ثمّ إنّ المرأة لو ارتدّت عن فطرة فضلا عمّا إذا كان ارتدادها عن ملّة لا تقتل بلا خلاف بين الفقهاء ، بل تستتاب ، وتضرب لأجل الصلاة في أوقاتها ، وتلبس خشن الثياب ويضيّق عليها ، وتستخدم ، وتحبس حتّى تتوب . وقد دلّت على ذلك روايات صحيحة .
منها : صحيحة حريز ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « لا يخلّد في السجن إلاّ ثلاثة : الذي يمسك على الموت ، والمرأة ترتدّ عن الإسلام ، والسارق بعد ــــــــــــــــــــــــــــ (1) [ بمعنى وروده في أسانيده ، راجع تفسير القمّي 1 : 339 ] . (2) راجع المستدرك 22 (الخاتمة 4) : 196 ، ولاحظ الكافئة في إبطال توبة الخاطئة (مصنّفات الشيخ المفيد 6) : 31 / 33 وغيره . (3) على أنّ في السند أيضاً محمد بن سالم ، وليس ممّن اسمه محمد بن سالم ثقة إلاّ محمد بن سالم بن عبدالحميد . والجزم بانطباق محمد بن سالم عليه يحتاج إلى قرينة ، وهي مفقودة .
ــ[56]ــ
قطع اليد والرجل »(1).
ومنها : صحيحة حمّاد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) « في المرتدّة عن الإسلام ، قال : لا تقتل ، وتستخدم خدمة شديدة ، وتمنع الطعام والشراب إلاّ ما يمسك نفسها ، وتلبس خشن الثياب ، وتضرب على الصلوات »(2) وغيرهما .
إلاّ أنّ بازاء ذلك صحيحة لمحمد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : « قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في وليدة كانت نصرانية ، فأسلمت وولدت لسيّدها ، ثمّ إنّ سيّدها مات ، وأوصى بها عتاقة السرية على عهد عمر ، فنكحت نصرانياً ديرانياً وتنصّرت ، فولدت منه ولدين ، وحبلت بثالث ، فقضى فيها أن يعرض عليها الإسلام ، فعرض عليها الإسلام ، فأبت ، فقال : ما ولدت من ولد نصرانياً فهم عبيد لأخيهم الذي ولدت لسيّدها الأول ، وأنا أحبسها حتّى تضع ولدها ، فإذا ولدت قتلتها »(3).
وهي شاذّة ، لا عامل بها ، بل لا يمكن العمل بها ، إذ لا وجه لكون من ولدت من ولد نصرانياً عبيداً للولد الأول ، إذ ليس هو بوارث للاُمّ . والمرتدّ الملّي وإن كان رجلا لا يقتل ، فكيف بما إذا كان امرأة . فلا وجه لقتلها أيضاً .
ووجّهها الشيخ بتوجيه بعيد جدّاً(4)، لا موجب له ، بل لابدّ من ردّ علمها إلى ــــــــــــــــــــــــــــ (1) الوسائل 28 : 331 / أبواب حدّ المرتدّ ب4 ح3 . (2) الوسائل 28 : 330 / أبواب حدّ المرتدّ ب4 ح1 . (3) الوسائل 28 : 331 / أبواب حدّ المرتدّ ب4 ح5 . (4) قال الشيخ في التهذيب 10 : 143 / ذيل ح567 : قال محمد بن الحسن : هذا الحكم مقصور على القضيّة التي فصّلها أمير المؤمنين (عليه السلام) ولا يتعدّى إلى غيرها ، لأنّه لا يمتنع أن يكون هو رأى قتلها صلاحاً ، لارتدادها وتزويجها ، ولعلّها كانت تزوّجت بمسلم ثمّ ارتدّت وتزوّجت فاستحقّت القتل لذلك ، ولامتناعها من الرجوع إلى الإسلام ... .
ــ[57]ــ
أهله .
ثمّ إنّ المرتدّة تبين من زوجها بارتدادها ، إذ لا يمكن أن تكون زوجة المسلم كافرة ، لقوله تعالى : (وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ)(1) نعم ثبت بدليل خارجي جواز تزويج المسلم بالكتابية متعة بلا إشكال ، ودواماً على القول الصحيح . كما دلّ الدليل أيضاً على أنّ الزوج والزوجة إذا كانا كتابيين فأسلم الزوج بقيت زوجته على زوجيّتها له . وأمّا في غير ذلك فيحكم ببطلان الزواج ، لما ذكرنا .
ثمّ إنّه لابدّ من العدّة ، لما دلّ على وجوبها عند التقاء الختانين(2) وهي منصرفة إلى عدّة الطلاق ، كما في الوطء شبهة وغيره . وأمّا عدّة الوفاة ـ كما كانت فيما إذا ارتدّ الزوج عن فطرة ـ فتحتاج إلى قرينة .
كما لا تنتقل أموالها إلى ورثتها بمجرّد الارتداد ، وإن كان عن فطرة ، بل لابدّ في الإرث هنا من الموت الحقيقي .
ثمّ إنّ الارتداد ـ وهو إظهار الكفر بعد الإسلام ـ لابدّ وأن يكون عن قصد فلا يتحقّق بسبق اللسان ونحوه ممّا لا قصد معه . ــــــــــــــــــــــــــــ (1) الممتحنة 60 : 10 . (2) كما في صحيحة ابن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « سأله أبي وأنا حاضر ، عن رجل تزوّج امرأة فاُدخلت عليه فلم يمسّها ، ولم يصل إليها حتّى طلّقها ، هل عليها عدّة منه ؟ فقال : إنّما العدّة من الماء ، قيل له : فإن كان واقعها في الفرج ولم ينزل ؟ فقال : إذا أدخله وجب الغسل والمهر والعدّة » الوسائل 21 : 319 / أبواب المهور ب54 ح1 . وكذا صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) « في رجل دخل بامرأة ، قال : إذا التقى الختانان وجب المهر والعدّة » المصدر المتقدّم ح3 . وكذا صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبدالله (عليه السلام) : « إذا التقى الختانان وجب المهر والعدّة والغسل » المصدر المتقدّم ح4 .
ــ[58]ــ
كما يعتبر في الارتداد العقل ، فلا يؤخذ المجنون بشيء من أفعاله وأقواله ، لرفع القلم .
وكذا يعتبر البلوغ ، فلو أظهر الصبي الكفر لا يحكم بكفره ، لرفع القلم ، بل تجري عليه أحكام الإسلام إلى أن يبلغ .
وكذا يعتبر الاختيار ، فلا عبرة بكفر المكره ، لقوله تعالى : (إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاِْيمَانِ)(1).
وأمّا لو أظهر الكفر وادّعى الإكراه فهل تسمع دعواه ، أم لا ؟ نسب إلى المشهور سقوط القتل بذلك ، لدرء الحدود بالشبهات .
أقول : مستند درء الحدود بالشبهات مرسلة رواها الصدوق(2)، ولم تثبت بطريق معتبر . وعلى فرض اعتبارها فليس المراد بالشبهة الاحتمال الواقعي لوجوده في أكثر موارد الحدود من الزنا والسرقة وشرب الخمر والقذف وغيرها فإنّ احتمال كونه معذوراً واقعاً لا شكّ في وجوده . بل المراد بالشبهة الشبهة ظاهراً وواقعاً ، ففي مثل ذلك لا يحكم بالحدّ .
إذن فيحمل إظهار الكفر في المقام على الاختياري ، لأنّ الإكراه أمر حادث والأصل عدمه ، ولا شبهة في المقام .
|