تناول المفطر سهواً لا يوجب البطلان من غير فرق بين أقسام الصوم - عدم الفرق في البطلان مع العمد بين الجاهل بقسميه والعالم 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 11:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4595


ــ[265]ــ


فصل

في اعتبار العمد والاختيار في الإفطار
 

    المفطرات المذكورة ما عدا البقاء على الجنابة (1) ـ الذي مرّ الكلام فيه تفصيلا ـ إنّما توجب بطلان الصوم إذا وقعت على وجه العمد والاختيار ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) تقدّم حكم البقاء على الجـنابة ، وعرفت أ نّه قد يوجب البطلان ولو بدون العمد كما في النومة الثانية ، بكل الكفّارة أيضاً على قول كما في النومة الثالثة .

   وأمّا غير ذلك من سائر المفطرات فشيءٌ منها لا يوجب البطلان ، إلاّ إذا حدث عن القصد والعمد ، فإذا لم يكن قاصداً ـ كما لو دخل شيء في جوفه قهراً عند المضمضة أو غيرها ، أو زلّت قدمه فارتمس في الماء بغير اختياره ـ أو كان قاصداً ولكن لم يكن عامداً ـ كما في الناسي لصومه ، فإنّه متعمّد في ذات الفعل كالأكل مثلا ولكنّه غير متعمّد في الإفطار ـ لم يبطل صومه .

   والظاهر أنّ هذا الحكم من الواضحات المتسالم عليها بين الفقهاء ولم يقع فيه خلاف ، كما صرّح به غير واحد .

   ويدلّنا عليه : أمّا بالنسبة إلى غير القاصد ـ أي من صدر عنه الفعل من غير إرادة واختيار ـ قصور المقتضي للبطلان أوّلا ، فإنّه الذي يحتاج إلى الدليل ، أمّا الصحّة فهي مقتضى القاعـدة أخذاً بقوله (عليه السلام) : «لا يضرّ الصـائم ما صنع إذا اجتنب» إلخ ، فإنّ المأمور به هو الاجتناب ، ولا شكّ في تحقّقه لدى

ــ[266]ــ

صدور الفعل بغير اختيار، لوضوح أنّ معنى الاجتناب أن لايفعله متعمّداً ويكون بعيداً عنه وعلى جانب منه ، فهو فعل اختياري ، فلو ارتكب الفعل ـ  كالأكل  ـ عن قصد يصدق أ نّه لم يجتنب عنه ، بخلاف ما لو صدر عنه بغير قصد واختيار ، فإنّه يصدق معه الاجتناب بلا ارتياب .

   وعلى الجملة : فعدم الدليل على البطلان يكفي في الحكم بالصحّة .

   نعم ، في البقاء على الجنابة قام الدليل على البطلان في النومة الثانية ، وأمّا في المقام فلم يدّل عليه دليل حسبما عرفت . هذا أوّلا .

   وثانياً : على تقدير الحاجة إليه يكفينا ما ورد في الناسي وهي عدّة روايات ـ  كما سيجيء  ـ دلّت على الصحّة ، معلّلا في جملة منها بأنّه رزق رزقه الله ، فإذا ثبتت الصحّة في الناسي مع كونه متعمّداً وقاصداً إلى ذات الفعل ففيما لا قصد فيه الصادربغير إرادة واختيار بطريق أولى، وتؤيّده الروايات الواردة في خصوص بعض المفطرات، المصرّحة بتخصيص الحكم بصورة العمد، مثل ما ورد  في الكذب وفي القيء حسبما مرّ في محلّه(1) .

   هذا ، وربّما يستدّل لذلك بالنصوص المتضمّنة للقضاء على من أفطر متعمّداً ، فيقال : إنّها تدلّ على اعتبار العمد في القضاء كالكفّارة .

   ولكن هذه النصوص بأجمعها تضمّنت التقييد بالعمد في كلام السائل دون الإمام (عليه السلام) ، فلاحظ(2) . ومثله لا دلالة له على المفهوم ليقتضي نفي القضاء عن غير المتعمّد .

   نعم ، خصوص رواية المشرقي تضمّنت التقييد بالعمد في كلام الإمام (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل أفطر من شهر رمضان أيّاماً متعمّداً ، ما عليه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ص 132 و 247 ـ 248 .

(2) الوسائل 10 : 44 /  أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 .

ــ[267]ــ

من الكفّارة ؟ فكتب : «من أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً فعليه عتق رقبة مؤمنة ، ويصوم يوماً بدل يوم»(1) .

   وقد ذكرنا في محلّه في الاُصول : أنّ الجزاء إذا كان مشتملا على أمرين ـ كما في المقام ، وهما الكفّارة والقضاء ـ فلا يبعد دعوى انصرافه عرفاً إلى أنّ كل واحد منهما مترتّب على الشرط
مستقلاًّ(2)، فمفهومه : إنّ من لم يتعمّد فليس عليه كفّارة ولا قضاء ، لا أنّ الجزاء هو المجموع المركّب منهما ليكون مفهومه نفي المجموع لدى نفي العمد غير المنافي لثبوت القضاء حينئذ حتّى لا يدلّ على تقييد القضاء بالعمد .

   فالإنصاف أنّ الدلالة غير قاصرة ، إلاّ أنّ السند لا يخلو من الخدش ، فإنّ المشرقي وهو هشام بن إبراهيم أو هاشم بن إبراهيم ـ على الخلاف في ضبطه ـ العباسي لم يُوثّق ولم يُذكر بمدح ، بل فيه شيء فلا يعتمد عليه ، ولأجله تسقط الرواية عن الاستدلال ، فالعمدة ما ذكرناه من قصور المقتضي والأولويّة المؤيّدة بما عرفت .

   وأمّا بالنسبة إلى الناسي عن الصوم غير العامد إلى الإفطار فتدل على عدم البطلان حينئذ عدّة من الروايات وفيها الصحاح والموثّقات :

   منها : صحيحة الحلبي : عن رجل نسي فأكل وشرب ثمّ ذكر «قال : لا يفطر ، إنّما هو شيء رزقه الله فليتمّ صومه»(3) رواها المشايخ الثلاثة والسند في جميعها صحيح .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 49 /  أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 11 .

(2) محاضرات في اُصول الفقه 5 : 119 .

(3) الوسائل 10 : 50 /  أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 ح 1 ، الكافي 4 : 101 / 1 ، الفقيه 2 : 74 / 318 ، التهذيب 4 : 277 / 838 .

ــ[268]ــ

   وموثّقة عمّار : عن الرجل ينسى وهو صائم فجامع أهله «فقال : يغتسل ولا شيء عليه»(1) .

   وصحيحة زرارة : في المحرم يأتي أهله ناسياً «قال : لا شيء عليه ، إنّما هو بمنزلة من أكل في شهر رمضان وهو ناس»(2) فإنّ التنزيل يدلّ على مفروغيّة الحكم في المنزل عليه .

   وموثّقة سماعة : عن رجل صام في شهر رمضان فأكل وشرب ناسياً «قال : يتمّ صومه وليس عليه قضاؤه»(3) .

   وصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: من صام فنسي فأكل وشرب فلا يفطر من أجل أ نّه نسي ، فإنّما هو رزق رزقه الله تعالى فليتمّ صيامه»(4) إلى غير ذلك من الروايات .

   وهذه الروايات وإن كان موردها الأكل والشرب والجماع ، ولم ترد في غيرها من المفطرات مثل الارتماس ونحوه ، إلاّ أ نّه لا بدّ من إلحاق الباقي بما ذكر ، لأجل التعليل المذكور فيها ، كما في صحيحتي ابن قيس والحلبي ، فيظهر أنّ هذا حكمٌ لجميع المفطرات ، على أنّ أساس الصوم متقوّم بالاجتناب عن الأكل والشرب والجماع،  وكلّ ذلك مذكور في القرآن، قال تعالى : (كُلُوا وَاشْرَبُوا) إلخ(5) ، وقال تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ) إلخ(6) ، فإذا كان الحكم ثابتاً في الأساس بمقتضى هذه النصوص المشـتملة على كل ذلك ففي غيره بطريق أولى ، للقطع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 51 /  أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 ح 2 .

(2) الوسائل 10 : 51 /  أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 ح 4 .

(3) الوسائل 10 : 51 /  أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 ح 5 .

(4) الوسائل 10 : 52 /  أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 ح 9 .

(5) ، (6) البقرة 2 : 187 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net