الدية بحكم مال الميّت :
المعروف والمشهور بين الفقهاء أنّ الدية ـ في قتل الخطأ مطلقاً ، أو في العمد إذا اُخذت الدية ـ بمنزلة تركة الميّت ، تخرج منها ديونه ، وتقضى منها وصاياه ، والباقي ميراث . والنصوص بذلك كثيرة :
منها : ما ورد في القتل خطأ فقط(4). ــــــــــــــــــــــــــــ (1) الوسائل 7 : 142 / أبواب الدعاء ب64 ح4 . (2) الحج 22 : 5 . (3) تحديد كلّ مرحلة بأربعين يوماً يكون دليلا على أنّ الروح لا يمكن أن تلج في الشهر الرابع . (4) كمعتبرة السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال « قال أمير المؤمنين (عليه السلام) :
ــ[81]ــ
ومنها : ما ورد في القتل على الإطلاق(1)، بضميمة عدم استفصال الإمام (عليه السلام) في أنّ القتل كان عمداً أو خطأً ، الدالّ على عموم الحكم للقتل بقسميه .
ومنها : معتبرة إسحاق بن عمّار الواردة في القتل العمدي ، عن جعفر (عليه السلام) « أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال : إذا قبلت دية العمد فصارت مالا فهي ميراث كسائر الأموال »(2).
ونسب صاحب الجواهر(3) الخلاف إلى بعضهم في موردين :
الأول : المنع من إخراج الديون والوصايا في القتل العمدي ، باعتبار أنّ الدية ــــــــــــــــــــــــــــ من أوصى بثلثه ثمّ قتل خطأً ، فإنّ ثلث ديته داخل في وصيّته » الوسائل 19 : 285 / كتاب الوصايا ب14 ح2 . وصحيحة محمد بن قيس ، قال « قلت له : رجل أوصى لرجل بوصيّة من ماله ثلث أو ربع فيقتل الرجل خطأ ـ يعني الموصي ـ فقال : يجاز لهذا الوصية من ماله ومن ديته » الوسائل المصدر المتقدّم ح1 . (1) كصحيحة أبي بصير ـ يعني : المرادي ـ قال : « سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل قتل وعليه دَين ، وليس له مال ، فهل لأوليائه أن يهبوا دمه لقاتله وعليه دَين ؟ فقال : إنّ أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل ، فإن وهب أولياؤه دمه للقاتل ضمنوا الدية للغرماء ، وإلاّ فلا » الوسائل 29 : 122 / أبواب القصاص في النفس ب59 ح1 . ورواية يحيى الأزرق ، عن أبي الحسن (عليه السلام) « في رجل قتل وعليه دَين ، ولم يترك مالا ، فأخذ أهله الدية من قاتله ، عليهم أن يقضوا دَينه ؟ قال : نعم ، قلت: وهو لم يترك شيئاً ، قال : إنّما أخذوا الدية ، فعليهم أن يقضوا دَينه » الوسائل 18 : 364 / أبواب الدَين والقرض ب24 ح1 . وكذا رواية محمد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) الوسائل 19 : 286 / كتاب الوصايا ب14 ح3 . (2) الوسائل 26 : 41 / أبواب موانع الإرث ب14 ح1 . (3) الجواهر 39 : 45 .
ــ[82]ــ
بدل عن حقّ القصاص ، وبما أنّه للولي والوارث ، فالدية أيضاً للوارث ، فلا وجه لإخراج ما ذكر منها . ولم يذكر من هو القائل ، ولم يعلم من هو .
الثاني : المنع من إخراج الديون مطلقاً والوصايا حتّى من القتل غير العمدي ، باعتبار عدم دخول الدية في تركة الميّت ، فإنّها ليست ملكاً للميّت حال حياته ، ولا يملك بعد مماته ، بل تنتقل إلى الوارث ، فلا يشملها ما دلّ على إخراج الديون والوصايا من مال الميّت وتقدّمهما على الميراث .
أقول : لو تمّ ما ذكر ـ في الموردين ـ في نفسه لكفتنا الروايات المتقدّمة الدالّة بوضوح على أنّ الدية بحكم مال الميّت وما ترك ، ولذا قال في الجواهر إنّهما ـ القولين ـ اجتهاد في مقابل النصّ . على أنّ ما ذكر من جهة عدم الانتقال من الميّت إمّا مطلقاً أو في خصوص القتل العمدي من أنّ حقّ الاقتصاص للوارث ، غير تامّ في نفسه ، لأنّ الظاهر من الروايات أنّ الدية ملك للميّت ولو بعد الموت ، فهي داخلة في تركة الميّت ، فتنتقل إلى الوارث ، لا أنّها تنتقل إلى الورثة ابتداءً إمّا مطلقاً أو في خصوص العمدي .
وهذا مستفاد من عدّة روايات ، منها : ما دلّ على أنّ في القتل العمدي إذا لم يمكن القصاص ـ ولو لفرار القاتل ـ انتقل الأمر إلى الدية، فإن كان له مال اُخرج منه ، وإلاّ فمن الأقرب إليه فالأقرب ممّن ينتمون إليه ، فإن لم يكن له قريب فمن بيت مال المسلمين ، معلّلا بأنّ دم المسلم لا يذهب هدراً(1). ــــــــــــــــــــــــــــ (1) كصحيحة أبي بصير ، قال : « سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل قتل رجلا متعمّداً ثمّ هرب القاتل ، فلم يقدر عليه ؟ قال : إن كان له مال اُخذت الدية من ماله ، وإلاّ فمن الأقرب فالأقرب ، فإن لم يكن له قرابة أدّاه الإمام ، فإنّه لا يبطل دم امرئ مسلم » الوسائل 29 : 395 / أبواب العاقلة ب4 ح1 .
ــ[83]ــ
فإنّ المستفاد من هذه الروايات أنّ الدية حتّى في القتل العمدي ليست بدلا عن القصاص ، بل بدل عن الدم ، بمعنى أنّ للدم بدلين ، القصاص إن أمكن ، وإلاّ فالدية . فهي بدل عن النفس لا القصاص ، والنفس نفس الميّت فالبدل له ، ومنه تنتقل إلى الورثة .
ويؤكّد ذلك اختصاص حقّ القصاص بالرجال من طرف الأب ، وهم العصبة ـ دون النساء على الإطلاق ، بل ليس للزوج من الرجال حقّ القصاص لأنّه ليس من العصبة ـ مع أنّ الدية تنتقل إلى جميع الورثة ، وذلك كاشف عن أنّ الدية ليست بدلا عن حقّ القصاص ، وإلاّ لاختصّت بمن له هذا الحقّ .
وأيضاً يستفاد ذلك من بعض المعتبرات الدالّة على أنّ الوارث إذا عفا عن الدية ، أو في القتل العمدي عن الدية والقصاص ، كان ضامناً لدين الميّت(1) وذلك كاشف عن أنّ الدية ملك للميّت ، ومنه تنتقل إلى الورثة ، وإلاّ فلا معنى للضمان . ولا مانع من أن يملك الميّت الدية ، فإنّ الملكية أمر اعتباري ، يمكن أن تتعلّق حتّى بالجمادات ، كالمسجد والشبكة التي نصبها الميّت فصادت بعد موته .
فالصحيح أنّ الدية ملك للميّت في جميع أقسام القتل ، ومنه تنتقل إلى ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) كما في صحيحة أبي بصير ـ يعني : المرادي ـ قال : « سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل قُتل وعليه دَين ، وليس له مال ، فهل لأوليائه أن يهبوا دمه لقاتله وعليه دَين ؟ فقال : إنّ أصحاب الدَين هم الخصماء(*) للقاتل ، فإن وهب أولياؤه دمه للقاتل ضمنوا الدية للغرماء ، وإلاّ فلا » الوسائل 29 : 122 / أبواب القصاص في النفس ب59 ح1 . ــــــــــــــــــــــــــــ (*) في أحد موردين نقلت فيه هذه الرواية في التهذيب فيه بدل « الخصماء » : « الغرماء » راجع التهذيب 10 : 180 / 703 ، ولكن في مورد آخر من التهذيب [ 10 : 314 / 1170 ] وفي الفقيه [ 4 : 119 / 411 ] : الخصماء .
ــ[84]ــ
الوارث ، نعم في القتل العمدي لا يجب على الوارث أخذ الدية ، بل له القصاص ولو فرض أنّ للميّت دَيناً ، فإنّ الدية إنّما هي متأخّرة عن القصاص في القتل العمدي فلو اقتصّ لم يضمن شيئاً .
|