ثانياً : العقل 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 13:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4469


   الثاني : العقل ، فلا زكاة في مال المجنون (2)

ـــــــــــــــــــــ
   (2) لحديث رفع القلم(1) ، كما تقدّم في الصبي(2) ، فإنّهما من واد واحد ، حيث إنّ مفاده : أنّ قلم التشريع لم يوضع على المجانين كما لم يوضع على الصبيان .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 45 /  أبواب مقدّمة العبادات ب 4 ح 11 ، ولكنّه ـ كغيره ممّا اشتمل على المجنون ـ ضعيف السند .

(2) في ص 5 .

ــ[15]ــ

   وقد ورد في غير واحد من النصوص أ نّه تعالى خاطب العقل فقال له : أقبِل فأقبَل ، ثمّ قال له : أدبِر فأدبَر ، فقال تعالى : بك اُثيب وبك اُعاقب (1) . ومن ثمّ كان العقل من الشرائط العامّة ، وكان تشريع الأحكام ـ ومنها الزكاة ـ خاصّاً بالعقلاء .

   وعليه ، فالأمر المتعلّق بها ـ الوارد في الكتاب والسنّة ـ متوجّهٌ إلى خصوص العاقلين بطبيعة الحال ، فإنّه وإن لم يرد نصٌّ خاصٌّ في المقام يحتوي على نفي الزكاة عن المجنون ـ كما ورد مثله في الصبي وأ نّه «ليس على مال اليتيم زكاة» كما تقدّم (2) ـ إلاّ أنّ النتيجة هي النتيجة بعد ملاحظة حديث نفي القلم عن المجنون ، فبناءً على جواز التمسّك بحديث الرفع ـ كما مرّ في الصبي (3) ـ جاز التمسّك به في المقام أيضاً بمناط واحد . ومعه لا حاجة إلى بعض التكلّفات التي هي مصادرات ، كما ذكره في الجواهر (4) .

   هذا من حيث التكليف .

   وأمّا من ناحية الوضـع ، فقد تقدّم أنّ الحديث يشمله أيضاً كالتكليف (5) ، ومع الغضّ فلا إطلاق لدليل الوضع ليتمسّك به ، ضرورة عدم كون مثل قوله (عليه السلام) : «فيما سقته السماء العشر» إلاّ في مقام بيان المقدار فحسب ، فهو ناظر إلى ثبوت الوضع في مورد وجوب الزكاة ، والمفروض أنّ الوجوب خاصّ بالعقلاء ، فلا مجال للتمسّك بإطلاقه لإثبات تعلّق الزكاة بمال المجنون .

   هذا ، مضافاً إلى ورود روايتين في المقام ، إحداهما مؤكّـدة للمطلوب ،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 39 /  أبواب مقدّمة العبادات ب 3 .

(2) في ص 7 .

(3) في ص 5 .

(4) جواهر الكلام 15 : 28 ـ 30 .

(5) راجع ص 6 .

ــ[16]ــ

في تمام الحول أو بعضه ولو أدواراً (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والاُخرى مؤيّدة .

   فالاُولى : صحيحة عبدالرّحمان بن الحجّاج ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : امرأة من أهلنا مختلطة ، أعليها زكاة ؟ «فقال : إن كان عمل به فعليها زكاة ، وإن لم يعمل به فلا» (1) .

   والثانية : رواية موسى بن بكر المرويّة بطريقـين ، قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن امرأة مصابة ولها مال في يد أخيها ، هل عليه زكاة ؟ «قال : إن كان أخوها يتّجر به فعليه زكاة» (2) .

   وهي ضعيفة بمحمّد بن الفضيل في أحد الطريقين ، لتردّده بين الثقة وغيره ، وبسهل بن زياد في الطريق الآخر .

   نعم ، موردهما هو المال الصامت ظاهراً، أعني: الذهب والفضّة، لقيام التعارف الخارجي على الاتّجار بهما غالباً ، إلاّ أ نّه لا يبعد عدم الفرق بين الصامت وغيره من هذه الجهة .

   وكيفما كان ، ففيما عرفت من القواعد العامّة كفاية .

   (1) إذ بعد أن كان موضوع الزكاة مقيّداً بالعاقل بمقتضى حديث الرفع الحاكم على جميع الأدلّة الأوّلية حسبما عرفت ، فإذا ضممنا ذلك إلى دليل اعتبار الحول أنتج اختصاص الخطاب بالعاقل المالك عاماً ، فغير العاقل خارجٌ عن هذا الخطاب ولا أثر لملكيّته .

   وعليه ، فلو جنّ في بعضه كان المقدار من الحول المتّصف هو فيه بالجنون

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 90 /  أبواب من تجب عليه الزكاة ب 3 ح 1 .

(2) الوسائل 9 : 90 /  أبواب من تجب عليه الزكاة ب 3 ح 2 .

ــ[17]ــ

   بل قيل((1)) : إنّ عروض الجنون آناً ما يقطع الحول (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ملغيّاً وفي حكم العدم ، كما مرّ نظيره في الصبي(2) ، فلا بدّ إذن من استئناف الحول ممّا بعده .

   وهذا من غير فرق فيه بين الإطباقي والأدواري ولو كان عاقلاً عند نهاية السنة، فإنّه بعد أن لم يكن في دور الجنون مخاطَباً بالزكاة فبطبيعة الحال لا يحسب ذاك الدور من الحول ، إذ لا يصدق كون المال عنده بما هو عاقل حولاً كاملاً .

   وممّا يؤكّد ذلك : اقتران الزكاة بالصلاة في كثير من الآيات الشريفة ، كقوله تعالى : (ا لَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ)(3) .

   وقد صرّح بالتلازم بين الأمرين في صحيحة يونس بن يعقوب، قال: أرسلتُ إلى أبي عبدالله (عليه السلام): إنّ لي إخوة صغاراً فمتى تجب على أموالهم الزكاة؟ «قال : إذا وجب عليهم الصلاة وجب عليهم الزكاة» (4) .

   وحيث إنّ المجنون لا تجب عليه الصلاة حال جنونه ولو أدواراً كالصغير ، فكذا لا تجب عليه الزكاة .

   وعليه ، فلا مجال لما نُسِبَ إلى بعض الأكابر من وجوب الزكاة في الجنون الأدواري .

   (1) إذا كان زمان الجنون قليلاً جدّاً ـ كساعة ونحوها ـ فهل حكمه حكم العاقل في تمام السنة في وجوب الزكاة عليه ؟

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) صحّة هذا القول غير بعيدة .

(2) راجع ص 13 .

(3) النمل 27 : 3 ، لقمان 31 : 4 .

(4) الوسائل 9 : 85 /  أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 5 .

ــ[18]ــ

   لكنّه مشكل ، بل لا بدّ من صدق اسم المجنون وأ نّه لم يكن في تمام الحول عاقلاً ، والجنون آناً ما ـ بل ساعة وأزيد ـ لا يضرّ ، لصدق كونه عاقلاً .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   أو أنّ الحول ينقطع ولا بدّ من استئنافه بعد زوال الجنون ، كما هو الحال في زوال الملكيّة بلا إشكال ، حيث إنّ العين الزكويّة لو خرجت عن الملكيّة أثناء الحول ـ ولو آناً ما ـ ثمّ عادت بإرث ونحوه ، يعتبر وقتئذ احتساب حول جديد ، ولا ينضمّ ما قبله بما بعده جزماً ، فهل المقام أيضاً كذلك ؟.

   استشكل فيه الماتن ، بل قوّى الاحتمال الأوّل ، نظراً إلى عدم قدح الفصل اليسير في الصدق العرفي ، فإنّه يطلق عليه لدى العرف أ نّه عاقل في تمام الحول ، فتشمله الإطلاقات .

   ولكنّه ـ كما ترى ـ في غاية الإشكال ، لعدم ابتناء التحديدات الشرعيّة على المساهلات والمسامحات العرفيّة حسبما هو مذكور في موارد كثيرة من الفقه ، مثل : عدّة الوفاة والمسافة الشرعيّة والكرّ وأيّام الاعتكاف وأقلّ الحيض ، ونحو ذلك ممّا لا يتسامح فيه بعد وضوح المفهوم ، بل يراعَى كمال التدقيق في مقام التطبيق ، لعدم الدليل على حجّيّة نظر العرف في هذه المرحلة .

   ومن ثمّ يحكم ببطلان العقد ـ بل الحرمة الأبديّة ـ مع العلم فيما لو تزوّجت قبل انقضاء العدّة ولو بساعة ، وبانفعال ما نقص عن الكرّ ولو بغرفة ، وبعدم التقصير فيما دون المسافة ولو بخطوة ، وهكذا . مع ضرورة صدق تلك العناوين بالنظر العرفي ، توسّعاً وتسامحاً منهم في مقام التطبيق ، غير أ نّه لم ينهض أيّ دليل على اتّباعه بعد اتّضاح حدود المفهوم من حيث السعة والضيق .

   نعم ، قد يرى العرف توسّعاً في نفس المفهوم ، فيكون الانطباق حينئذ من باب انطباق المفهوم الواسع ، لا من باب المسامحة في التطبيق ، وهذا كما في

ــ[19]ــ

مفهوم الحنطة والشعير ، فإنّ العرف يرى سعة المفهوم وشموله للمشـتمل على الخليط من تراب ونحوه غير المنفكّ عنه في الخارج غالباً ، ولا يخصّه بالخالص الذي هو فردٌ نادرٌ جدّاً .

   ومن ثمّ كان المناط في النصاب بلوغ الخليط وإن كان الخالص بعد التصفية ناقصاً عنه ، كما أ نّه لو باع منّاً من الحنطة تحقّق التسليم بدفع المخلوط بالمقدار المتعارف .

   ومن هذا القبيل : ما تقدّم في مبحث الإقامة من صلاة المسافر (1) ، من أنّ مفهوم الإقامة في البلد عشرة أيّام مفهومٌ واسع عرفاً يعمّ البلد وضواحيه ، من أجل قيام العادة على أنّ المقيم في البلد لا يقتصر على الإقامة داخل السور ، بل يخرج أحياناً للتنزّه أو لتشييع الجنائز أو زيارة القبور ، ونحو ذلك ممّا لا يضرّ بصدق كونه مقيماً في البلد عرفاً .

   وعلى الجملة : فكلّ توسعة عائدة إلى تشخيص المفهوم ومعرفة حدوده وجوانبه كان نظير العرف فيه متّبعاً ، وكان الصدق حينئذ حقيقيّاً عرفيّاً وإن لم يكن دقّيّاً ، وليس من المسامحي في شيء ، وكلّ توسعة مبنيّة على التسامح في التطبيق بعد معرفة المفهوم فلا يُصغى إليها ولا حجّيّة فيها وإن أقرّ عليها العرف.

   ومقامنا من هذا القبيل، ضرورة أنّ مفهوم الحول ـ كالشهر في العدّة وعشرة أيّام في الإقامة ـ واضحٌ ومبين لا تردّد فيه ، وأ نّه لا يكاد يشمل الناقص عنه ولو ساعة ، فإذا عُلِّقَ عليه وجوب الزكاة فكان الموضوع من كان عنده المال حولاً واحداً ـ وكان المراد به العاقل البالغ لا ذات المالك كما مرّ ـ وقد نقص عن الحول فجنّ ولو ساعة ، فطبعاً لم يكن المال عنده بما هو عاقلٌ حولاً كاملاً ، ومعه لا مناص من الاستئناف .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة (كتاب الصلاة 8) : 271 ـ 275 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net