فهنا أقسام ثلاثة :
أ ـ أن يكون الفعل المترتّب عليه القتل غير مقصود ، ولم يكن ممّا يترتّب عليه القتل عادةً ، إلاّ أنّه وقع خارجاً فاتّفق تحقّق القتل به .
وهذا هو المسمّى بالخطأ المحض ، كما إذا رمى حجراً على طائر فوقع على رأس إنسان فقتله ، ففي مثل ذلك المعروف والمشهور ثبوت الدية بهذا القتل على العاقلة ، وهم عصبة القاتل . وقد تقدّم أنّه غير مانع من الإرث في المقام .
ب ـ أن يكون ذات الفعل مقصوداً ، والقتل كذلك ، أو كان الفعل ممّا يترتّب عليه القتل عادةً وإن لم يكن قاصداً للقتل ، كما إذا ألقاه من شاهق ، أو ضربه بالسيف على رأسه ، ونحو ذلك .
وهذا هو القتل العمدي ، وحكمه القصاص ابتداءً . ويمكن فيه التراضي مع ــــــــــــــــــــــــــــ (1) في ص59 .
ــ[63]ــ
ولي المقتول بالدية ، أو بأقل منها أو أكثر . وتقدّم أنّه مانع من الإرث إن كان عن ظلم وتعد ، وغير مانع إن كان عن حقّ ، سيما إذا كان واجباً .
جـ ـ كون الفعل المترتّب عليه القتل مقصوداً ، ولكنّ ترتّب القتل عليه غير مقصود ، وليس الفعل ممّا يترتّب عليه القتل عادةً ، كما إذا ضربه بعصا فاتّفق تحقّق القتل بها .
وهذا هو المسمّى عندهم بالخطأ الشبيه بالعمد ، وتكون الدية فيه على نفس القاتل ، لا على عاقلته . ولا قصاص هنا ، لأنّه ليس بقاصد للقتل ، ولم يكن العمل ممّا يترتّب عليه القتل عادة .
وأمّا بالنسبة إلى كونه مانعاً من الإرث أو لا ، ففيه خلاف . ذهب جماعة إلى أنّه يمنع من الإرث كالقتل العمدي ، وذهب آخرون إلى أنّه لا يمنع كالقتل الخطائي وهو الصحيح ، لأنّ تقسيم الخطأ إلى قسمين إنّما هو باعتبار الدية ، وإلاّ فلا فاصل بين الخطأ المحض والخطأ الشبيه بالعمد . ومجرّد تسمية أحدهما بالخطأ الشبيه بالعمد لا يوجب جريان حكم العمد عليه ، ولا شكّ في شمول قوله (عليه السلام) : « إن كان خطأً ورثها »(1) للقسمين معاً .
والتفصيل بينهما في وجوب الدية على العاقلة في الخطأ المحض وعلى الجاني في الشبيه بالعمد لا يوجب تبدّلا في أحكام الإرث ، فإنّ ذلك حكم آخر ثبت بدليل وأجنبي عن الإرث . وحمل الروايتين الضعيفتين المشار إليهما سابقاً(2) على القتل الشبيه بالعمد ، لا دليل عليه ، مضافاً إلى ضعفهما . ــــــــــــــــــــــــــــ (1) الوارد في صحيحة عبدالله بن سنان المتقدّمة في ص61 . (2) في ص61 .
ــ[64]ــ
على أنّا ذكرنا في بحث الديات(1) أنّه لا فرق في الدية بين قسمي الخطأ في أنّها في كليهما على الجاني وفي ذمّته ، غاية الأمر يجب على العاقلة في الخطأ المحض تفريغ ذمّة الجاني ، وأنّ ما هو المعروف من أنّ الدية في الخطأ المحض على العاقلة لا يعني أنّها في ذمّتهم وأنّهم مدينون بها، بل هو مجرّد تكليف محض على العاقلة بتفريغ ذمّة الجاني ، فهي عليه تكليف وعليهم وضع كما دلّت عليه الآية المباركة (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَة مُؤْمِنَة وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ)(2).
ولذا لو فرض أن لا عاقلة للجاني ، أو أنّ العاقلة فقيرة ، أو لا تؤدّي عصياناً ، وجب على الجانب نفسه دفع الدية . كما أنّ الكفّارة ـ وهي عتق رقبة ـ واجبة في ذمّة نفس الجاني على ما دلّت عليه صريحاً عدّة روايات(3). فلا موجب للتفريق بين قسمي الخطأ في باب الإرث.
|