وجوب تعلّق قصد الوفاء في الصوم المنذور 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 11:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4820


ــ[30]ــ

ولو نوى غـيره : فإن كان مع الغفلة عن النذر صحّ ، وإن كان مع العلم والعمد ففي صحّته إشكال ((1)) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   واُخرى : يكون مقيّداً بحصّة خاصّة ونوع معيّن كقضاء أو كفّارة ونحوهما .

   أمّا الأوّل : فلا إشكال فيما إذا صام قاصداً به عنوان الوفاء بالنذر .

   وأمّا إذا صام من غير قصد الوفاء ، بل نوى مجرّد القضاء أو التطوّع ونحو ذلك ، فهل يسقط به النذر ؟

   حكم في المتن بعدم السقوط وأ نّه لا بدّ من تعيين أ نّه للنذر ولو إجمالا .

   وليس له وجه ظاهر، فإنّ الأمر الناشئ من قبل النذر توصّلي لا يجب قصده ، غاية الأمر أ نّه لا يتحقّق الامتثال من غير قصد، فلا يستحق الثواب ، أمّا السقوط فلا ينبغي التأمّل فيه .

   وربّما يقال : إنّ النذر كالدين في اعتبار الملكيّة للغير في الذمّة ، فكأنّ الناذر يملك بالنذر عمله لله تعالى ويكون سبحانه مالكاً لعمله على ذمّته ، كما أنّ الدائن يملك ما في ذمّة المدين ، فكما أ نّه في الدين يلزم في وفائه قصد أدائه وإلاّ كان عطاءً ابتدائيّاً، فكذلك في الوفاء بالنذر فلا بدّ من تعلّق القصد كي يكون تسليماً للدين .

   ويندفع : بأنّه لا معنى للملكيّة الاعتباريّة له سبحانه كما لا يخفى ، ولو اُريد أ نّه كالدين في وجوب تفريغ الذّمة عنه وأنّ امتثاله مطلوب من العبد فهذا لا يختصّ بالنذر ، بل جميع الواجبات الإلهية من هذا القبيل .

   ولو فرضنا صحّة ذلك فإنّما يتمّ في نذر الكلّي ، كما لو نذر صوم يوم من هذا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) والصحّة أظهر .

ــ[31]ــ

الشهر ، فإنّ انطباقه على الفرد يتوقّف على القصد كما هو الحال في الدين الذي هو من أجل تعلّقه بالذمّة كلّيٌ دائماً ولا يتصوّر فيه التشخّص ، فلا جرم احتاج إلى القصد .

   وأمّا النذر الشخصي المعيّن ـ كما هو المفروض في المقام ـ فإنّه متعيّن بنفسه من غير حاجة إلى التعيين ، فلا يلزمه قصد الوفاء ، وهذا نظير الوديعة التي لا تتعلّق إلاّ بالشخص ، فلو أرجعها الودعي إلى صاحبها غافلا وبلا التفات إلى أنّها أمانة ووديعة فقد دفع الأمانة وإن لم يكن قاصداً للعنوان .

   وقد يقال أيضاً : إنّ الأمر بالوفاء بالنذر وإن كان توصّليّاً إلاّ أ نّه إنّما يفترق عن التعبّدي من جهة لزوم قصد القربة وعدمه ، وأمّا من ناحية قصد العنوان فيما إذا كان متعلّقاً للأمر فهما سيّان ، ولا بدّ من قصده على كلّ حال ، وإلاّ لم يأت بالواجب ، ومن المعلوم أنّ المأمور به في المقام هو عنوان الوفاء بالنذر ، فلا مناص من قصده .

   ومن هذا القبيل : وجوب ردّ السلام ، فإنّه وإن كان توصّليّاً إلاّ أ نّه لا بدّ من تعلّق القصد بعنوان ردّ التحية ، ولا يكفي من غير قصد .

   ويندفع : بأنّ الوفاء بالنذر ـ كالوفاء بالبيع ـ ليس إلاّ عبارة عن إنهاء التزامه ، أي الإتيان بما تعلّق به نذره وما التزم به ، فليس هو عنواناً زائداً على نفس الفعل الخارجي ليتوقف على القصد ، فكما أنّ الوفاء بالعقد ليس معناه إلاّ العمل بمقتضاه والقيام به وإنهاء العقد وعدم الفسخ ولا يتضمّن عنواناً آخر وراء العمل الخارجي، فكذا الوفاء بالنذر لا يراد به إلاّ الإتيان بما تعهّد به وألزمه على نفسه ، فلو فعل ذلك فقد وفى بنذره ، إذ الانطباق قهري والإجزاء عقلي .

   ويؤيّد ذلك ـ بل يعيّنه ويؤكّده ـ : أنّ الأمر بالوفـاء ليس حكماً ابتدائيّاً مجعولا من قبل الشارع لكي يدّعي ـ فرضاً ـ تعلّق الوجوب بعنوان الوفاء ،

ــ[32]ــ

وإنّما هو التزامٌ من قبل المكلّف نفسه ، فالتزم بشيء ، وألزمه الله سبحانه بالعمل بما التزم وأقرّه مقرّه . ومن المعلوم أنّ المكلّف إنّما التزم بالإتيان بذات الصوم لا بعنوان الوفاء ، فلا يكون الواجب عليه أيضاً إلاّ هذا الذي تعلّق به التزامه ، نظير الوفاء بالشرط في ضمن العقد كالخياطة ، فإنّه لا يجب عليه قصد عنوان الوفاء بالشرط .

   والحاصل : أنّ الوجوب لو كان ابتدائياً أمكن فيه تلك الدعوى ـ وإن كان على خلاف الظهور العرفي ـ ولكنّه إمضاءٌ لما التزمه الناذر وافترضه على نفسه وجعله على ذمتّه ، كما عبّر بمثل ذلك في بعض الروايات من أ نّه جعل على نفسه صوماً ، فليس الوفاء بالنذر عنواناً خاصّاً وأمراً زائداً على الإتيان بما تعلّق به النذر . وعليه ، فيسقط الأمر وإن لم يقصد عنوان الوفاء .

   وأمّا الثاني ـ أعني : ما لو كان المنذور المعيّن مقيّداً بحصّة خاصّة ومعنوناً بعنوان خاصّ كصوم القضاء أو الكفارة أو التطوّع ونحو ذلك ـ  : فإن أتى بتلك الحصّة وقصد العنوان الخاصّ ولكن لم يقصد عنوان الوفاء بالنذر لغفلة ونحوها، فالكلام هو الكلام المـتقدّم من عدم لزوم قصد هذا العـنوان ، فإنّه توصلي ، والعباديّة إنّما نشأت من الأمر المتعلّق بنفس المنذور الثابت بعنوان القضاء أو الكفّارة ونحوهما ، والمفروض تعلق القصد بذاك العنوان فقد أتى بنفس المنذور ، وما تعلّق به التزامه فلا حنث أبداً ، وإنّما يحنث لو لم يأت بالمتعلّق ، وقد عرفت أ نّه قد أتى به على ما هو عليه ، غايته أ نّه لم يترتّب عليه ثواب امتثال النذر ، لفقد القصد .

   وأمّا إذا لم يقصد تلك الحصّة، فصام بعنوان آخر غير العنوان الخاصّ المأخوذ في متعلّق النذر ، فكان المنذور هو صوم القضاء ، فصام بعنوان الكفّارة ـ  مثلا  ـ فقد حنث وخالف نذره ، ولم يسقط أمره ، لعدم الإتيان بمتعلّقه .

ــ[33]ــ

   [ 2367 ] مسألة 8 : لو كان عليه قضاء رمضان السنة التي هو فيها وقضاء رمضان السنة الماضية (1) لا يجب عليه تعيين ((1)) أ نّه من أيّ منهما ، بل يكفيه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وبذلك افترق هذا القسم عن القسم الأوّل، لأنّ المنذور هناك كان هو طبيعي الصوم على سعته وإطلاقه ، فيتحقّق الوفاء بأيّ فرد كان ، وأمّا هنا فقد تعلّق بحصّة خاصّة ، والمفروض عدم الإتيان بها ، فلم يتحقّق الوفاء .

   وهل يحكم حينئذ بصحّة الصوم المأتي به خارجاً كصوم الكفّارة في المثال المزبور ؟

   لا ينبغي الإشكال في الصحّة إذا كان ذلك مع الغفلة عن النذر ، لأنّه عبادة في نفسه ، وليس هناك أيّ مانع عن صحّته ما عدا المزاحمة مع الوفاء بالنذر ، فإذا لم يكن الأمر بالوفاء فعليّاً لغفلة ونحوها فلا مزاحمة ولم يكن أيّ محذور من تعلّق الأمر به فيقع صحيحاً لا محالة .

   وأمّا مع العلم والعمد فيدخل المقام تحت الكبرى الكلّيّة من أن الأمر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضدّه أو لا ؟ وعلى الثاني : فهل يمكن تعلّق الأمر بالضدّ على سبيل الترتّب أو لا ؟ وعلى الثاني : فهل يمكن تصحيح العبادة من طريق الملاك أو لا ؟

   والحاصل : أ نّه لا خصوصيّة للمقام ، ولا يزيد على تلك الكبرى بشيء ، وحيث إنّ التحقيق إمكان الأمر بالضدّين على نحو الترتّب فلا مانع من الالتزام بالصحّة في المقام وإن كان عاصياً من جهة مخالفة النذر .

   (1) مرّ الكلام حول ذلك في ذيل المسألة الثانية ، فلاحظ ولا نعيد (2) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لكن إذا بقي في ذمّته أحدهما إلى رمضان آخر وجبت عليه الفدية .

(2) في ص : 26 ـ 27 .

ــ[34]ــ

نيّة الصوم قضاءً ، وكذا إذا كان عليه نذران كلّ واحد يوم أو أزيد ، وكذا إذا كان عليه كفارتان غير مختلفتين في الآثار .

   [ 2368 ] مسألة 9 : إذا نذر صوم يوم خميس معيّن، ونذر صوم يوم معيّن من شهر معيّن ، فاتّفق في ذلك الخميس المعيّن (1)، يكفيه صومه ويسقط النذران ، فإن قصدهما اُثيب عليهما ((1))، وإن قصد أحدهما اُثيب عليه وسقط عنه الآخر .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) حكم (قدس سره) بكفاية صوم واحد في سقوط النذرين وأ نّه يثاب عليهما إن قصدهما ، وإلاّ فعلى أحدهما .

   وهذا مبنيٌّ على ما تقدّم من أنّ الأمر النذري توصّلي(2) ولا يلزم قصد العنوان، فطبعاً يسقط الأمران ، وأمّا الثواب فمترتّب على الامتثال ، وهو متقوّم بالقصد كما ذكره (قدس سره) . إلاّ أنّ الكلام في أنّ مثل هذا النذر هل هو صحيح ، أو أنّ الثاني يلغى ؟

   يتصوّر ذلك على نحوين :

   إذ تارةً : يتعلّق النذر بعنوانين بينهما عموم من وجه ، ومن باب الاتّفاق اجتمعا وانطبق أحدهما على الآخر ، كما لو نذر أن يعطي درهماً لعالم البلد ، ونذر أيضاً أن يعطي درهماً لمن هو أكبر سناً في هذا البلد ، فتعلّق النذر بكلٍّ من العنوانين على سبيل القضيّة الحقيقيّة ، ومن باب المصادفة انطبقا على شخص واحد ، ولا ريب في صحّة النذرين حينئذ، فلو دفع إليه الدرهم فقد وفى بهما وسقط الأمران .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل اُثيب على الأوّل ، فإنّ الثاني يقع لغواً .

(2) في ص 14 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net