حكم ما لو أسلم الكافر بعد ما وجبت عليه الزكاة والعين موجودة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 13:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4255


ــ[128]ــ

   [ 2629 ] مسألة 17 : لو أسلم الكافر بعد ما وجبت عليه الزكاة ، سقطت عنه وإن كانت العين موجودة ، فإنّ الإسلام يجبّ ما قبله (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) لا إشكال كما لا خلاف في السقوط لو أسلم وكانت العين تالفة ، للسيرة القطعيّة القائمـة على ذلك في عصر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) والوصيّ (عليه السلام) وغيرهما من المتصدّين للأمر ، إذ لم يُعهَد من أحد منهم مطالبة من أسلم بدفع ما فاته من الزكـوات في حال الكفر ، لا زكاة أموالهم ولا زكاة أبدانهم ـ أي زكاة الفطرة ـ ولم يُنقَل ذلك ولا في رواية ضعيفة ، بل كانوا يقرّون على ما كانوا عليه آنذاك ولا يُسألون عمّا كانوا يفعلون ، وهذا واضح لا سترة عليه ولا شبهة تعتريه .

   وأمّا لو أسلم والعين الزكويّة بعدُ باقية ، فلا إشكال أيضاً في عدم الوجوب لو قلنا بعدم تعلّق الزكاة حال الكفر ، لعدم تكليف الكفّار بالفروع ـ على ما هو الصحيح كما مرّ ـ إذ على هذا المبنى لا مقتضي للوجـوب ، لأنّ المقتضي هو حولان الحول أو انعقاد الحبّ وصدق الاسم ونحو ذلك ، والمفروض أ نّه كان في حال الكفر المرفوع عنه التكليف آنذاك، ولم يحدث موجبٌ آخر ومقتض جديد لتعلّق الزكاة حسب الفرض ، وهذا ظاهر .

   وأمّا لو قلنا بمقالة المشهور من وجوب الزكاة عليه لتكليفه بالفروع كالاُصول ، فالمشهور والمعروف سقوط الزكاة عنه أيضاً بعدما أسلم وإن كانت العين موجودة ، بل ادُّعي عليه الإجماع في بعض الكلمات .

 ويُستَدلّ له بالنبويّ المشهور : «الإسلام يجبّ ما قبله ويهدم» (1) لكنّه من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مستدرك الوسائل 7 : 448 /  أبواب أحكام شهر رمضان ب 15 ح 2 ، عوالي اللآلي 2 : 54 / 145 ، وليس فيهما : ويهدم .

ــ[129]ــ

أجل ضعف السند غير صالح لأن يُستَند إليه ، لعدم روايته من طرقنا لا في كتب الحديث ولا في الكتب الاستدلاليّة للفقهاء المتقدّمين كالشيخ ومن سبقه ولحقه ، ما عدا ابن أبي جمهور الاحسائي في عوالي اللآلي ، الذي لا يخفى ما في المؤلِّف والمؤلَّف ، حتى طَعَن فيه من ليس من شأنه الطعن كصاحب الحدائق .

   ودعوى الانجبار موهونة جدّاً ، بل غير قابلة للتصديق ، إذ كيف يُحتَمل استنادُ المشهور إلى رواية لم يذكروها لا في كتبهم الروائيّة ولا الاستدلاليّة كما سمعت ، على أنّ الانجبار ممنوعٌ كُبرويّاً كما هو المعلوم من مسلكنا .

   ويؤيّد ما ذكرناه ـ من أنّ الرواية إنّما هي من طرق العامّة لا من طرقنا ـ ما رواه الشيخ بإسناده عن جعفر بن رزق الله ، قال : قُدِّم إلى المتوكّل رجلٌ نصراني فجر بامرأة مسلمة وأراد أن يقيم عليه الحدّ فأسلم ، فقال يحيى بن أكثم : قد هدم إيمانه شركه وفعله ، وقال بعضهم : يُضرَب ثلاث حدود ، وقال بعضهم : يُفعَل به كذا وكذا ، فأمر المتوكّل بالكتاب إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) وسؤاله عن ذلك ، فلمّا قدم الكتاب كتب أبو الحسن (عليه السلام) : «يُضرَب حتى يموت» فأنكر يحيى بن أكثم وأنكر فقهاء العسكر ذلك ، وقالوا : يا أمير المؤمنين ، سله عن هذا ، فإنّه شيءٌ لم ينطق به كتاب ولم تجئ به السنّة ، فكتب : إنّ فقهاء المسلمين قد أنكروا هذا وقالوا : لم تجئ به سنّة ولم ينطق به كتاب ، فبيّن لنا بما أوجبت عليه الضرب حتى يموت ؟ فكتب (عليه السلام) :
«بسم الله الرّحمن الرّحيم (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللهِ ا لَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ا لْكَافِرُونَ) (1) قال : فأمر به المتوكّل فضُرِب حتى مات (2) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) غافر 40 : 84 ، 85 .

(2) الوسائل 28 : 141 /  أبواب حدّ الزنا ب 36 ح 2 ، التهذيب 10 : 38 / 135 .

ــ[130]ــ

   فإنّها صريحةٌ في عدم اعتناء الإمام بمضمون حديث الجبّ (1) ، وإنّما هو أمرٌ معروفٌ عند العامّة ومرويٌّ من طرقهم ، ولذا أنكروا عليه (عليه السلام) حكمه ، ولم يثبت عندنا ، والمسألة التي تضمّنتها هذه الرواية محرّرة في الفقه ، وقد أفتى الأصحاب بعدم سقوط الحدّ عن الزاني، سواء أسلم قبل صدور الحكم من الحاكم أم بعده .

   إذن فالحديث المزبور ساقطٌ لا يمكن الاستناد إليه في حكم من الأحكام ، بل المتّبع في كلّ مورد قيامُ الدليل على مضمون الجبّ وسقطو ما وجب باختيار الإسلام من نصّ ـ كما في قضاء الصلوات ـ أو سيرة ـ كما في الزكوات ـ فإن ثبت وإلاّ كان التكليف باقياً لو قلنا بأ نّهم مكلّفون بالفروع كالاُصول .

   ثمّ إنّا لو بنينا على تماميّة الحديث ، فلا شكّ في أ نّه ناظرٌ إلى الأحكام المختصّة بالإسلام ، فهي المجبوبة والمحكومة بالسقوط لو حصل مناشئوها حال الكفر ، كفوات الصلوات أو حولان الحول الحاصل قبل الإسلام ونحو ذلك ، وأمّا الأحكام المشتركة بين جميع الأديان فضلاً عمّا يعمّ المتديّن ومن لا يعتنق الدين ممّا جرت عليه سيرة العقـلاء ـ كالعقود والإيقاعات والديون والضمانات وما شاكلها ـ فالحديث غير ناظر إلى جبّها جزماً ، فالإشكال عليه ـ بأنّ البناء على عمـوم حديث الجبّ يستوجب تخصيص الأكثر ـ في غير محلّه ، ولا ينبغي الالتفات إليه .

   ثمّ لا يخفى أنّ الحديث رواه في مجمع البحرين بمتن آخر، وهو «الإسلام يجبّ ما قبله ، والتوبة تجبّ ما قبلها من الكفر والمعاصي والذنوب» (2) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لعلّ الوجه في عدم الاعتـناء عدم انطباق مضمـون الحديث على مورد السؤال لخصوصيّة فيه ، لا أ نّه موضوعٌ من أساسه .

(2) مجمع البحرين 2 : 21 (جبب) .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net