الأوّل والثاني : الشيخ والشيخة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 12:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4822


ــ[33]ــ

 
فصل

[ في موارد جواز الإفطار ]
 

    وردت الرخصة في إفطار شهر رمضان لأشخاص ، بل قد يجب ((1)) :

   الأوّل والثاني : الشيخ والشيخة إذا تعذّر عليهما الصوم ، أو كان حرجاً ومشقّة ، فيجوز لهما الإفطار (1) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) لا إشكال كما لا خلاف في سقوط الصوم عمّن كان حرجاً ومشقّة عليه وكلفة لا تتحمّل عادةً وإن كان قادراً عليه كالشيخ والشيخة .

   ويدلّ عليه ـ بعد عموم دليل نفي الحرج ـ الكتاب العزيز المعتضد بالروايات الخاصّة الواردة في المقام الناطقة بأنّ وظيفته الفداء .

   قال تعالى: (يَا أ يُّهَا ا لَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ا لَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَعْدُودَات فَمَن كَانَ مِنكُم مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّام أُخَرَ وَعَلَى ا لَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِين فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)(2).

 

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل يجب مطلقاً .

(2) البقرة 2 : 183 ـ 184 .

ــ[34]ــ

   تضمّنت الآية المباركة تقسيم المكلّفين إلى أقسام ثلاثة :

   فمنهم من يتعيّن عليهم الصيام أداءً ، وهم الأفراد العاديّون من الحاضرين الأصحّاء ، حيث إنّ التعبير بـ (كُتِبَ ) وكذا التعبير بـ (فَلْيَصُمْهُ ) في ذيل الآية اللاحقة ظاهرٌ في الوجوب التعييني .

   ومنهم من يتعيّن عليه القضاء ، وهو المريض والمسافر .

   ومنهم من لا يجب عليه الصوم رأساً لا أداءً ولا قضاءً ، بل يتعيّن في حقّه الفداء ، وهم الذين يقعون من أجل الصوم في الإطاقة ـ أي في كلفة ومشقّة ـ كالشيخ والشيخة .

   فالصيام إنّما هو وظيفة القسمين الأولين فحسب دون الثالث ، وظاهر الآية الكريمة أنّ الوجوب في كلّ من الأقسام الثلاثة تعييني حسبما عرفت .

   ثمّ أشار بقوله سبحانه : (فَمَن تَطَوَّعَ) إلى أنّ ما ذكر من الأقسام الثلاثة إنّما هو حكم الصوم الواجب وأمّا التطوّع فهو خيرٌ للمتطوّع .

   ثمّ أكّد سبحانه ما بيّنه من الصوم في القسمين الأولين يقوله تعالى : (وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) أي أنّ خيره ونفعه عائد إليكم لا إليه سبحانه الذي هو غني على الإطلاق .

   هذا ، وقد يتوهّم بل ذهب بعضهم إلى أنّ الآية المتقدّمة ـ أعني : قوله تعالى : (وَعَلَى ا لَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) إلخ ، منسوخة بقوله سبحانه بعد ذلك : (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) باعتبار أنّ الإطاقة بمعنى القدرة ، فكأنّ المتمكّن من الصيام كان مخيّراً في صدر الإسلام بينه وبين الفداء .

   ولكن الظاهر ـ كما أشرنا آنفاً ـ أنّ الآية المباركة تشير إلى قسم آخر من المكلّفين ، وأنّ المجعول في حقّهم من أوّل الأمر لم يكن إلاّ الفداء ، فإنّ الإطاقة

ــ[35]ــ

غير الطاقة، ومعناها: المكنة مع المشقّة ، أي إعمال الجهد وكمال القدرة والقوّة وغاية مرتبة التمكّن، بحيث تتعقّب بالعجز، وهو المعبّر عنه بالحرج والمشقّة، على ما فسّرها به في لسان العرب(1) وغيره.

   وعليه ، فالآية الشريفة غير منسوخة بوجه ، بل تشير إلى الأقسام الثلاثة حسبما عرفت ، وأنّ في كلّ قسم حكم تعييني يخصّه ، وأنّ في القسم الثالث ـ  وهو من يتمكّن من الصيام مع الحرج الشديد والمشقّة العظيمة المتضمّنة لإعمال غاية الجهد والطاقة  ـ لا أمر بالصوم أصلا ، بل يتعيّن الفداء .

   ولأجل ذلك ذكر في الجواهر(2) ـ ناسباً له إلى أصحابنا وعلمائنا ـ تعيّن الفدية في القسم الأخير ، وأ نّه لو صام لم يصحّ ، لعدم الأمر حسبما اقتضاه ظاهر الكتاب ـ كما عرفت ـ والروايات على ما سيجيء .

   ولكن صاحب الحدائق (قدس سره) ذهب إلى صحّة الصوم أيضاً وعدم تعيّن الفداء ، وأنّ الحكم ترخيصي لا إلزامي ، بل ذكر (قدس سره) أنّ الصوم أفضل ، مستشهداً له بقوله سبحانه : (وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) فجعله متمّماً لقوله تعالى : (وَعَلَى ا لَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) إلخ ، ومرتبطاً به . ونقل عن مجمع البيان قوله : (وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) يعني : من الإفطار والفدية(3) .

   ولا يبعد استظهار ذلك من عبارة الماتن (قدس سره) أيضاً ، حيث عبّر بعد قوله : وردت الرخصة ... إلخ ، بقوله : بل قد يجب ، فكأنّ الإفطار لم يكن واجباً مطلقاً وإنّما هو حكم ترخيصي ربّما يصير واجباً كما لو استلزم الصوم ضرراً محرّماً ، ويشهد له ذيل عبارته أيضاً ، حيث قال : فيجوز لهما الإفطار .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ لسان العرب 10 : 232 ـ 233 .

(2) الجواهر : 17 : 144 .

(3) الحدائق 13 : 421 .

ــ[36]ــ

   وكيفما كان ، فهذا القول الذي صرّح به في الحدائق من التخيير بين الصيام والفداء لا يمكن المصير إليه بوجه ، لكونه على خلاف ظاهر الآية الكريمة جزماً ، فإنّ في العدول من الخطاب في قوله تعالى : (يَا أ يُّهَا ا لَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) إلخ ، إلى الغيبة في قوله سبحانه : (وَعَلَى ا لَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) إلخ ، دلالة واضحة على أنّ المراد من المعدول إليه طائفة اُخرى غير المخاطَبين بالصيام المنقسـمين إلى صحيح حاضر ومريض أو مسافر ، وأنّ الصوم وظيفة لغير هؤلاء حسبما تقدّم .

   وعليه ، فالعود ثانياً إلى الخطاب في قوله تعالى : (وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ)كاشفٌ عن رجوع هذه الفقرة إلى من خوطب أوّلا وكونه من متمّمات الخطاب السابق لا من متمّمات الغيبة المعدول إليها ، وإلاّ لكان مقتضى السياق التعبير بلسان الغيبة أيضاً بأن يقال هكذا : وأن يصوموا خير لهم ، بدل قوله سبحانه : (وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) .

   وكأنّه سبحانه وتعالى أشار بذلك إلى أنّ التكليف بالصيام ـ أداءً أو قضاءً ـ يعود نفعه وفائدته إليكم لا إليه سبحانه الذي هو غني عن عباده . فهو إذن خيرٌ لكم كما ورد نظيره في آية التيمّم ، قال تعالى : (وَلكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ)(1) إيعازاً إلى أنّ الغاية من التيمّم تطهير النفوس وتزكية القلوب من غير رجوع أىّ نفع من أعمال العباد وطاعاتهم إليه سبحانه .

   وعلى الجملة : فهذه الفقرة تأكيد للخطاب السابق ومن ملحقاته ، ولا علاقة ولا ارتباط لها بالجملة الغيابيّة المتخلّلة ما بين الخطابين لتدلّ على الترخيص وجواز الصيام فضلا عن أفضليّته .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 6 .

ــ[37]ــ

   إذن فالتكليف بالفداء في قوله تعالى : (وَعَلَى ا لَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) الظاهر في الوجوب التعييني لا معدل عنه ولا محيص من الأخذ به بعد عدم اقترانه بما يوجب رفع اليد عنه وسلامته عن المعارض ، فلا يصحّ الصوم من هؤلاء بتاتاً ، لأنّ الموظّف به أداءً أو قضاءً غيرهم حسبما عرفت .

   كما أنّ الروايات الواردة في المقام ظاهرة في أنّ الصدقة واجب تعييني تخييري، التي منها صحيحة عبدالله بن سنان ، قال : سألته عن رجل كبير ضعف عن صوم شهر رمضان «قال : يتصدّق كلّ يوم بما يجزئ من طعام مسكين»(1) .

   وصحيحة محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «الشيخ الكبير والذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان ، ويتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّ من طعام ، ولا قضاء عليهما»(2) ونحوهما غيرهما ممّا تضمّن الأمر بالتصدّق ، بل لم يرد الأمر بالصيام في شيء من الروايات حتّى الضعيفة منها .

   هذا ، ومن جملة الروايات الواردة في المقام ما رواه المشايخ الثلاثة بإسنادهم عن عبدالملك بن عتبة الهاشمي ، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة التي تضعف عن الصوم في شهر رمضان «قال : تصدّق في كلّ يوم بمدّ حنطة»(3) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 211 /  أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 5 .

(2) الوسائل 10 : 209 /  أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 1 .

(3) الوسائل 10 : 211 /  أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 4 ، الكافي 4 : 116 /  2 ، الفقيه 2 : 85 /  379 ، التهذيب 4 : 238 /  696 ، الاستبصار 2 : 103 /  337 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net