عدم وجوب الزكاة في غير الغلاّت الأربع - معنى السُّلت والعلس والكلام في وجوبهما وعدمه 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 13:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 10302


ــ[306]ــ


فصل

في زكاة الغلاّت الأربع

    وهي كما عرفتَ : الحنطة والشعير والتمر والزبيب . وفي إلحاق السُّلت ـ  الذي هو كالشعير في طبعه وبرودته وكالحنطة في ملاسته وعدم القشر له  ـ إشكال ، فلا يُترَك الاحتياط فيه، كالإشكال في العَلَس ـ الذي هو كالحنطة ، بل قيل : إنّه نوع منها في كلّ قشر حبّتان ، وهو طعام أهل صنعاء ـ فلا يُترَك الاحتياط فيه أيضاً .

   ولا تجب الزكاة في غيرها ، وإن كان يستحبّ إخراجها من كلّ ما تنبت الأرض ممّا يكال أو يوزن من الحـبوب ، كالماش والذّرة والأرز والدُّخن ونحوها ، إلاّ الخضر والبقول .

   وحكمُ ما يُستحَبّ فيه حكمُ ما يجب فيه في قدر النصاب وكمّية ما يخرج منه وغير ذلك .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   لا إشكال كما لا خلاف في وجوب الزكاة في الغلاّت الأربع المذكورة في المتن كما دلّت عليه النصوص المستفيضة التي تقدّمت سابقاً (1) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 134 .

ــ[307]ــ

   كما لا إشكال أيضاً في عدم الوجوب فيما عداها ، لما في بعض تلك النصوص من الحصر في التسعة ـ الأنعام الثلاثة ، والغلاّت الأربع والنقدين ـ وأنّ رسول  الله (صلّى الله عليه وآله) قد عفا عمّا سوى ذلك .

   وما في بعض النصوص ـ من الأمر بالإخراج ممّا سوى ذلك ممّا تنبته الأرض ـ محمولٌ على الاستحباب أو التقيّة على كلام قد تقدّم (1) .

   وإنّما الكلام والخلاف في موردين :

   أحدهما: السُّلت ـ بالضمّ فالسكون ـ وهو طعام يشبه الشعير في طبعه وبرودته وطعمه وخاصّيّته ، والحنطة في ملاسته وعدم القشر له .

   ثانيهما : العَلَس ـ بالتحريك ـ الذي هو كالحنطة ، أو قسم رديء منه في كلّ كمام حبّتان ، وهو طعام أهل صنعاء ، وتستعمله أهالي باكستان غالباً .

   فقد ذهب جمعٌ من الأصحاب ـ منهم الشيخ (قدس سره)(2) ـ إلى الوجوب.

   واختار جماعة آخرون ـ منهم المحقّق في الشرائع (3) ـ عدم الوجوب، بل عن كشف الالتباس والمصابيح : نسبته إلى المشهور .

   ومنشأ الخلاف : الاختلاف في اندراجهما في مفهوم الحنطة والشعير والخروج عنه ، فقد اختلفت في ذلك كلمات اللغويين .

   فيظهر من جماعة منهم : أ نّهما ضرب منهما والمفهوم يشملهما ، وأنّ العَلَس نوع من الحنطة ، كما أنّ السّلت نوعٌ من الشعير .

   ففي القاموس : السّلت ـ بالضمّ ـ الشعير أو ضربٌ منه . وفيه أيضاً العلس

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 135 ـ 139 .

(2) المبسوط 1 : 217 .

(3) الشرائع 1 : 180 .

ــ[308]ــ

ـ  محرّكة  ـ : ضربٌ من البُرّ يكون حبّتان في قشر وهو طعام صنعاء (1) .

   ونحوه ما عن الصحاح ونهاية ابن الأثير وغيرهما (2) .

   ويظهر من جماعة آخرين : أ نّهما خارجان عن الحقيقة ، غير أ نّهما يشبهان الحنطة والشعير .

   فعن ابن دريد ان السُّلت : حَبٌّ يشبه الشعير (3) .

   وعن المغرب : إنّ العَلَس حبّةٌ سوداء إذا أجدب الناس طحنوها وأكلوها(4) .

   وقيل : هو مثل البُرّ إلاّ أ نّه عسر الاستنقاء ، تكون في الكمامة حبّتان .

   وعن المحيط : العَلَس : شجرة كالبُرّ (5) .

   وعن الفائق : السُّلت : حَبٌّ بين الحنطة والشعير لا قشر له (6) .

   هذا ، ولو كان اللغويون متّفقين على المعنى الأوّل لأمكن أن يقال بكشف ذلك عن التوسعة في مفهوم الحنطة والشعير بحيث يشمل هذين الفردين أيضاً .

   ولا يُصغى إلى ما ادّعاه المحقّق الهمداني (قدس سره) من منع التعويل على قول اللغويين في مثل المقام ، بزعم أنّ اللغة إنّما يُرجَع إليها في تفسير مداليل الألفاظ لا في تحقيق ماهيتها (7) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) القاموس 1 : 150 ـ سلت ـ و 2 : 232 ـ علس ـ .

(2) الصحاح 1 : 253 ـ سلت ـ و 3 : 952 ـ علس ـ ، والنهاية لابن الأثير 2 : 388 .

(3) جمهرة اللغة 1 : 398 ـ سلت ـ .

(4) المغرب 2 : 55 ـ علس ـ .

(5) المحيط في اللغة 1 : 366 ـ علس ـ .

(6) لاحظ الفائق في غريب الحديث 2 : 192 و 193 ـ سلت ـ .

(7) مصباح الفقيه 13 : 330 .

ــ[309]ــ

   ولا إشكال هاهنا في تفسير مفهوم السُّلت والعَلَس ، ولا في مفهوم الحنطة والشعير ، فإنّه معروف ومبيّن لدى أهل كلّ لغة بلغته ، فليس الإجمال هنا في مدلول اللّفظ وشرح الاسم الذي بيانه وظيفة أهل اللغة .

   وإنّما الإشكال في أنّ الماهيّتين هل هما متّحدتان بالنوع مع ما يسمّى في العرف بالحنطة والشعير ؟ أم أ نّهما متغايرتان بالذات وإن تشابهتا في الصورة وبعض الخواص ؟

   وقول اللغوي في هذه المرحلة اجتهادٌ منه ولا دليل على حجّيّته ، إذ فيه ما عرفت من أنّ قول اللغوي كاشفٌ عن أنّ المفهوم واسع ، ومدلول اللفظ عامٌّ يشمل الفردين أيضاً وإن كانا خفيّين ، والأفراد الشائعة غير هذين . فليس هذا تحقيقاً منه واجتهاداً ، بل إخبارٌ عن المراد كما في سائر موارد شرح اللفظ .

   لكن الذي يهوّن الخطب أ نّهم بأنفسهم مختلفون وأقوالهم معارضة بالمثل كما سمعت ، فلا يمكن التعويل عليها لهذه العلّة .

   وبالجملة : فلم يتحصّل لدينا شيء من أقوال اللغويّين .

   كما أنّ المفهوم بحسب الصدق العرفي أيضاً غير واضح .

   ودعوى انصراف الحنطة والشعير عن السُّلت والعَلَس عُهدتها على مدّعيها .

   نعم ، الأفراد الشائعة منهما غير هذين ، إلاّ أنّ الشيوع والغلبة شيء ، والانصراف شيءٌ آخر، ولا ملازمة بينهما كما لا يخفى ، فاللفظ غير بيّن ولا مبيَّن لا لغةً ولا عرفاً .

   نعم ، ربّما يستشعر المغايرة من المقابلة بينهما في بعض الأخبار ، حيث تضمّن صحيح ابن مسلم عطف السّلت على الشعير ونحوه غيره (1) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 62 /  أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 9 ح 4 .

ــ[310]ــ

   ولكنّه مجرّد استشعار ، ومن الجائز أن يكون من قبيل عطف الخاصّ على العامّ ، كما في مثل قوله تعالى : (فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمّانٌ) (1) غايته أنّ المعطوف في الآية فردٌ جلي وهنا فردٌ خفي .

   وكيفما كان ، فلم يحصل الوثوق من شيء ممّا ذكر بحيث يتناولهما إطلاق الاسم .

   إذن تصل النوبة إلى مرحلة الشكّ والرجوع إلى ما تقتضيه الاُصول، لتضارب الأقوال وعدم وضوح الحال .

   وبما أ نّنا نشكّ وجداناً في تعلّق الزكاة بما يسمّى بالسلت والعلس زائداً على الأفراد المتيقّنة من الحنطة والشعير ، فيتمسّك في نفيه بأصالة البراءة كما نصّ عليه غير واحد ، منهم المحقّق الهمداني (قدس سره) (2) .

   غير أنّ دقيق النظر يقضي بوجوب الزكاة فيهما وإن شككنا في تناول اسم الحنطة والشعير لهما ، وذلك من أجل أنّ هناك إطلاقاتٌ تضمّنت وجوب الزكاة في كلّ ما يكال ، التي منها صحيحة زرارة : «كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة ... » إلخ ، ونحوها غيرها ممّا مرّت الإشارة إليها في محلّها (3) .

   وقد ورد التقييد عليها بما دلّ على حصر الزكاة في الغلاّت الأربعة وأنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد عفا عمّا سوى ذلك .

   فإنّ هذا المقيّد ينحل إلى عقدين :

   عقد إيجابي ، وهو تعلّق الزكاة بالأربعة .

   وعقد سلبي ، وهو عدم التعلّق بما سوى ذلك .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الرّحمن 55 : 68 .

(2) مصباح الفقيه 13 : 331 .

(3) الوسائل 9 : 63 /  أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 9 ح 6 .

ــ[311]ــ

   وواضحٌ أ نّه لا تقييد بلحاظ العقد الأوّل، لكونهما متوافقين، بل لو لم يرد مثل هذا الدليل لكانت الإطلاقات وافية لإثبات تعلّق الزكاة بالغلاّت ، لكونها ممّا يكال كما هو ظاهر .

   وإنّما التقييد بلحاظ العقد السلبي الذي هو مخالف للمطلقات ، أعني قوله : «عفا عمّا سوى ذلك» ، أي ما سوى الحنطة والشعير وغيرهما من التسعة .

   وبما أنّ هذا المفهوم ـ أي مفهوم ما سوى الحنطة والشعير ـ مردّدٌ بين ما يشمل السلت والعلس وما لا يشمل ، نظراً للتردّد في مفهوم الحنطة والشعير ، فهو بطبيعة الحال مجملٌ دائرٌ بين الأقلّ والأكثر، والمخصّص متّصل حسب الفرض وقد تقرّر في الاُصول أنّ المخصّص المتصل المجمل مفهوماً الدائر بين الأقلّ والأكثر يقتصر في التخصيص به على المقدار المتيقّن ، ويرجع فيما عداه إلى عموم العامّ ، لعدم العلم بالخروج عن تحت العموم زائداً على المقدار المعلوم .

   وعليه ، فلا مناص من الحكم بوجوب الزكاة في السُّلت والعَلَس ، تمسّكاً بالمطلقات المتقدّمة الناطقة بوجوب الزكاة في كلّ ما يكال ، لعدم العلم بخروجهما عن هذه الإطلاقات زائداً على الأفراد المتيقّنة من الحنطة والشعير .

   فتحصّل :  أ نّا وإن كنّا نصافق الشيخ وجماعة ممّن التزموا بوجوب الزكاة فيهما ، إلاّ أ نّنا نفارقهم في أ نّهم اسـتظهروا شمول لفظي الحنطة والشعير لهما ، ونحن نكتفي بمجرّد الشكّ من غير حاجة إلى الاستظهار المزبور، الذي هو عريٌّ عن الشاهد حسبما عرفت .

   وملخّص الكلام في المقام : أ نّه لا ريب ولا خلاف في أنّ السلت والعلس بعنوانهما غير متعلّقين للزكاة ، للاتّفاق على عدم تعلّقها بغير الغلاّت الأربع كما مرّ (1) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 307 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net