المانع الثاني من موانع الإرث القتل
لا شكّ ولا ريب ولا خلاف في أنّ القتل في الجملة مانع من الإرث ، إلاّ أنّ ــــــــــــــــــــــــــــ (1) النحل 16 : 106 . (2) الوسائل 28 : 47 / أبواب مقدّمات الحدود ب24 ح4 ، الفقيه 4 : 53 / 190 .
ــ[59]ــ
الكلام في بعض خصوصياته ، فإنّ القتل تارةً يكون عن عمد ، واُخرى عن خطأ . وما كان عن عمد قد يكون عن عمد وظلم وتعدٍّ ، وقد يكون عن عمد وحقّ . وما كان عن خطأ قد يكون خطأ محضاً ، وقد يكون خطأً شبيهاً بالعمد . فهنا أقسام أربعة .
أقول : 1 ـ أمّا القتل العمدي عن ظلم وعدوان وتعد فلا شكّ أنّه مانع من الإرث ، لقوله (صلّى الله عليه وآله) في صحيحة هشام بن سالم : « لا ميراث للقاتل »(1) وللتصريح بذلك في جملة من الروايات :
منها : صحيحة أبي عبيدة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) « في رجل قتل اُمّه قال : لا يرثها ، ويقتل بها صاغراً ، ولا أظنّ قتله بها كفّارة لذنبه »(2) وموردها القتل ظلماً وعدواناً .
ومنها : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : « إذا قتل الرجل أباه قتل به ، وإن قتله أبوه لم يقتل به ، ولم يرثه »(3) وموردها أيضاً القتل ظلماً .
2 ـ وأمّا لو كان القتل العمدي لا عن ظلم وتعد ، بل قتل بحق ، كما لو كان لأجل الدفاع عن النفس أو العرض أو المال المحترم ، فالمشهور والمعروف ، بل المتسالم عليه اختصاص الحكم بعدم الإرث بالقتل العمدي الذي يكون عن ظلم وتعد ، وأمّا لو كان عن حق ـ سيما إذا كان واجباً ـ فيرث .
وهو الصحيح ، لأنّ المقابلة في الروايات بين العمد والخطأ ظاهرة في الفرق ــــــــــــــــــــــــــــ (1) الوسائل 26 : 30 / أبواب موانع الإرث ب7 ح1 . (2) الوسائل 26 : 30 / أبواب موانع الإرث ب7 ح2 . (3) الوسائل 26 : 30 / أبواب موانع الإرث ب7 ح4 .
ــ[60]ــ
بين المعذور وغير المعذور . فإن كان معذوراً ورث ، وإلاّ فلا يرث .
فإن كان الحكم بالإرث ثابتاً في القتل الخطائي ـ كما سيأتي ـ مع وجود المبغضوية الواقعية إلاّ أنّ الحكم غير منجّز في حقّه ومرفوع للخطأ ، فلا يمكن أن يكون الحكم بالإرث غير ثابت فيما إذا لم تكن المبغوضية الواقعية ثابتة ، وكان القتل مأذوناً فيه ، بل ربما كان واجباً . على أنّ مناسبة الحكم والموضوع بحسب الفهم العرفي أيضاً تقتضي ذلك ، فإنّ منع القاتل وحرمانه من الإرث أخذاً له بضدّ غرضه ـ الذي هو تعجيل الإرث من مورّثه ـ ردعاً له عن ارتكاب هذه الجريمة ، غيرُ موجود في المقام .
مع أنّ صحيحة أبي عبيدة وصحيحة الحلبي المتقدّمتين موردهما القتل ظلماً ولو لم يكن وجه لذلك لما كان للتقييد به وجه ، بل كان الحكم ثابتاً لمطلق القتل .
ويؤيّد(1) عدم المنع من الإرث في المقام ما رواه الشيخ والصدوق عن سليمان ابن داود المنقري ، عن حفص بن غياث ، قال : « سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن طائفتين من المؤمنين ، إحداهما باغية والاُخرى عادلة ، اقتتلوا فقتل رجل من أهل العراق أباه ، أو ابنه ، أو أخاه ، أو حميمه ، وهو من أهل البغي ، وهو وارثه ، أيرثه ؟ قال : نعم ، لأنّه قتله بحقّ »( ) وقد علّلت الإرث بأنّ القتل بحقّ .
3 ـ وأمّا لو كان القتل خطأ محضاً فالمعروف والمشهور ـ إلاّ القليل ، منهم ــــــــــــــــــــــــــــ (1) وجه جعله مؤيّداً ضعف طريق الشيخ [ في الفهرست : 77 / 326 ] والصدوق [ في الفقيه 4 (المشيخة) : 65 ] إلى سليمان بن داود المنقري ، وإلاّ فكل من سليمان بن داود وحفص بن غياث ثقة ، وإن كان الثاني عامّياً ، إلاّ أنّه ثقة ، وعملت الطائفة برواياته . (2) الوسائل 26 : 41 / أبواب موانع الإرث ب13 ح1 ، التهذيب 9 : 381 / 1364 ، الفقيه 4 : 233 / 748 .
ــ[61]ــ
الكليني(1) ـ أنّه غير مانع عن الإرث ، وقد دلّت على ذلك عدّة روايات :
منها : صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) : « أنّ أمير المؤمنين قال : إذا قتل الرجل اُمّه خطأً ورثها ، وإن قتلها عمداً لم يرثها »(2).
ومنها : صحيحة عبدالله بن سنان ، قال : « سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل قتل اُمّه ، أيرثها ؟ قال : إن كان خطأً ورثها ، وإن كان عمداً لم يرثها »(3).
وفي قبال ذلك روايتان دلّتا على أنّ القاتل خطأً لا يرث(4) إلاّ أنّهما لضعفهما(5) لا يعتمد عليهما . ــــــــــــــــــــــــــــ (1) والفضل والعماني كما حكاه عنهم في الجواهر 39 : 37 . (2) الوسائل 26 : 33 / أبواب موانع الإرث ب9 ح1 ، الفقيه 4 : 232 / 742 [لم يذكر في الفقيه جملة « إنّ أمير المؤمنين قال » ] . (3) الوسائل 26 : 34 / أبواب موانع الإرث ب9 ح2 . (4) الرواية الاُولى : رواية العلاء بن الفضيل ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث ـ قال : « ولا يرث الرجلُ الرجلَ إذا قتله وإن كان خطأ » الوسائل 26: 35 / أبواب موانع الإرث ب9 ح4 . الرواية الثانية : مرسلة الجعفريات عن علي (عليه السلام) قال : « من قتل حميماً له عمداً أو خطأً لم يرثه » مستدرك الوسائل 17 : 146 / أبواب موانع الإرث ب6 ح3 ، الجعفريات 200 / 379 . (5) أمّا الرواية الاُولى فضعيفة بمحمّد بن سنان ، الذي لم تثبت وثاقته ، لمعارضة توثيق الشيخ المفيد [ في الإرشاد 2 (مصنّفات الشيخ المفيد 11) : 248 ] وعلي بن إبراهيم [ لوروده في أسانيد تفسيره 1 : 221 ] بتضعيف الشيخ [ في رجاله : 364 / 5394 ] والنجاشي [ في رجاله : 328 / 888 ] والمفيد نفسه [ في جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية المعروفة بالرسالة العددية (ضمن مصنّفات الشيخ المفيد 9) : 20 ] وعدّ الفضل بن شاذان [ كما رواه عنه الكشي في رجاله : 507 / 979 ] إيّاه من الكذّابين . وأمّا الرواية الثانية فلا أقل من ضعفها بالإرسال .
ــ[62]ــ
فيرث القاتل خطأ ، وبما دلّ على إرثه يقيّد قوله (صلّى الله عليه وآله) في صحيحة هشام المتقدّمة(1): « لا ميراث للقاتل » على فرض عدم ظهوره في العمد فيختص بالقاتل عمداً .
4 ـ ثمّ إنّ هنا قسماً رابعاً ، وهو الخطأ الشبيه بالعمد ، فهل هو مانع من الإرث أم لا ؟ ولأجل بيان الخطأ الشبيه بالعمد لابدّ من توضيح أقسام الخطأ والعمد فنقول :
إنّ الفعل المترتّب عليه القتل الواقع على المقتول ، قد لا يكون ذات الفعل مقصوداً أصلا ، ولم يكن ممّا يترتّب عليه القتل عادةً ، ولكن تحقّق في الخارج اتّفاقاً وقد يكون ذات الفعل مقصوداً . وعلى الثاني إمّا أن لا يكون القتل مقصوداً ولم يكن الفعل ممّا يترتّب عليه القتل عادةً ، أو يكون القتل أيضاً مقصوداً أو كان الفعل ممّا يوجب القتل عادةً .
|