هل تسقط الزكاة فيما لو أخرجه عن الملك بهبة ونحوها بقصد الفرار منها؟ 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 13:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3764


ــ[218]ــ

   وإنّما الكلام فيما لو أخرجه عن الملك بهبة ونحوها بقصد الفرار من الزكاة ، فإنّ المشهور حينئذ سقوط الزكاة أيضاً ـ اي عدم تعلّق الوجوب ـ فلا فرق في ذلك بين قصد الفرار وبين غيره من سائر الدواعي ، لإطلاق النصـوص ، بل التصريح في جملة منها بالسقوط عمّن فرّ عنها بالتبديل ، كما في صحيحة عمر ابن يزيد ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : رجل فرّ بماله من الزكاة فاشترى به أرضاً أو داراً ، أعليه شيء ؟ «فقال : لا ، ولو جعله حليّاً أو نقراً فلا شيء عليه ، وما منع نفسه من فضله أكثر ممّا منع من حقّ الله الذي يكون فيه» (1) .

   وعن جماعة كثيرين : ثبوت الزكاة حينئذ وعدم سقوطها فيما إذا كان بقصد الفرار ، ومنهم السيّد المرتضى (قدس سره) ، مستدلاًّ عليه بعد دعوى الإجماع بجملة من الأخبار ، مدّعياً أ نّها أقوى وأوضح طريقاً من النصوص المتقدّمة ، وأ نّها محمولة على التقيّة ، لأنّ عدم الوجوب مذهب جميع المخالفين (2) .

   أقول : أمّا ما أفاده من أنّ عدم الوجوب مذهب جميع المخالفين فليس الأمر كذلك ، بل المسألة عندهم أيضاً خلافيّة وهي ذات قولين ، فذهب أبو حنيفة والشافعي إلى عدم الوجوب ومالك وأحمد بن حنبل إلى الوجوب كما نبّه عليه في الحدائق (3) ، والمذاهب الأربعة وإن لم تكن كلّها مشهورة في زمن الصادقين (عليهما السلام) إلاّ أ نّه يعلم من ذلك وجود الخلاف بين العامّة آنذاك ، المانع عن الحمل على التقيّة كما لا يخفى ، فليتأمّل .

   وأمّا ما ذكره (قدس سره) من أنّ نصوص الثبوت أوضح طريقاً من نصوص

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 159 /  أبواب زكاة الذهب والفضّة ب 11 ح 1 .

(2) الانتصار : 154 .

(3) الحدائق 12 : 105 .

ــ[219]ــ

السقوط فليس كذلك أيضاً ، فإنّ نصوص السقوط كثيرة وجملة منها صحاح كصحيحة عمر بن يزيد المتقدّمة آنفاً ، وأمّا روايات الثبوت فهي أربع :

   إحداها : ما رواه الشيخ بإسناده عن علي بن الحسن بن فضّال ، عن محمّد ابن عبدالله ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : قلت له : الرجل يجعل لأهل الحلي ـ إلى أن قال : ـ قلت له : فإنّه فرّ به من الزكاة «فقال : إن كان فرّ به من الزكاة فعليه الزكاة ، وإن كان إنّما فعله ليتجمّل به فليس عليه زكاة» (1) .

   ولا مجال لحملها على ما إذا كان الفرار بعد حلول الحول ، لعدم الفرق حينئذ بين ما إذا كان بقصد الفرار أو بقصد التجمّل ، فلا يستقيم ما تضمّنته من التفصيل بينهما كما هو ظاهر ، فهي صريحة الدلالة ، غير أنّ سندها قابلٌ للخدش ، لمكان محمّد بن عبدالله ، فإنّ المسمّى بهذا الاسم الواقع في هذه الطبقة ـ  أعني : طبقة مشايخ ابن فضّال  ـ مشتركٌ بين الثقة ـ وهو محمّد بن عبدالله بن زرارة بن أعين ـ وبين الضعيف ـ وهو محمّد بن عبدالله بن مهران ، فإنّه أيضاً معروفٌ وله كتاب ولكنّه كذّاب غال كما عن النجاشي (2) ـ وبين مجهول الحال ـ وهو محمّد بن عبدالله بن عمرو ، الذي هو أيضاً معروف وله كتاب ـ فالاسم مردّدٌ بين الثقة والضعيف والمجهول .

   وما عن صاحب الحدائق من توصيفها بالصحّة، نظراً إلى أنّ ابن إدريس رواها في مستطرفات السرائر نقلاً عن كتاب معاوية ابن عمّار نفسه، فليس في الطريق محمّد بن عبدالله ليتأمّل من أجله(3).

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 162 /  أبواب زكاة الذهب والفضّة ب 11 ح 6 ، التهذيب 4 : 9 / 25 ، الاستبصار 2 : 8 / 22 .

(2) رجال النجاشي : 350 / 942 .

(3) الحدائق 12 : 98 ، مستطرفات السرائر : 21 / 2 .

ــ[220]ــ

   كما ترى ، ضرورة أنّ ابن إدريس لم يكن معاصراً لمعاوية بن عمّار ، فبينهما واسطة لا محالة وهي مجهولة ، إذ لم يعلم طريقه إلى الكتاب ، لعدم تعرّضه إليه لا في السرائر ولا في غيره .

   هذا ، ولكن الظاهر أنّ المراد به هو الثقة ـ أعني : محمّد بن عبدالله بن زرارة ابن أعين الموثّق عندنا ـ ولا أقلّ من أجل وقوعه في أسناد كامل الزيارات ، فإنّ المسمّى بهذا الاسم الواقع في هذه الطبقة وإن كان كثيراً إلاّ أنّ من يروي عنه علي بن الحسن بن فضّال هو هذا الرجل ، لروايته عنه في مواضع كثيرة تبلغ نيفاً وثلاثين موضعاً ، فهو كثير الرواية عن هذا الرجل ، بل لم نظفر على روايته عن غيره ممّن يسمّى بهذا الاسم .

   أجل ، روى في التهذيب عن علي بن الحسن بن فضّال ، عن محمّد بن عبدالله الحلبي ، إلاّ أنّ في نسخة اُخرى من التهذيب : عبيدالله ، بدل : عبدالله ، كما أ نّه روى في مواضع اُخر أيضاً عن عبيدالله الحلبي ، فلم تثبت روايته عن غير محمّد ابن عبدالله بن زرارة ، فهذه القرينة تورث الاطمئنان بأنّ المراد به في المقام هو ابن زرارة كما ذكره الأردبيلي (1) ، إذن فالمناقشة في السند في غير محلّها .

   الثانية : موثّقة زرارة ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّ أباك قال : «من فرّ بها من الزكاة فعليه أن يؤدّيها» «فقال : صدق أبي ، إنّ عليه أن يؤدّي ما وجب عليه ، وما لم يجب عليه فلا شيء عليه منه» إلخ (2) .

   ولكن الدلالة ـ كما ترى ـ قاصرة ، بل يمكن أن يقال : إنّها ظاهرة في العدم ، حيث فسّر الصادق (عليه السلام) ما قاله أبوه ونزّله على ما إذا كان الفرار بعد استقرار الوجوب عليه ـ أي بعد حلول الحول ـ وأنّ عليه أن يؤدّي حينئذ ما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جامع الرواة 2 : 141 .

(2) الوسائل 9 : 161 /  أبواب زكاة الذهب والفضّة ب 11 ح 5 .

 
 

ــ[221]ــ

وجب عليه ولاينفعه الفرار، بخلاف ما إذا كان ذلك قبل أن يجب عليه ـ أي قبل حلول الحول ـ فإنّه لاشيء عليه منه ـ أي من فراره ـ فهي إذن على خلاف المطلوب أدلّ وتلحق بالطائفة الاُولى الدالّة على السقوط كما لا يخفى .

   وممّا ذكرنا يظهر الجواب عن الرواية .

   الثالثة : وهي موثّقة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الحلي ، فيه زكاة ؟ «قال : لا ، إلاّ ما فرّ به من الزكاة» (1) .

   لوضوح أ نّها مطلقة من حيث كون الفرار بعد الحول أم أثنائه ، فتحمل على ما بعد الحول ، بقرينة نصوص الطائفة الاُولى المصرّحة بسقوط الزكاة فيما إذا كان الفرار أثناء الحول .

   الرابعة : موثّقة إسحاق بن عمّار : عن رجل له مائة درهم وعشرة دنانير ، أعليه زكاة ؟ «فقال : إن كان فرّ بها من الزكاة فعليه الزكاة» (2) .

   وهي مضموناً تقارب سابقتها ، فيجري فيها الجواب المتقدّم من أ نّها مطلقة من حيث كون الفرار قبل الحول أم بعده ، فتحمل على ما بعده بقرينة النصوص المتقدّمة النافية للزكاة لو كان الفرار قبله .

   وغير خفي أنّ هذه الرواية معتبرة ، لصحّة طريق الشيخ إلى إسحاق بن عمّار المنتهي إلى محمّد بن علي بن محبوب كما ذكره في الفهرست (3) .

   نعم ، لم يتعرّض له في المشيخة .

   فما في جامع الرواة من أنّ طريق الشيخ إلى إسحاق بن عمّار صحيحٌ في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 162 /  أبواب زكاة الذهب والفضّة ب 11 ح 7 .

(2) الوسائل 9 : 151 /  أبواب زكاة الذهب والفضّة ب 5 ح 3 .

(3) لاحظ الفهرست : 15 / 52 .

ــ[222]ــ

الفهرست والمشيخة (1) . سهوٌ من قلمه الشريف ، إذ لم يتعرّض للطريق المزبور في المشيخة .

   وقد أكثر الأردبيلي من هذا النوع من الاشتباه ، وقد أحصيناه فبلغ تسعة وثلاثين مورداً ، ذكر فيها أنّ الطريق صحيح في المشيخة والفهرست مع أ نّه مذكور في الفهرست فقط ، التي منها طريقه إلى محمّد بن علي بن محبوب ، فإنّه صحيح في الفهرست ، وأمّا في المشيخة فهو وإن كان مذكوراً (2) إلاّ أ نّه ليس بصحيح ، لأنّ فيه أحمد بن محمّد بن يحيى ، وفيه كلام .

   وبالجملة : فهذه الروايات ـ ما عدا الاُولى منها ـ قاصرة الدلالة وإن صحّت أسنادها ، فكيف تكون أقوى وأوضح طريقاً كما ادّعاه السيّد (قدس سره) ؟!

   هذا ، ومع الغضّ عمّا ذكر ، فإن أمكن الجمع بالحمل على الاستحباب كما هو ليس بكلّ البعيد ، نظراً إلى أنّ هذا الجمع وإن ناقشنا فيه سابقاً باعتبار أنّ بين قوله : فيه الزكاة ، و : ليس فيه الزكاة ، تهافتاً في نظر العرف ، فلا يقبل الحمل المزبور ، إلاّ أ نّه في خصوص المقام غير بعيد ، من أجل التعليل في بعض تلكم النصوص بأنّ ما منع نفسه من فضله أكثر ممّا منع من حقّ الله ، كما في صحيحة عمر بن يزيد المتقدّمة (3) .

   وبالجملة : فإن أمكن هذا الجمع فهو ، وإلاّ فقد عرفت فيما مرّ عدم استقامة الحمل على التقيّة .

   وعليه ، فبعد تعارض الطائفتين وتساقطهما يرجع إلى إطلاقات أدلّة اعتبار الحول ، التي مقتضاها عدم تعلّق الزكاة فيما لم يمرّ عليه الحول ، سواء أكان ذلك

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جامع الرواة 1 : 82 .

(2) تهذيب الأحكام (المشيخة) 10 : 72 .

(3) في ص 218 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net