الأوّل : الإسلام والإيمان \ الثاني : العقل 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 11:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4666


ــ[452]ــ


فصل

في شرائط صحّة الصوم(1)

    وهي اُمور :

   الأوّل : الإسلام والإيمان (2) ، فلا يصحّ من غير المؤمن ولو في جزء من النهار ، فلو أسلم الكافر في أثناء النهار ولو قبل الزوال لم يصحّ صومه ، وكذا لو ارتدّ ثمّ عاد إلى الإسلام بالتوبة ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) وهي بين ما يكون شرطاً في الصحّة ، وما هو شرط في تعلّق التكليف ، وعلى أيّ حال فهي معتبرة في الصحّة إمّا لكونها شرطاً للأمر أو للمأمور به .

   (2) فلا يصحّ الصوم ـ كغيره من العبادات ـ من الكافر وإن كان مستجمعاً لسائر الشرائط ، كما لا يصحّ ممن لا يعترف بالولاية من غير خلاف .

   أمّا الأوّل : فالأمر فيه واضح ، بناءً على ما هو الصحيح من أنّ الكفّار غير مكلّفين بالفروع ، وإنّما هم مكلّفون بالإسلام ، وبعده يكلّفون بسائر الأحكام كما دلّت عليه النصوص الصحيحة على ما مرّ التعرّض له في مطاوي بعض الأبحاث السابقة ، إذ بناءً على هذا المبنى يختصّ الخطاب بالصيام بالمسـلمين ، فلم يتوجّه تكليفٌ بالنسـبة إلى الكافر ليصحّ العمـل منه ، فإنّه خارج عن الموضوع .

   وأمّا بناءً على أنّهم مكلّفون بالفروع كتكليفهم بالاُصول فلا شكّ في عدم

ــ[453]ــ

الصحّة من المشركين ، ضرورة أنّ الشرك يوجب حبط الأعمال السابقة على الشرك بمقتضى قوله تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ)(1) فضلا عن الصادرة حال الشرك .

   وأمّا غير المشركين من سائر فرق الكفّار فيدلّ على عدم الصحّة منهم الإجماع المحقّق ، بل الضرورة ، بل قد يستفاد ذلك من بعض الآيات، قال تعالى: (إِنَّ ا لَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِلْءُ ا لاَْرْضِ ذَهَباً)إلخ(2)، فيظهر منها أنّ الكفر مانع عن قبول النفقة كما صرّح بذلك في آية اُخرى ، قال تعالى : (وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَ نَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ)إلخ(3) فإذا كان الكفر مانعاً عن قبول النفقة فهو مانع عن الصوم وغيره من سائر العبادات بطريق أولى كما لا يخفى .

   وكيفما كان ، فسواء تمّت الاسـتفادة من الآيات المباركة أم لا تكفينا بعد الإجماع المحقّق كما عرفت النصوص الكثيرة الدالّة على بطلان العبادة من دون الولاية ، فإنّها تدلّ على البطلان من الكفّار بطريق أولى ، فإنّ الكافر منكر للولاية وللرسالة معاً ، وقد عقد صاحب الوسائل لهذه الأخبار باباً في مقدّمة العبادات ، وهي وإن كان بعضها غير نقي السند وبعضها قاصر الدلالة ، إلاّ أنّ فيها ما هو تامّ سنداً ودلالةً كصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : «كل من دان لله عزّ وجلّ بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول ، وهو ضالّ متحيّر ، والله شانئ لاعماله» إلخ(4) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الزمر 39 : 65 .

(2) آل عمران 3 : 91 .

(3) التوبة 9 : 54 .

(4) الوسائل 1 : 118 /  أبواب مقدّمة العبادات ب 29 ح 1 .

ــ[454]ــ

وإن كان الصوم معيّناً وجدّد النيّة قبل الزوال على الأقوى (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   فإنّ من يكون الله شانئاً لأعماله ومبغضاً لأفعاله كيف يصحّ التقرّب منه وهو ضالّ متحيّر لا يقبل سعيه ؟! فكل ذلك يدلّ على البطلان .

   وفي ذيل الصحيحة أيضاً دلالة على ذلك كما لا يخفى على من لاحظها ، فإذا بطل العمل ممّن لا إمام له وكان كالعدم ، فمن لا يعترف بالنبي بطريق أولى ، إذ لا تتحقّق الولاية من دون قبول الاسلام .

   وممّا ذكرنا يظهر الحال في اعتبار الإيمان في صحّة الصوم وأ نّه لا يصحّ من المخالف لفقد الولاية ، وقد تعرّضنا لهذه المسألة بنطاق أوسع في بحث غسل الميّت(1) عند التكلّم حول اعتبار الإيمان في الغسل الذي هو فرع الإسلام ، فلو لم يكن مسلماً أو كان ولكن لم يكن بهداية الإمام وإرشاده لم يصحّ تغسيله ، فراجع إن شئت .

   (1) فإنّ الإسلام معتبر في جميع أجزاء الصوم الارتباطيّة من طلوع الفجر إلى الغروب ، بمقتضى إطلاق الأدلّة ، فالكفر في بعضها موجب لبطلان الجزء المستلزم لبطلان الكلّ ، فلا ينفعه العود إلى الإسلام بعد ذلك وإن جدّد النيّة ، فإنّ الاكتفاء بتجديد النيّة قبل الزوال حكمٌ مخالفٌ للقاعدة ، للزوم صدورها قبل الفجر ، وقد ثبت الاكتفاء بذلك في موارد خاصّة ، كالمريض الذي يبرأ قبل الزوال ، أو المسافر الذي يقدم أهله ، ولا دليل على الاجتزاء بالتجديد في المقام كما هو ظاهر .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة 8 : 374 .

ــ[455]ــ

   الثاني : العقل ، فلا يصحّ من المجنون(1) ولو أدواراً وإن كان جنونه في جزء من النهار .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) والوجه فيه : أنّ المجنون غير مكلّف بالصوم كسائر الواجبات من العبادات وغيرها ، فهو مرفوع عنه القلم ، وحاله حال سائر الحيوانات ، لا عبرة بعمله ، للأدلّة الدالّة على اشتراط التكليف بالعقل الذي هو أوّل ما خلق الله وقال له : أقبل فأقبل ، ثمّ قال : أدبر فأدبر ، فقال تعالى : بك اُثيب وبك اُعاقب ، كما هو مضمون الروايات(1) .

   ومنه تعرف أ نّه لا وجه لقياس الجنون بالنوم وإن كان القلم مرفوعاً عنه أيضاً ، وذلك لما علمناه من الخارج ومن إطلاق الأدلّة من أنّ الصوم غير متقيّد بعدم النوم ، بل قد ورد أنّ نوم الصائم عبادة ، فعباديّة الصوم بمعنى لا يكاد يتنافى مع النوم ، فإنّه بمعنى البناء على الاجتناب عن المفطرات وعدم ارتكابها متعمّداً بأن يكون على جانب منها وبعيداً عنها كما دلّ عليه قوله (عليه السلام) : «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب» إلخ ، وأن يكون ذلك لله تعالى ، فلو نوى الاجتـناب المزبور قبل الفجر لله تعالى فقد أتى بالعـبادة وإن نام بعـد ذلك ، لحصول هذا المعنى حال النوم أيضاً ، فليست العباديّة في الصوم وكذا في تروك الإحـرام بالمعنى المعـتبر في العبادات الوجـوديّة ، أي وقوع كلّ جزء بداعي امتثال الأمر حتّى ينافيه النوم ، ودليل رفع القلم عن النائم معناه : أ نّه لو ارتكب شيئاً حال النوم فهو مرفوع عنه ولا يؤاخذ به ، وهذا كلّه كما ترى أجنبي عن محلّ الكلام .

   وعلى الجملة : التكليف بالصوم مشروط بعدم الجنون وغير مشروط بعدم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكافي 1 : 8 / 1 و 20 / 26 .

ــ[456]ــ

ولا من السكران((1)) ولا من المغمى عليه ولو في بعض النهار وإن سبقت منه النيّة على
الأصحّ(1).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النوم ، فلو فرضنا أنّ جنـونه أدواري فكان ملتفتاً قبل الفجر فنوى وقصد الصوم ثمّ جنّ أثناء النهار ولو في جزء منه بطل صومه وإن كانت النيّة متحقّقة ، لفقد شرط التكليف .

   ثمّ إنّ مقتضى الإطلاق في دليل اشتراط الصوم بالعقل ورفع التكليف عن المجنون عدم الفرق بين الأطباقي والأدواري ، فلو جنّ في بعض النهار قبل الزوال أو بعده بطل صومه ، فإنّ الواجب واحد ارتباطي يختلّ باختلال جزء منه ، واللازم اتّصاف الصائم بالعقل في مجموع الوقت من الفجر إلى الغروب ، فلو جنّ في جزء منه من الأوّل أو الوسط أو الأخير فهو غير مأمور بالصوم ولا يجب عليه الإمساك بعدئذ .

   ودعوى الاكتفاء بتجديد النيّة فيما لو ارتفع جنونه قبل الزوال ، غير مسموعة ، لما عرفت من أ نّه حكمٌ على خلاف القاعدة يحتاج إلى قيام دليل عليه ، وقد ثبت في المسافر والمريض ونحوهما ولم يثبت في المقام ، ومقتضى إطلاق ما دلّ على أنّ المجنون غير مكلّف بشيء أ نّه لا يعتدّ بصومه ، سواء جدّد النيّة أم لا .

   (1) هل السكران والمغمى عليه في بعض الوقت أو في كلّه يلحق بالمجنون أو يلحق بالنائم .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يترك الاحتياط فيه وفي المغمى عليه إذا كانا ناويين للصوم قبل طلوع الفجر ثمّ عرض عليهما السكر والإغماء إلى أن طلع الفجر .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net