بقي هنا فروع : الفرع الأول : هل يرث القاتل خطأً من الدية أيضاً ، أو أنّ إرثه مختصّ بغيرها ؟
اختار المفيد(3) ـ بل نُسب إلى المشهور ، بل ادّعي عليه الإجماع ـ الاختصاص بغيرها . وقال المحقّق : وهو حسن ، إلاّ أنّ الإرث من الدية أيضاً ــــــــــــــــــــــــــــ (1) مباني تكملة المنهاج (موسوعة الإمام الخوئي 42) : 554 ـ 557 ، 243 . (2) النساء 4 : 92 . (3) الوسائل 29 : 38 / أبواب القصاص في النفس ب11 ح9 ، 204 / أبواب ديات النفس ب3 ح4 . (4) المقنعة : 703 .
ــ[65]ــ
أشبه(1). وقوّى صاحب الجواهر(2) قول المفيد .
أقول : ما ذكره المحقّق مبني على تعارض الروايات الواردة في المقام ، فإنّ طائفة منها دالّ على أنّ القاتل خطأ يرث(3)، ومقتضى إطلاقها الشمول للدية وغيرها . والطائفة الثانية منها دالّة على أنّ القاتل لا يرث من الدية(4)، وإطلاقها شامل للقتل العمدي والخطائي ، وبينهما عموم من وجه بالنسبة إلى الدية ، فالاُولى دالّة على الإرث منها ، والثانية دالّة على عدمه ، وحينئذ يرجع إلى إطلاق الآية المباركة (وَأُوْلُوا الاَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْض فِي كِتَابِ اللهِ)(5).
إلاّ أنّ ما ذكره صاحب الجواهر وغيره من المحقّقين ـ من عدم الإرث من الدية ـ هو الصحيح ، وذلك لأنّه لو كنّا نحن ولم تكن في البين رواية لما كانت الدية إرثاً وممّا تركه الميّت ، بل إنّما تجب بعد موت المورّث ، فلم يكن المورّث مالكاً لها حال حياته كي تكون من جملة تركته، والآيات المباركة واردة فيما تركه الميّت .
وإنّما التزمنا بأنّ حكم الدية حكم سائر التركة ، تقضى منها ديونه ، وتخرج منها وصاياه ، والباقي تركة ، للروايات الواردة في المقام(6)، ولولاها لالتزمنا بأنّ الدية للورثة ابتداءً (وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ)(7). إذن لا يمكن أن يقال : إنّ المرجع بعد تعارض الرواياتِ الآيةُ المباركة . ــــــــــــــــــــــــــــ (1) الشرائع 4 : 11 (نقل بالمضمون) . (2) الجواهر 39 : 37 . (3) الوسائل 26 : 33 / أبواب موانع الإرث ب9 . (4) الوسائل 26 : 31 / أبواب موانع الإرث ب8 . (5) الأحزاب 33 : 6 . (6) الوسائل 26 : 35 / أبواب موانع الإرث ب7 وغيره . (7) النساء 4 : 92 .
ــ[66]ــ
بل الصحيح أن يقال : بعد تعارض الروايات يكون الترجيح مع الطائفة المانعة من إرث القاتل من الدية ، لأنّ تقييد هذه الطائفة بالقتل العمدي وإن كان ممكناً ، إلاّ أنّه بعيد جدّاً ، باعتبار أنّ الموضوع هو الدية ، فيعلم أنّ للدية خصوصية وإلاّ فلا معنى لأن يقال : إنّ القاتل يرث من الدية ، لأنّه لو كان القتل عمداً فكما لا يرث القاتل من الدية لا يرث من أصل المال أيضاً .
فالتقييد بالدية دالّ على أنّ إرثه من أصل المال مفروغ عنه ، وإنّما المنع من الدية خاصّة ، فيؤخذ بإطلاقها ، ويحكم بأنّ القاتل مطلقاً ـ سواء كان القتل عمداً أو خطأً ـ لا يرث من الدية ، فتقيّد هذه الطائفة حينئذ الطائفة الاُخرى ـ الدالّة على أنّ القاتل يرث ـ بالإرث من أصل المال .
على أنّه لو فرض عدم إمكان الترجيح فالمرجع هو عموم قوله تعالى : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَة مُؤْمِنَة وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ)(1) ومقتضاه أنّ كل من يكون قاتلا خطأً تجب عليه مضافاً إلى عتق رقبة الديةُ ، وتقدّم قريباً(2) أنّ وجوب الدية إنّما هو على نفس الجاني وفي ذمّته ، وإن كان في الخطأ المحض يجب على العاقلة تكليفاً تفريغ ذمّة الجاني ، والوضع إنّما هو على الجاني نفسه .
والقول بأنّ القاتل يرث حتّى من الدية موجب لتقييد الآية المباركة بغير القتل الخطائي ، إذ لا معنى لأن يقال : ودية مسلّمة إلى نفس الجاني كلا أو بعضاً سواء كان الإرث منحصراً به أو مشتركاً بينه وبين غيره . وتقييد القاتل بغير الوارث وتخصيص الحكم بغيره لا موجب له .
وبعبارة اُخرى : المرجع على تقدير المعارضة بين الروايات عموماتُ ــــــــــــــــــــــــــــ (1) النساء 4 : 92 . (2) في ص64 .
ــ[67]ــ
وجوب الدية ، حتّى لو كان القاتل وارثاً ، بل حتّى لو كان منحصراً ، ومعه لا يمكن أن يرث هو ، للزوم تخصيص الآية بلا موجب .
|