لو دفع الزكاة إلى غني جاهلاً بحرمتها عليه أو متعمّداً - لو دفع الزكاة باعتقاد أ نّه عادل فبان فقيراً فاسقاً 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 14:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4210


ــ[54]ــ

   [ 2712 ] مسألة 14 : لو دفع الزكاة إلى غني جاهلاً بحرمتها عليه أو متعمّداً ، استرجعها مع البقاء (1) ، أو عوضها مع التلف وعلم القابض ، ومع عدم الإمكان يكون عليه مرّة اُخرى . ولا فرق في ذلك بين الزكاة المعزولة وغيرها ، وكذا في المسألة السابقة ، وكذا الحال لو بان أنّ المدفوع إليه كافر أو فاسق إن قلنا باشتراط العدالة أو ممّن تجب نفقته عليه ، أو هاشمي إذا كان الدافع من غير قبيله .

   [ 2713 ] مسألة 15 : إذا دفع الزكاة باعتقاد أ نّه عادل فبان فقيراً فاسقاً، أو باعتقاد أ نّه عالم فبان جاهلاً ، أو زيد فبان عمرواً ، أو نحو ذلك (2) ، صحّ

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يجب الإنفاق عليه ثمّ تبيّن خلافه جرى فيه كلّ ما مرّ من التفصيل والتشقيق بمناط واحد ، فلاحظ .

   (1) ما قدّمناه في المسألة السابقة من التشقيق والتفصيل يجري هاهنا حرفاً بحرف ، ولا فرق بينهما إلاّ في خصوصيّة واحدة بها امتازت هذه عن تلك ، وهي أنّ الدافع هناك يدفع الزكاة لمن له الولاية عليه حسب تشخيصه وهو الفقير فيجري حينئذ فيه التفصيل المتقدّم بين التفريط في مقدّمات التشخيص وعدمه حسبما عرفت . وأمّا هاهنا فيصرفها ـ  بالدفع إلى الغني الذي يعلم بغناه  ـ فيما هو خارج عن شؤون الولاية ولم يجعل له الشارع سبيلاً في هذا الصرف ، فهو بهذا الدفع الذي ليس له الولاية عليه مفرّط مقصّر فيكون ضامناً لا محالة ، كما أنّ القابض أيضاً ضامن مع العلم وعدمه ، إلاّ أنّ قرار الضمان عليه على الأوّل وعلى الدافع على الثاني حسبما عرفت في المسألة السابقة .

   (2) فصّل (قدس سره) حينئذ بين ما إذا كان ذلك بنحو التخلّف في الداعي والاشتباه في التطبيق ، وما إذا كان على وجه التقييد .

   فيصحّ في الأوّل ويجزئ، ولايجوز استرجاع العين وإن كانت باقية، لصيرورتها ملكاً للفقير بالقبض .

ــ[55]ــ

صحّ وأجزأ إذا لم يكن على وجه التقييد ((1)) ، بل كان من باب الاشتباه في التطبيق ، ولا يجوز استرجاعه حينئذ وإن كانت العين باقية ، وأمّا إذا  كان على وجه التقييد فيجوز ، كما يجوز نيّتها مجدّداً مع بقاء العين أو تلفها إذا كان ضامناً بأن كان عالماً باشتباه الدافع وتقييده .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ولا يصحّ في الثاني ، لانتفاء القصد عن فاقد القيد ، ويجوز الإسترجاع عيناً مع بقائها وبدلاً مع تلفها على وجه الضمان ، كما في صورة العلم باشتباه الدافع في تقييده ، دون الجهل، لأ نّه استلم العين حينئذ على أن تكون مضمونة على الدافع وقد سلّطه عليها مجّاناً وبلا عوض ، فلا مقتضي للضمان كما لا يخفى .

   ثمّ في صورة الضمان يجوز الاحتساب ، لأ نّه بالآخرة فقير ومصرف للزكاة وهذا دين في ذمّته ، فلا مانع من احتسابه زكاة ، كما لا مانع من تجديد النيّة مع بقاء العين أيضاً فيما ذكر .

   أقول: قد تكرّر في مطاوي هذا الشرح عند التعرّض لأمثال المقام: أنّ الضابط العام في إمكان التقييد كون موضوع الحكم أو متعلّقه كلّياً قابلاً للانطباق على كثيرين ومفهوماً واسعاً شاملاً لتضيّق تلك السعة وتحدّد دائرة الكثرة بورود التقييد الذي معناه التضييق والتخصيص بحصّة خاصّة ، مثل قولك : بعتك منّاً من السمن على أن يكون من البقر ، أو من الحنطة على أن تكون من المزرعة الفلانيّة ، فالمبيع هو المنّ الكلّي من السمن أو الحنطة لكن مقيّداً بصنف خاصّ ونوع مخصوص في قبال ما لو باعه الكلّي على سعته وإطلاقه ، فلو سلّمه في مقام الوفاء فرداً من صنف آخر لم يكن ذاك وفاءً بالبيع ، لخروجه عن دائرة المبيع ، فلحاظ التقييد في هذا ونظائره أمر ممكن .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الدفع الخارجي غير قابل للتقييد ، وبذلك يظهر حال ما فُرّع عليه .

ــ[56]ــ

   وأمّا لو كان موضوع الحكم من الوضع أو التكليف جزئيّاً حقيقيّاً وشخصيّاً خارجيّاً مثل قولك : بعتك هذا العبد على أن يكون كاتباً ، فالتقييد هاهنا أمر غير معقول ، ضرورة أنّ الموجود الشخصي الخارجي فردٌ واحد لا إطلاق فيه ليقيّد ولا سعة فيه ليتضيّق ، فإنّ التقييد هو التضيّق كما عرفت ، وهو فرع فرض التوسعة في مرتبة سابقة ليرد عليها التضيّق كما هو ظاهر .

   وعليه ، فالتقييد المزبور إن كان في باب البيع وغيره من المعاملات رجع إلى الاشتراط ، أي إناطة الالتزام بالبيع بوجود القيد ، الراجع بحسب النتيجة إلى جعل الخيار لدى تخلّف الشرط على ما هو مذكور في محلّه .

   وأمّا في غيره من الاعتباريّات التكليفيّة والوضعيّة ـ كالوجوب والملكيّة وما اُلحق بها مثل الرضا والإجازة في مثل بيع الفضولي ـ فيرجع إلى التقدير والتعليق، الذي مرجعه إلى تقييد الحكم دون الموضوع ، ففي مثل الوصيّة أو التدبير ينشأ الملكيّة ولكن معلّقاً على الوفاة، وفي مثل قوله : صلّ عند الدلوك ، ينشأ الوجوب ولكن معلّقاً على الزوال وبنحو الواجب التعليقي، وإلاّ فالحكم التكليفي أو الوضعي جزئي شخصي لا إطلاق له ليقيّد كما لا يخفى .

   ومثله الرضا وما يترتّب عليه من الإجـازة ، فإنّ التقييد فيه مرجعه إلى التعليق ، فيمكن أن يجيز العقد الفضولي الواقع على ماله إن كان الثمن كذا أو إن كان المشتري فاضلاً ، فهو بالفعل راض وغير راض ، أي راض على تقدير ولا يرضى ولا يجيز على التقدير الآخر .

   وأمّا فيما عدا الاعتباريّات وما يلحق بها ممّا عرفت فلا معنى فيها للتقييد ولا للتقدير والتعليق بوجه ، إذ لا معنى لشرب المائع الخارجي ـ مثلاً ـ مقيّداً بكونه ماءً ، أو على تقدير كونه ماءً ، ضرورة أنّ الشرب فعل شخصي تكويني وحداني دائر أمره بين الوجود والعدم ، فإمّا أن يكون أو لا يكون ، ولا يعقل تعليقه على شيء أو تقييده بشيء ، فإذا وجد فقد تحقّق الشرب ، ماءً كان أم

ــ[57]ــ

غيره ، وإلاّ فلا وجود له من أصله . وهكذا الحال في سائر الاُمور التكوينيّة التي منها الاقتداء خلف من في المحراب كما تقدّم في محلّه (1) .

   ثمّ إنّ ما كان من قبيل الرضا قد يتحقّق معلّقاً وعلى تقدير دون تقدير حسبما عرفت ، واُخرى منجّزاً من دون أيّ تعليق فيه ، نظراً إلى إنبعاث الرضا عن اعتقاد وجود الوصف وحصول التقدير ، فيرضى بالتصرّف في ماله ، لاعتقاد أنّ المتصرّف عادل فيتبيّن خـلافه ، فيصحّ على الثاني ، لكونه من تخلّف الداعي، ولا يصحّ على الأوّل لو تخلّف ، لخروجه عن مورد الرضا والقصد المختصّ بأحد التقديرين حسب الفرض .

   ومن جميع ما ذكرناه يظهر لك صحّة ما ذكره في المتن من التقسيم إلى ما كان على وجه التقييد مع نوع مسامحة في هذا التعبير وأنّ المراد به التقدير والتعليق حسبما عرفت وما كان من باب الاشتباه في التطبيق .

   فإن دفع الزكاة منوط برضا المالك من أجل أنّ له الولاية على التطبيق كما تقدّم، فتارةً يرضى بتصرّف الفقير وتملّكه رضاً فعليّاً منجّزاً ، استناداً إلى اعتقاد اتّصافه بصفة لا واقع لها من العدالة ونحوها ، واُخرى يرضى على تقدير العدالة ولا يرضى على تقدير الفسق ، فلا يرضى على الإطلاق بل على تقدير دون تقدير، فيصحّ على الأوّل وإن تخلّف الوصف وكان من باب الاشتباه في التطبيق ، دون الثاني، لاختصاص نيّة الزكاة والرضا بتصرّف الفقير وتملّكه بتقدير خاص، وهو كونه عادلاً أو عالماً أو زيداً ونحو ذلك ، ففقد التقدير يستوجب فقد الرضا وانتفاء النيّة والقصد فلا يقع المدفوع زكاةً .

   كما ظهر أيضاً امتياز المقام عن سائر الموارد التي أنكرنا فيها التقييد ـ ممّا تقدّم في كلام الماتن أو تأخّر ـ التي منها ما أشرنا إليه من الاقتداء خلف مَن في المحراب على أ نّه زيد فبان أ نّه عمرو ، حيث ذكرنا أ نّه من قبيل التخلّف في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة (كتاب الصلاة 3) : 22 ، 66 ، 99 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net