حكم بعض البلدان التي لا يكون فيها يوم وليلة على النحو المتعارف 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 12:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6123


ــ[139]ــ

   [ 2521 ] مسألة 10 : إذا فُرض كون المكلّف في المكان الذي نهاره ستّة أشهر وليله ستّة أشهر (1) ، أو نهاره ثلاثة وليله ستّة ، أو نحو ذلك ، فلا يبعد كون المدار في صومه وصلاته على البلدان المتعارفة ((1)) المتوسّطة مخيّراً بين أفراد المتوسّط .

   وأمّا احتمال سقوط تكليفهما عنه فبعيد ، كاحتمال سقوط الصوم وكون الواجب صلاة يوم واحد وليلة واحدة .

   ويحتمل كون المدار بلده الذي كان متوطّناً فيه سابقاً إن كان له بلد سابق.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) تعرّض (قدس سره) لحكم بعض البلدان التي لا يكون فيها يوم وليلة على النحو المتعارف . والظاهر أ نّه لا يوجد بلد مسكون تكون السنة فيه كلّها يوماً واحداً وليلة واحدة ، إلاّ أنّ المكان موجود كما في قطبي الشمال والجنوب ، فإنّ الشمس على ما ذكره علماء الهيئة تميل من نقطة الشرق إلى الشمال إلى ما يعادل ثلاثة وعشرين درجة خلال ثلاثة أشهر وترجع في ثلاثه أشهر أيضاً ، ويعبّر عن هذه النقطة لدى شروعها في الميل نحو الشمال بالاعتدال الربيعي ، ثمّ تبدأ في الميل إلى الجنوب ثلاثة أشهر رواحاً ، وثلاثة أشهر اُخرى رجوعاً ، ويعّبر عن تلك النقطة حينئذ بالاعتدال الخريفي ، فهي في ستّة أشهر تكون في طرف الشمال رواحاً ومجيئاً ، وستّة أشهر في طرف الجنوب كذلك في مدار ثلاثة وعشرين درجة من الجانبين كما عرفت .

   والدائرة المفروضة التي تمرّ بهاتين النقطتين الواقعة فيما بين الاعتدالين الربيعي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ما ذكره مشكل جدّاً ، ولا يبعد وجوب الهجرة إلى بلاد يتمكّن فيها من الصلاة والصيام.

ــ[140]ــ

والخريفي تسمّى دائرة المعدل، فيكون سير الشمس ـ أو بالأحرى سير الأرض ـ ستّة أشهر في النصف الشمالي من هذه الدائرة ، وستّة أشهر في النصف الجنوبي منها ، ويتكوّن من هذا الاختلاف الفصول الأربعة ، كما يتفرّع عليه نقصان الليل والنهار ، ويتساويان في نقطتي الاعتدال الربيعي والخريفي غير المتحقّق في طول السنة إلاّ مرّتين أوّل الربيع وأوّل الخريف .

   هذا كلّه في البلاد التي تكون مائلة إلى طرفي الشمال أو الجنوب ، أي لا تكون واقعة على القطب .

   وأمّا ما كان واقعاً على نفس القطب أو ما يقرب منه فبطبيعة الحال تكون هذه الدائرة ـ أي دائرة المعدل ـ اُفقاً له ، وتسير الشمس فوق دائر الاُفق ستّة أشهر وتكون حركتها رحويّة ، أي تدور حول الاُفق مثل الرحى ، فيتصاعد عن الاُفق لدى سيرها الدوري ثلاثة أشهر ، وبعد ذلك تأخذ في الهبوط وتقرب من الاُفق خلال ثلاثة أشهر إلى أن تغيب في الاُفق ، فتبقى تحت الأرض ستّة أشهر على النهج الذي عرفت .

   ونتيجة ذلك : أنّ من يقف على أحد القطبين أو حواليهما يرى الشمس ستّة أشهر وهو النهار، ولا يراها ستّة أشهر وهو الليل، فمجموع السنة تنقسم بالإضافة إليه إلى يوم واحد وليلة واحدة ، وبطبيعة الحال يكون ما بين الطلوعين بالنسبة إليه قريباً من عشرين يوماً من أيّامنا ، لأنّه ثُمن اليوم تقريباً .

   والكلام في وظيفة مثل هذا الشخص :

   ذكر (قدس سره) في المتن لذلك وجوهاً واحتمالات :

   أحدها ـ وهو الذي اختاره (قدس سره) ـ  : أن يكون المدار في صومه وصلاته على البلدان المتعارفة المتوسّطة ، مخيّراً بين أفراد المتوسّط، فيصوم عند طلوع الفجر عندهم ، ويفطر عند غروبهم، فيصوم بصومهم ويصلّى بصلاتهم .

 
 

ــ[141]ــ

   الثاني: سقوط التكليف عنه رأساً، لكون التكاليف متوجّهة بحكم الانصراف إلى الساكنين في البلدان المتعارفة .

   الثالث : سقوط الصوم خاصّة ، لانعدام الموضوع ـ أعني : شهر رمضان ـ فإنّه إنّما يتحقّق فيما إذا كانت السنة اثني عشر شهراً لا في مثل هذا المكان الذي كلّها فيه يوم واحد .

   وأمّا بالنسبة إلى الصلاة فيصلّى في مجموع السنة مرّة واحدة ، فيصلّى الفجر ما بين الطلوعين الذي عرفت أ نّه يقرب من عشرين يوماً ، والظهرين في النهار بعد الزوال ، والعشاءين في الليل .

   واحتمل رابعاً : أن يكون تابعاً للبلد الذي كان متوطّناً فيه سابقاً إن كان له بلد سابق .

   هذا ، وقد يقال : إنّه لا يتصوّر الدلوك في حقّ هذا الشخص أبداً ، فلا يمكن تكليفه بصلاتي الظهرين المقيّدتين بهذا الوقت ، فإنّه عبارة عن زوال الشمس عن دائرة نصف النهار وميلها بعد نهاية الارتفاع إلى جهة المغرب . وهذا إنّما يتحقّق في حقّ من يفرض له مثل هذه الدائرة ، وأمّا من كانت هذه الدائرة اُفقاً له وكانت حركة الشمس رحويّة بالإضافة إليه حسبما عرفت فلا يتصوّر الدلوك والزوال بالنسبة إليه بوجه ، بل يقتصر في صلاته على الفجر والعشاءين .

   ويمكن الجواب أوّلا : بأنّ المراد من الدلوك : وسط النهار ، كما صرّح به في صحيحة حمّاد الواردة في تفسير الصلاة الوسطى من أنّ المراد بها صلاة الظهر التي هي في وسط النهار ، أو باعتبار توسّطها بين الفجر والعصر(1) . ولا شك في تحقّق الدلوك بهذا المعنى بالإضافة إليه ، ضرورة انّا لو قسّمنا نهاره إلى قسمين

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 10 /  أبواب أعداد الفرائض ب 2 ح 1 .

ــ[142]ــ

فبعد مضىّ النصف الأوّل وهو ثلاثة أشهر يتحقّق وسط النهار بطبيعة الحال ، ويفرض معه الزوال المأخوذ موضوعاً لوجوب الظهرين .

   وثانياً : بالالتزام بتحقّق الدلوك في المـقام أيضاً حتّى بمعناه المعهود ، إذ لا يعتبر فيه زوال الشمس عن قمّة الرأس وميلها عن كبد السماء ، لعدم نهوض أىّ دليل عليه من رواية أو غيرها ، بل معنى الدلوك : أخذ الشمس في الهبوط والاقتراب من الاُفق بعد نهاية الارتفاع والابتعاد عنه .

   وهذا ـ كما ترى ـ معنى عام يجتمع مع الحركة الرحويّة كغيرها ، إذ فيها أيضاً تقترب من الاُفق بعد انتهاء البعد كالنزول من الجبل بعد الصعود عليه ، وإن لم يكن زواله عن قمّة الرأس كما هو موجود عندنا .

   وكيفما كان ، فلا تمكن المساعدة على شيء من الوجوه الأربعة التي احتملها في المتن ، لخروجها بأجمعها عن مقتضى الصناعة .

   أمّا التبعيّة للبلدان المتعارفة المتوسطة فلا مقتضي لها بعد التصريح في جملة من الروايات بقوله (عليه السلام) : «إنّما عليك مشرقك ومغربك»(1) فلا عبرة بمشرق بلد آخر ولا بمغربه ، كما لا اعتبار بفجره ولا بزواله .

   ومنه يظهر ضعف التبعيّة للبلد الذي كان يسكن فيه ، إذ لا عبرة به بعد الانتقال إلى بلد آخر له مشرق ومغرب آخر ، ولا سيّما وقد تبدّل ـ  طبعاً  ـ تكليفه في الطريق بمشرق ومغرب آخر ، فما هو الموجب بعدئذ للرجوع إلى مشرق بلده ومغربه ؟!

   وأمّا احتمال سـقوط الصوم وحده أو هو مع الصلوات فهو أيضاً مناف لإطلاقات الأدلّة من الكتاب والسنّة الناطقة بوجوب الصلاة وكذلك الصيام

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 198 /  أبواب المواقيت ب 20 ح 2 .

ــ[143]ــ

لكافّة الأنام عدا ما استثني من المسافر والمريض ونحوهما غير المنطبق على المقام ، قال سبحانه وتعالى : (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُـْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً)(1) ، وقال سبحانه : (ا لَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ)(2) ، وقال تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) إلخ(3) ، وقال تعالى : (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)(4) .

   والنصوص المتواترة قد اطبقت على وجوبهما على سبيل الإطلاق وعلى كلّ مكلّف ، كحديث بناء الإسلام على الخمس(5) ، وأنّ الصلاة بمنزلة الروح ، وأنّ من صلّى خمساً كمن غسل بدنه في كلّ يوم خمساً لا يبقى فيه شيء من القذارات .

   والحاصل : أنّ وجوبهما على كلّ أحد في كلّ وقت بحيث لا يسعه التفويت والتضييع بوجه من الوجوه أمرٌ مقطوع به لا تكاد تختلجه شائبة الإشكال .

   ومن البيّن أنّ المكث والبقاء في أحد القطبين الخاليين عن ليل ونهار متعارف من أحد موجبات التضييع والتفويت ، إذ لا تتيسّر معه الصلاة والصيام على النهج المقرّر شرعاً بعد عدم الدليل على التبعيّة لسائر البلدان المتعارفة حسبما عرفت .

   ومنه تعرف أنّ مقتضى الصـناعة حرمة البقاء في تلك المواطن ووجوب الهجرة إلى المناطق المتعارفة مقدّمةً للإتيان بتلك الواجبات وعدم الإخلال بها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النساء 4 : 103 .

(2) المائدة 5 : 55 ، الأنفال 8 : 3 ، النمل 27 : 3 ، لقمان 31 : 4 .

(3) البقرة 2 : 183 .

(4) البقرة 2 : 185 .

(5) الوسائل 1 : 23 /  أبواب مقدّمات العبادة ب 1 ح 24 .

ــ[144]ــ

   ونظير ذلك ركوب طائرة تعادل سرعتها سرعة حركة الأرض ـ أي تسير حولها في أربع وعشرين ساعة ـ وكانت متّجهة من الشرق إلى الغرب ، فإنّ مثل هذا المسافر لا يزال في حالة واحدة لا يرى طلوعاً للشمس ولا غروباً لها، فلو كان الإقلاع بعد ساعة من طلوع الشمس واستمرّ السير شهراً ـ  مثلا  ـ فالوقت عنده دائماً هو ساعة بعد طلوع الشمس لا يشاهد زوالا ولا غروباً ولا فجراً ، فلا جرم تفوته الصلوات في أوقاتها كما لا يتمكّن من أداء الصوم .

   ومن ثمّ يحرم عليه مثل هذا السفر المستلزم لتفويت الفريضة وعدم التمكّن من أدائها .

   ونظيره أيضاً السفر إلى كرة القمر التي يكون كلّ من نهارها وليلها خمسة عشر يوماً ويكون مجمـوع الشهر فيها يوماً وليلة ، فلا يتيسّـر الصوم ولا الصلوات الخمس في أوقاتها .

   وعلى الجملة : بعد ما علمنا من الخارج أنّ الصلاة والصيام من أركان الدين ولا يسوغ تركهما في أىّ وقت وحين ، والتبعيّة لاُفق آخر ليس عليها برهان مبين ، إذن لم يكن بدّ لهؤلاء الأشخاص من الامتناع عن السفر إلى هذه المناطق والهجرة عنها لو كانوا فيها ، إذ لا يجوز لهم تفويت الفريضة اختياراً .

   ولو فرض الاضطرار إلى السكنى في مثل هذه البلاد فالظاهر سقوط التكليف بالأداء والانتقال إلى القضـاء ، لعدم الدليل على التبعيّة لبلده ولا للبلدان المتعارفة كما تقدّم ، فإنّه كيف يصلّى المغرب والشمس بعدُ موجودة ، أو الظهرين وهي تحت الاُفق وقد دخل الليل ؟!

   وأمّا احتمال الاكتفاء بصلاة يوم واحد وليلة واحدة في مجموع السنة فهو سـاقط جدّاً ، لخروج مثل هذا اليـوم عن موضوع الأدلّة المتكفّلة لوجـوب

ــ[145]ــ

الصلوات الخمس في كلّ يوم وليلة ، فإنّ المنسبق منها هو اليوم الذي يكون جزءاً من السنة ، والذي قد يكون نهاره أطول من ليله ، وقد يكون أقصر ، وقد يتساويان ، وربّما يكون التساوي في تمام السنة كما في المدن الواقعة على خطّ الاستواء .

   وأمّا اليوم الذي يستوعب السنة فاللفظ منصرف عنه جزماً ، بل لا يكاد يُطلَق عليه اليوم عرفاً ، فهو غير مشمول لموضوع الأدلّة .

   فالصحيح ما عرفت من عدم جواز السكنى في هذه البلاد اختياراً ، ومع الاضطرار يسقط الأداء وينتقل الأمر إلى القضاء وإن كان الاحتياط بالجمع بينه وبين الإتيان بالصلوات الخمس في كلّ أربع وعشرين ساعة ممّا لا ينبغي تركه .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net