الفرع الخامس : لو قتل مهدور الدم فهل فيه القصاص ، أو الدية ، أو ــــــــــــــــــــــــــــ النفس ب54 ح2 . ومنها : معتبرة إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه « أنّ علياً (عليه السلام) كان يقول : من عفا عن الدم من ذي سهم له فيه فعفوه جائز ، وسقط الدم وتصير دية ، ويرفع عنه حصّة الذي عفا » الوسائل 29 : 116 / أبواب القصاص في النفس ب54 ح4 . ومنها صحيحة عبدالرحمن ـ في حديث ـ قال « قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : رجلان قتلا رجلا عمداً ، وله وليّان ، فعفا أحد الوليّين ، قال فقال : إذا عفا بعض الأولياء دُرِئ عنهما القتل ، وطرح عنهما من الدية بقدر حصّة من عفا ، وأدّيا الباقي من أموالهما إلى الذين لم يعفوا » الوسائل 29 : 115 / أبواب القصاص في النفس ب54 ح1 . (1) المبسوط (للسرخسي) 26 : 129 ، الفقه على المذاهب الأربعة 5 : 240 ، 236 ، الميزان 2 : 146 ، رحمة الاُمّة 2 : 119 . (2) الاُمّ 6 : 13 ، المجموع 18 : 476 ، الميزان 2 : 146 ، رحمة الاُمّة 2 : 119 . (3) [ لم نعثر على رأيه بالخصوص ، إذ المصرّح به في المغني (لابن قدامة) 9 : 465 أنّه قول أكثر أهل العلم منهم أبو حنيفة والشافعي والثوري . نعم قد يشمله نقل البعض اتّفاقهم على هذا الحكم ] .
ــ[91]ــ
الكفّارة ، أو لا ؟
أقول : مهدور الدم على قسمين :
الأول : كلّ من كان قتله جائزاً للقاتل ، كسابّ النبي (صلّى الله عليه وآله) أو أحد الأئمّة (عليهم السلام) أو لكون القتل دفاعاً عن النفس ، أو العرض ، أو المال .
ولا إشكال في أنّه لا قصاص ولا دية ولا كفّارة ، وهو واضح .
الثاني : ما لو كان الشخص مهدور الدم ، لكن لا بالنسبة إلى كلّ أحد ، الذي منه القاتل ، كالزاني المحصن ، أو اللائط ، أو المرتدّ الفطري ، بل للحاكم الشرعي أن يقتله ، فلو قتله شخص آخر فهل يثبت فيه القصاص ، أو الدية مع التراضي(1)، أو الكفّارة ، أو لا تثبت هذه كلّها ؟
ذهب جماعة إلى الثاني ، واستدلّوا على ذلك بما رواه الشيخ عن يحيى بن سعيد (المسيّب)(2) عن سعيد بن المسيّب ، والصدوق عن يحيى بن سعيد بن المسيّب ـ بلا ذكر لأبيه ـ وفي الوسائل ذكر في السند الحسين بن عمرو ، وهو خطأ(3) والصحيح الحصين بن عمرو : «أنّ معاوية كتب إلى أبي موسى الأشعري : أنّ ابن أبي الجسرين(4) وجد رجلا مع امرأته فقتله ، فاسأل لي علياً عن هذا ، قال أبو ــــــــــــــــــــــــــــ (1) لعلّ المناسب : الدية ، بلا قيد (مع التراضي) إذ كلّ مورد ثبت فيه القصاص جاز دفع الدية مع التراضي . (2) ليس في السند ، ولكن يحيى بن سعيد هو المسيّب . (3) [ هذا في الطبعة القديمة ، وقد صحّح في طبعة مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) ] . (4) في الجواهر [ 42 : 168 ] : « أنّ معاوية كتب إلى أبي موسى الأشعري : أنّ ابن أبي الحسين وجد رجلا مع امرأته فقتله ، وقد أشكل فاسأل لي علياً (عليه السلام) عن هذا الأمر ، قال أبو موسى : فلقيت علياً (عليه السلام) قال فقال : والله ما هذا في هذه البلاد ـ يعني الكوفة ـ
ــ[92]ــ
موسى : فلقيت علياً (عليه السلام) فسألته ـ إلى أن قال : ـ فقال : أنا أبو الحسن ، إن جاء بأربعة يشهدون على ما شهد ، وإلاّ دفع برمّته»(1) حيث ادّعي دلالتها على جواز قتل مهدور الدم ـ وهو الزاني في المقام ـ إذا اُقيمت البيّنة على ذلك ، وعدم ترتّب القصاص والدية والكفّارة لذلك ، فيختصّ ترتّب هذه الأحكام على محقون الدم .
أقول : هذه الرواية ضعيفة من جهات :
الاُولى : أنّ أحمد بن النضر ـ الواقع في السند ـ معاصر للإمام الرضا (عليه السلام) ويروي عنه إبراهيم بن هاشم ، وأبو عبدالله البرقي، بل أحمد بن أبي عبدالله البرقي ، فلا يمكن أن يروي عن الحصين بن عمرو الذي هو من أصحاب السجّاد (عليه السلام) فالرواية مرسلة .
الثانية : أنّ الحصين بن عمرو لم يوثّق ، ولم يمدح .
الثالثة : أنّ يحيى بن سعيد بن المسيّب أيضاً لم يوثّق ، سواء كان هو راوياً عن أبيه ، أو كان نفسه الذي ينتهي إليه السند .
وروى هذه الرواية بعينها ـ بعين القضية ـ صاحب الجواهر(2) عن داود بن فرقد ، ووصفها بالصحّة . وهو اشتباه من قلمه الشريف ، فإنّه لم ترد رواية عن داود بما كتبه معاوية إلى أبي موسى الأشعري ، نعم له رواية في قتل الرجل زوجته إذا ــــــــــــــــــــــــــــ ولا هذا بحضرتي ، فمن أين جاءك هذا ؟ قلت : كتب إليّ معاوية أنّ ابن أبي الحسين وجد مع امرأته رجلا فقتله ، وقد أشكل عليه القضاء فيه ، فرأيك في ذلك . فقال: أنا ... » والظاهر أنّه نقله عن التهذيب 10 : 314 / 1168 . إلاّ أنّ فيه في الموردين ابن أبي الجسرين ، بدل ابن أبي الحسين [ ثمّ إنّ المذكور في الجواهر 41 : 370 أنّ ابن أبي الحسن وجد ... ] . (1) الوسائل 29 : 135 / أبواب القصاص في النفس ب69 ح2 . (2) الجواهر 41 : 369 ـ 370 .
ــ[93]ــ
رأى أحداً يزني بها(1)، وهو أجنبي عن هذا الموضوع .
وعلى كل تقدير ، لو فرض صحّة الرواية ، أو كونها عن داود بن فرقد ، فهي قاصرة الدلالة على المدّعى ، لأنّ موردها خصوص قتل الزوجِ الزانيَ بزوجته وهي مسألة اُخرى خارجة عن محلّ الكلام ، الذي هو اعتبار كون المقتول محقون الدم أو لا . فعلى فرض القول بالرواية لابدّ من الاقتصار على موردها ، وهو قتل الزوجِ الزانيَ بزوجته أو هما معاً .
فالصحيح عدم سقوط القصاص والدية والكفّارة ، بعد وضوح عدم الملازمة بين كونه مهدور الدم وجواز قتله لكلّ أحد ، بل القتل للحاكم أو ولي الأمر ليس إلاّ .
|