفصيل بين الفرضين ، وأ نّه يلتزم بالقصر في الأوّل دون الثاني ، وإن كان التفصيل في غير محلّه كما علم ممّا سبق .

   (1) على المشهور ، بل لم ينسب الخلاف إلاّ إلى الشيخ في الاستبصار حيث

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فيه إشكال ، والاحتياط لا يترك ، وكذا الحال بالإضافة إلى القضاء خارج الوقت .

(2) الجواهر 14 : 237 [ ذكره بلسان الاحتمال ] .

ــ[84]ــ

فصّل بعد نقل الأخبار بين الإعادة في الوقت والقضاء خارجه، فحكم بوجوب الأوّل دون الثاني(1). ولعلّ ذلك مجرّد جمع منه بين الأخبار لا أ نّه فتواه ، فانّ الاستبصار كتاب حديث غير معدّ للفتوى ، وعليه فلا خلاف في المسألة .

   وكيف ما كان ، فيستدلّ للمشهور بصحيحة زرارة ، قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يخرج مع القوم في السفر يريده، فدخل عليه الوقت وقد خرج من القرية على فرسخين فصلّوا ، وانصرف بعضهم في حاجة فلم يقض له الخروج ، ما يصنع بالصلاة التي كان صلاها ركعتين ، قال: تمّت صلاته ولا يعيد»(2) .

   ولكنّه قابل للمناقشة ، فانّا لو كنّا نحن وهذه الصحيحة لحكمنا بنفي الإعادة وصحّة الصلاة ، لصراحتها في ذلك ، ولا سيما بعد التعبير بكلمة «تمّت» الدالّة على تمامية الصلاة وعدم خلل فيها ، والتزمنا من أجلها بأحد أمرين :

   إمّا أنّ الموضوع للقصر مجرّد قصد المسافة وإن لم يتعقّب بسير الثمانية خارجاً كما هو الحال في قصد الإقامة بلا كلام ، فانّه بنفسه موضوع للتمام وإن لم يقم عشرة أيام .

   أو أنّ الشارع اجتزأ بغير المأمور به عن المأمور به في مقام الامتثال ، فيكون القصر حينئذ مسقطاً للواجب تعبّداً . وكيف ما كان، فكنّا نلتزم بالإجزاء بأحد الوجهين .

   ولكنّها معارضة بروايتين :

   إحداهما :  صحيحة أبي ولاد الصريحة في وجوب القضـاء ، الواردة في من سافر في النهار ولم يسر بريداً ، ورجع في اللّيل من نيّته وبدا له أن يرجع ، قال :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الاستبصار 1 : 228 ذيل ح 809 .

(2) الوسائل 8 : 521 /  أبواب صلاة المسافر ب 23 ح 1 .

ــ[85]ــ

« ... فانّ عليك أن تقضي كلّ صلاة صلّيتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام...» إلخ(1) ، فانّها بدلالتها على وجوب القضاء تدلّ على وجوب الإعادة فيما إذا كان الرجوع عن القصر في الوقت بالأولوية القطعية .

   ودعوى الجمع بينهما بالحمل على الاستحباب ساقطة جزماً ، لما مرّ غير مرّة من أنّ الأمر بالإعادة لم يكن نفسياً ليقبل الحمل على الاسـتحباب ، وإنّما هو إرشاد إلى الفساد ، ولا معنى لاستحباب الفساد .

   والصحيحة وإن لم تتضمّن الأمر بالإعادة صريحاً إلاّ أنّ قوله (عليه السلام) : «عليك أن تقضي ... » إلخ في قوّة الأمر بها ، لدلالتها على خلل في الصلاة اقتضى الإتيان بها ثانياً ، فهي بمثابة الأمر بالإعادة كما هو ظاهر جدّاً .

   ثانيتهما :  موثّقة سليمان بن حفص المروزي المتضمّنة للأمر بالإعادة صريحاً قال (عليه السلام) : «وإن كان قصّر ثمّ رجع عن نيّته أعاد الصلاة» (2) .

   وهذه الرواية وإن رميت بالضعف في كلمات غير واحد، لعدم توثيق المروزي في كتب الرجال ، ولكنّه موجود في أسانيد كامل الزيارات ، فلا ينبغي التأمّل في صحّة الرواية .

   نعم ، قد يتأمّل في ذلك ، نظراً إلى أنّ الموجود في الكامل رواية المروزي عن الرجل (3) ، ولم يعلم المراد به وأ نّه الإمام (عليه السلام) أو شخص آخر مجهول . وتوثيق ابن قولويه خاصّ بمن يقع في أسانيد ما يرويه عن المعصوم (عليه السلام) دون غيره كما نبّه عليه في صدر الكتاب(4) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 469 /  أبواب صلاة المسافر ب 5 ح 1 .

(2) الوسائل 8 : 457 /  أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 4 .

(3) كامل الزيارات : 209 / 7 .

(4) كامل الزيارات : 4 .

ــ[86]ــ

   ويندفع :  بأنّ المراد به الرجل المعهود كما يقتضيه تعريف الرجل ، وإلاّ لقال : عن رجل ، منكّراً . ولا يحتمل أن يراد به العهد الذهني ، أي طبيعي الرجل في مقابل المرأة ، كما هو ظاهر ، فلا بدّ وأن يراد به العهد الخارجي ، وليس هو إلاّ الإمام (عليه السلام) كما يكنّى عنه (عليه السلام) بذلك أحياناً في لسان الأخبار بل قد ورد عن نفس المروزي : عن الرجل ، موصوفاً بقوله : (عليه السلام) كما في الكافي (1) .

   فقد ورد في جميع ذلك هكذا : عن المروزي عن الرجل (عليه السلام) . بل قد صرّح باسم الإمام في التهذيب(2) فذكر هكذا: عن سليمان بن حفص المروزي عن الرجل العسكري (عليه السلام) .

   وعليه فلا ينبغي التأمّل في أنّ المراد بالرجل المذكور في الكامل هو المعصوم (عليه السلام) فيشمله توثيق ابن قولويه ، فتكون الرواية موصوفة بالصحّة كما ذكرنا ، فتتعارض هذه الصحيحة كصحيحة أبي ولاد مع صحيحة زرارة النافية للإعادة كما عرفت . ولا شكّ أنّ عمل المشهور مطابق مع صحيحة زرارة .

   وحينئذ فان جعلنا عملهم مرجّحاً للرواية ، أو قلنا أنّ الإعراض موجب لسقوط الصحيحة عن الحجّية فيتعـيّن العمل بصحيحة زرارة ، وإلاّ ـ  كما هو الصحيح  ـ فالروايات متعارضة متساقطة .

   والمرجع حينئذ ما تقتضيه القاعدة من لزوم الإعادة، عملاً بالروايات الكثيرة الدالّة على أ نّه لا تقصير في أقل من بريدين أو ثمانية فراسخ ، وبما أ نّه لم يقطع هذا المقدار حسب الفرض لمكان العدول عن القصد قبل بلوغ المسافة فالوظيفة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكافي 3 : 344 / 20 [ والمذكور فيه : قال : كتب إليَّ الرجل (صلوات الله عليه) ... ] ، كذا التهذيب 10 : 120 / 481 ، والاستبصار 4 : 249 / 945 .

(2) التهذيب 2 : 118 / 445 .

ــ[87]ــ

الواقعية لم تكن إلاّ التمام وإن تخيّل أ نّها القصر . فلا مناص من إعادتها بعد عدم قيام الدليل على الإجزاء حسبما عرفت .

   وملخّص الكلام في المقام : أنّ صحيحة زرارة دلّت بالدلالة المطابقية على نفي الإعادة عمّن قصّر في موضوع البحث لزعمه أ نّه يقطع المسافة ولم يقطعها خارجاً ، وبمقتضى الدلالة الالتزاميـة دلّت على نفي القضـاء أيضاً ، إذ أنّ نفي الإعادة في الوقت يستوجب نفي القضاء خارجه بالأولوية القطعية ، ضرورة أنّ القضاء تابع للفوت ، وعدم الإعادة في الوقت كاشف قطعي عن عدم فوت شيء منه ، وإلاّ لزم الأمر بالتدارك الممكن في الوقت ، لقبح تفويت الغرض الملزم كما هو واضح . فعدم الإعادة يستلزم عدم القضاء بطريق أولى .

   وأمّا صحيحة أبي ولاد فالأمر فيها بالعكس ، فانّها دلّت بالدلالة المطابقية على وجوب القضاء خارج الوقت ، لأنّ موردها هو ذلك ، إذ المفروض في السؤال أ نّه بدا له في الليل الرجوع إلى الكوفة ، فيسأل لا محالة عن حكم ما صلاه في النهار الذي خرج وقته بدخول الليل .

   وعليه فتدلّ بالمطابقة على وجوب القضاء . وبما أنّ الحكم بالقضاء يستلزم الحكم بالإعادة بالأولوية القطعية ، لكشفه عن فوت ملاك ملزم يجب تداركه وإن فاتت مصلحة الوقت ، فوجوبه مع إمكان درك هذه المصلحة بطريق أولى . فالصحيحة تدلّ بالدلالة الالتزامية على وجوب الإعادة إذا كان الرجوع عن قصده قبل خروج الوقت .

   إذن تقع المعارضة بينها وبين صحيحة زرارة على سبيل المباينة ، للتنافي بين الدلالة المطابقية من كلّ منهما مع الدلالة الالتزامية من الاُخرى ، فتدلّ صحيحة زرارة على نفي الإعادة بالمطابقة وعلى نفي القضاء بالالتزام ، كما تدلّ صحيحة أبي ولاد على وجوب القضاء بالمطابقة ووجوب الإعادة بالالتزام ، فتتعارضان في مدلوليهما تعارضاً كلّياً .

ــ[88]ــ

   وأمّا المعارضة بين صحيحة زرارة وصحيحة المروزي فظاهرة جدّاً ، إذ الإعادة مورد للنفي في الاُولى ، وهي بنفسها مورد للإثبات في الثانية .

   وبعد اسـتقرار المعارضة فان كان ثمّة ترجيح لأحد الطرفين فهو ، وإلاّ فيتساقطان ويرجع بعدئذ إلى ما تقتضيه القواعد الأوّلية ، هذا .

   وصاحب الحدائق نقل عن بعض مشـايخه المحقّقين أ نّه احتمل حمل صحيحتي أبي ولاد والمروزي على التقيّة ، لموافقتهما مع مذهب العامّة ، فيكون الترجيح مع صحيحة زرارة (1) .

   ولكن في كتاب المغني لابن قدامة الحنبلي ما لفظه : فلو خرج يقصد سفراً بعيداً فقصّر الصلاة ثمّ بدا له فرجع كان ما صلاه ماضياً صحيحاً ، ولا يقصّر في رجوعه إلاّ أن تكون مسافة الرجوع مبيحة بنفسها (2) . ولم يذكر خلافاً في المسألة ، وعليه كان الموافق لمذهب العامّة هي صحيحة زرارة ، فتكون هي المحمولة على التقية دون الصحيحتين ، والترجيح معهما لا معها .

   ومع الإغماض عن ذلك فحيـث لا ترجيح لشيء من الطرفين فيتسـاقطان والمرجع حينئذ عموم ما دلّ على عدم التقصير في أقل من بريدين ثمانية فراسخ الذي لازمه وجوب الإعادة والقضاء معاً ، إذ المأمور به وهو التمام لم يأت به وما أتى به من القصر لا أمر به إلاّ أمراً خيالياً خطئياً بزعم قطع المسافة وقد انكشف خلافه ، ومن البديهي أنّ الأمر الخيالي غير مجز عن الواقع .

   فتحصّل :  أنّ وجوب القضاء فضلاً عن الإعادة لو لم يكن أقوى فلا ريب أ نّه أحوط .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 11 : 336 .

(2) المغني 2 : 96 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net