الإتمام في موضع القصر نسياناً أو جهلاً بالموضوع أو الخصوصيات 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3709


   وورد هناك مخصّص ثالث ، وهو صحيح العيص المفصّل بين الانكشاف أو التذكّر في الوقت فيعيد ، وبين خارجه فلا يعيد . وقد عرفت أنّ هذه الصحيحة بنفسها غير شاملة للعامد ، فهو خارج عنها من أوّل الأمر ، لأ نّها غير ناظرة إلى القضاء ، بل إلى الصحّة والبطلان ، وأ نّه إن كان في وقت فالعمل فاسد وإلاّ فصحيح ، والعامد يعلم بفساد عمله من أوّل الأمر ، كالناسي المتذكّر في الوقت فانّه أيضاً يعلم بالفساد ووجوب القضاء إذا لم يتدارك .

   فالعامد خارج عنها قطعاً ، وكذا الجاهل المحض أي الجاهل بأصل الحكم فانّه لا إعادة عليه فضلاً عن القضـاء ، بمقتضى ذيل صحيحة زرارة كما مرّ . فيبقى تحتها الجاهل بالخصوصيات والجاهل بالموضوع والناسي .

   وبما أنّ النسبة بينها وبين صدر صحيحة زرارة الحاكم بالإعادة مطلقاً وكذا صحيح الحلبي نسبة الإطلاق والتقييد ، فتكون هذه مقيّدة لهما لا محالة ، فتكون النتيجة أنّ الوظيفة في هذه الموارد الثلاثة هو التفصيل بين ما لو كان الانكشاف أو التذكّر في الوقت فيعيد ، وبين ما كان في خارجه فلا يعيد ، هذا .

   وقد يقال :  إنّ النسبة بين صحيح زرارة وهذه الصحيحة ـ  أي صحيحة

ــ[364]ــ

العيص  ـ عموم من وجه ، لأنّ الناسي قد خرج عن الأوّل بمقتضى التخصيص بصحيح أبي بصير كما مرّ، فيبقى تحته العامد والجاهل بالخصوصيات أو بالموضوع . وأمّا هذه الصحيحة فهي غير شاملة للعامد في حدّ نفسها كما عرفت ، فالباقي تحتها الناسي والجاهل بالخصوصيات أو بالموضوع ، فالناسي خارج عن الأوّل والعامد عن الثاني ، ومورد الاجتماع الجاهل بالخصوصيات أو الموضوع ، فتجب الإعادة بمقتضى الأوّل، ولا تجب إذا كان الانكشاف خارج الوقت بمقتضى الثاني وبعد التعارض يتساقطان ، والمرجع حينئذ عموم دليل قدح الزيادة الموجب للإعادة ولو في خارج الوقت ، لعدم الدليل على الإجزاء وقتئذ .

   ولكنّه لا وجه له ، فانّه مبني على الالتزام بانقلاب النسبة في مثل المقام ممّا كان هناك عام وورد عليه مخصّصان أحدهما أخصّ من الآخر . وقد ذكرنا في الاُصول (1) أنّ هذا ليس من موارد انقلاب النسبة ، إذ لا وجه لملاحظة العام مع أخصّ المخصّصين أوّلاً ، ثمّ ملاحظة النسبة بينه وبين المخصّص الآخر لتنقلب من العموم المطلق إلى العموم من وجه ، لأنّ نسبة المخصّص الأخص والمخصّص الأعم إلى العام نسبة واحدة ، وكلاهما وردا عليه في عرض واحد ، فلا موجب لتقديم أحدهما على الآخر .

   وعلى هذا الأساس ـ وهو الصحيح ـ فلا موجب في المقام لتخصيص صحيح زرارة بصحيح أبي بصير أوّلاً وإخراج الناسي ، ثمّ ملاحظة النسبة بينه وبين صحيحة العيص التي هي أعم المخـصّصين باعتبار شمولها للناسي وغيره ، بل كلاهما مخصّص في عرض واحد .

   فلو كنّا نحن وصحيح زرارة ولم يكن شيء من هذين المخصّصين لحكمنا بالبطلان ووجوب الإعادة في الوقت وخارجه في غير الجاهل بأصل الحكم مطلقاً ، أي من غير فرق بين الناسي والعامد والجاهل بالخصوصيات والجاهل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 3 : 393 .

ــ[365]ــ

بالموضوع .

   ولكن ما عدا العامد خرج عن الصحيح بمقتضى هذين المخصّصين ، فيحكم فيه بوجوب الإعادة لو كان التذكّر أو الانكشاف في الوقت ، وبعدمها ـ أي الحكم بالصحّة ـ لو كان ذلك في خارج الوقت . ونتيجة ذلك اختصاص البطلان المطلق الشامل للوقت وخارجه بالعامد فقط الباقي تحت صحيح زرارة ، وأمّا في غيره فيقيّد البطلان بما إذا كان الانكشاف في الوقت .

   والمتحصّل من مجموع الروايات بعد ضمّ بعضها ببعض : أنّ العالم العامد يعيد في الوقت  وفي خارجه، والجاهل المحض لا يعيد في الوقت ولا في خارجه، والناسي والجاهل بالخصـوصيات والجاهل بالموضوع يعيد في الوقت لا في خارجه . فيحكم بالبطلان في الأوّل ، وبالصحّة في الثاني ، وبالتفصيل بين الوقت وخارجه في الثالث .

   وقد تلخّص من جميع ما ذكرناه :  أنّ مقـتضى أدلّة الزيادة وكذا صحيح الحلبي هو الحكم بالبطلان مطلقاً ، خرجنا عن ذلك في الجاهل بأصل الحكم بمقتضى ذيل صحيحة زرارة ، فلا يعيد في الوقت فضلاً عن خارجه ، وفي الجاهل بالخصوصيات وبالموضوع وفي الناسي للحكم أو الموضوع بمقتضى صحيحة العيص المفصّلة بين الوقت وخارجه ، ويبقى العامد تحت الإطلاقات ومنها صدر صحيحة زرارة القاضية بالبطلان في الوقت وفي خارجه .

   وقد ظهر ممّا ذكرناه أ نّه لا وجه لتخصيص صحيح العيص بالناسي كما عن غير واحد، بل هو عام له ولغيره ممّا عرفت ، وإنّما المختص به صحيحة أبي بصير كما تقدّم .

 هذا كلّه بناءً على أن يكون المراد من تفسير الآية (1) المشار إليها في صحيح

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النِّساء 4 : 101 .

ــ[366]ــ

زرارة تفسير كلمة (لاَ جُنَاحَ ) بارادة الوجوب دون الجواز .

   وأمّا لو كان المراد تفسـير الآية بجمـيع الخصـوصيات فيلحـق الجاهـل بخصوصيات الحكم بالجاهل بأصل الحكم في عدم وجوب الإعادة في الوقت فضلاً عن خارجه .

   ولكنّه لا وجه له ، بل الظاهر هو الأوّل كما ذكره شيخنا الأنصاري (قدس سره)(1) وغيره ، إذ الآية كغيرها ممّا ورد في العبادات ليست إلاّ في مقام أصل التشريع، ولم تكن بصدد بيان الخصوصيات ليكون شرحها تفسيراً للآية المباركة بل هي موكولة إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) والأئمّة المعصومين (عليهم السلام) فيذكرونها بياناً للحكم الواقعي ، لا شرحاً للمراد وتفسيراً للآيات .

   نعم ، كلمة (لاَ جُنَاحَ ) بما أ نّها ناظرة إلى كيفـية التشريع وقد اُريد بها خلاف ظاهرها من نفى البأس فهي بحاجة إلى التفسير لا محالة ، فذكروا (عليهم السلام) أنّ المراد بها الوجوب ، قياساً على (لاَ جُنَاحَ ) (2) الوارد في السعي حيث إنّ المراد به هناك هو الوجوب بلا إشكال .

   وإنّما عبّر بنفي الجناح لنكتة وهي دفع ما قد يختلج في أذهان القاصرين من أنّ الصفا والمروة اللّذين كانا مركزين لأصنام المشركين كيف يكونان معبدين للمسـلمين ، فبـيّن سبحانه وتعالى بأنّ كونهما كذلك لا يمنع عن ذلك ، لأ نّهما من شعائر الله ، وقد غصبهما المشركون ، فلا جناح أن يطّوف بهما .

   وكذلك الحال في المقام ، فانّ اختيار هذا التعبير مع كون المراد هو الوجوب لنكتة، ولعلّها لدفع ما قد يتوهّم من أنّ التقصير تنقيص للصلاة وتخفيف لشأنها .

   وكيف ما كان ، فقد عرفت أنّ المراد من تفسير الآية بيان أصل وجوب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فرائد الاُصول 1 : 60 .

(2) البقرة 2 : 158 .

ــ[367]ــ

القصر في السفر لا خصوصياته . وعليه فصحيحة زرارة خاصّة بالجاهل بأصل الحكم ، ولا تعمّ الجهل بالخصوصيات .

   بل يكفينا مجرّد الشك في أنّ المراد الجهل بأصل الحكم أم بخصوصياته ، إذ عليه تكون الصحيحة مجملة ، ومعه لا بدّ من الاقتصار في الخروج عن إطلاق صحيح العيص على المقـدار المتيـقّن وهو الجـاهل المحـض ، فيكون الجاهل بالخصوصيات مشـمولاً للإطلاق السليم عما يصلح للتقييد ، فيحكم فيه بما تضمّنه من التفصيل بين الوقت وخارجه حسبما عرفت .

   هذا كلّه فيما إذا كان ناوياً للإتمام من أوّل الأمر ومن لدن شروعه في الصلاة إمّا لجهل أو نسيان كما تقدّم .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net