انكار جماعة من أجلاّء الأصحاب للنصاب الخامس - ما هي الفائدة في تشريع النصاب الخامس وجعله مستقلاًّ ؟ 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 13:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3881


   هذا ، وعن جماعة من أجلاّء الأصحاب ـ كالشيخ المفيد والسيّد المرتضى والصدوق وابن أبي عقيل وسلاّر وابني حمزة وإدريس (2) ـ إنكار النصاب الخامس وأ نّها إذا بلغت ثلاثمائة وواحدة فعلى كلّ مائة شاة .

   وتشهد لهم صحيحة محمّد بن قيس عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «قال : ليس فيما دون الأربعين من الغنم شيء ، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاثة من الغنم إلى ثلاثمائة، فإذا كثرت الأغنام ففي كل مائة شاة»(3).

   وهذه الصحيحة معارضة بظاهرها مع الصحيحة السابقة ، لأنّ الواجب في مثل ثلاثمائة وخمسين ـ بل ثلاثمائة وواحدة ـ أربعة شياه بمقتضى صحيحة الفضلاء ، وثلاث شياه بمقتضى هذه الصحيحة ، لأ نّها تتألّف من ثلاث مئات ، والمفروض أنّ في كلّ مائة شاة بعد التجاوز عن ثلاثمائة .

   والأقوى ما عليه المشهور .

   أمّا أوّلاً : فلإمكان الجمع الدلالي ، فإنّ الصحيحتين متطابقتان في النُصُب إلى الثلاثمائة ، وأنّ الواجب إلى هذا العدد هو ثلاث شياه ، كما أ نّهما متطابقتان أيضاً في الأربعمائة فما زاد ، وأ نّه حينئذ في كلّ مائة شاة ، وإنّما الاختلاف فيما زاد على الثلاثمائة إلى الأربعمائة ، فإنّ صحيحة ابن قيس ساكتة عن التعرّض لذلك

ــــــــــــــ
(2) حكاه في الحدائق 12 : 58 ، وفي الجواهر 15 : 83 .

(3) الوسائل 9 : 117 /  أبواب زكاة الأنعام ب 6 ح 2 .

ــ[170]ــ

إلاّ بالظهور الإطلاقي ، فغايته أ نّها ظاهرة الدلالة في ثلاث شياه بمقتضى أنّ في كلّ مائة شاة ، وأمّا صحيحة الفضلاء فهي ناصّة في هذا المورد وصريحة في أنّ الواجب حينئذ شياه أربع ، ولا ريب في تقدّم النصّ على الظاهر .

   وبالجملة : فتلك ساكتة (1) وهذه ظاهرة واضحة فلا تعارض ، ومن الجائز أن يكون السكوت والإهمال مستنداً إلى التقيّة كما سنبيّن ، ولأجله قصر (عليه السلام) النظر على نفس المئات وأهمل ما بينها .

   وثانياً : سلّمنا المعارضة إلاّ أ نّه لا ينبغي الشكّ في لزوم تقديم صحيحة الفضلاء ، لمخالفتها للعامّة ، فإنّ جمهورهم قد أفتوا بما يطابق صحيحة ابن قيس ، ما عدا أحمد بن حنبل ، حيث نُسِبَ إليه موافقة الخاصّة (2) ، إذن يكون الترجيح لتلك الصحيحة بمقتضى أنّ الرشد في خلافهم ، فتُحمَل صحيحة ابن قيس على التقيّة .

   نعم ، يبقى هنا سؤال الفائدة في تشريع النصاب الخامس وأ نّه إذا  كان الواجب في أربعمائة ما يجب في ثلاثمائة وواحدة فأيّ فائدة في جعلهما نصابين ؟ وهذا بحث آخر سنتعرّض له ، وإلاّ فصحيحة الفضلاء صريحة في تشريع النُصُب الخمسة ، وهي سليمة عن المعارضة حسبما عرفت .

   ثمّ إنّه لا ريب في العفو عمّا بين النصابين في جميع النُصُب ، للتصريح به في كلتا الصحيحتين ، فلاحظ .

   ثمّ إنّ ههنا سؤالاً مشهوراً، وهو أ نّه ما هي الفائدة في جعل النصاب الخامس ـ وهو الأربعمائة ـ وعدّه نصاباً بحياله مع اتّحاد الفرض بينه وبين النصاب الرابع ؟ فإنّه إذا وجب أربع شياه عند بلوغها ثلاثمائة وواحدة ولم تتغيّر هذه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) دعوى كونها ساكتة مع ورودها في مقام التحديد غير واضحة .

(2) المغني 2 : 463 .

ــ[171]ــ

الفريضة حتى تبلغ خمسمائة فأيّ فائدة تترتّب على جعل الأربعمائة نصاباً مستقلاًّ؟

   وبعبارة اُخرى : إذا كان يجب في أربعمائة ما يجب في ثلاثمائة وواحدة فأيّ فائدة في جعلهما نصابين ؟

   وينسحب مثل هذا السؤال في الثلاثمائة وواحدة على القول الآخر ـ أي قول الصدوق المنكر للنصاب الخامس ـ إذ لا يجب فيها إلاّ ما يجب في النصاب الذي قبلها ـ أي المائتين وواحدة ـ وهي ثلاث شياه ، ولا تتغيّر الفريضة حتى تبلغ الشياه أربعمائة ، فحينئذ يتوجّه السؤال على هذا القول أيضاً عن فائدة جعل الثلاثمائة وواحدة نصاباً مستقلاًّ .

   وما أجاب عنه في الجـواهر من التفرقة بالكلّيّة والشخصيّة وإن اتّحدت الفريضـة ، وأنّ الواجب في شخص ثلاثمـائة وواحدة أربع شـياه ، وأمّا في الأربعمائة فالواجب كلّي ، وهو أنّ في كلّ مائة شاة وإن انطبق على الأربع أيضاً في هذا المورد بالخصوص (1) .

   غير حاسم لمادّة الإشكال ، إذ السؤال عن ثمرة التفرقة والفائدة المترتّبة على جعلهما نصابين مع وحدة الأثر ، وأ نّه ما هو الفرق بين ذلك وبين ما لو أهمل الأربعمائة رأساً وانتقل من الثلاثمائة وواحدة إلى الخمسمائة وأنّ الواجب حينئذ على كلّ مائة شاة ، فما الفائدة في لحاظ الأربعمائة نصاباً بحياله ؟ ومن البيّن أنّ التفرقة بالكلّيّة والشخصيّة لا تجدي في دفع هذا السؤال ولا ينفع في حلّ الإشكال أبداً .

   وقد اُجيب عن الاشكال بجوابين تعرّض لهما المحقّق (قدس سره) في الشرائع (2) :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 15 : 86 .

(2) الشرائع 1 : 169 .

ــ[172]ــ

   أحدهما : أنّ الثمرة تظهر في محلّ الوجوب من حيث جواز التصرّف وعدمه ، فإنّ الأربعمائة إذا كانت نصاباً فمحلّ الوجوب هو هذا المجموع ، لأنّ المجموع نصاب ، فلا يجوز التصرّف فيها قبل إخراج الزكاة ، ولو فرض أ نّه نقص منها واحدة فمحلّ الوجوب عندئذ هي الثلاثمائة وواحدة ، لأ نّها النصاب وما بينهما عفو يجوز التصرّف فيه ، فلو كانت له ثلاثمائة وخمسون ـ  مثلاً  ـ يجوز له التصرّف فيما زاد على الثلاثمائة وواحدة ـ أعني : التسعة والأربعين الباقية ـ وهكذا إلى الثلاثمائة وتسعة وتسعين ، فإذا بلغت أربعمائة فلا يجوز التصرّف في شيء منها كما عرفت .

   هذا إذا كانت الأربعمائة نصاباً مستقلاًّ ، وإلاّ جاز التصرّف فيما زاد على الثلاثمائة والواحدة إلى أن تبلغ الخمسمائة إلاّ واحدة . فجواز التصرّف في الأربعمائة وعدمه ثمرة بارزة تترتّب على اعتبارها نصاباً مستقلاًّ وعدمه .

   ومنه يظهر الحال على القول الآخر كما لا يخفى .

   وهذه الثمرة وجيهة ، غير أ نّها مبنيّة على القول بعدم جواز التصرّف في العين الزكويّة قبل الإخراج ، الذي مستندة دعوى الشركة الحقيقيّة بين المالك والفقير في نفس العين ، وأنّ المال مشتركٌ بينهما بنسبة الزكاة على سبيل الإشاعة ، لوضوح عدم جواز التصرّف في المال المشاع قبل الإفراز .

   ولكنّه خلاف التحقيق، بل الشركة ـ كما سيأتي عند التعرّض لكيفيّة تعلّق الزكاة إن شاء الله تعالى(1) ـ إنّما هي في الماليّة كما هو الأظهر ، ولازمه جواز التصرّف في الكلّ ودفع الزكاة من جنس آخر .

   أو أنّ تعلّق الزكاة على سبيل الكلّي في المعيّن كما عليه الماتن (قدس سره) ،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 187 .

ــ[173]ــ

الذي لازمه جواز التصرّف في النصاب إلى أن يبقى مقدار الكلّي ، نظير ما لو باع صاعاً من صبرة على نحو الكلّي في المعيّن ، حيث يجوز للبائع التصرّف في تلك الصبرة إلى أن يبقى منها مقدار الصاع .

   فهذه الثمرة إنّما تتّجه على بعض المباني لا على سبيل الإطلاق .

   ثانيهما : أنّ الثمرة تظهر في الضمان ـ  الذي هو أيضاً متفرّعٌ على محلّ الوجوب ـ فيما لو تلف جزءٌ من المجموع بعد الحول من غير تفريط ولو لأجل التأخير في الدفع ، فإنّ المجموع إن كان نصاباً وُزِّع التالف على المالك والفقير بنسبة الزكاة فيسقط بتلك النسبة جزءٌ من الوجوب ، وإن كان زائداً على النصاب اختصّ التلف بالمالك ، لأنّ النصاب كلّي ولم يطرأ تلفٌ على هذا الكلّي ، فلو كانت عنده ثلاثمائة وخمسون ـ مثلاً ـ فتلفت منها شاة واحدة أو اثنتان إلى تسعة وأربعين ، كان من المالك ، لأنّ مورد النصاب ثلاثمائة وواحدة من هذا المجموع ، وهذا كلّي غير متشخّص في معيّن ، ومعه لم يطرأ التلف على هذا الكلّي بعد بقاء مقداره في المجموع ، كما لو باع صاعاً من صبرة مشتملة على صياع عديدة ، فتلف منها صاع ، فإنّه يحسب على البائع ، لعدم عروض التلف على الصاع الكلّي الذي يملكه المشتري في ضمن هذا المجموع .

   وعليه ، فلو كانت الشياه أربعمائة وقد تلفت منها بعد الحول شاة من غير تفريط :

   فإن كان هذا العدد نصاباً بحياله سقط من الفرض جزءٌ من مائة جزء من شاة ، وبعبارة اُخرى : أربعة أجزاء شاة من أربعمائة جزء ، إذ الواجب بعد أن كان في كلّ مائة شاة فكلّ شاة مشتركة ـ في الماليّة أو في العين ـ بين المالك والفقير بنسبة الأربعة في الأربعمائة، فأربعة أجزاء للفقير وثلاثمائة وستّة وتسعون جزءاً للمالك ، فيكون التلف بهذه النسبة في حصّة الفقير لا محالة .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net