الفرع السابع : المراد بالكفر هنا هو الكفر في مقابل الإسلام كما في الروايات الناطقة « لا يتوارث أهل ملّتين »(4) المفسّرة بإرث المسلمين من الكفّار ، دون العكس ، فكل من لم يحكم بإسلامه لإنكاره الاُلوهية أو الرسالة أو التوحيد أو المعاد فهو كافر ، سواء لم ينتحل ديناً أو انتحل ديناً غير الإسلام ، أو انتحل الإسلام وجحد ما يعلم أنّه من الدين الإسلامي ، بحيث رجع جحده إلى إنكار الرسالة .
والكفر ملّة واحدة ، لا فرق بين أفراده من يهودي ونصراني ومجوسي وغيرهم ، فيرث اليهودي من النصراني وبالعكس ، وكلاهما من المجوسي وغيره وما دلّ من الروايات على عدم توارث أهل ملّتين مفسّر بما ذكرنا من إرثنا منهم دون العكس ، وأمّا إرث الكافر من الكافر فدلّت عليه إطلاق الآيات المباركة كما تقدّم(5).
ثمّ إنّه لا فرق في المسلم بين أنواعه وأصنافه ومذاهبه، فإنّ من يعترف بالله ــــــــــــــــــــــــــــ (1) الجواهر 39 : 30 . (2) المختلف 9 : 74 مسألة 23 . (3) حاشية الإرشاد 3 : 597 . (4) الوسائل 26 : 13 / أبواب موانع الإرث ب1 ح6 ، 14 ، 15 ، 17 . (5) بعضها في ص27 .
ــ[42]ــ
عزّوجلّ ورسوله (صلّى الله عليه وآله) وما اُنزل إليه ، وبالآخرة ، حكم بإسلامه وإن كان فاسد العقيدة .
فالكفر في مقابل الطاعة كما في بعض الروايات(1)، أو في مقابل الإيمان(2) والنعمة كما في بعضها الآخر(3) ليس بمانع من الإرث وإن اُطلق عليه الكفر ، كما في تارك الصلاة(4) أو الحجّ(5) أو الولاية(6) ، إلاّ أنّه ليس كفراً في مقابل الإسلام .
وقد دلّت على ذلك عدّة روايات في الكافي ، صرّح فيها بأنّ الإسلام ما عليه الناس ، والذي جرت عليه المناكح والمواريث(7) فلا أثر لانحراف العقيدة في الإرث بعد الحكم عليه بالإسلام .
نعم ، من حكم عليه بالكفر تعبّداً حتّى مع اعترافه بالله والرسول وما اُنزل إليه وبالآخرة ، وهم النواصب الذين هم ـ كما صرّح في الرواية ـ أنجس من الكلب ــــــــــــــــــــــــــــ (1) [لعلّه إشارة إلى ما ورد في الكافي 2 : 389 (باب وجوه الكفر) / 1 وغيره] . (2) راجع الكافي 2 : 388 / 16 ، 18 ، 20 وغيرها . (3) راجع الكافي 2 : 389 / 1 وغيره . (4) راجع الكافي 2 : 386 / 9 وغيره . (5) الوسائل 11 : 29 / أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب7 ، وما في سورة آل عمران 3 : 97 . (6) [ لعلّه إشارة إلى نفس ما ورد في الهامش رقم (1) ] . (7) راجع الكافي 2 : 25 ، منها [ح1 ، أي] معتبرة سماعة ، قال « قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أخبرني عن الإسلام والإيمان ، أهما مختلفان ؟ فقال : إنّ الإيمان يشارك الإسلام والإسلام لا يشارك الإيمان ، فقلت : فصفهما لي ، فقال : الإسلام شهادة أن لا إله إلاّ الله والتصديق برسوله (صلّى الله عليه وآله) ، به حقنت الدماء، وعليه جرت المناكح والمواريث ، وعلى ظاهره جماعة الناس ، والإيمان الهدى وما يثبت في القلوب من صفة الإسلام وما ظهر من العمل به ، والإيمان أرفع من الإسلام بدرجة ، إنّ الإيمان يشارك الإسلام في الظاهر ، والإسلام لا يشارك الإيمان في الباطن ، وإن اجتمعا في القول والصفة » .
ــ[43]ــ
والخنزير(1) فهم خارجون بالدليل ، فلا تجري عليهم أحكام الإرث ، كما لا تجوز مناكحتهم .
وكذا يحكم بكفر بعض الفرق المنتسبين إلى الإسلام إذا رجعت عقائدهم إلى إنكار الاُلوهية والخلق ، أو النبوّة أو المعاد ، كالقائلين بوحدة الوجود من الصوفية الظاهر ذلك من أشعارهم ، بل من متونهم ، كما في عبارة محي الدين بن العربي التي هي (الحمد لله الذي خلق الأشياء وهو عينها)(2) الدالّ على وحدة الوجود ، فإذا لوحظت المراتب فيكون خلقاً ، وإذا لغيت فهو نفس الخالق ، فالواجب والممكن عندهم موجود واحد ، وإنّما يختلف بالاعتبار ، فباعتبار حدّه هو ممكن ، ومع إلغاء الحدّ هو واجب ، وهو راجع في الحقيقة إلى إنكار الخالق ، ويحتمل أن يكون هذا هو المراد من أشعار بعضهم ، التي معناها أنّه لا فرق بين موسى وفرعون إلاّ بالحدّ ، فإذا لغي الحدّ فموسى وفرعون شيء واحد.
ثمّ إنّه لا فرق في الكافر والمسلم بين الأصالة والتبعية ، كالأطفال والمجانين حيث يتبعون آباءهم واُمّهاتهم ، فكل طفل انعقدت نطفته حال كون أحد أبويه مسلماً حكم بإسلامه ، وكل طفل انعقدت نطفته حال كون أبويه معاً كافرين ، حكم بكفره . نعم إذا أسلم أحد أبويه قبل بلوغه تبعه في الإسلام .
وتقدّم الكلام في الكفر والإسلام بالأصالة والتبعية في كتاب الطهارة(3) ــــــــــــــــــــــــــــ (1) الوسائل 1 : 220 / أبواب الماء المضاف والمستعمل ب11 ح5 [ نقل بالمضمون مع زيادة « والخنزير » ] . (2) راجع الفتوحات المكيّة 2 : 459 حيث قال ما نصّه : (فسبحان مَن أظهر الأشياء وهو عينها ، فما نظرت عيني إلى غير وجهه وما سمعت اُذني خلاف كلامه ، فكلّ وجود كان فيه وجوده وكلّ شخيص لم يزل في منامه) . (3) شرح العروة الوثقى 3 : 59 ، 4 : 211 .
ــ[44]ــ
مفصّلا .
|