موارد جواز خروج المعتكف من المسجد - هل يجب الاغتسال في المسجد رعايةً لاستدامة المكث ؟ 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 12:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4035


ــ[384]ــ

عقلا أو شرعاً أو عادةً كقضاء الحاجة من بول أو غائط ، أو للاغتسال من الجنابة أو الاستحاضة ونحو ذلك (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رفع الأمر المتعلّق بالمقيّد بعدمه .

   وعليه ، فإذا كان هذا الأمر مرفوعاً فبأىّ دليل يثبت تعلّق الأمر بالباقي ليحكم بصحّته بعد أن لم يكن شأن الحديث إلا الرفع دون الوضع ؟ !

   ولا يقاس ذلك بما تقدّم في الجهل ، ضرورة أنّ الجاهل بوجوب الأكثر يعلم إجمالا بتعلّق التكليف بالجامع بينه وبين الأقلّ ، ولذا يستحقّ العقاب لو ترك الكلّ، لمخالفته التكليف المعلوم له بالوجدان ، فوجوب الأقلّ لا بشرط وجداني ، وصحّة الباقي وتعلّق الأمر به ثابت بالعلم لا بالأصل ، وإنّما يُنفى به الزائد المشكوك فيه ، وأمّا في المقام فليس للناسي مثل هذا العلم كما لا يخفى .

   وعلى الجملة : لا يترتّب على النسيان ما عدا المعذوريّة في ترك الجزء أو الإتيان بالمانع بمقتضى حديث الرفع ، وأمّا صحّة الباقي ليجتزئ به عن الواقع لدى تبدّله بالذكر فلا يمكن إثباتها بدليل وإن نُسب ذلك إلى المشهور حسبما مرّ ، بل الأقوى البطلان ، فلو اتّفق مثل ذلك في اعتكاف واجب إمّا بإجارة أو نذر ونحوهما وجبت الإعادة كما تجب هي أو القضاء لو اتّفق ذلك في الصلاة فيما إذا كان المنسي من الأركان .

   (1) قد عرفت جواز الخروج للضرورة، لتقييد الحاجة باللابدّيّة في صحيحة الحلبي وصحيحتي داود بن سرحان(1) .

   نعم ، صحيحة عبدالله بن سنان مطلقة ، قال (عليه السلام) فيها : «ولا يخرج

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 549 ـ 550 /  أبواب الاعتكاف ب 7 ح 1 ، 2 ، 3 .

ــ[385]ــ

المعتكف من المسجد إلاّ في حاجة»(1) .

   فتشمل الحاجة البالغة حدّ الضرورة وما دونها ، إلاّ أ نّه لابدّ من حملها على ذلك ، جمعاً ورعايةً لصناعة الإطلاق والتقييد .

   ولا فرق بمقتضى الإطلاق بين ما إذا كانت الضرورة واللابدّيّة عقليّة ـ كما لو مرض فتوقّف علاجه على الخروج ـ أو شرعيّة ـ كقضاء الحاجة لحرمة تلويث المسجد ، وكالاغتسال بناءً على عدم جوازه فيه ـ أو عرفيّة بحيث يعدّ في نظر العرف من الضروريّات ، كما لو قدم ضيف كريم أو ذومنصب رفيع لابدّ من الخروج عن المسجد لملاقاته .

   وعلى الجملة : ففي موارد صدق الضرورة على إطلاقها لا شكّ في جواز الخروج بمقتضى هذه النصوص ، وفيما عداها لا يجوز إلاّ إذا قام الدليل عليه بالخصوص ، كعيادة المريض ، أو الخروج للجنازة تشييعاً أو تجهيزاً من كفن أو دفن أو تغسيل أو صلاة ، بمقتضى إطلاق النصّ الدالّ عليه وهو صحيح الحلبي ، وكذا صحيح ابن سنان الذي تضمّن جواز الخروج للجمعة أيضاً . ففي هذه الموارد المنصوصة يجوز الخروج وإن لم يكن من مصاديق الضرورة .

   وأمّا التعدّي عن ذلك إلى كلّ مورد كان الخروج راجحاً شرعاً كمشايعة المؤمن ونحو ذلك ، فهو وإن ذكره غير واحد لكنّه يتوقّف على تحصيل المناط القطعي كي تحمل تلك الموارد المنصوصة على المثاليّة لكلّ أمر راجح ، فإن تحصّل هذا المناط لأحد فهو ، وإلاّ كما هو الصحيح ، إذ لا سبيل لنا إلى الإحاطة بالمناطات الواقعيّة للأحكام الشرعيّة ، فالتعدّي حينئذ في غاية الإشكال .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 550 /  أبواب الاعتكاف ب 7 ح 5 .

ــ[386]ــ

   هذا ، وربّما يستدلّ لجواز الخروج عن المسجد لقضاء حاجة المؤمن بما رواه الصدوق بإسناده عن ميمون بن مهران ، قال : كنت جالساً عند الحسن بن علي (عليهما السلام) فأتاه رجل فقال له : يا بن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، إنّ فلاناً له علىّ مال ويريد أن يحبسني «فقال : والله ، ما عندي مال فأقضي عنك» قال : فكلّمه ، قال : فلبس (عليه السلام) نعله ، فقلت له : يا بن رسول الله ، أنسيت اعتكافك؟ فقال له : «لم أنس ، ولكنّي سمعت أبي يحدّث عن جدّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أ نّه قال : من سعى في حاجة أخيه المسلم فكأنّما عبدالله عزّوجلّ تسعة آلاف سنة صائماً نهاره قائماً ليله»(1) .

   ولكنّها مخدوشة سنداً ودلالةً :

   أمّا الأوّل : فلأنّ ميموناً نفسـه وإن كان ممدوحاً وهو من أصحاب علي (عليه السلام) ، إلاّ أنّ طريق الصدوق إليه مشتمل على عدّة من الضعاف ، فهي ضعيفة السند جدّاً .

   وأمّا الثاني : فلعدم دلالتها على خروجه (عليه السلام) باقياً على اعتكافه ، ولعلّه (عليه السلام) عدل عنه وتركه للاشتغال بالأهمّ، ولم يفرض فيها أنّ ذلك كان في اليوم الثالث كي لا يجوز النقض ، فلعلّه كان في اليومين الأولين ، وهي قضيّة في واقعة ، فلا معنى للتمسّك بالإطلاق من هذه الجهة كما هو ظاهر ، والعمدة ما عرفت من ضعف السند .

   فتحصّل : أ نّه لا دليل على جواز الخروج لمطلق الحاجة وإن كانت راجحة دنياً أو ديناً ، بل لابدّ من الاقتصار على مورد قيام النصّ حسبما عرفت .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 550 /  أبواب الاعتكاف ب 7 ح 4 ، الفقيه 2 : 123 / 538 .

ــ[387]ــ

   ثمّ إنّ كلّ مورد حكمنا فيه بجواز الخروج لابدّ من الاقتصار فيه على المقدار الذي لا يزول معه عنوان الاعتكاف بأن يكون زمانه يسـيراً كربع ساعة أو نصف ساعة ـ مثلا ـ وأمّا المكث الطويل خارج المسجد ـ كما لو خرج لمحاكمة فاستوعب تمام النهار ، فضلا عمّا لو استوعب تمام الأيّام الثلاثة لضرورة دعته للخروج بعد ساعة من اعتكافه مثلا ـ فلا ينبغي التأمّل في البطلان حينئذ ، للزوم صدق العنوان وبقائه في الحكم بالصحّة كما هو ظاهر ، والمفروض انتفاؤه .

   ثمّ إنّ القادح في الصحّة إنّما هو الخروج الاختياري ، دون ما لا يستند إلى الاختيار كما لو اُخذ وجُرَّ عن المسجد أو مشى في نومه وخرج عن المسجد كما ربّما يتّفق لبعض الأشخاص ، لانصراف النصوص عن ذلك ، فإنّها ظاهرة ولا سيّما بملاحظة استثناء الحاجة في الخروج الاختياري ، فإنّ النهي عن الخروج في هذه النصوص وإن لم يتضمّن التكليف إلاّ في اليوم الثالث وإنّما هو إرشاد إلى الفساد ، إلاّ أنّ المنسبق منها بحكم الانصراف أنّ المفسد إنّما هو الخروج المستند إلى الإرادة والاختيار كما لا يخفى .

   وأوضح من الكلّ الصحيحة الثانية لداود بن سرحان ، حيث سأل الإمام (عليه السلام) عمّا يفرضه على نفسه لدى التصدّي للاعتكاف فأجاب (عليه السلام) بقوله : «لا تخرج» إلخ ، فإنّ من الواضح أنّ افتراض الإنسان والتزامه لا يكاد يتعلّق إلاّ بالأمر الاختياري ، وقد أقرّه (عليه السلام) على ذلك ، فيكشف هذا عن أنّ المراد بالخروج في الجواب هو الاختياري منه ، فغير الاختياري لا مانع منه إلاّ إذا بلغ حدّاً زال معه عنوان الاعتكاف كما مرّت الإشارة إليه آنفاً .

 ــ[388]ــ

   ولا يجب الاغتسال في المسجد وإن أمكن (1) من دون تلويث وإن كان أحوط((1)) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) قد يفرض الاغتسال عن حدث يجوز معه المكث في المسجد كمسّ الميّت ، واُخرى عمّا لا يجوز كالجنابة .

   أمّا الأوّل : فلا ينبغي الإشكال في جوازه في المسجد فيما إذا لم يستلزم مهانة أو هتكاً للحرمة ، كما لو كان هناك حوض فاغتسل فيه ، أو ظرف تجتمع فيه الغسالة ثمّ تطرح خارج المسجد ، بل لا يبعد تعيّنه حينئذ لعدم ضرورة تدعوه إلى الخروج بعد إمكان الاغتسال في المسجد من غير أىّ محذور ، كما هو الحال في الوضوء أو الغسل المندوب . ولا ريب أنّ هذا هو الأحوط .

   وأمّا الثاني : فلا شكّ في وجوب الخروج فيما إذا استلزم التلويث ، فإنّ ذلك من موارد الضرورة الشرعيّة كما هو ظاهر .

   وأمّا إذا لم يستلزم : فإن أمكن الاغتسال حال الخروج من غير أن يستلزم مكثاً زائداً على زمان الخروج ـ كما لو فرض أنّ زمانه دقيقتان وزمان الغسل أيضاً دقيقتان أو أقلّ ـ فالظاهر أ نّه لا ينبغي التأمّل في جواز الاغتسال ماشياً حالة الخروج ، بل لا حاجة حينئذ إلى المشي ، فيجوز واقفاً أيضاً ، لأنّ ذلك إنّما وجب عليه مقدّمةً للخروج كي يغتسل خارج المسجد ولا يبقى فيه جنباً ، والمفروض ارتفاع الجنابة وحصول الاغتسال قبل تحقّق الخروج ، فلا مقتضي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يبعد وجوبه على المستحاضة ونحوها ممّن لا يكون مكثه في المسجد محرّماً إذا لم يترتّب عليه محذور من هتك أو نحوه ، وأمّا بالإضافة إلى الجنب ونحوه ممّن يمكن مكثه في المسجد محرّماً ، فإن لم يكن زمان غسله فيه أكثر من زمان خروجه عنه وجب عليه الغسل فيه إذا لم يستلزم محذوراً آخر من هتك أو نحوه .

ــ[389]ــ

   والمدار على صدق اللبث ، فلا ينافيه خروج بعض أجزاء بدنه من يده أو رأسه أو نحوهما (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لوجوبه ولا خصوصيّة للمشي في ذلك بعد فرض اتّحاد زمانه مع المكث ولزوم كونه باقياً في المسجد خلال الدقيقتين ـ مثلا ـ سواء أكان ماشياً أم واقفاً .

   وعلى الجملة: ففي هذه الصورة لا موجب للاغتسال خارج المسجد فيجوز فيه ، بل لعلّه يجب رعايةً لاستدامة المكث بعد عدم ضرورة في الخروج ، ولم يكن الخروج لأجل الغسل منصوصاً ليتمسّك بإطلاق الدليل ، فعدم الجواز حينئذ لو لم يكن أقوى فلا ريب أ نّه أحوط .

   وأمّا إذا لم يمكن الاغتسال حال الخروج ، أو كان زمانه أكثر من الزمان الذي يستوعبه نفس الخروج بأن كان أكثر من الدقيقتين في المثال المزبور ، فالمتعيّن حينئذ الغسل خارج المسجد حذراً من اللبث المحرّم ، وكان ذلك من موارد الضرورة الشرعيّة المسوّغة للخروج كما تقدّم .

   فالظاهر هو التفصيل بين إمكان الاغتسال في المسجد في زمان لا يكون أكثر من زمان الخروج وعدمه ، ففي الأوّل يغتسل في المسجد حال المشي بل بدونه كما مرّ ، وفي الثاني يتعيّن عليه الخروج حسبما عرفت .

   (1) كما لو أخرج يده عن المسجد لاستلام شيء ، أو رأسه من الروشن أو الجناح ونحوهما لرؤية الهلال أو الشفق أو غاية اُخرى وإن كانت غير ضروريّة ، لصدق المكث في المسجد بعد كون معظم البدن فيه ، الذي هو المناط في تحقّق البقاء المتقوّم به الاعتكاف كما هو ظاهر جدّاً .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net