حكم السفر في أثناء الصوم الذي يشترط فيه التتابع 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 12:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3743


ــ[295]ــ

والسفر الاضطراري دون الاختياري (1) ـ لم يجب استئنافه ، بل يبني على ما مضى .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إلاّ أنّها قاصرة الدلالة على المطلوب إلاّ بالإطلاق ، إذ العارض المفروض في السؤال مطلق من حيث الاضطرار والاختيار ، فكما أ نّه يصدق مع العذر الذي يكون ممّا غلب الله عليه ، كذلك يصدق مع عروض الضرورة العرفيّة المقتضية للإفطار اختياراً، كما لو دعت الحاجة إلى السفر لأجل زفاف أو استقبال مسافر، أو معالجة ، أو تجارة ونحو ذلك .

   ومقتضى الجمع بينها وبين التعليل في صحيحة ابن خالد المتقدّمة ارتكاب التقييد ، فتحمل هذه على العارض الاختياري . إذن تكون هذه الرواية من أدلّة التفصيل في العارض  الاختياري بين  بلوغ النصف وعدمه في صوم الشهر المشروط فيه التتابع ، الذي يقع الكلام حوله في المسألة الآتية إن شاء الله تعالى ، وأجنبيّة عن الإفطار لعذر الذي هو محلّ الكلام .

   (1) وقع الخلاف في السفر الواقع أثناء الصوم المشروط فيه التتابع من حيث القطع وعدمه على أقوال ثلاثة :

   فقد ذهب في المستند إلى أنّ السفر قاطع للتتابع من غير فرق بين الاختياري والاضطراري، بل استظهر الإجماع عليه(1) ، واختاره في محكّي الوسيلة والسرائر وظاهر الخلاف(2) ، نظراً إلى استناده حتّى الاضطراري منه إلى فعل العبد ، فلا يكون ممّا غلب الله عليه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المستند للنراقي 10 : 535 .

(2) الوسيلة : 146 ، السرائر 1 : 414 ، الخلاف 4 : 554 ـ 555 .

ــ[296]ــ

   وبإزاء ذلك ما قوّاه في الجواهر من عدم القطع مطلقاً ، استناداً إلى أ نّه بعد السفر حتّى الاختياري محـبوسٌ عن الصوم ، مقهورٌ من قبل الله تعالى على الإفطار(1) .

   وذهب المحقّق في المعتبر وتبعه جمع ـ منهم الماتن (قدس سره) ـ إلى التفصيل بين السفر الاختياري فيقطع دون الاضطراري (2).

   أقول : مبنى النزاع هو الاختلاف في تفسير المراد ممّا غلب الله المذكور في التعليل الوارد في ذيل صحيحة سليمان بن خالد المتقدّمة .

   فصاحب المستند يفسّره بما لا يكون لإرادة العبد مدخل في تحقّق السبب الموجب للإفطار مثل المرض والحيض ونحوهما ، أمّا السفر فهو فعل إرادي يفعله المكلّف باختياره وإن كان الباعث عليه هو الاضطرار والضرورة الملحّة ، فهو إذن ليس ممّا غلب الله عليه في شيء ، بل هو بنفسه عامد في ترك التتابع ، فلا تشمله الصحيحة ، وعلى تقدير الشمول فهو معارض بإطلاق قوله (عليه السلام) في صحيحة الحلبي : «وإن صام شهراً ثمّ عرض له شيء فأفطر قبل أن يصوم من الآخر شيئاً فلم يتابع أعاد الصوم كلّه»(3) ، فإنّ العارض يشمل السفر أيضاً ، وبعد التساقط يرجع إلى عمومات أدلّة التتابع .

   وصاحب الجواهر يفسّره بما إذا كان الإفطار المخلّ بالتتابع ممّا غلب الله وألزم عليه بحيث يكون هو الذي حبسه ومنعه عن الصـوم ، سواء  أكان السبب المؤدّي للإفطار المزبور اختياريّاً للمكلّف أم اضطراريّاً، فهو (قدس سره) يقصر النظر على المسبَّب ـ أعني : الإفطار ـ ويجعله مركز لغلبة الله في قبال الإفطار

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 17 : 76 .

(2) المعتبر 2 : 723 .

(3) الوسائل 10 : 373 /  أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 9 .

ــ[297]ــ

الذي يفعله المكلّف من تلقاء نفسه ، كما أنّ نظر صاحب المستند مقصور على السبب فقط ، الموجب للإفطار حسبما عرفت .

   والصحيح لزوم الجمع بين النظرين وملاحظة كلا الأمرين ، الذي نتيجته اختيار حدّ وسط بين القولين ، معتدل بين جانبي الإفراط والتفريط ، وهو الذي اختاره في المتن تبعاً للمحقّق .

   إذ لا وجه لقصر النظر على المسبَّب وإلغاء السبب ، ضرورة أنّ الإفطار بعد اختيار السفر وإن كان ممّا ألزم عليه الشارع ، إلاّ أنّ هذا المقدار لا يكفي في جعله ممّا غلب الله بعد أن كانت تلك المقهوريّة الشرعيّة مستندة إلى اختيار المكلّف ، فإنّه هو الذي أوقع نفسه في هذه الورطة باختيار مقدّمتها ـ وهو السفر ـ من غير ضرورة تقتضيه ، فمجرّد الحبس التشريعي غير كاف في صدق الغلبة بعد أن كان مستنداً ومسبّباً عن الاختيار التكويني ، فلا يكون الإخلال بالمتابعة حينئذ إلاّ من قبل المكلّف نفسه باختياره ما يؤدّي إليه .

   كما لا وجه لقصر النظر على السبب ، فإنّ السفر وإن كان فعلا اختياريّاً للعبد ، إلاّ أ نّه إذا كان مسبوقاً بالاضطرار أو بالإكراه ـ أي كان الباعث عليه الإلزام من قبل العقل أو الشرع بحيث لا يسعه التخلّف عنه ـ فهو لا جرم مقهور عليه في إرادته لا مفرّ منها ولا مخلص عنها ، ومثله مصداق لغلبة الله بطبيعة الحال .

   أترى أنّ الصائم لو شاهد غريقاً يمكنه استنقاذه المتوقّف على الارتماس ، وهو حينئذ ملزم من قبل الشارع بهذا الارتماس مقهورٌ عليه ، لا يكون ذلك ممّا غلب الله عليه ؟ كلاّ ، بل هو من أظهر مصاديق هذا العنوان في نظر العرف وإن كان الارتماس فعلا اختياريّاً له .

   وعلى الجملة : فالتعليل ينطبق على السفر أيضاً فيما إذا كان اضطراريّاً  كما




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net