التردّد بعد العزم على التوطّن الأبدي - اعتبار قصد التوطّن الأبدي في صدق الوطن العرفي 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4067


   [ 2307 ] مسألة 6 :  إذا تردّد بعـد العـزم على التوطّـن أبداً  فإن كان قبل أن يصدق عليه الوطن عرفاً بأن لم يبق في ذلك المكان بمقدار الصدق فلا إشكال في زوال الحكم وإن لم يتحقّق الخروج والإعراض ، بل وكذا إن كان بعد الصدق في الوطن المستجد ، وأمّا في الوطن الأصلي إذا تردّد في البقاء فيه وعدمه ففي زوال حكمه قبل الخروج والإعراض إشكال((1)) لاحتمال صدق الوطنية ما لم يعزم على العدم ، فالأحوط الجمع بين الحكمين(1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بما له من المفهوم العرفي الشامل للسكونة المحرّمة كالمحلّلة بمناط واحد ، من غير فرق بين ما إذا كان المسكن حراماً كما لو غصب داراً في بلد وعزم على السكنى فيها أبداً ، أو كان أصل السكنى محرّماً كما لو كان بقاؤه في بلد حراماً عليه من جهة من الجهات كنذر ، أو شرط في ضمن عقد ، أو النهي عنه من أحد أبويه فيما كان النهي نافذاً ولازم الإطاعـة ونحو ذلك ، فانّه في جميع ذلك لو عصى وارتكب الحرام كان ذلك المكان محلّه ومسكنه ، بحيث لو خرج منه يقال سافر عن محلّه ، ولو رجع يقال دخل أهله ومنزله .

   وعلى الجملة : فالعـبرة في صدق الوطن بعدم كونه مسافراً عرفاً ، والحلِّيّة والحرمة أجنبيتان عن الصدق المزبور .

 (1) تقدّم سابقاً (2) أنّ مجرّد العزم على التوطّن واتِّخاذ محلّ مقرّاً له لا يكفي في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) والأظهر عدم الزوال ، بل الحال كذلك في المستجد .

(2) في ص 236 .

ــ[255]ــ

ترتيب أحكام الوطنيـة إلاّ بعد مضي زمان أو التصدِّي لترتيـب آثار بحيث يصدق معه عنوان الوطن عرفاً وأنّ هذا محلّه ومسكنه ومقرّه ومنزله ، فالنيّة بمجرّدها ما لم ينضم إليها الصدق المزبور لا أثر لها بتاتاً .

   وعليه فلو تردّد بعد العزم والنيّة وقبل حصول الصدق لا إشكال في عدم ترتيب أحكام الوطن ، إذ مع عدم التردّد لم تثبت تلك الأحكام فكيف بما إذا تردّد ، فهي منفية هنا بطريق أولى .

   وهذا واضح وإن كانت عبارته (قدس سره) قاصرة وغير خالية عن المسامحة ، لأجل تعبيره (قدس سره) بزوال الحكم ، الذي هو فرع الحدوث ، مع أ نّه لا حكم أوّلاً كي يزول . ومراده (قدس سره) بالزوال عدم ترتيب الأحكام بمجرّد النيّة السابقة المتعقّبة بالتردّد ، فكأ نّه زوال للحكم الاقتضائي لا الفعلي . وكيف ما كان ، فالأمر سهل ولا إشكال في المسألة .

   وأمّا إذا حصل التردّد بعد تحقّق الصدق المزبور فقد ذكر (قدس سره) أ نّه يزول عنه الحكم في الوطن المستجد، فلو سافر ورجع مع فرض تردّده لايجري عليه حكم الوطن ، إذ كما يعتبر القصد في الوطن الاتخاذي حدوثاً يعتبر بقاءً أيضاً ، لأ نّه إنّما صار وطناً بجعله وقصده ، فهو متقوّم به ودائر مداره ، فاذا زال القصد بالتردّد زالت الوطنية بطبيعة الحال .

   وأمّا في الوطن الأصلي فقد استشكل (قدس سره) في زوال الحكم بالتردّد من احتمال تقوّمه بالقصد كما في المستجد ، ومن جواز كونه وطناً في طبعه فهو باق على وضعه ما لم يلحقه الإعراض ، فلا أثر للتردّد ، ولأجله احتاط في هذه الصورة ، هذا .

   والذي ينبغي أن يقال :  إنّه لا فرق بين القسمين ، ولا أثر للتردّد في شيء

ــ[256]ــ

منهما ، فانّا ذكرنا سابقاً (1) أنّ الحكم بالتمام لم يثبت لعنوان الوطن حتّى يدور مداره ويبحث عن أ نّه متقوّم بالقصد أم لا ، بل هو ثابت لكلّ مكلّف لم يكن مسافراً ، صدق عليه المتوطّن أو لا ، فالحكم منوط بالسفر وعدمه لا بالوطن وعدمه ، فانّ التمام هي الوظيفة الأوّلية لكلّ مكلّف ، خرج منه عنوان المسافر فيكون الموضوع بعد التخصيص مَن لم يكن مسافراً .

   وعليه ففي الوطن الأصلي لا ينبغي الإشكال في عدم الزوال بمجرّد التردّد ضرورة عدم استيجابه لانقلاب الحاضر بالمسافر ، بل يقال في حقّه إنّه يحتمل أن يسافر ، لا أ نّه مسافر بالفعل ، فهو بعدُ في منزله وفي مقرّه ومسكنه ، فكيف يحتمل زوال الحكم بمجرّد الترديد .

   بل الحال كذلك حتّى مع العزم على الإعراض فضلاً عن التردّد فيه، فلا يزول الحكم بالعزم المزبور ما لم يتحقّق الخروج والإعراض ولم يتلبّس بالانتقال ، لما عرفت من عدم صدق المسافر عليه قبل ذلك ، بل هو عازم على السفر ، لا أ نّه مسافر ، وزوال الحكم بالتمام منوط بفعلية السفر لا بنيته .

   وعلى الجملة : فالجزم بالإعراض لا يوجب الزوال والانقلاب فكيف بالتردّد .

   بل الحال كذلك في الوطن المستجد بعين المناط المتقدّم، فانّ التردّد في الإعراض عن الوطن الاتخاذي ما لم يقترن بالهجرة والإعراض الخارجي لا يوجب صدق عنوان المسافر ، بل الجزم به كذلك فضلاً عن الشك .

   فتحصّل :  أنّ الأظهر عدم زوال الحكم بالعزم على عدم التوطّن فضلاً عن التردّد ، من غير فرق بين الوطن الأصلي والاتخاذي .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 188 .

ــ[257]ــ

   [ 2308 ] مسألة 7 : ظاهر كلمات العلماء رضوان الله عليهم اعتبار قصد التوطّن أبداً في صدق الوطن العرفي ، فلا يكفي العزم على السكنى إلى مدّة مديدة كثلاثين سنة أو أزيد ، لكنّه مشكل((1))، فلا يبعد الصدق العرفي بمثل ذلك ، والأحوط في مثله إجراء الحكمين بمراعاة الاحتياط (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) استشكل (قدس سره) في من عزم على السكنى في محلّ مدّة مديدة كثلاثين أو عشرين سنة ، بل عشر سنوات من غير قصد التوطّن الأبدي في أ نّه هل يجري عليه حكم الوطن باعتبار صدق الوطن العرفي بمثل ذلك ، أو لا يجري نظراً إلى اعتبار قصد التوطّن الدائم كما نسبه إلى ظاهر كلمات المشهور فيحكم عليه بالقصر لو سافر ورجع ما لم ينو مقام عشرة أيام ، وأخيراً احتاط (قدس سره) باجراء كلا الحكمين .

   أقول :  ممّا قدّمناه في المسألة السابقة يظهر حكم هذه المسألة أيضاً ، حيث عرفت أنّ الوطن بعنوانه لم يؤخذ موضوعاً للحكم بالتمام في شيء من الأدلّة كي يتصدّى لتحقيق حدوده وموارد صدقه ، بل الموضوع للتمام بعد التخصيص بأدلّة التقصير الثابت لعنوان المسافر كلّ مكلّف لم يكن مسافراً ، سواء أصدق عليه المتوطّن أم لا . فالاعتبار في إجراء الحكمين بصدق عنوان المسافر وعدم صدقه ، لا المتوطّن وعدمه .

   ولا ينبغي التأمل في أنّ القاطن في محلّ مدّة طويلة لغاية من الغايات من طبابة أو تجارة أو دراسة كطلبة العلم الساكنين في النجف الأشرف لا يصدق عليه عنوان المسافر ، بل يعدّ هذا المحلّ مسكنه ومقرّه ، ولا سيما إذا اشتدّت

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الإشكال في صدق التوطّن عرفاً لايضرّ بوجوب التمام إذا لم يصدق عليه عنوان المسافر مع كونه منزلاً له ومحلاً لأهله .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net