ملاقاة الميتة بلا رطوبة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6423


    ملاقاة الميتة بلا رطوبة :

   (1) في المسألة أقوال عديدة .

   أحدها : ما ذهب إليه الكاشاني (قدس سره) من عدم نجاسة ميت الآدمي وإنما وجب غسله تعبداً أو أنه لجنابته الحاصلة بالموت (1) .

   وثانيها : ما نسب إليه أيضاً واختاره ابن إدريس في سرائره من أن الميت الآدمي وإن كان نجساً إلاّ أنه غير منجس لملاقيه ، سواء أ كانت الملاقاة قبل غسله وبرده أم بعدهما ، وإن لم يكن ظاهر كلامه المحكي مساعداً على هذه النسبة حيث قال : إذا لاقى جسد الميت إناء وجب غسله ولو لاقى ذلك الاناء مائعاً لم ينجس المائع لأنه لم يلاق جسد الميت انتهى . وظاهره أن ملاقي النجس غير منجس لا أن الميت ليس بنجس . نعم ، ذكر ذلك في طي استدلاله فراجع(2) .

   وثالثها : ما ذهب إليه المشهور من نجاسة الميتة مطلقاً آدمياً كان أم غيره ومنجسيتها فيما إذا كانت الملاقاة حال رطوبتها دون ما إذا كانت في حالة الجفاف .

   ورابعها : أن الميتة وإن كانت نجسة مطلقاً إلاّ أنها تمتاز عن بقية النجاسات في كونها منجسة سواء أ كانت الملاقاة معها في حال الرطوبة أم مع الجفاف ذهب إليه العلاّمة(3) والشهيدان(4) وغيرهم .

   وخامسها : أن ميت الآدمي نجس ومنجس لملاقيه مطلقاً كانت الملاقاة معه مع الرطوبة أم مع الجفاف . وهذا بخلاف سائر الميتات فانّها إنما تنجس الملاقي فيما إذا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مفاتيح الشرائع 1 : 660 .

(2) السرائر 1 : 163 .

(3) المنتهى 1 : 128 .

(4) الذكرى : 16 ، الروض : 114 السطر 8  .

ــ[462]ــ

كانت الملاقاة معها في حال الرطوبة كغيرها من النجاسات ، وهذا القول أيضاً نسب إلى العلاّمة وجماعة .

   هذه هي أقوال المسألة والصحيح منها ما ذهب إليه المشهور وأفتى به في المتن كما سيظهر وجهه .

   أمّا القول الأوّل : فيندفع بما ورد من الأمر بغسل ما لاقاه ميت الآدمي من الثوب واليد وغيرهما ، لأن ظاهره الارشاد إلى نجاسة الميت الموجبة لنجاسة ملاقيه ، ومن ذلك صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : «سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت فقال : يغسل ما أصاب الثوب» (1) ورواية إبراهيم بن ميمون المتقدمة (2) وغيرهما من الأخبار .

   ودعوى : أن الأمر بغسل ما لاقاه الميت أمر تعبدي لا يستكشف به نجاسته غير مسموعة ، لأن لازمها عدم امكان القول بنجاسة أكثر النجاسات ، لأ نّا إنما استفدناها من الأوامر الواردة بغسلها أو بغسل ما يلاقيها إلاّ في موارد نادرة ومنها الكلب حيث صرح بنجاسته في بعض أخبارها بقوله : رجس نجس (3) ، فلا بدّ حينئذ من التزام طهارة غير الميت أيضاً من الأعيان النجسة من غير اختصاصها بميت الآدمي .

   وأمّا القول الثاني : فيتوجه عليه ما قدمناه من الروايات ، لأنها ظاهرة في نجاسة الميت ومنجسيته للملاقي وإنكار دلالتها على ذلك مكابرة واضحة .

   وأمّا القول الرابع : وهو دعوى منجسية الميتة لملاقيها مطلقاً ولو مع الجفاف فقد استدل عليه باطلاق الأخبار الواردة في وجوب غسل ما يلاقي الميتة لعدم تقيدها بحالة الرطوبة . والجواب عن ذلك بوجوه :

   الأوّل : أن إطلاقات الروايات منصرفة إلى صورة الملاقاة مع الرطوبة ، لأن هذا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 462 / أبواب النجاسات ب 34 ح 2 .

(2) الوسائل 3 : 461 / أبواب النجاسات ب 34 ح 1 .

(3) وهو صحيح الفضل أبي العباس المروية في الوسائل 1 : 226 / أبواب الأسآر ب 1 ح 4 ، وكذا في الوسائل 3 : 413 / أبواب النجاسات ب 11 ح 1 .

ــ[463]ــ

هو المرتكز في الأذهان ، والارتكاز العرفي مانع عن انعقاد الظهور في روايات الباب في الاطلاق .

   الثاني : أن الأخبار ـ لو قلنا باطلاقها ـ معارضة بما رواه ابن بكير : «كل شيء يابس زكي» (1) والنسبة بينهما عموم من وجه ، لظهور أن المطلقات تقتضي نجاسة ملاقي الميتة مطلقاً كانت الملاقاة في حال رطوبتها أم في حال جفافها ولكنها مختصة بالميتة فحسب ، والرواية تعم الميتة وغيرها وتختص باليابس فقط ، فتتعارضان في مادّة اجتماعهما وهي صورة ملاقاة الميتة مع الجفاف وتتقدم الرواية على المطلقات ، لما ذكرناه في محله من أن ما كانت دلالته بالعموم لقوته تتقدم على ما كانت دلالته بالاطلاق (2) ومعه لا تصل النوبة إلى تساقطهما حتى يرجع إلى قاعدة الطهارة .

   الثالث : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال : «سألته عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميت ، هل تصلح له الصلاة فيه قبل أن يغسله ؟ قال : ليس عليه غسله وليصل فيه ولا بأس» (3) فانّها دلت باطلاقها على عدم منجسية الميتة لملاقيها كانت الملاقاة في حال الرطوبة أم في حالة الجفاف ، والنسبة بينها وبين ما دلت على نجاسة الميتة مطلقاً هي التباين ، إلاّ أن الأخبار الآمرة بغسل ما يلاقي الماء أو السمن الذي تقع فيه الفأرة وتموت الدالة على نجاسة ملاقي الميتة الرطبة (4) قد قيدت إطلاق الصحيحة بما إذا كانت ميتة الحمار يابسة ، وبهذا انقلبت النسبة بينها وبين المطلقات من التباين إلى العموم المطلق ، لأن الصحيحة بعد تقييدها بالميتة الجافة تكون أخص مطلقاً من المطلقات ، فتقيد دلالتها على نجاسة الميتة بما إذا كانت رطبة وهذا هو انقلاب النسبة الذي صححناه في محلّه .

   وبما ذكرناه في جواب هذا القول يظهر الجواب عن القول الخامس أيضاً ، وهو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 351 / أبواب أحكام الخلوة ب 31 ح 5 .

(2) مصباح الاُصول 3 : 377 .

(3) الوسائل 3 : 442 / أبواب النجاسات ب 26 ح 5 .

(4) كموثقة عمار المروية في الوسائل 1 : 142 / أبواب الماء المطلق ب 4 ح 1 .

ــ[464]ــ

   [ 175 ] مسألة 11 : يشترط في نجاسة الميتة خروج الروح من جميع جسده فلو مات بعض الجسد ولم تخرج الروح من تمامه لم ينجس (1) .

   [ 176 ] مسألة 12 : مجرّد خروج الروح يوجب النجاسة وإن كان قبل البرد من غير فرق بين الانسان وغيره (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

دعوى نجاسة ملاقي الميت الآدمي مطلقاً مستنداً في ذلك إلى التوقيعين (1) وغيرهما من الأخبار الآمرة بغسل ملاقي الميت مطلقاً (2) فانّه يندفع أوّلاً : بانصراف المطلقات إلى صورة رطوبة الميت بالارتكاز . وثانياً : أنها ـ  على تقدير تسليمها  ـ معارضة برواية ابن بكير المتقدمة والترجيح مع الرواية ، لأن دلالتها بالعموم .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net