استثناء موردين من عدم جواز الشروع في الصوم اللازم فيه التتابع 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 12:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3788


ــ[273]ــ

   نعم ، لو لم يعلم من حين الشروع عدم السلامة فاتّفق فلا بأس على الأصحّ ، وإن كان الأحوط عدم الإجزاء((1)) .

   ويستثنى ممّا ذكرنا من عدم الجواز مورد واحد (1) ، وهو صوم ثلاثة أيّام بدل هدي التمتّع إذا شرع فيه يوم التروية ، فإنّه يصحّ وإن تخلّل بينها العيد فيأتي بالثالث بعد العيد بلا فصل أو بعد أيّام التشريق بلا فصل لمن كان بمنى ، وأمّا لو شرع فيه يوم عرفة أو صام يوم السابع والتروية وتركه في عرفة لم يصحّ ووجب الاستئناف كسائر موارد وجوب التتابع .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وأمّا من لم يعلم به من حين الشروع لغفلة أو خطأ في الاعتقاد بحيث كان معذوراً ، فلا بأس به كما ذكره في المتن . وسيجيء التعرّض له مستقصىً فيمن أفطر لعذر(2) .

   (1) بل موردان وقع الخلاف في كلّ منهما :

   أحدهما : ما إذا كان القتل في أشهر الحرم ، وقد اختلف فيه الأصحاب على أقوال :

 الأول : ما هو المشهور بينهم ـ على ما في الوسائل(3) ـ من أنّ القاتل في أشهر الحرم يصوم في هذه الأشهر كفّارة ، ولا يضرّه تخلّل العيد وأيّام التشريق ، والظاهر من صاحب الجواهر (قدس سره) اختيار هذا القول ، حيث إنّه حمل رواية زرارة على ذلك(4) ، وعلى هذا فيكون ذلك أيضاً مستثنى من الحكم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يترك ، بل عدم الإجزاء في غير الغافل لا يخلو من قوّة .

(2) في ص 289 .

(3) الوسائل 10 : 380 /  أبواب بقية الصوم الواجب ب 8 ح 1 و 2 .

(4) الجواهر 17 : 88 ـ 89 .

ــ[274]ــ

المزبور .

   الثاني : ما ذهب إليه الشيخ (قدس سره) ونُسب إلى الصدوق في المقنع وإلى ابن أبي حمزة واختاره صاحب الحدائق من أ نّه لا بدّ من الصوم حتّى يوم العيد(1) ، حيث إنّ القتل في أشهر الحرم يمتاز عن القتل في غيرها بأمرين :

   أحدهما : أنّ ديته غليظة كما صرّح بذلك في بعض الروايات وفسّرت في رواية معتبرة اُخرى بأنّها دية كاملة وثلث الدية .

   ثانيهما : أ نّه لا بدّ من أن يكون صوم الشهرين المتتابعين في أشهر الحرم وإن استلزم ذلك صوم يوم العيد ، وفي هذا أيضاً نوع من التغليظ .

   وعلى هذا القول فليس هنا استثناء من الحكم المزبور ، وإنّما هو استثناء من حرمة الصوم يوم العيد .

   وهذان القولان متّفقان على صحّة ما رواه زرارة في المقام ولزوم العمل بها ، ومختلفان من جهة كيفيّة استفادة الحكم منها .

   الثالث : ما يظهر من الماتن والمحقّق (قدس سرهما) من عدم جواز الإتيان بهذا الصوم مع تخلّل العيد ، وقد صرّح الماتن (قدس سره) فيما يأتي بأنّ الرواية ضعيفة سنداً ودلالة .

   وقال المحقّق (قدس سره) في الشرائع : وكلّ من وجب عليه صوم متتابع لا يجوز أن يبتدئ زماناً لا يسلم فيه ـ إلى أن قال : ـ وقيل : القاتل في أشهر الحرم يصوم شهرين منها ولو دخل فيها العيد وأيّام التشريق ، لرواية زرارة ، والأوّل أشبه(2) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النهاية : 166 ، المقنع : 515 ، الوسيلة : 354 ، الحدائق 13 : 388 ـ 390 .

(2) الشرائع 1 : 237 ـ 238 .

ــ[275]ــ

   وقال في المعتبر : إنّ الرواية التي هي مستند الحكم نادرة ومخالفة لعموم الأحاديث المجـمع عليها ، المانعة عن الصـوم يوم العيد ، ولا يمكن ارتكاب التخصيص فيها ، فلابدّ من رفضها(1) .

   أقول : أمّا ما ذكره المحقّق فلا تمكن المسـاعدة عليه بوجه ، فإنّ الرواية الواردة في المقام معمول بها على ما عرفت ، فكيف يمكن القول بأنّها نادرة ؟! وأمّا مخالفتها لعموم الأحاديث فلا بأس بها ، فإنّه لا مانع من تخصيص العمومات وإن كثرت ، بل وإن تواترت ، بل حتّى عموم القرآن القطعي الصدور، لأنّ المعارضة حينئذ بين الظاهر والنصّ ، ولا تعارض بينهما حقيقةً بعد وجود الجمع العرفي ، لكون النصّ قرينة عرفيّة للتصرّف في الظاهر ، فلا مانـع من ارتكاب التخصيص في المقام ، كيف ؟! والوارد في المقام أخبار آحاد دلّت بعمومها على المنع عن صوم يوم العيد ، فتخصَّص بالنصّ الخاصّ الوارد في محلّ الكلام .

   وأمّا ما ذكره الماتن (قدس سره) من ضعف سند الرواية ودلالتها ، فهو أيضاً لا يمكن المساعدة عليه ، ولبيان ذلك لا بدّ من التكلّم في مقامين ، الأوّل في سند الرواية ، والثاني في دلالتها .

   أمّا المقام الأول : فتحقيق الحال فيه أنّ الروايات الواردة في محلّ الكلام وإن كانت بعضها ضعيفة إلاّ أنّ في الصحيح منها كفاية .

   فمنها : رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل قتل رجلا خطأً في الشهر الحرام «قال : تغلّظ عليه الدية ، وعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعـين من أشهر الحرام» قلت : فإنّه يدخل في هذا شيء «قال : ما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المعتبر : 2 : 713 ـ 714 .

ــ[276]ــ

هو ؟» قلت : يوم العيد وأيّام التشريق «قال : يصومه ، فإنّه حقّ لزمه»(1) .

   وهي ضعيفة بسهل بن زياد .

   ومنها : ما رواه الشيخ بإسناده عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن زرارة ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): رجل قتل في الحرم «قال: عليه دية وثلث، ويصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم» قال: قلت: هذا يدخل فيه العيد وأيام التشريق؟ «فقال : يصوم ، فإنّه حقّ لزمه»(2).

   وهذه الرواية معتبرة جدّاً ، فإنّ طريق الشيخ إلى ابن أبي عمير صحيح ، وحال من ذكر في السند من جهة الجلالة والوثاقة معلوم ، فلا ينبغي التأمّل في صحّة الرواية .

   وقد رواها صاحب الوسائل عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام). والظاهر أ نّه سهو من قلمه الشريف ، وكأنّ الماتن (قدس سره) لم يعثر عليها ولا على رواية اُخرى لزرارة ـ التي سنذكرها ـ فحكم بضعف السند .

   نعم ، هذه الرواية ـ باختلاف يسير ـ رواها محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمـير ، عن أبان بن تغلب ، عن زرارة ، قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : رجل قتل رجلاً في الحرم «قال : عليه دية وثلث ، ويصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم ، ويعتق رقبة ، ويطعم ستّين مسكيناً» قال : قلت يدخل في هذا شيء ؟ «قال : وما يدخل ؟ » قلت : العيدان وأيّام التشريق «قال : يصوم ، فإنّه حقّ لزمه» (3) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 380 /  أبواب بقيّة الصوم الواجب ب 8 ح 1 .

(2) الوسائل 29 : 204 /  أبواب ديات النفس ب 3 ح 3 ، التهذيب 10 : 216 / 851 .

(3) الوسائل 10 : 380 /  أبواب بقية الصوم الواجب ب 8 ح 2 ، الكافي 4 : 140 / 9 .

ــ[277]ــ

   وهي ضعيفة ، فإنّ ابن أبي عمير لا يمكن أن يروي عن أبان بن تغلب بلا واسطة ، وبما أنّ الواسطة مجهولة فالرواية ضعيفة ، ولكن ضعفها لا يسري إلى ما رواه الشـيخ (قدس سره) ، فإنّهما روايـتان إحداهما عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ وهي التي رواها ابن أبي عمـير عن أبان بن عثمان بلا واسطة ـ وثانيتهما عن أبي جعفر (عليه السلام) ، وهي التي رواها ابن أبي عمير عن أبان ابن تغلب مع الواسطة .

   ولو تنزّلنا عن ذلك وبنينا على وحدة الروايتين فلابدّ من البناء على صحّة ما ذكره الشيخ (قدس سره) والالتزام بوقوع التحريف في نسخ الكافي ، إذ لم تعهد رواية أبان بن تغلب عن زرارة ، ولا توجد له ولا رواية واحدة عنه في الكتب الأربعة غير هذه الرواية .

   ومع التنزّل عن هذا أيضاً يكفينا في المقام ما رواه الشيخ بسنده الصحيح عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن زرارة ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل قتل رجلا خطأً في أشهر الحرم «فقال : عليه الدية وصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم» قلت : إنّ هذا يدخل فيه العيد وأيّام التشريق «قال : يصومه ، فإنّه حقّ لزمه»(1) .

   ورواها الشيخ الصدوق (قدس سره) بإسناده عن ابن محبوب مثله(2) ، غير أنّه رواها عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) .

   فالمتحصّل ممّا ذكرناه : أنّ الرواية ممّا لا ينبغي الشك في صحّة سندها ولا وجه للمناقشة في ذلك بوجه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 29 : 204 /  أبواب ديات النفس ب 3 ح 4 ، التهذيب 10 : 215 / 850 .

(2) الفقيه 4 : 81 / 256 .

ــ[278]ــ

   وأمّا المقام الثاني : فتوضيح الحال فيه أنّ الماتن صرّح بضعف دلالة الرواية ، وقد تبع فيه صاحب الجواهر (قدس سره) ، ولكنّه لا موجب لذلك أصلا غير ما ذكره في الجواهر ، حيث إنّه ذكر في المقام روايتين : إحداهما الرواية الاُولى ، وذكر عن العلاّمة أنّ في طريقها سهلا وهو ضعيف . وثانيتهما ما رواه الكليني (قدس سره) وناقش في دلالتها بقوله : بل إرادة صوم الشهرين وأ نّه لا يضرّ هذا الفصل بالتتابع أظهر من الأوّل أي من جواز الصوم يوم العيد ـ لاتّحاد ضمير «يصـومه» والمتقدّم فيه العيدان ، مع أ نّه ليس في هذه الأشهر إلاّ الأضحى ، إلاّ أن يريد بالآخر يوم الغدير وإن لم يحرم صومه(1) .

   أقول : الظاهر أ نّه (قدس سره) غفل عن روايتين صحيحتين لزرارة غير هذه الرواية ، فإنّ المذكور فيهما كلمة : العيد ، لا : العيدان ، والمذكور في هذه الرواية أيضاً كلمة : العيد ، على ما في بعض النسخ ، وإن كان المذكور في أكثرها : العيدان .

   وأمّا اتّحاد الضمير فلأجل أنّ مرجعه الداخل المستفاد من قوله : يدخل ، سواء أكان المذكور في النسخة العيد أم العيدان ، على أنّ بعض نسخ الكافي كالوسائل خال عن الضمير .

   وعلى كل حال فقد عرفت أنّ هذه الرواية ضعيفة وغير قابلة للاعتماد عليها . وإنّما المعتمد غيرها ، وظهوره في وجوب صوم يوم العيد غير قابل للإنكار .

تتميم

   فيه أمران :

   الأوّل: ذكر المحقّق في كتاب الشرائع جواز التلفيق في صوم شهرين متتابعين ،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 17 : 88 ـ 89 .

ــ[279]ــ

فيجوز له أن يصوم الشهر الأوّل مقداراً منه في شهر ومقداراً منه في الشهر الثاني : وذكر أ نّه لابدّ في التتميم من عدّ ثلاثين يوماً وإن كان الشهر الأول ناقصاً (1) .

   ويظهر من صاحب الجواهر (قدس سره) التسالم على جواز ذلك وإن كان قد تنظّر في لزوم العدّ ثلاثين يوماً إن كان الشهر الأوّل ناقصاً (2) .

   ولكن الظاهر عدم جواز ذلك فإنّ الشهر حقيقةٌ فيما بين الهلالين ، قال الله سبحانه : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً)(3)، وإطلاقه على ثلاثين يوماً الملفّقة من شهرين يحتاج إلى العناية، فإنّه على خلاف المعنى الحقيقي، وإنّما يصار إليه فيما إذا قامت قرينة عليه كما في قوله تعالى: (وَا لَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُر وَعَشْراً) (4)، فإنّ القرينة الخارجيّة وهي ندرة وقوع الموت في الآن الأوّل ما قبل هلال الشهر ولزوم اتّصال العدّة بالموت أو بالعلم به دلّتنا على أنّ المراد بالشهر مقداره .

   ونحوه ما ورد في عدّة طلاق المسترابة من أنّها ثلاثة أشهر ، وكذا في نفس طلاقها من لزوم وقوعه بعد ثلاثة أشهر من وطئها رعايةً لحصول شرط الوقوع في طهر غير المواقعة ، لما عرفت من ندرة وقوع الطلاق أو الوقاع في آن يرى الهلال بعده .

   وكذا نحو قولك : مكثت في بلدة كذا شهراً ، أو كانت مدّة سفري شهراً ، فإنّ المراد في الجميع ما يعمّ التلفيق كالعشرة أيّام المعتبرة في قصد الإقامة ، لما عرفت

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الشرائع 3 : 73 .

(2) الجواهر 33 : 279 .

(3) التوبة 9 : 36 .

(4) البقرة 2 : 234 .

ــ[280]ــ

من القرينة الخارجيّة ، وإلاّ فاللفظ ـ مع قطع النظر عنها ـ ظاهر في معناه الحقيقي ـ أعني : ما بين الهلالين ـ بداهة أنّ الملفّق من نصفي الشهرين نصفان من شهرين لا أ نّه شهر واحد ، كما أنّ الملفّق من سورتين نصفان ـ  مثلا ـ من سورتين لا أنّهما سورة واحدة .

   ومن البيّن أنّ هذه القرينة مفقودة فيما نحن فيه ، إذ لم يدلّ أىّ دليل على جواز التلفيق . إذن فلا مناص من صوم شهر كامل هلالي ويوم آخر أو أكثر من الشهر الثاني .

   ويزيد ما ذكرناه وضوحاً قول الإمام (عليه السلام) في صحاح زرارة : «ويصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم» فإنّ أشهر الحرم : رجب وذوالقعدة وذوالحجّة ومحرّم ، والملفّق من شهرين منها وإن قلنا بأنّه يطلق عليه الشهر حقيقةً إلاّ أ نّه ليس من أشهر الحرم ، غايته أ نّه واقع في أشهر الحرم .

   والمتحصّل : أ نّه يستفاد من هذه الروايات بوضوح أنّ اللازم صوم شهر هلالي كامل ولا يجزي التلفيق في مقام الامتثال وإن كان لم نعثر على من تنبّه لذلك والله العالم .

   الثاني : إنّه يظهر من صحاح زرارة أ نّه كان يرى أنّ صوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم يلازم دخول العيد وأيام التشريق فيه وقد أقرّه الإمام (عليه السلام) على ذلك ، وهذا ينافي ما تقدّم من تحقّق التتابع بصوم شهر كامل وشيء من الشهر الآخر ، فإنّه إذا وقع القتل في شهر محرّم أو رجب أمكنه أن يصوم شهر ذي القعدة ويوماً أو أيّاماً قبل العيد ويصوم الباقي بعد أيّام التشريق ، وإذا وقع القتل في ذي القعدة أو ذي الحجّة فإن قلنا بجواز التلفيق أمكنه ذلك غالباً ، وإن لم نقل به أو لم يمكن ـ كما إذا وقع القتل في آخر ذي الحجّة ـ يؤخّر الصوم إلى السنة الآتية ، وعلى كلّ تقدير فلا يستلزم صوم شهرين متتابعين دخول

 
 

ــ[281]ــ

يوم العيد وأيّام التشريق .

   وعليه ، فلا مناص من رفع اليد عن إطلاق ما دلّ على كفاية صوم شهر كامل وشيء من الشهر الآخر في حصول التتابع ، والالتزام بلزوم صوم ذي القعدة وذي الحجّة بتمامها أو صوم ذي الحجّة ومحرّم كذلك في خصوص القتل في أشهر الحرم ، تحفّظاً على ما دلّت عليه صحاح زرارة ، ولم نر في كلمات الفقهاء من تنبّه لذلك أيضاً .

   المورد الثاني : ـ ما ذكره في المتن وهو صوم ثلاثة أيّام بدل هدي التمتّع .

   فإنّه لو صام الثلاثة في اليوم السابع والثامن والتاسع من ذي الحجّة فلا إشكال فيه ، لحصول المتابعة ، بل لا يبعد جواز الصوم من أوّل ذي الحجّة ، لدلالة النصوص المعتبرة عليه .

   وأمّا لو لم يصم كذلك أو ورد ليلة التروية ولم يتمكّن من الهدي فالمعروف أنّه يجوز الصوم يوم التروية ويوم عرفة ويؤخّر الثالث إلى ما بعد العيد ، أو بعد أيّام التشريق لمن كان بمنى ، لحرمة الصوم له في هذه الأيّام كيوم العيد .

   وهل يجب الاتّصال حينئذ ، أو أ نّه يجوز الفصل إلى نهاية ذي الحجّة ؟

   كلام آخر خارج عن محلّ البحث وإن أشار إليه في المتن بقوله : بلا فصل .

   والذي يهمّنا فعلا البحث عن نفس التفريق وترك التتابع ، وقد عرفت أنّ المشهور ذهبوا إلى جوازه ، استناداً إلى الروايتين الآتيتين .

   ولكن ناقش فيه صاحب المدارك بضعفهما سنداً ، فكيف يرفع اليد بهما عن الروايات الصحيحة الصريحة في أنّ من لم يتمكّن أو لم يصم الثلاثة قبل العيد فليصمها بعد أيّام التشريق ؟ !

   هذا ، والروايتان إحداهما :

ــ[282]ــ

   ما رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم ـ وطريقه إليه صحيح ـ عن محمّد بن أحمد عن مفضل بن صالح ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن أبي  عبدالله (عليه السلام) : فيمن صام يوم التروية ويوم عرفة «قال : يجزيه أن يصوم يوماً آخر»(1).

   وهي ضعيفة السند بمفضّل بن صالح أبي جميلة الذي ضعّفه النجاشي(2) وغيره صريحاً ، ومعه لا حاجة للتكلّم حول محمّد وأحمد وأنّهما من هما .

   وثانيتهما : ما رواه الشيخ عنه أيضاً عن النخعي ـ وهو أيّوب بن نوح ـ عن صفوان ، عن يحيى الأزرق ، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : سألته عن رجل قدم يوم التروية متمتّعاً وليس له هدي فصام يوم التروية ويوم عرفة «قال : يصوم يوماً آخر بعد أيّام التشريق»(3) ، ورواها الصدوق أيضاً بإسناده عن يحيى الأزرق .

   وقد نوقش في سندها بأنّ يحيى الأزرق مردّد بين ابن حسّان الضعيف وابن عبدالرحمن الثقة ، ولا يبعد أنّ هذا هو الأوّل ، فإنّ الصدوق يرويها عن يحيى الأزرق كما عرفت ، ثمّ يقول في المشيخة : وما أرويه عن يحيى الأزرق فقد رويته عن ... ـ إلى أن يقول : ـ عن يحيى بن حسّان الأزرق(4) . فيعلم من ذلك أنّ مراده ممّا أطلقه في الفقيه هو ابن حسّان الضعيف ، فيكون هو المراد في رواية

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 14: 195 / أبواب الذبح ب52 ح1 ، التهذيب 5 : 231/ 780 ، الاستبصار 2 : 279 / 991 .

(2) رجال النجاشي : 128 / 332 .

(3) الوسائل 14: 196 / أبواب الذبح ب52 ح2 ، التهذيب 5: 231/ 781 ، الاستبصار 2 : 279 / 192 ، الفقيه 2 : 304 / 1509 .

(4) الفقيه (المشيخة) 4 : 118 .

ــ[283]ــ

الشيخ أيضاً كما لا يخفى .

   ولا يصغى إلى ما احتمله بعضهم من كون النسخة في المشيخة مغلوطة وأنّ الصحيح : عبد الرحمن ، بعد تطابق النسخ ـ فيما ندري ـ على كلمة «حسّان» كما ذكرناه .

   وما في خاتمة الوسائل نقلا عن مشيخة الفقيه من قوله : وما كان فيه عن يحيى بن حسّان الأزرق فقد رويته عن أبي ـ إلى قوله : ـ عن يحيى بن حسّان الأزرق(1) . حيث كرّر ذكر حسان في الصدر والذيل .

   غلط قطعاً ، إذ لم يروالصدوق في الفقيه ولا رواية واحدة بعنوان يحيى بن حسّان الأزرق ، بل كلّه بعنوان يحيى الأزرق ، والصحيح ما أثبتناه من ذكر حسّان في الذيل وحذفه عن الصدر .

   وكيفما كان ، فالمراد بالرجل في رواية الفقيه هو ابن حسّان ، فيكون كذلك في رواية الشيخ أيضاً ، إذ هي رواية واحدة لا فرق بينهما ، غير أنّ الصدوق يرويها عن أبي إبراهيم (عليه السلام) ، والشيخ عن أبي الحسن (عليه السلام) ، الذي لا تأثير له في المطلوب بعد أن كان كلّ منهما كنية للإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) ، ولأجله يحكم بضعف الرواية ، فيبتني على البحث المـعروف من أنّ عمل المشهور هل يكون جابراً لها أم لا؟ وحيث لانقول بالجبر فتسقط الرواية، ولا يبقى مستند لفتوى المشهور كما صرّح به في المدارك(2) .

   هذا ، ولكن الظاهر أنّ الرواية معتبرة ، وأنّ المراد بيحيى الأزرق هو ابن عبد الرّحمن الثقة دون ابن حسّان الضعيف .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 30 : 108 / 346 .

(2) لاحظ المدارك : 8 50 ـ 51 .

ــ[284]ــ

   أمّا أوّلا: فلأنّ ابن حسّان من أصحاب الصادق (عليه السلام) كما نصّ عليه الشيخ في رجاله(1) ، وابن عبدالرّحمن من أصحاب الكاظم (عليه السلام) ، والرواية مرويّة عن موسى بن جعفر (عليه السلام) كما عرفت .

   وثانياً : إنّ ابن حسّان لم تُروَ عنه في مجموع الفقه ولا رواية واحدة ، فليس هو من الرواة وإن عدّه الشيخ من أصحاب الصادق (عليه السلام) ، فإنّ شأنه استقصاء كلّ من صاحب الإمام (عليه السلام) وعاصره ، سواء أرَوى عنه أم لا ، حتّى أ نّه عدّ المنصور أيضاً من أصحاب الصادق (عليه السلام)(2) .

   وأمّا يحيى بن عبدالرّحمن فهو من الرواة المشهورين ، وله كتاب رواه عنه علي بن الحسن بن رباط وابن سماعة والقاسم بن إسماعيل القرشي ، فاشتهاره بين الرواة ـ  ولا سيّما بضميمة عدم وجود رواية عن ابن حسّان كما عرفت  ـ يستدعي انصراف اللفظ عند الإطلاق إليه .

   ويؤيّده أنّ الشيخ روى في التهذيب في باب الخروج إلى الصفا رواية عن صفوان وعلي بن النعمان عن يحيى بن عبدالرّحمن الأزرق(3) ، وروى في باب الزيادات في فقه الحجّ نفس هذه الرواية بعين السند والمتن ولكن عن يحيى الأزرق(4) ، كما أنّ الصدوق أيضاً رواها في الفقيه في باب حكم من قطع عليه السعي كذلك(5) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رجال الطوسي : 321 / 4788 .

(2) انظر رجال الطوسي : 305 ـ 306 / 4506 ـ 4511 ، و ص 314 / 4661 .

(3) الوسائل 13 : 500 /  أبواب السعي ب 19 ح 1 ، التهذيب 5 : 157 / 520 .

(4) الوسائل : 500 /  أبواب السعي ب 19 ح 2 ، التهذيب 5 : 472 / 1662 .

(5) الفقيه 2 : 258 / 2 .

ــ[285]ــ

   فيظهر أنّ المراد من يحيى الأزرق عند الإطلاق هو ابن عبد الرحمن كما عرفت .

   ومن ذلك كلّه يظهر أنّ ما ذكره الفقيه في المشيخة من قوله : عن يحيى بن حسّان الأزرق ـ كما تقدّم ـ إمّا غلط من النسّاخ ، أو سهو من قلمه الشريف ، أو اجتهاد منه ، فتخيّل أنّ ما تلقّاه من مشايخه عن يحيى الأزرق يراد به ابن حسّان ، وقد أخطأ فيه .

   ولو تنازلنا وسلّمنا صحّة نسخة المشيخة وعدم الخطأ والاشتباه فغايته أن يكون المراد بيحيى الأزرق في رواية الصدوق هو ابن حسّان بقرينة التصريح به في المشيخة ، وأمّا في رواية الشيخ فكلاّ ، إذ لا مقتضي له أبداً بعد انصراف المطلق إلى الفرد المشهور وسائر القرائن التي تقدّمت ، فهو في رواية الشيخ يراد به ابن عبدالرّحمن الثقة البتّة .

   فغاية ما هناك أن تكون الرواية مرويّة عن الكاظم (عليه السلام) بطريقين عن رجلين : أحدهما طريق الصدوق بإسناده عن أبان عن يحيى بن حسّان ، والآخر طريق الشيخ بإسناده عن صفوان بن يحيى بن عبدالرّحمن ، ولا ضير في روايتها عن الكاظم (عليه السلام) مرّتين ، فإذا كان الطريق الثاني صحيحاً كفى في اعتبار الرواية وإن كان الطريق الأوّل ضعيفاً .

   فتحصّل : انّه لا ينبغي التأمّل في صحّة الرواية واعتبارها ، وأنّ مناقشة صاحب المدارك في غير محلّها ، فالأقوى ما عليه المشهور من صحّة الاستثناء .

   ثمّ إنّ صاحب الجواهر ذكر في كتاب الصوم في بحث اشتراط التتابع(1) صحيحة عبدالرّحمن بن الحجّاج : قال : كنت قائماً اُصلّى وأبو الحسن قاعد قدّامي وأنا لا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ الجواهر 17 : 83 .

ــ[286]ــ

أعلم ، فجاءه عباد البصري فسلّم ثمّ جلس ، فقال له : يا أبا الحسن ، ما تقول في رجل تمتّع ولم يكن له هدي ؟ «قال : يصوم الأيّام التي قال الله تعالى» قال ، فجعلت سمعي إليهما ، فقال له عباد : وأىّ أيّام هي ؟ «قال : قبل التروية بيوم ، ويوم التروية ، ويوم عرفة» قال : فإن فاته ذلك ؟ «قال : يصوم صبيحة الحصبة ويومين بعد ذلك» قال : فلا تقول كما قال عبدالله بن الحسن ؟ «قال : فأىّ شيء قال ؟» قال : يصوم أيام التشريق «قال : إنّ جعفراً كان يقول : إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أمر بديلا ينادي : إنّ هذه أيّام أكل وشرب فلا يصومنّ أحد» قال : يا أبا الحسن ، إن الله قال : (فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّام فِى الْحَجِّ وَسَبْعَة إِذَا رَجَعْتُمْ)(1) «قال كان جعفر يقول : ذو الحجّة كلّه من أشهر الحجّ»(2) .

   قال الشيخ (قدس سره) في التهذيب بعد نقل الرواية كما ذكرناها ما لفظه : ومن صام يوم التروية ويوم عرفة فإنّه يصوم يوماً آخر بعد أيّام التشريق ، ومتى لم يصم يوم التروية لا يجوز له أن يصوم يوم عرفة ، بل يجب عليه أن يصوم بعد انقضاء أيّام التشريق ثلاثة أيّام متتابعات ، يدلّ على ذلك ما رواه موسى بن القاسم ... إلخ(3) .

   وهذه الزيادة ـ كما ترى ـ من عبارة الشيخ وليست جزء من الرواية ، ولم يلحقها بها أحد لا صاحب الوسائل ولا غيره ، إلاّ أنّ صاحب الجواهر (قدس سره) جعـلها جزءاً منها ، ولأجله ذكرها في جملة الروايات المستدل بها للمشهور ، ولكنّه سهو منه (قدس سره) ، ولذا لم يذكرها في باب الذبح ، بل اقتصر على الروايتين المتقدّمتين .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البقرة 2 : 196 .

(2) الوسائل 14 : 192 /  أبواب الذبح ب 51 ح 4 .

(3) التهذيب 5 : 231 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net