الرابع : المؤلّفة قلوبهم 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 14:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5183


   الرابع : المؤلّفة قلوبهم من الكفّار(2)، الّذين يُراد من إعطائهم اُلفتهم وميلهم إلى الإسلام ، أو إلى معاونة المسلمين في الجهاد مع الكفّار أو الدفاع . ومن المؤلّفة قلوبهم : الضعفاء العقول من المسلمين ، لتقوية اعتقادهم ، أو لامالتهم إلى المعاونة في الجهاد أو الدفاع .

 ــــــــــــــــــــ
   (2) هذا الحكم ممّا لا خلاف فيه ولا إشكال، بل قد قام عليه إجماع المسلمين ونطق به الكتاب والسنّة .

   وإنّما الكلام في تشريح موضوعه وتفسيره من حيث الاختصاص بالكـفّار وعدمه ، فإنّ فيه أقوالاً ثلاثة :

ــ[67]ــ

   أحدها : ما ذهب إليه الشيخ في المبسوط والمحقّق في الشرائع ، بل نُسب إلى المشهور بين الأصحاب من الاختصاص بالكفّار .

   قال في محكيّ المبسوط ما لفظه : المؤلّفة قلوبهم عندنا هم الكفّار الذين يستمالون بشيء من مال الصدقات إلى الإسلام ، ويتألّفون ليستعان بهم على قتال أهل الشرك ، ولا نعرف لأصحابنا مؤلّفة أهل الإسلام (1) .

   وقال في الشرائع: والمؤلّفة قلوبهم وهم الكفّار الذين يستمالون إلى الجهاد ولا نعرف مؤلّفة
غيرهم(2).

   ثانيها : ما ذهب إليه المفيد وتبعه جماعة من التعميم ، وأنّ المؤلّفة ضربان : مشركون وهم من عرفت ، ومسلمون وهم ضعفاء الإيمان ، فيعطى لهم الزكاة لتقوية عقيدتهم (3) .

   ثالثها : ما اختاره في الحدائق من الاختصاص بالمسلمين ، قال ما لفظه : المؤلّفة قلوبهم قوم مسلمون قد أقرّوا بالإسلام ودخلوا فيه ، ولكنّه لم يستقرّ في قلوبهم ولم يثبت ثبوتاً راسخاً ، فأمر الله تعالى نبيّه بتألّفهم بالمال لكي تقوى عزائمهم وتشتدّ قلوبهم على البقاء على هذا الدين . فالتأليف إنّما هو لأجل البقاء على الدين والثبات عليه ، لا لما زعموه (رضوان الله عليهم) من الجهاد كفّاراً كانوا أو مسلمين وأ نّهم يتألفّون بهذا السهم لأجل الجهاد (4) .

   أمّا القول الأوّل : فلم يظهر له أيّ مستند ، بل يدفعه إطلاقات الأدلّة من الكتاب والسنّة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المبسوط 1 : 249 .

(2) الشرائع 1 : 190 .

(3) نقله عنه في المعتبر 2 : 573 .

(4) الحدائق 12 : 177 .

ــ[68]ــ

   وأمّا القول الثاني : فهو المطابق للإطلاقات كما عرفت .

   وأمّا القول الثالث : فقد استُدلّ له في الحدائق بطائفة من الأخبار إن تمّت سنداً ودلالةً لم يكن بدّ من تقييد المطلقات بها .

   ولتوضيح الحال لا بدّ من استعراض تلكم الأخبار .

   فمنها : ما عن تفسير علي بن إبراهيم القمّي نقلاً عن العالم (عليه السلام) : «والمؤلّفة قلوبهم ـ قال : ـ هم قوم وحّدوا الله وخلعوا عبادة مَن دون الله ولم تدخل المعرفة قلوبهم أنّ محمّداً رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يتألّفهم ويعلّمهم ويعرّفهم كيما يعرفوا ، فجعل لهم نصيباً في الصدقات لكي يعرفوا ويرغبوا» إلخ (1) .

   وهي ـ كما ترى ـ مرفوعة السند فلا يمكن التعويل عليها .

   ومنها : معتبرة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) : «قال : المؤلّفة قلوبهم قوم وحّدوا الله وخلعوا عبادة مَن دون الله ولم تدخل المعرفة قلوبهم أنّ محمّداً رسول الله، وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يتألّفهم ويعرّفهم لكيما يعرفوا ويعلّمهم» (2) .

   وقد رويت بطريقين أحدهما مرسل ، والآخر معتبر ، فإنّه وإن اشتمل على موسى بن بكر ـ وفيه كلام ـ ولكنّه ثقة على الأظهر .

   ولكنّها قاصرة الدلالة ، إذ ـ مضافاً إلى عدم استفادة الاختصاص بالمسلمين، ولعلّهم أحد موارد التأليف مع جواز وجود فرد آخر ، فتأمّل ـ أ نّها في الدلالة على الاختصاص بالكفّار أقرب ، لأنّ موردها من لم يدخل الإسلام في قلبه،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 211 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7 ، تفسير القمي 1 : 299 .

(2) الكافي 2 : 410 / 1 .

ــ[69]ــ

كالمنافق الذي يبطن الكفر ويظهر الإسلام صورةً، فلا دلالة لها على الاختصاص بالمسلم ضعيف الاعتقاد الذي يُراد تأليف قلبه وتقوية عقيدته كما هو المدّعى .

   ومنها : مرسلة يونس عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) : «قال : المؤلّفة قلوبهم لم يكونوا قطّ أكثر منهم اليوم» (1) .

   ولكنّها ـ مضافاً إلى الإرسال ـ قاصرة الدلالة ، لعدم كونها بصدد تعريف المؤلّفة ، وإنّما تعرّضت لبيان الكمّيّة فحسب .

   ومنها : موثّقة إسحاق بن غالب ، قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : «يا إسحاق ، كم ترى أهل هذه الآية : (فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ)(2) ؟ » قال : ثمّ قال : «هم أكثر من ثلثي الناس» (3) .

   ولكنّها غير ناظرة إلى تفسير المؤلّفة بوجه ، وإنّما وردت لبيان ما تقتضيه طبيعة البشر من السخط عند المنع والرضا لدى العطاء ، ولا ارتباط لها بما نحن فيه ، فإيرادها في باب المؤلّفة في الكافي ـ كاستشهاد الحدائق بها ـ غير واضح .

   ومنها : مرسلة موسى بن بكر ، قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : «ما كانت المؤلّفة قلوبهم قطّ أكثر منهم اليوم ، وهم قوم وحّدوا الله وخرجوا من الشرك ولم تدخل معرفة محمّد رسـول الله (صلّى الله عليه وآله) قلوبهم وما جاء به فتأ لّفهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وتأ لّفهم المؤمنون بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ليكما يعرفوا» (4) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكافي 2 : 411 / 3 .

(2) التوبة 9 : 58 .

(3) الكافي 2 : 412 / 4 .

(4) الكافي 2 : 412 / 5 .

ــ[70]ــ

   ولكنّها قاصرة سنداً بالإرسال وبسهل بن زياد ، ودلالةً بنحو ما تقدّم في الرواية الثانية .

   ومنها ـ وهي العمدة ـ  : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سـألته عن قول الله عزّ وجلّ : (وَا لْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) «قال (عليه السلام) : هم قوم وحّدوا الله عزّ وجلّ وخلعوا عبادة مَن يعبد من دون الله عزّ وجلّ وشهدوا أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهم في ذلك شكّاك في بعض ما جاء به محمّد (صلّى الله عليه وآله) ، فأمر الله نبيّه أن يتأ لّفهم بالمال والعطاء لكي يحسن إسلامهم ويثبتوا على دينهم الذي دخلوا فيه وأقرّوا به، وإنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوم حنين تأ لّف رؤساء العرب من قريش وسائر مضر ، منهم : أبو سفيان بن حرب وعيينة بن حصين الفزاري وأشـباههم من الناس فغضبت الأنصار ـ إلى أن قال زرارة : فسمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : ـ فحطّ الله نورهم ، وفرض الله للمؤلّفة قلوبهم سهماً في القرآن» (1) .

   ويندفع بقصورها عن الدلالة على الحصر ، بل أقصاها التعرّض لشأن نزول الآية وأنّ موردها هي تلك القصّة وأ نّها نزلت بعد الاعتراض على ما بذله لأبي سفيان وأضرابه من المنافقين . ومن البيّن أنّ المورد لايخصّص الموارد ، فمن الجائز جواز الدفع إلى الكفّار أيضاً لاستمالتهم إلى الجهاد أو إلى الإسلام ، كما يقتضيه إطلاق الكتاب والسنّة حسبما تقدّم .

   فلم يثبت إذن ما يستوجب ارتكاب التقييد لترفع به اليد عن المطلقات .

 هذا، والذي يهوّن الخطب أنّ هذا البحث قليل الجدوى كما نبّه عليه المحقّق الهمداني (قدس سره) (2)، فإنّ من جملة مصارف الزكاة سهم سبيل الله ، وهو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكافي 2 : 411 / 2 .

(2) مصباح الفقيه 13 : 537 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net